ما هي (البطولة), من وجهة نظرنا؟


اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني
2013 / 12 / 10 - 12:11     

هي شكل خاص من السلوك البشري, حيث ينهض البطل (فرد, أو مجموعة من الناس, وأحياناً طبقة, امة) لحل مهمة, غير عادية في نطاقها وصعوبتها, وبأخذ على عاتقه قدراً أكبر من المسؤولية والالتزامات والواجبات بالمقارنة مع ما تطالب به الناس قواعد السلوك المقررة في الظروق المألوفة والاعتيادية, ويذلل على هذا الطريق عوائق خاصة.
وقد طرحت مشكلة البطولة مراراً في تاريخ الفكر الفلسفي والأخلاقي. وحصر بعض مفكري الماضي (فيكو, هيغل) البطولة بما يدعى ب(العصر البطولي) أو (الملحمي) في تاريخ اليونان القديمة, الذي انعكس في الأساطير اليونانية. هنا يتمتع البطل الاسطوري بقوة خارقة, ويحظى برعاية الالهة وحمايتهم, ويقوم بالأعمال البطولية باسم البشرية. ويذهب فيكو وهيغل الى انه لم يبقى للبطولة مكان في الظروف المعاصرة لهما, حيث رسمت لكل شخص قواعد مقررة في السلوك, تفترض التوازن بين حقوق الشخصية وواجباتها.
حقاً, ان المجتمع البرجوازي يرفع البطولة من حياة الناس اليومية, ففيه تسيطر روح الحسابات العملية, والمالية, والحقوق الخاصة, والدوغمائية في الأخلاق. ولكن توطيد العلاقات البرجوازية في عصر النهضة كان يتطلب, هو الاخر, نشاط أبطال, نشاط شخصيات, متطورة من كافة النواحي وثورية في التفكير. لقد كان ذلك ((عصراً تطلب عمالقة, وانجبهم, عمالقة في قوة الفكر, والاندفتاع, والشكيمة, في الشمولية والتبحر. ان الناس, الذين اسسوا السيطرة المعاصرة للبرجوازية, يمكن ان ينعتوا بكل وصف, ما عدا المحدودية البرجوازية)) كما يقول ماركس وانجلز.
وقد بذل الرومانسيون البرجوازيون (شليغل, كارليل, واخرون) محاولات لاحياء فكرة البطولة, ولكن مفهوم البطولة عندهم, كان فردي الطابع. فالبطل في تصورهم, شخصية فذة, تسمو فوق (العامة) والحياة اليومية العادية, ولا تعترف بالقواعد الأخلاقية السائدة.
وجاء نيتشه, ليضمن مفهوم البطولة معنىً مفرطاً في الرجعية. ان بطل نيتشه هو (الانسان الأعلى "السوبرمان", الذي يقف "ما وراء الخير والشر", ويتمرد على اخلاق "العامة").
وفيما بعد, لقيت ارهاصات اللاأخلاقية هذه صياغتها الكاريكاتورية واللاانسانية في الايديولوجية الفاشية (نظرية العرق الأعلى), الذي له (كل شيء مباح), والفكرة التي روجها هتلر, التي تقول أن الفوهرر الزعيم يحرر رعيته من المسؤولية الأخلاقية.
وفي نظرية (البطل والعامة), التي طرحها الشعبيون الروس, صار لمفهوم البطولة معنىً اخر, فهم ينفون الدور الفعال للجماهير الشعبية في التاريخ, ليؤكدوا أن الجماهير لا تنهض للثورة الا اقتداءاً بهذه أو تلك من الشخصيات الفذة.

أما الفهم الماركسي للبطولة فيختلف اختلافاً جذرياً عن النظرة البرجوازية اليها, فدياليكتيك العملية التاريخية يتطلب, في فترات معينة (في عصور الثورات مثلاً), ان تضحي جماهير الشعب العريضة, لا شخصيات منفردة وحدها, في مصالحها الخاصة في سبيل القضية العامة, وأن تجترح ماثر غير مألوفة في الظروف (العادية). وقد ربط لينين مفهوم البطولة بتناقض ظروف العملية التاريخية في هذه اللحظة أو تلك: فمن جهة, تظهر الحاجة الملحة الى حل مهمات اجتماعية معينة, وهناك بالمقابل, الظروف القائمة التي تعيق ذلك. وعليه, فان البطولة الجماهيرية ترتبط بحالة استثنائية في حياة المجتمع, بعصور الانعطافات التاريخية.
ان الماركسية اللينينية لا تقول بفرق مبدئي بين البطولة الفردية والجماعية, فالبطولة الشخصية يمكن ان تلعب دور المبادرة أو المثال بالنسبة لكثرة من الناس, فتتحول بذلك الى بطولة جماعية.
ان الشخصية البطلة, كما تفهمها الماركسية اللينينية, لا تستثني نفسها من القاعدة العامة الا بمعنى انها تأخذ على عاتقها قدراً أكبر من المسؤولية بالمقارنة مع ما تفترضه الظروف العادية, وتضحي بمصالحها من اجل مصالح الاخرين أو المجتمع ككل. أما في باقي الأمور فلا يجعل (البطل الحق) لنفسه استثناءاً, بما في ذلك خضوعه لقواعد السلوك المعترف بها من قبل الجميع.
وتصبح البطولة ضرباً من السلوك اليومي في حياة المجتمع الاشتراكي, حيث يظهر الناس كأفراد مبدعين, يؤثرون مصالح المجتمع على مصالحهم الشخصية, ويضعون على عاتقهم مسؤوليات ارفع.

المصادر:
1- علم الأخلاق, ايغور كون, فيلسوف سوفييتي
2- النفسية والسلوك الطبقي, فاسيلي ديميتريف... فيلسوف بلغاري
3- اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني