حوار مع ابراهيم حجازين


حسقيل قوجمان
2013 / 11 / 23 - 13:00     

حوار مع ابراهيم حجازين
احاول بهذا المقال الاستجابة لدعوة الحوار المتمدن للمساهمة في الحوار مع مقال الاستاذ ابراهيم حجازين. قرات المقال مرتين فلم اجد في نفسي القدرة على مناقشة الموضوع العام الذي بحثه باسلوبه الخاص في البحث. ولكني مع ذلك اشعر بالحاجة الى ابداء بعض الملاحظات حول الفقرة الرابعة من مقاله.
يبدأ الاستاذ ابراهيم الفقرة الرابعة بالعبارة التالية: " انتهت الثورات الأوروبية من أعوام 1848 بانتصار الثورة المضادة عام 1849". واورد بعد ذلك التغيرات الرجعية التي حدثت بعد هذه الثورات. اعتقد ان تقييم ثورات اوروبا المذكورة تحتاج الى تحليل علمي قبل الانتقال الى ما اعتبره انتصار الثورة المضادة.
اذا تابعنا هذه الثورات من حيث الطبيعة الطبقية فان هذه الثورات كانت ثورات برجوازية بالمفهوم الطبقي للثورات. وقد بحث ممثلو الطبقة العاملة في هذه الثورات طبيعة هذه الثورات البرجوازية واعلنوا ان موقف الطبقة العاملة الثوري في هذه الثورات يجب ان يكون مساندة هذه الثورات ليس من اجل جمال عيون الطبقة البرجوازية وانما لان انتصار البرجوازية وتوليها السلطة ضرورة من اجل تحول الطبقة العاملة الى الاتجاه نحو ثورة الطبقة العاملة ضد البرجوازية.
لم تكن هذه الثورات الثورات البرجوازية الاولى بل سبقتها ثورة كرومويل في بريطانيا والثورة الفرنسية الكبرى وقد تعرضت هاتان الثورتان ايضا الى ردة الى نظام ربما اشد رجعية من النظام السابق لها. ولكن ما حدث بعد جميع هذه الثورات لا يصح تسميته الثورة المضادة بالمفهوم العلمي للثورة المضادة.
ان الردة بعد الثورات لها صفتان. الصفة الاولى هي فشل الثورة وعودة النظام السابق للثورة الى ما كان عليه قبل الثورة. وفي الثورات البرجوازية تعني الردة في هذه الحالة عودة النظام الاقطاعي كما كان قبل الثورة وربما اقسى واشد ظلما من السابق. والمثل التاريخي لمثل هذه الثورات كانت ثورة 19,5 في روسيا، فقد فشلت هذه الثورة وبقيت الطبقة الاقطاعية طبقة حاكمة بابشع مما كانت قبل الثورة. اما هذه الثورات البرجوازية المتعددة فلم تفشل بل انتصرت بالقضاء على الانظمة الاقطاعية في بلدانها. وان الردة في هذه الحالات تعني تحول الطبقة الراسمالية الناشئة عن الثورة من طبقة راسمالية متقدمة تعمل على تطوير قوى الانتاج الاجتماعي الى طبقة تشدد استغلالها وظلمها ولكن المجتمع يبقى مجتمعا راسماليا متطورا بلا عودة للنظام الاقطاعي. حتى ثورة كرومويل البريطانية لم تنته بعودة النظام الاقطاعي الى بريطانيا بل عادت رموز النظام الاقطاعي المتمثلة بالملكية لكي تمثل الدولة الراسمالية. اما المجتمع البريطاني فقد تحول الى نظام راسمالي كامل التطور وما زال كذلك حتى اليوم. الثورات الاوروبية كلها كانت ثورات برجوازية ناجحة حققت الاطاحة بالنظام الاقطاعي والتحول الى النظام الراسمالي واخر هذه الثورات تاريخيا كانت ثورة شباط 1917 في روسيا القيصرية.
السؤال الذي يثير نفسه هنا هو هل نشبت ثورات مشابهة للثورات الاوروبية في البلدان الاسيوية والبلدان العربية؟ نشبت ثورات برجوازية عديدة في اسيا منها ثورات ناجحة ومنها ثورات فاشلة مثل الثورة الهندية والاندونيسية والصينية والكورية والثورة في بورما والفيتنام وغيرها. وقد نشبت ثورات برجوازية في البلدان العربية والشرق الاوسط ايضا.
كانت التجربة الاولى ثورة مصدق في ايران ولكنها كانت ثورة فاشلة ادت فيها ثورة الردة الى عودة النظام الاقطاعي باشد مما كان قبل الثورة. وكانت التجربة التالية ثورة الشعب الايراني التي انتهت بانتصار الثورة وازالة النظام الاقطاعي سنة 1979 , وكانت الردة فيها كون السلطة التي نشات بعد الثورة كانت سلطة دينية رجعية عادت بالمجتمع الايراني الى الوراء ولكن النظام الاجتماعي الايراني اصبح نظاما راسماليا باسوأ اشكاله.
وقد نشبت ثورات برجوازية في البلدان العربية كانت اهمها ثورة الجيش المصري على النظام الملكي المصري واقامة نظام راسمالي تحت قيادة جمال عبد الناصر وهو النظام السائد في مصر حتى يومنا هذا.
والمثال الثاني كان الانقلاب العسكري للجيش العراقي بقيادة عبد الكريم قاسم الذي نجح في ازالة النظام شبه الاقطاعي شبه الاستعماري السائد في العراق الى نظام راسمالي. وكانت ثورة الردة فيه تحويل النظام الراسمالي الى الاسوأ ولكن لم يعد النظام الاقطاعي الى العراق.
ثارت ثائرة العالم الامبريالي نتيجة نجاح ثورتي مصر والعراق. فشنت العدوان الثلاثي ضد حكومة عبد الناصر في حرب القنال. ولكن الدولة المصرية بقيت صامدة. وفشلت محاولة الجيش الاميركي للهحوم على الثورة العراقية من لبنان. ثم جاءت حرب 1967واحتلال غزة والضفة الغربية من فلسطين والغولان. لم تكن هذه الحرب انتصارا على الشعب الفلسطيني اذ لم يكن للفلسطينيين دولة او جيش يدافع عنهما. كانت هذه الحرب انتصارا على مصر باحتلال غزة وسيناء وانتصارا على الاردن باحتلال الضفة الغربية منها وانتصارا على سورية باحتلال الغولان منها.
في العراق دبرت الاوساط الامبريالية مع الحركة القومية العراقية انقلاب 1963 وما تلاه من الحرب الايرانية العراقية والحرب الكويتية العراقية واحتلال العراق الذي دمر العراق تدميرا لا يزال يهدد بتقسيم العراق الى عدة اقاليم وفقا لبرنامج الشرق الاوسط الجديد الاميركي.
وبعد حرب 1973 المصرية ضد اسرائيل افلحت الامبريالية الاميركية في تحقيق كامب ديفيد تحت حكم السادات. وما زالت المحاولات المستميتة لتحقيق برنامج الشرق الاوسط الجديد وتحويل الدول العربية كلها الى كانتونات تمثلت في الحرب الاسرائيلية على لبنان وتصدي مقاومة حزب الله للهجوم الاسرائيلي.
يسود في اغلب الدول العربية النظام الراسمالي وفي عدد من البلدان ما زال يسود نظام اقطاعي متساوم مع النظام الامبريالي العالمي وخصوصا الامبريالية الاميركية كدول سابحة على بحر من النفط والغاز.
وفي معالجة ما سمي بثورات الربيع العربي سلك الاستاذ ابراهيم نفس الاسلوب المركز على النتائج السلبية لهذه الثورات وعدم تحقيق اهدافها في التحرر من التبعية للدول الاستعمارية الكبرى او تحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يبتغي الشعب المصري تحقيقها نتيجة للثورة. بدون ان يشير الى النتائج الايجابية لهذه الحركات الشعبية. والنتائج السلبية التي اشار اليها الاستاذ ابراهيم نتائج حقيقية يشعر بها الشعب المصري ولكن كانت لهذه الحركات خصوصا في تونس ومصر نتائج اجابية غاية في الاهمية.
اول واهم هذه النتائج الايجابية في انتفاضتي تونس ومصر هي ان الشبيبة استغلوا الثورة التكنولوجية الحديثة للاعلام للنجاح الهائل في الاتصالات بحيث ان شبيبة تونس وشبيبة مصر استطاعوا ان يجمعوا الملايين من الاصوات او التواقيع من اجل اعلان انتفاضتهم التي لم يشاهد لها التاريخ مثيلا. نجحت الشبيبة المصرية والشبيبة التونسية في انزال الملايين الى الشارع من اجل المطلب الذي ارادت تحقيقه فاستطاعوا ازاحة الرئيس التونسي والرئيس المصري في مظاهرات سلمية مليونية. وتكرر الامر في الثلاثين من يونيو في مصر حين نجحت حركة تمرد في جمع اثنين وعشرين مليون توقيع وانزال الملايين من اجل ازاحة الرئيس مرسي وحكم الاخوان المسيطر على مصر. مثل هذه الحركات كانت مستحيلة حين كانت الحركات الثورية تحصل بصعوبة على مطبعة رونيو لكي تطبع منشوراتها تحت اشد الصعوبات والمطاردات التي تفرضها السلطات الحكومية لكي توزعها يدويا على العشرات او المئات في احسن الاحوال. وهذه ظاهرة جديدة جعلت بالامكان الاستفادة من ثورة المعلومات الاتصال بملايين الشبيبة وتنظيمهم وانزالهم في مظاهرات مليونية سلمية ادت الى انتصار هاتين الثورتين. وهذه ظاهرة جديدة لم يكن لها وجود من قبل يمكن الاستفادة منها في ثورات قادمة.
وقد بحث الاستاذ ابراهيم بحثا صحيحا في ان هذه الحركات لم تحقق نتائج اقتصادية واجتماعية وثقافية وصحية حقيقية. ولكن هذا الفشل ناشئ بصورة طبيعية من طبيعة الحركات الشبابية التي احرزت النجاح السياسي بازاحة الرئيس التونسي والرئيسين المصريين.
هذه النتائج السلبية هي نتائح حتمية ناشئة عن طبيعة الحركات الشبابية ذاتها. ان الحركات الشبابية هي حركات سياسية سلمية تهدف الى ازالة راس النظام الراسمالي السائد في تونس وفي مصر ولكنها ليست حركات تهدف الى ازالة النظام الراسمالي. ولذلك فان الطبقة الراسمالية الحاكمة لا تحتاج الا الى اختيار رئيس جديد يدير مصالحها وهذا ما نراه جاريا في تونس وفي مصر حتى اليوم بحيث ان الشعب المصري بدأ يتحدث عن ثورة ثالثة بعد ان لم تحقق ثورة الثلاثين من يونيو اي هدف من الاهداف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية التي يريد الشعب تحقيقها. ان ما تحتاجه مصر هو ثورة من نوع جديد تهدف الى ازالة النظام الراسمالي الذي يؤدي حتما الى تفاقم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية التي يعاني منها الشعب ولا يحلها. ومثل هذه الثورة تحتاج الى قيادة اخرى تضع هدف اسقاط النظام الراسمالي نصب عينيها وتعمل من اجل تحقيقه بالطرق المناسبة لتحقيق مثل هذا الهدف مستغلة ثورة المعلومات التي خلقت للحركات الثورية امكانيات هائلة لم تتوفر لها سابقا.