حول مفهوم -النسوية - او النسوانية وتحرر المراة


عواد احمد صالح
2017 / 3 / 11 - 14:35     

حول مفهوم النسوية او " النسوانية " وتحرر المرأة

هذا المفهوم يعني باختصار تعصب المرأة لبنات جنسها اي النساء وخلق شرخ فاصل بين الرجال والنساء واعتبار عبودية المرأة في المجتمع الراهن سببها الاول مجتمع الرجال وان الرجل كان دائما ندا للمرأة وليس شريكا ...وهو يقف وراء جميع اشكال البؤس والحرمان والاضطهاد و اللامساواة التي يعاني منها مجتمع النساء
ان احد اسباب تفاقم هذه النظرة واستمرارها حتى بين صفوف النساء المثقفات والتحرريات او حتى اللواتي ينتمين الى الفكر الماركسي هو الارث التاريخي والاجتماعي الذي وجدت المراة في مجتمعنا نفسها فيه فقد تربت على اعتبار نفسها كائن من الدرجة الثانية منذ نعومة أظفارها ووضعت تحت مركب العيب والنقصان واعتبرت بشكل رئيسي كائنا جنسيا الهدف المرسوم لها هو تلبية رغبات الرجل الجنسية وادامة واستمرار النوع الإنساني (الإنجاب ).
هذه النظرة اورثت المراة معاناة نفسية اجتماعية هائلة وتسببت في خلق نوع من التمرد والاحتجاج واحيانا الحقد والرفض للرجال باعتبارهم مضطهدون( بكسر الهاء) وخلقت تصورا بان تحرر المرأة ومساواتها الانسانية لايمكن ان يتم الا بمعزل عن مجتمع الرجال . ومن مظاهر وتجليات هذه النظرة ( التضامن النسائي ) الخفي بين النساء ورفض كثير من التقاليد والاعراف وحتى القيم الدينية التي تشكل امتهانا او انتقاصا من مكانة المراة الانسانية .
ان الحركات النسوانية التي ظهرت في الغرب الرأسمالي منذ سبعينيات القرن الماضي وخاصة بين صفوف الاكاديميات والمثقفات الليبراليات كانت تفسر اللامساواة القائمة في المجتمع البرجوازي على اساس الجنس او لون البشرة او ربما الانتماء العرقي او الاثني وقد ترتب على هذا التفسير ان للرجل روح شريرة ورغبة قوية في اخضاع المراة وامتلاكها والتحكم بمصيرها وهذه النظرة ليست بعيدة عن الموروث الايديولوجي للمجتمعات اي الاديان ومختلف المعتقدات والافكار الاخرى التي كان الرجال منتجوها الاصليون منذ انتهاء عصر المشاعة البدائية وسلطة الام ونشوء المجتمع الطبقي .
ان النظرة الدونية للمرأة واضطهادها التي تكرست عبر العصور لم تكن نظرة حدثت بطريق الصدفة او نتيجة لذكاء الرجل بقدر ماكنت تحصيل حاصل لظهور الطبقات والمجتمع الطبقي مجتمع الاسياد والعبيد . فكانت نساء الاسياد يتمتعن بفرض اوسع لنيل الحرية ولعب الدور السياسي والاجتماعي بينما نساء الطبقات المضطهدة يعاملن كأماء وجواري وسبايا يتاجر بهن السماسرة من التجار الرجال بهدف الربح وتحقيق مكاسب جنسية واجتماعية مثل العمل في المزارع او الخدمة في بيوت الاسياد .
وفي عصر الرأسمالية وبعد الثورة البرجوازية الديمقراطية وزوال الإقطاع والقنانة ازيلت العبودية القديمة في المجتمع من حيت التملك والمتاجرة واعتبر الجميع احرار من الناحية العمومية . الا ان عبودية اخرى تكبل المجتمع الانساني باصفادها هي عبودية العمل الماجور وانقسام المجتمع الى طبقتين رئيسيتين : البرجوازية والبروليتاريا اي ملاك وسائل الانتاج المصانع والارض الراسماليون ومن يعمل عندهم اي الطبقة العاملة . العبودية الرسمالية الراهنة جمعت تحت لوائها الرجال والنساء بنفس القدر والدرجة بعد ان دخلت المراة ميدان العمل والتوظيف وحصلت على المساواة امام القانون . وفي مجتمعاتنا الشرقية التي يسود فيها مزيج من العلاقات الراسمالية والماقبل رأسمالية العشائرية والاقطاعية فان المراة العاملة اكثر حرية من وجهة نظر معينة من ربة البيت المحكوم عليها بالعمل داخل المنزل وتحت سطوة التقاليد الموروثة لادامة الاقتصاد المنزلي . الا ان الوقائع تبين ان المراة بشكل عام سواء في المنزل او في ميدان العمل تتعرض لاضطهاد مزدوج : عبودية الكدح والعمل وسطوة التقاليد والاعراف والقيم الدينية التي تمعن في توسيع هوة اللامساواة وهيمنة الرجال بشكل مطلق على مقدرات حياتها ومصيرها .
ان نظرية " النسوانية " من الناحية الواقعية خاطئة ولا تقدم حلا منطقيا لقضية تحرر المرأة ، فبين فترة واخرى نشاهد اعلانات وكتابات في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الاخرى ويتقدم كل من هب ودب لايجاد صفحات تدعو لتحرر المراة البعض من منشئيها رجال . ان القاسم المشترك لكل دعاة تحرر المراة هؤلاء من النساء والرجال انهم يصبون جام غضبهم على المجتمع الذكوري بشكل مجرد دون حسبان العلاقات الموضوعية التي تتحكم فيه في غالب الاحيان ، اي طبيعة تكوينه الطبقي والنفسي والاجتماعي . وطبيعة التحولات السياسية ونتائجها على الصعيدين المحلي والعالمي .
ان الهجوم على الرجل والهيمنة الذكورية من قبل الناشطات النسويات قد يكون انعكاسا لرغبة مكبوتة في الانتقام وقد يوسع الفجوة بين المرأة والرجل ويعمق عقدة الاضطهاد التي تعاني منها المرأة في مجتمعنا اكثر من المجتمعات الاخرى الاكثر تطورا دون ان يجد لها حلا منطقيا معقولا وموضوعيا وقطعيا .
لايمكن لدعاة تحرر المرأة والناشطات النسويات فقط نقد الهيمنة الذكورية او محاولة الفصل بين الرجال والنساء والدعوة الى تكوين مجتمع نساء مستقل "متحرر" مقابل مجتمع الرجال والغاء الحاجات الاجتماعية النفسية والجسدية لكلا الطرفين بعيدا مما سيساهم بايجاد مجتمع متناقص وغير سوي انما لا المراة ولا الرجل يمكن لكل منهما ان يعيش في عالم مستقل عن الاخر . اذن ليس النقد " الثقافي " القائم على الفصل الجنسي سيقدم بديلا ناجحا ولا بد بالتالي من توجيه اصابع النقد الى البنية الطبقية الاجتماعية والسياسية القائمة والتي تكرس ليس فقط عبودية المرأة بوجه عام بل عبودية جميع الكادحين والمضطهدين من الرجال والنساء .
((إذا ما كنا نريد فعلا القضاء على اللامساواة السائدة في المجتمع، يتوجب أن نفسر لماذا توجد هذه اللامساواة، من أين أتت وكيف يتم الحفاظ عليها. وفيما يتعلق بقضية تحرر النساء، يجب علينا ألا نعتمد على أي تفسير مبني على كون النساء أدنى من الرجال من الناحية الجسدية أو النفسية.)) (ميريام مارتين، فانكوفر : النساء والثورة marxy.com ) .
((لقد اوضح الماركسيون دائما أن المساواة بين الجنسين لن تكون ممكنة إلا عندما سيصبح بامكان النساء المساهمة الكاملة في الإنتاج وتسيير المجتمع، وهذا لن يكون ممكنا إلا إذا تم القضاء على العبودية المنزلية - إلا إذا صارت أشغال البيت وتربية الأطفال عملا مدفوع الأجر وليس ملقى على عاتق امرأة منعزلة في أسرتها وبيتها. )) ( نفس المصدر )
ان عمل المراة في الانتاج وفي تسيير المجتمع سيلغي الكثير من الاعتبارات والتصورات التقليدية القائمة حول العلاقة بين المراة والرجل وسيحقق المساواة الاقتصادية وعنئذ لن تكون المراة مرتهنة لارادة الرجل وتابعة اقتصاديا له من هنا ستبدأ اولى بوادر المساواة ، ان مجرد الدعوة الى مساواة المراة او نقد التسلط الذكوري لن يكون كافيا دون تغيير الاسس المادية الاقتصادية للهيمنة والتسلط الذكوري ، من هذا المنطلق لن يكون تحرر المراة ومساواتها كاملا وناجزا الا في مجتمع اشتراكي قائم على الغاء الاستغلال الطبقي وتوفير فرص العمل لكل افراد المجتمع . يحرر المراة من عبودية العمل المنزلي وتربية الاطفال . ويحرر الرجال الكادحين من اسر الحاجة وعبودية العمل والخضوع لسلطة ومكانة اصحاب الشركات والمصانع والملاك العقاريون اي جميع الراسماليين من كل شاكلة ولون .
وكذلك لايمكن التخلص من رواسب العبودية الراسمالية باشكالها المختلفة خاصة امتهان المراة وقتلها تحت ادعاء الشرف او اجبارها على الاتجار بجسدها دون القضاء على اسس الاستغلال الراسمالي ونتائجه الاجتماعية والثقافية والاخلاقية ...وفي مجتمع اشتراكي متحرر من اسر الحاجة والبضاعة ستكون هناك تربية منهجية على قاعدة الحرية والمساواة وازاحة جميع الافكار والقيم القديمة والعادات القائمة على التمييز والاضطهاد بكافة اشكالة .
وفيما يتعلق بالنساء الداعيات الى التحرر والمساواة سبق ان اوضحت في مقالة سابقة : (تحرر المراة في ظل المجتمع القائم مطلوب وهو خطوة عظيمة في طريق تحرر المجتمع برمته من الاوهام والخرافات وكل التصورات القائمة على الكيد والشيطنة المنسوبة للمرأة .القضية ببساطة كل مضطهد رجلا كان او امراة يحاول عن طريق ابتكار طرق ذكية للتفلت من شروط اضطهاده والاحتيال على مضطهديه .
النضال المطلبي والدعائي والتحريضي خطوة اولى في طريق تحرر المرأة ، لكنها تبقى مجرد خطوة لن تصل الى نهايتها ... ثم ان هذا النضال يجب ان لا يركز على اساس الصراع مع المجتمع الذكوري فحسب ، بل على اساس الصراع ضد المجتمع الطبقي بشكل عام .
وبناء على هذا يبدأ تحرر المراة من داخلها من تغيير نظرتها الى نفسها ودورها وعلاقاتها الاجتماعية وضمن الوسط الاجتماعي المساند والداعم ، وسط الشيوعيين والماركسيين وكل التحرريين هذا الوسط فقط هو الذي يفتح افقا لتحرر المراة واطلاق طاقاتها الخلاقة والتخلص من عقدها الموروثة ونظرتها الاحادية لايمكن لاي امراة تمتلك نظرة تحررية ان تكون لوحدها في الساحة الاجتماعية بدون الوسط الداعم والمساند . لان الوسط الاجتماعي المحيط بها يظل هو الاكبر والاكثر تاثيرا وهو الكفيل بتحجيم دورها واحباط عملية تحررها وتخليد عبوديتها .
وفي نهاية المطاف لاتكفي شعارات الحرية والمساواة لتحرير المراة بدون العمل السياسي داخل حزب ماركسي ثوري يعمل على تحرير المجتمع برمته من الاضطهاد والاستغلال ، التحرر الناجز للمجتمع يكون في ظل الاشتراكية حيث يتخلص الانسان (المراة والرجل ) من اسر الحاجة والاكراه والضغوط والوعي المستلب .يكون حرا في موقفة ودوره الاجتماعي والتحكم برغباته وغرائزه .)