إبراهيم باشا


نصارعبدالله
2013 / 11 / 24 - 15:43     

إبراهيم باشا د/ نصار عبدالله
ترى تمثاله شامخا فى ميدان الأوبرا بالقاهرة، تراه ممتطيا جواده ، وذراعه اليمنى ميسوطة إلى الأمام ، وكأنما هى تشير إلى أمجاده الواسعة الرائعة، أو كأنما هى تمتد عبر التاريخ حتى لتكاد أن تخزق عيون العثمانيين الجدد....إنه إبراهيم باشا القائد العسكرى المصرى الفذ الذى أذل الكبرياء العثمانى واستولى فى عام 1832على جزء كبير من الأراضى العربية التابعة فى ذلك الوقت للخلافة العثمانية ، ثم تحرك إلى الأناضول وكان على وشك أن يستولى على عاصمة الخلافة ذاتها :الآستانة ( اسطنبول حاليا ) ، لولا أن العثمانىيين استنجدوا بالقوى الكبرى إذ ذاك ( روسيا وإنجلترا وفرنسا ) التى رأت أن من مصلحتها أن توقف الزحف المصرى وأن تكيح جماح هذه القوة الصاعدة : مصر، التى كان محمد على باشا يحاول أن يبنى فيها دولة صناعية مدنية حديثة منافسة للدول الأوربية ذاتها ، ومن ثم فقد راحت تلك الدول تضغط على "محمد على" لكى يأمر ابنه : "إبراهيم باشا" بوقف الزحف المصرى والإنسحاب من الأراضى التركية التى كان قد احتلها ، واستجاب محمد على للضغط الأوروبى ، وأصدر أوامره إلى ابنه بالخروج من الأناضول فى مقابل تثبيت ولايته على مصر و على سائر بلاد الشام بالإضافة إلى جزيرة كريت ، وتجديد ولاية ابنه ابراهيم باشا على: "جده" مع منحه ولاية: "الحجاز"، أغلب الظن أن العثمانيين الجدد بقيادة رجب طيب أردوغان يتذكرون هذا التاريخ جيدا ، ويدركون هذا الدرس الذى يقول إن مصر عندما تحولت من ولاية مملوكية ذات رداء دينى فى القرن الثامن عشر إلى دولة مدنية حديثة على يد محمد على فى مطلع القرن التاسع عشر خرجت على الفور من طوعهم بل إنها أصبحت بعد ذلك قوة إقليمية كبرى تهدد باكتساحهم هم أنفسهم، وما استيلاء إبراهيم باشا على الأناضول ووصوله إلى مشارف الآستانة إلا تجسيد لهذه الذكرى الموجعة التى يصعب عليهم تجاهلها أو نسيانها، والواقع أن إبراهيم باشا لم يكن مجرد قائد عسكرى عبقرى فحسب ولكنه بحكم تكوينه النفسى والثقافى كان جزءا من مشروع الدولة الحديثة القائمة على المواطنة المتكافئة وعدم التمييزبين المواطنين ، تلك التى كان محمد على يحاول بناءها فى مصر، بينما كان ابنه إبراهيم يحاول توسيعها ومدها لكى تشمل العالم العربى بأكمله، ولعل أبلغ دليل على ذلك أنه عندما استولى على فلسطين وضمها إلى مصر عام 1831 أصدر فرمانا برفع الضرائب المفروضة على دور العبادة المسيحية وكذلك الأديان الأخرى جاء فيه : "نأمر أن تلغى والى الأبد كل الضرائب التى تجبى من أديرة ومعابد كل الشعوب المسيحية المقيمة في القدس من يونانيين وفرنجة وأقباط وأرمن وغيرهم مهما كانت الذريعة أو التسمية التي تؤخذ بها هذه الضرائب حتى وإن سميت هدية عادية وطوعية‏ ، أو سلمت إلى خزينة الباشوات أو لمصلحة القضاة وما شابه ذلك‏ فإنها جميعا ممنوعة منعا باتا‏ ، وبعد إعلان هذا الأمر سيعاقب بصرامة كل من يطلب أقل اتاوة من المعابد والأديرة المذكورة أو من الحجاج‏"، كما أصدر فرمانا آخريسمح للمسيحيين بترميم كنائسهم وأديرتهم وتجديدها و بناء ما يرغبون فى بنائه من دور جديدة للعبادة دون الحاجة إلى طلب تصديقات أو موافقات من أية جهة من الجهات، تذكروا أن هذا كله قد تحقق بالفعل فى عام 1831 على يد إبراهيم باشا فى الولايات التى قام بفتحها ، عندما كانت مصر تمثل مشروعا نهضويا شاملا يطمح إلى بناء دولة مدنية حديثة، لا على الأرض المصرية وحدها بل على امتداد الرقعة العربية بأسرها !!. .. تحية إلى القائد المصرى العظيم: "إبراهيم باشا" وإلى كل قائد مصرى يحاول أن يبنى دولة حديثة على أرض هذا الوطن .
[email protected]