هل انتج الاسلام حضارة اسلامية؟ الجزء الاول


طريف سردست
2013 / 11 / 29 - 00:19     

الجزء الاول: الفكر العربي في القرآن والسنة

يشير البعض الى الفترة الذهبية لما يسمى " الحضارة الاسلامية" على انه النموذج الذي يجب العودة اليه تحت شعار " الاسلام هو الحل"، فهل كان الاسلام هو السبب في نشوء الحضارة او حتى الوصول الى العصر الذهبي للخلافات الاسلامية؟

ماعرف عن العرب قبل الاسلام انهم فلاسفة او مفكرون او كتاب، فقد كانوا اعرابا اميين. وهم أنفسهم يعتقدون ان قول الشعر، الذي يتفقون على انه أفضل مواهبهم، ليس عن تفكير شخصي وموهبة وذكاء وانما وحي والهام روحي من شيطان خارج الذات، فكل فكرة في النفس هي ايحاء ووسوسة نبوة، فكانوا يعتقدون أن لكل شاعر منهم وحيه او شيطانه يفتخرون به. فمثلا كان " شيطان امرؤ القيس واسمه لاقط، وشيطان بن عبيد بن الابرص واسمه هبية وشيطان النابغة الذبياني واسمه هاذر وشيطان الاعشى واسمه مسحل. ( راجع القرشي، ابو الخطاب ، 170 هجري، جمهرة اشعار العرب، مصر 1926، ص22-23). ولذلك ليس غريبا انهم اعتبروا ان لمحمد ايضا شيطاناً يوحي له بسجعه. في البخاري عن جندب بن سفيان قال: اشتكى رسول الله - فلم يقم ليلتين او ثلاثا فجاءت امرأة فقالت: يامحمد، إني لارجو ان يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين او ثلاث فأنزل الله عز وجل " والضحى والليل اذا سجى ماودعك ربك وماقلى"، بما يعني ان شيطان محمد هو ربه .

ان قريش وبقية قبائل بدو الصحراء كانوا يعتبرون ان الشيطان هو الذي يسبب ظهور الافكار، انعكس اعتقادهم هذا في القرآن والحديث على السواء، حيث نجد أمثلة منها:
) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا (الأنعام-112
ويؤكد القرآن ان الشيطان كان حتى ينزغ محمد، اي يلقي الشيطان في نفس محمد وسوسة من حديث النفس: أما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم (الأعراف 7: . 200)(فصلت 41: 36). بذلك تكون الافكار هي وسوسة الشيطان
ذلك على الرغم من أن الشيطان ينزل على الافاك، يقول القرآن: هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون (الشعراء26: 221-223)
وحتى محمد يعترف قائلا: "عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ: قال رسول اللَّهِ ما مِنْكُمْ من أَحَدٍ إلا وقد وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ من الْجِنِّ قالوا وَإِيَّاكَ يا رَسُولَ اللَّهِ قال وَإِيَّايَ إلا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عليه فَأَسْلَمَ فلا يَأْمُرُنِي إلا بِخَيْرٍ"(صحيح مسلم ج4/ص2167) وموجود بصيغة مشابهة عن عائشة.
"كانت ميمونة زوجة النبي حائضا فقامت فتوضأت ثم قعدت خلفه تذكر الله، فقال لها النبي: أشيطانك أقامك. قالت: بأبي وأمي يا رسول الله، ولي شيطان؟ قال: إي والذي بعثني بالحق، ولي أيضا شيطان غير أن الله أعانني عليه فأسلم"(صحيح مسلم، ج2/ص149)
ويشير القرآن الى ان الشيطان له تأثير خطير، أنه قادر ان ينسي محمد:
إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وأما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين (الأنعام 6: 68)
هذا مع العلم ان من ينسيهم الشيطان فهم من حزب الشيطان، حسب القرآن، إذ يقول:
استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان إلا إن حزب الشيطان هم الخاسرون (المجادلة58: 19)
وهذا الشيطان ضراط ايضا في (صحيح البخاري ج1/ص409) "عن أبو هُرَيْرَةَ: قال رسول اللَّهِ: إذا أُذِّنَ بِالصَّلاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وله "ضُرَاطٌ" .

ولكون التفكير لازمة دائمة للانسان يصبح الشيطان صاحب مزمن لكل شخص انطلاقا من ان وظيفته وسوسة الافكار والقاء الاماني، حسب تفكير اعراب الجزيرة بمافيهم محمد. ابن كثير: الشَّيْطَان فَإِنَّهُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ وَقَارَنَهُمْ فَحَسَّنَ لَهُمْ الْقَبَائِح وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَان لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا " وَلِهَذَا قَالَ الشَّاعِر: عَنْ الْمَرْء لَا تَسْأَل وَسَلْ عَنْ قَرِينه فَكُلّ قَرِين بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي. ويقول القرآن: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
بذلك يكون محمد وقريش وبقية الاعراب متفقين على ان الافكار ليس ابداعا من الانسان، وانما وحيا ووسوسة، ليكون الخلاف بينهم في أن محمد لايريد تسمية شيطانه بشيطان وانما إله، فيعترف بالمحصلة انه مثلهم، ليس مفكرا مبدعا في ذاته كعباقرة الحكماء وانما فقط لسان ناطق بما اوحى اليه شيطانه او إلهه.

وحتى العلوم هي علوم من الشيطان، وليس ابداعا يسعى اليه الانسان المُفكر، حيث يقول القرآن: " وماكفر سليمان ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر وماأنزل على الملكيين ببابل هاروت وماروت" ( سورة البقرة، 102)
وفي تفسير الطبري (ج1، ص 343-346):" نجد حكاية ملكيين هبطا على الارض فافتتنا بجمال أمرأة تدعى الزهرة، فيعلمانها الكلام الذي يصعدان به الى السماء، فلما صعدت هي الى السماء نسيت الكلام الذي تنزل به الى الارض، فبقيت مكانها واصبحت كوكب الزهرة، المنسوب اليه الطرب واللهو". ( راجع ايضا القزويني، عجائب المخلوقات، غوتغن، 1849، ص22). فالعلوم كلها وحي يوحى به والمعرفة ماعلمه الله او الشيطان لنا والا فهي علوم مغلقة.

وليس غريبا ان الجدل والفلسفة، التي يقوم عليها العلوم الحديثة، لاتحظى بالاحترام في الاوساط الاسلامية، ففي الحديث الشريف:" ماضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا اوتوا الجدل"، اخرجه مسلم، ج1، ص248.
وفي القرآن:" وان جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون. الله يحكم بينكم يوم القيامة في ماكنتم تختلفون" سورة الحج، 68-69.
ويقول:" ومايعلم تآويله الا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به، كل من عند ربنا.." سورة آل عمران، 7. فالقرآن يطالب بالايمان، وليس العلم من دواعي الايمان او مقدماته.

جاء ذكر الحكمة في القرآن كثيرا، ولكن نجد ان أبن عبد البر في كتابه " جامع البيان" عن مالك انه يفسر الحكمة في كثير من آيات القرآن بالفقه في دين الله والعمل به. والطبري في تفسير الاحزاب 34 يقول ان الحكمة تعني " مااوحى الله الى رسول الله من احكام دين الله ولم ينزل به قرآن، وذلك هو السنة". والشيخ ناصر الفهد، يذكر جملة من الامثلة عن آراء علماء الاسلام في المقصود من تعبير العلم في الاسلام، ومنها: يقول الاوزاعي:" فما كان غير ذلك( اي غير الفقه) فليس بعلم". وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : " لكن جماع الخير أن يستعين بالله سبحانه في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه هو الذي يستحق أن يسمى علماً ، وما سواه إما أن يكون علما فلا يكون نافعاً ، وإما أن لا يكون علماً وإن سمي به ، ولئن كان علماً نافعاً فلا بد أن يكون في ميراث محمد ما يغني عنه مما هو مثله وخير منه " ( ابن تيمية ، مجموعة الرسائل الكبرى، 10 / 664 ). وقال ابن رجب رحمه الله تعالى : ( فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها ، والتقيد بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث .. في ذلك غاية لمن عقل ، وشغل لمن بالعلم النافع اشتغل )" (" حقيقة الحضارة الاسلامية"، الفصل الاول).
وبشأن البقرة 269 قال ابن عباس ان " الحكمة معرفة الاحكام في الحلال والحرام"، (السرخسي، شمس الدين: المبسوط، ج1، ص2).

ويقول الغزالي:" ثم ألقى الشيطان في وساوس المبتدعة اموراً مخالفة للسنة ... فأنشأ الله طائفة المتكلمين وحرك دواعيهم لنصرة السنة"، ( المنقذ من الضلال، المطبعة الميمنية بمصر، 1309 هجري، ص6-7). بذلك نرى ان الحكمة مصدرها اما الله واما الشيطان.

يتبع