اتفاق ايران دشن مفهوم عالمي جديد


جورج حزبون
2013 / 11 / 26 - 21:55     

اتفاق ايران دشن مفهوم عالمي جديد

تتغير الحياة حولنا كل لحظة ، تماما كما لا يستطيع المرء ان يسبح في ذات المياه مرتين ، فان المتغير هو القاعدة ، ومن يصر ان يبقى مكانه فان العالم والحياة تتخطاه بساطة ، ذلك ما وقع عند ما اعلن الاتفاق بين الدول ( 5+1 ) و ايران فقد ذهل دعاة الحروب ،وكافة الذين يتمسكون بثقافة الحرب الباردة وصيحات الحروب ،فاشبشرت البشرية خيرا ، وانخفض سعر النفط ، و انتعشت الاسواق العالمية ، و تحسن وضع البورصة ، و كان اهتزازاً ارضياً شمولياً اصاب العالم ، لتعيد الاسواق حساباتها ، و لتعيد القوى السياسية تقديراتها ، تلك التقديرات التي من حصتها الاكبر منطقتنا .
من المهم ان نلاحظ غضب اسرائيل ومعارضتها للاتفاق السلمي ، كما غضب و اعتراضت السعودية على ذلك الاتفاق !، ما يجمع الطرفين هو الخطر الايراني ، اسرائيل تراه خطراً عسكرياً ، و السعودية تراه خطراً دينياً ، و الصدمة حصلت من حيث ان الطرفين حلفاء للولايات المتحدة ، و يجدون انها لم تأخذ مخاوفهم ، بل لربما تجاهلتها حيث وجدت مصالحها في الاتفاق ، و ان مصالح الاصدقاء تقع في المرتبة الثانية ، و انهم ليسوا بالحقيقة حلفاء لاميركا ، بل هم ادواتها في المنطقة ، احدهم اقتصادي و الثاني عسكري ، و للحفاظ على مصالحها تحتاج الطرفين ذلك يحمي و ذلك ينتج .
تدرك الولايات المتحدة كدولة كبرى ومفصاية في العالم ، انها تحتاج باستمرار لاعادة تقيم مكانتها ، خاصة الاقتصادية و بالتحديد الان و هي تمر بازمة مالية و انتاجية كبيرة ، او غير مسبوقة و مرشحة للاتساع مالم تتم اتخاذ اجراءات على المستوى العالمي لتصويب وضعها المالي ، مثل توسيع الاسواق و تحسين العلاقات لتنشيط المنتج الاميركي و تسهيل حركته في السوق العالمي، وتخفيض البطالة والمديونية .
واضح امام اميركا و حلفائها ، انها اصبحت تواجه تحديات جديدة على الصعيدة العالمي ، ليس فقط روسيا المتقدمة لقوة على كافة الصعد ، بل امامها الهند و دول اسيا و الصين ثم اميركا اللاتينة و البرازيل الصاعدة باستمرار ، و لعل الاهم ان تلك المجموعات من الدول التي يطلق عليها بالصاعدة ، لا تحمل لاميركا وداً ، بل تجدها عقبة امام تطورها و خصماً لا بد من مواجهته بالسوق و السياسية ، و هذا ما يقتضي من اميركا اعادة حساباتها ، حيث لن يفيدها دور شرطي العالم الذي لم يعد مقتنع بمواقفها السياسية ، و ليس مستعدة لخوض صراعات ان لم تقل حروبا من اجلها ، فالعقوبات على ايران ، الحقت ضرراً بالكثيرين مما ادى الى تسرب في الانضياط رغم قرارات مجلس الامن ، و ان طالت الفترة فقد تضيع هيبة تلك العقوبات ،فالصين اليوم تمتلك عشرات الشركات في ايران ومئات الاف من الخبراء والعاملين في شتى نواحي الحياة الاقتصادية ، و حتى في الازمة السورية لم يكن العالم مقتنع بما تقوم به اميركا من تحالفات مع من كانت تسمية الارهاب لتقنع العالم مرة اخرى بدخول حرب تطالب اصدقائها بتمويلها ، و ان عليها اعادة صياغة مواقف متلائمة مع وضعها و مع حالة العالم الراهن المتغير باستمرار .
أن المشترك بين السعودية و اسرائيل ، الخصومة او التوجس من ايران ، بل ان السعودية تخشى من ذلك التداول التاريخي للصراع الديني بين الشيعة و الوهابية ، و لعل ايران لا زالت تتذكر عام 1801 في نيسان يوم هاجم الوهابيون ( كربلاء ) و ذبحو خمسة الاف انسان ، و خربوا الجامع الكبير و القبة الذهبية و نهبوا كنوزها ، و تلك الواقعة من مترادفات الصراع و التاريخ ، الى جانب الصراع على الاسواق الذي تستطيع فقط ايران مزاحمة السعودية على تلك السلعة الاستراتيجية و هما الدولتان الاغزر انتاجاً له ، و اسرائيل تدرك تماماً ان لايران طموحاً عسكرياً مهماً يؤهلها للتمدد و بالترافق مع مشروعها الديني الطامحة به لان تقود العالم الاسلامي ، و الذي لا تجد العرب خلالها الا جزءاً من امة اسلامية ، على رأي ( الخوميني ) حكمها العرب و الترك و المماليك .... و حان وقت الفرس ؟!! ، و في هذا السياق فان اسرائيل ستواجه ازمة سياسية حادة مع دولة استراتيجية تملك فيلقاً خاصا تحت مسمى ( القدس ) ، و ان الوضع الراهن عربياً يسهل مرور ايران لتلتحم مع حزب الله و سوريا المتغيرة و عدد من قوى الاسلام السياسي ، بحث تصبح اسرائيل امام خيارين افضلهما دولة فلسطينية مستقلة على حدود حزيران ، و ان عليها لملمة تمددها الاستيطاني و العودة الى تلك الحدود بدل الحروب و المتغيرات الغير محسوبة .
ادركت اميركا هذه الحقائق و تتنازع مع اسرائيل على مصلحة اسرائيل التي يتصرف رئيس وزرائها على طريقة ( الولد الشقي ) ( نوتي بوي ) ، و تدفع نحو مفاوضات مع الفلسطينين قد تخرج بما يمكن ان يحفظ لاسرائيل افضل الممكن ، و لعل هذا سر تفاؤل كيري ، و سر رفض المفاوض الفلسطيني لاستمرار مرواحة بلا نتائج ، لان ( نتنياهو ) لا زال مصراً على انه يستطيع فرض رؤيته على العالم ، دون ادراك بان تلك القوة التي يغامر قد تصبح بلا معنى امام عالم يتحرك سريعاً لارساء سلم عالمي للخروج من ازمات اقتصادية رفعت نسبة الجوع و الفقر و المرض في العالم ، و ان كان التفكك العربي يغري قادة اسرائيل بالاثم ، فهي اولاً مرحلة عابرة بالزمن و ثانياً ان القرار الاستراتيجي العالمي لم يعد محلياً او امريكياً ، فقد اصبح جماعياً كما اوضحت الازمة السورية ، و مفاوضات ايران ، و بالتالي فلم تعد تسمح الاستراتيجية الجديدة القائمة بعد سقوط مفهوم العولمة ، بالعربدة او بان تغرد اية دولة خارج السرب ، الذي اصبحت لروسيا و الصين و سواها قراراً معادلاً لاميركا و بريطانيا و فرنسا ، و ان على اي حليف او صديق ان ياخذ مصالح الاخرين بالاعتبار ، و ليس مصالحه فقط ، فقد تغير الزمن كما تغيرت الاولويات ، و ان الاعتماد على القوة وهم لم يصمد ، وان نتاج الحروب العدوانية الامريكية منذ مطلع هذا القرن لم تحقق سوى ازمة لامريكا ، تتفاعل داخلها وتنتج ارهابا خارجها ،بحيث لم تعد يقبل حتى حلفائها المضي معها الى اخر الشوط والقراءة الاخير لعلاقات اميركا مع حلفائها الذين اخذت تمارس التنصت عليهم تشيء بواقع متغير وتذمر غير مسبوق ، اصبحت تلمسه اميركا وتعمل للحفاظ على هيبتها بالبقاء ضمن مربع التحالف وتوسعته عن منهج التفرد والعزلة والازمة في النهاية .