عن وحدة الشيوعيين الأردنيين : متى يتحقق الحلم

باسل سليم
2005 / 6 / 9 - 13:13     

أثار المقال الذي نشره الأستاذ أحمد سعد في عدد الحوار المتمدن بتاريخ 8.6.2005 مجموعة من الافكار والمشاعر في نفسي أرى من الضروري طرحها في هذا المقام إذ أنني قرأت خبرا في أحد الصحف المحلية على الانترنيت يقول أن حزبي الشغيلة الشيوعي واليسار التقدمي كذبا ما ذهب اليه الحزب الشيوعي الاردني من أقوال تتعلق بأن هناك محاولات لتوحيد الشيوعيين الاردنيين ولملمة صفوفهم ...
وما يثير القلق والانتباه في هذا الامر مجموعة من الامور : أولاها تتعلق بمن هم الشيوعييين الذين تدور الجهود لتوحيدهم ، هل هم الأحزاب التي تتبني الماركسية اللينية أم هم الاشخاص الذين شكلوا الأحزاب التي خرجت من الحزب في انقسامات متعددة..وهي الاحزاب التي ذكرناها سابقا والتي رفضت حتى أن يكون من تبقى في جسم الحزب الشيوعي نفسه شيوعي ...
والخبر المنشور يدعو الى الفرح كما أنه يدعو الى القلق ، لأن تكذيب الاحزاب يدلل على امرين : إما أن هذه الاحزاب تشارك في هذه الجهود لكن من تحت الطاولة ولا تريد أن تهدد الصورة التي اعتمدت عليها في الاعوام السابقة والتي بررت منطق خروجها من الحزب ، إو أن الحزب الشيوعي الاردني الذي يسعى الى توحيد الشيوعيين يعني بالتوحيد ضم الرفاق المستقيلين واعادتهم الى جسم الحزب لتعزيز صفوفه والاستمرار في نضاله فقط ، أو يعني محاولات الاتصال ببعض ممن خرجوا من الحزب .
والاحتمالين السابقين خطيرين ، والاخطر هو التكهنات التي سيقع فيها الكثير من الاشخاص مثلي الذين يقرأون بعض ما ينشر ولا يتاح لهم الاطلاع المباشر بحكم البعد او السفر او لفقدان الصلة مع الرفاق أو لسبب أهم وهو أن ما ينشره الشيوعيون لا يتعدى الاخبار ولا يقوم على ما يدور في هذه الاجتماعات.
قلنا أن الموضوع يثير مجموعة من الافكار والمشاعر نوردها فيما يلي :
1. أن الحزب الشيوعي الاردني هو حزب تاريخه عريق في النضال ، وللأسف أن الكثير من الذين تركوه في استقالات تركوه على قاعدة أن الحزب تخلى عن خطه النضالي ، علما أن الحزب كان مثله هو تماما مثلما هو الان أو مثلما كان في اللحظة التي قرر هؤلاء الرفاق تركه ، فعلى أية أسس سيتم التوحيد ، هل هو على أساس ما هو عليه الحزب مع كل الاعتراضات التي توجه له مثلا ، أم أن اسباب الانقسام السابقة لم تكن جدية ولا كانت على قاعدة اختلافات جذرية وبالتالي يصبح التوحيد في اطار المصالحة بين المختلفين ، وهل سيتم التوحيد بعودة الاحزاب الاخرى وحل نفسها في جسم الحزب الاب والعودة كما عودة الابن الضال ، للأسف لا اعتقد أن حجم الوعي الحزبي والالتزام النضالي يتيح ذلك ، اتمنى ان تكون تكهناتي خاطئة وأن يعود العائدون على اسس يراها الجميع منطقية وعادلة ..
2. المسألة الثانية المثيرة للشجن والأسف ، أن ما يتم الحديث عنه سيقتصر على الرفاق القدامى في الحزب ولن ينطبق على جيل الشباب من الحزبيين لأسباب عديدة ، اولها أن آخر استقالة جماعية في الحزب قدمها عشرون رفيقا معظمهم من الرفاق الشباب ، وعندما تقول عشرين في الحزب الشيوعي فأنت تتحدث عن ثلاثين آخرين ويصبح بامكانهم تأسيس حزب جديد ، وهؤلاء المستقيلون عازمون على نفس النهج ، أضافة حزب جديد الى الاحزاب الشيوعية في الاردن ، هذا من جانب أما الجانب الاخر فهو يتعلق بالرفاق الشباب الجدد الذين سيندرجون تحت هذا الشكل الجديد ، وهم سيكونون بالضرورة نواة انقسامات مستقبلية يتم زرعها منذ الان ، فهؤلاء تلقوا تربية حزبية مختلفة ، ولهم بالتأكيد توجهات مختلفة وإن كان الكل يتحدث عن ان الجميع شيوعي إلا أن ما يزرعه الرفاق الان ضمن الاطر التنظيمية المعتمدة والتي تحدث عنها الرفيق احمد سعد بالديمقراطية المركزية ( تركة لينين المقدسة ) تحمل الكثير من الاشكالات وتبقى العلاقات الرفاقية أشبه ما تكون عليه في زمن العمل السري .
3. هذا الجيل الجديد من الرفاق سيأتي وارثا لهذا الارث العظيم من الخلاف ، لأنني أتذكر وأنا الذي عملت مع حزب الشغيلة بدءا وانضممت الى الحزب الشيوعي الاردني لاحقا كيف كان ينظر كل من الفريقين الى الاخر ، ليس من قبيل صب الزيت على النار ، لكن للأسف لم أسمع كلمة طيبة من كلا الطرفين بحق الاخر. أعرف الان أن رأيي قد يكون محايدا باتجاه الحزب الشيوعي لأنني اقتنعت بمنطقهم في تفسير ما جرى لكن ذلك لا يعني أن محاولة التوحيد أيا كان عناصرها ودوافعها لا تعنى الحاجة الى تفكير عميق ومجدد ، بل تحتاج الى مؤتمر جديد وعمل حزبي مكثف لتجديد الحزب ودعمه برؤى معاصرة ...الرفاق كلهم أو اغلبهم جاؤوا الى الحزب ودفعوا ثمن لا يضاهى ، والحزب قدم تضحيات مهولة ، لكن كل ذلك لا يعني أن هؤلاء الرفاق ليسوا بشرا يخطأون ويصرون على الخطأ ، كما أم ذلك لا يعني انهم لا يستطيعون تجاوز هذه الاخطاء والوقت قد آن لعمل هذه المراجعة المكثفة لمسيرة الحزب وإن وأي تأجيل مستقبلي قد يعني كارثة للحزب .
4. في المرحلة الحالية من تاريخ الاردن تجري تحولات مثيرة وعاصفة وسريعة ستفاجأنا في لحظة ولن ندري عندها ما الذي يدور من حولنا ، نحن في مرحلة من التغيرات تصر الحكومات فيها على تمرير الكثير من المشاريع التي تعني بالضرورة أهمية وجود حزب شيوعي متماسك وحده القادر ضمن تاريخه وقدراته الفكرية والنضالية على التصدي لها ، إن مشاريع الافقار التي تجري بحق الشعب والتحالف الذي يتم بنائه بين الحكومة والاسلاميين والاشارات التي تبعثها أميركا بأنها لا تمانع بأن يحكم المنطقة أسلاميون معتدلون لا يعارضون الخصخصة على اسس فكرية حقيقية ولا يملكون المؤهلات للدفاع عن حقوق الشغيلة والفلاحين وجماهير شعبنا التي طالما حمل الحزب همومهم ، في ظل كل ذلك يصبح على الحزب تعميق هويته الطبقية واستلهام المستقبل لا الوقوع في الماضي والتأكيد على أمجاد الحزب الغابرة ، لنتذكر أن كل نضالات الشيوعيين لم تمنع انهيار الاتحاد السوفييتي ، كما علينا أن نتذكر أن الجهود التي نحتاجها الان كثيرة حتى نبني الاشتراكية في مجتمعات اصبحت صورة مشوهة للاقطاع والراسمالية .
5. لنتذكر أن الكثيرين ممن هم في الاردن ممن يحملون الفكر الاشتراكي يتقاطعون مع الحزب الشيوعي بطريقة أو باخرى ، وعلى الحزب كما اعتقد أن يخوض مع هؤلاء نقاشا موسعا ايضا وان يشركهم بالجهود المتعلقة بتوحيد الحزب إن امكن ، الكثير من الكتاب والمفكرين الذين يعتبرون انفسهم شيوعيين يختلفون مع الحزب كليا احيانا ، على الحزب التفكير في طريقة للتقاطع وبناء صيغة من التواصل معهم ، أنا اعرف الكثير من الشباب الشيوعيين الذين لا يعرفون هشام غصيب ، أو سلامة كيلة ولم يقرأوا لهما كتابا واحدا ، وإن كان كيلة قد عاش في سوريا إلا أن الاستاذ الدكتور غصيب بعيد عن الحزب وهو من اهم الفلاسفة والمنظرين ، لماذا يبق مثل هؤلاء الاشخاص بعيدين عن الحزب ودوائره. وهناك الكثير ممن يمكن لهم ان يفيدوا الحزب وشبابه تحديدا بالتثقيف وعلمهم وما اشد حاجة الحزب لذلك ...
6. نعود مرة أخرى الى الشباب ونقول أن الكثير من الرفاق الشباب الذين مروا على الحزب هم من جيل اصغر بجيلين على الاقل من قيادة الحزب ورفاقه الكبار ، فلا تلاحظ في الحزب أي رفيق من الفئات العمرية الثلاثينية والاربعينية وكأن الحزب تعرض الى افراغ في فترة ما ، في الحزب الكثير من العشرينيين والقليل من الثلاثينيين واعتقد أن أمر الاحزاب الاخرى كذلك ، لأن فترة من القطيعة والانقسامات ما بعد العلنية أنهكت الحزب ، لذلك علينا التفكير بجدية في هذه المشكلة ، فلدينا جيل من الشباب لا يطيق المحاضرات المطولة وتثيره امور غير التي تثير الجيل الكبير وهي حقيقة تفرض نفسها على التواصل ولغة الحوار ، لدينا الكثير من الشباب الذين لا يتقنون أصول الحوار مع الكبار ، صحيح أن الحوار بين رفاق إلا أن الاحترام المتبادل يجب أن يسود العلاقة بين رفاق الحزب ، وهناك الكثير من القضايا السلوكية التي يحتاج الجيل الجديد الى فهمها وتشبعها ومن غير الكبار يستطيع نقلها ، لا نريد أن نتعلم من التجربة دائما ، نحن في اشد الحاجة الى اطر تنقل الخبرات ولا تبقيها طي الصدور ، ذلك لا يعني الا اطر تنظيمية اكثر ديمقراطية ، أطر يستطيع فيها الرفاق الشباب النظر الى تجربة الكبار والمشاركة في بناء مستقبل الحزب ...على الحزب أن يفكر جديا في الجلوس مع من غادروا الحزب مؤخرا ونقاشهم مطولا ، فملاحظاتهم على العمل الحزبي فيها الكثير من الصحة ، كما انهم ارتكبوا بعض الاخطاء وأنا منهم ، هؤلاء الرفاق الذين قضى اكثرهم في الحزب خمس سنوات بذل الحزب فيهم جهودا كبيرة واعطوا الكثير من وقتهم للحزب ، ألا يستحقون اذا أذنا صاغية ومحاولة للتواصل...وعلى هؤلاء الرفاق التفكير جديا في اعادة النظر في افكارهم وأتمنى أن تعلمهم التجربة أن الحزب ما زال باسطاعته ان يمد يده والخلافات التي عاناها الحزب مع من انشقوا سابقا اكبر من الخلافات التي تركوا الحزب على اساسها ....
في حديثي كما قلت سابقا الكثير من التكهنات والكثير من الشجون وما أتمناه أن يكون المستقبل ماسحا للكثير من هذه التكهنات وموافقا للشجون ...فالحزب الشيوعي هو ما نفخر أننا مررنا بمدرسته يوما ما ونتمنى أن لا تغلق هذه المدرسة في وجه من يريد الاستزادة أو العبور بها....