التراجع في الانتخابات – الأسباب، النتائج والاستنتاجات


محمد نفاع
2013 / 11 / 21 - 08:04     

لقد قصّرنا في إبراز خصوصيتنا، وقصرنا جدا في أهمية زيادة العلاقة مع الجمهور، ليس في خلال معارك الانتخابات، بل على مدار الأيام، هنا يجب الإصلاح الجذري. ولقد قصرنا في التنظيم الحزبي في المناطق والفروع وبمسؤولية الحزب مركزيًا ومنطقيًا، هذا ما يجب إصلاحه.


رأيت من المناسب الا انشر هذا المقال الا بعد سلسلة من الاجتماعات لهيئات الحزب المركزية من مكتب سياسي ولجنة مركزية، واجتماع مشترك لمكتبَي الحزب والجبهة، وكذلك بعد العديد العديد من اللقاءات والاجتماعات لممثلي عدة فروع، ففي اجتماع اللجنة المركزية للحزب وعلى مدى يومين، قدمت بيانًا عن نتائج الانتخابات وتلخيصًا بعد سماع نقاش الرفاق، وقد قُبل البيان والتلخيص بالإجماع، ولذلك فهذه المادة هي بروح ما ورد في تلخيص المركز بالأساس:



إن نتائج الانتخابات المحلية بالنسبة لنا نعرفها كتراجع خطير وضربة قاسية.
* منذ سنة 1958 واجه حزبنا الشيوعي عددًا من الضربات الشديدة. سنة 1958 وبعد الخطأ الكبير والمؤقت للقائد الفذّ جمال عبد الناصر تجاه الاتحاد السوفييتي وقوله: "لم نتخلّص من الاستعمار الأبيض لنقع تحت الاستعمار الأحمر" رأينا كم فرح حكام إسرائيل وكل الأحزاب الصهيونية ومنها حزب مبام، وكذلك بعض الشخصيات القومية، وكانت هنالك موجة تحريض عنيفة ضد الحزب الشيوعي والاتحاد السوفييتي في الإذاعة والصحف، وكانت خطابات عبد الناصر تُبث حتى من على سيارات الشرطة – قسم المهمات الخاصة – في مختلف القرى والمدن العربية. وطلعت جريدة المرصاد المبامية بعناوين تحريضية ضد الشيوعيين، واتُّهمنا بالعداء للقومية العربية، وكان ممثلو أحزاب السلطة العرب في الكنيست وغيرها يروِّجون لهذا التحريض، كان ذلك زمن الحكم العسكري وهو في أوجه ان كان له أوج، وفي انتخابات الكنيست في ذلك الجو خسرنا 50% من تمثيلنا، ذهبت الأصوات إلى أحزاب السلطة والحكم العسكري بكل موبقاته وأهدافه الجهنمية، هذا مع العلم انه في العدوان الثلاثي على مصر سنة 56، كان الاتحاد السوفييتي وإنذاره الخطير ضد المعتدين هو الذي أوقف العدوان وأفشله إلى جانب الصمود المصري. والعديد يذكرون تصريح بولغانين القائد الشيوعي السوفييتي الذي قال: إذا لم توقفوا العدوان فورًا فستجدون الجيش الأحمر في مواجهتكم، وللحقيقة المؤلمة نقول: يومها هرول حزب مبام لفتح فرع له في غزة!! ثم اضطرت إسرائيل إلى الانسحاب بعد تعنُّت حكومة بن غوريون وقال الشاعر:
لفّ ذيله وانسحب
لستُ ادري ما السبب
السبب معروف، ويبدو ان أصول الشعر تحكمت في المعنى. والسؤال في هذا السياق: هل كان علينا ان نوافق مع الخطأ الكبير والمؤقت لعبد الناصر حتى لا نخسر معركة انتخابات!! أخطأت شريحة واسعة من شعبنا ولم نخطئ نحن.
بعدها عاد عبد الناصر إلى أصالته وموقفه التقدمي، وللذكرى والذاكرة نقول انه في فترة العدوان الثلاثي وكجزء منها ارتُكبت مجزرة كفرقاسم بهدف الترهيب والترحيل، وفضحها قادة الحزب الشيوعي توفيق طوبي وماير فلنر، ويومها أيضا نفت إسرائيل عددًا من الشيوعيين في المثلث ووادي عارة إلى قرى الجليل كما حدث في 58.


* الضربة الثانية التي وُجهت للحزب الشيوعي كانت ضربة داخلية عندما انشق أمين عام الحزب وعدد من القياديين – ميكونس وسنيه واستر فلنسكا سنة 1965. وكان السبب أيضا الموقف من حركة التحرر الوطني العربية عامة، والجزائر خاصة، بحجة ان القائد احمد بن بلا دعا إلى تدمير إسرائيل!! خرج العديد من رفاق الحزب في الناحية اليهودية، وظل الحزب متمسكًا بمبادئه، حتى تلاشى المنشقون الذين قالوا عن الحرب العدوانية سنة 67 والاحتلال، ان هذا اعدل احتلال!!
وفقد الحزب قسمًا من كوادره وكتلته في الكنيست. والأدهى والأمرّ ان الحزب الشيوعي السوفييتي مال في البداية إلى المنشقين ففيهم أمين عام الحزب ورئيس لجنة المراقبة وأعضاء برلمان ورئيس تحرير جريدة الحزب – كول هعام.
أراد المنشقون ان يكون الانقسام على أساس يهودي عربي فتصدى لهم الشيوعيون اليهود ومنهم ماير فلنر وعوزي بورشطاين وبنيامين غونين وتمار غوجانسكي ويورم غوجانسكي وكثيرون غيرهم. هل كان على الحزب ان يقبل تسلل الفكر الصهيوني إلى صفوفه حفاظًا على وحدته وعلى عضوية الكنيست!!
خرج الحزب من هاتين الضربتين مجرحًا وليس مقتولا.



* الضربة الثالثة كانت أيام وأشهر وأعوام انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي في أوروبا الشرقية، بسبب الأخطاء الفظيعة وفرض سباق التسلح وحرب النجوم، وحصار الاتحاد السوفييتي اقتصاديا وسياسيا – بما فيه الرأسمال العربي القُح – في الخليج، وكذلك بسبب الخيانة الواضحة لعدد من قادة الحزب الشيوعي السوفييتي. كان الانهيار ضربة للشعوب وكفاحها، للعمال، وللسلام وللحركة الشيوعية، العديد من الأحزاب الشيوعية غابت عن الخريطة، أو غيّرت المبادئ والأسماء، وكانت هنالك محاولات عندنا لإلغاء الحزب، وإجراء تغيير في نهجه، وتغيير اسمه، والابتعاد عن كلمة الشيوعية، والابتعاد عن لينين قدر الإمكان، ثلث القواعد الحزبية تركت صفوف الحزب من ناحية تنظيمية على الأقل، وعدد من أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية تركوا صفوف الحزب، ولوّح بشكل مبالغ فيه بالتعددية حتى التنظيمية، والعلنية والشفافية.. والحداثة إلى آخر ما في هذه القائمة الطويلة. خرج حزبنا مجرحًا جدا لكن غير مقتول بفضل كل رفيقات ورفاق الحزب والشبيبة والجبهويين. وعاش الحزب فترات متطاولة من النقاش الحاد والتربّص وحتى القطيعة والعداء الشخصي، وكان الحزب على شفا الانقسام من قبل مجموعة لها رصيد هائل وتاريخ نضالي مشرّف في صفوف الحزب القيادية.



* وجاءت الضربة الرابعة في انتخابات الكنيست الأخيرة وانتخابات السلطات المحلية اليوم، وضعناها في هذا السياق بقصد للدلالة على خطورتها.
هنالك غضب مشروع جدًا على النتائج والأسباب. لو حُزنا على خمسة آلاف صوت قطريًا، لكان المزاج يختلف، وكانت النتيجة تختلف، كان بالإمكان المحافظة على تمثيلنا في الناصرة – مع الاعتبار للوضع الناشئ – وعرابة، وطمرة، ودير حنا وعيلبون ودير الأسد، حيث كان شيوعيون وجبهويون في رئاسة هذه المدن والقرى، فقط خمسة آلاف صوت!! ولا نقول هذا للتهرب من النتائج الخطيرة، والسؤال: هل ان الأسباب واحدة في كل مكان!! هل السبب في الناصرة مثلا مثل السبب في أمكنة أخرى من حيث تسييس المعركة والعمل الجماعي والمشاريع الهامة والانجازات!! الجواب لا بكل تأكيد.
هنالك رفاق وأصدقاء وغير أصدقاء يكرهون استعمال "مؤامرة" ولا يصدقون. وبرأيهم لا توجد مؤامرة على الشرق الأوسط، ولا على سوريا، ولا على إيران، ولا على العراق، ولا على ليبيا، ولا على فلسطين ولا على لبنان والمقاومة، أصبحت في نظرهم حجة كاذبة وممجوجة. وكذلك لا توجد مؤامرة ومخطط ضد الشيوعية هنا، بالرغم من مؤتمر الرياض المعروف. ولا توجد مؤامرة على الناصرة بالذات من قبل السلطة والعديد من الأحزاب والقوى السياسية التي تتدجج بالقيم "الدينية" و"القومية" والتي التقت لإسقاط الجبهة في الناصرة، نحن طبعًا لا نتهم كل مصوت ولا حتى كل مرشح خارج الجبهة.
هل علينا ان نتغيّر "كرمى لرئاسة مجلس" ونتاجر بالطائفية والعائلية، والأموال الدنسة!! هل علينا ان نتلوّن!! وان نخادع!! ونظهر باسماء غير اسمنا!!
في تلخيص الحزب لانتخابات الكنيست وللانتخابات المحلية هذه جاء من جملة ما جاء:
لم نُبرز خصوصيتنا الفكرية – نعم الفكرية – والتي على أساس هذه الخصوصية بالذات تبنى المواقف السياسية.
لم نُبرز الفروق الجوهرية بيننا وبين الدائرين في فلك الرجعية العربية والمستفيدين من أموالها الجمّة، ضمن المخطط الاقليمي الشرق أوسطي. والممارسات لهؤلاء واضحة جدا لما يدور في المنطقة من مصر إلى سوريا إلى لبنان إلى فلسطين.
اقترحت في اللجنة المركزية الدعوة إلى مؤتمر استثنائي للحزب لتدارس ما آل إليه وضعنا، وسيعقد هذا المؤتمر كما تقرر، وكذلك المسؤولية الشخصية مركزيا ومحليا واستخلاص النتائج، هذا موقفنا وقرارنا وواجبنا، وابدأ بنفسي بحكم مسؤوليتي، قبل ان يتفوه أي إنسان آخر بذلك.
ومع ذلك:
هل هنالك أدنى مصداقية لمن يعتز بأنه خارج صفوف الحزب والجبهة ويتكلم باسمها!!
هل هنالك مصداقية للذي عمل على الانشقاق المحلي في صفوف الحزب والجبهة ان يقول ذلك!!
هل الذي صوّت للمرشح المنافس وليس إلى مرشح الجبهة والحزب ان يقول ذلك!!
هل من انفرد بالقرار الشخصي دون أي اعتبار للعمل الجماعي والقرار الجماعي له مصداقية النقد!!
هل الذي يملأ "الفيس بوك" تحريضًا على رفاقه – ليس في هيئته – بل على الملأ وفي نفس الوقت يطالب بالعودة إلى حزب من نوع جديد، هو شيوعي ملتزم!!
إن "المركزية الديمقراطية" هي المبدأ التنظيمي الجوهري المكمل للمبدأ الفكري، أين هؤلاء من التنظيم الحزبي على أساس "حزب من نوع جديد"!!
ان الظهور بمظهر المنقذ والمهدي المنتظر، من قبل رفاق خرقوا ويخرقون التنظيم ببطولة ولدوافع ذاتية جدا جدا يفتقدون إلى هذه المصداقية حتى ولو من ناحية أخلاقية، ولا يجب الاستهانة بالجانب الأخلاقي أبدا.
هنالك مجموعة من الرفاق القدامى اتهموا الحزب بالانحراف الفكري والثوري وفي الانتخابات عملوا لصالح السيد هاشم محاميد، وفي الناصرة ويافة الناصرة على سبيل المثال لا الحصر نشطوا لصالح منافس الجبهة.
لقد قصّرنا في إبراز خصوصيتنا، وقصرنا جدا في أهمية زيادة العلاقة مع الجمهور، ليس في خلال معارك الانتخابات، بل على مدار الأيام، هنا يجب الإصلاح الجذري.
لقد قصرنا في التنظيم الحزبي في المناطق والفروع وبمسؤولية الحزب مركزيًا ومنطقيًا، هذا ما يجب إصلاحه.
ظهرنا كالآخرين تقريبا بلا فرق، في قضايا جوهرية ذات طابع فكري. كنا كالآخرين في يوم الأرض والنكبة وهبة أكتوبر... الخ، وهذا جيد وسنظل جزءًا من هذا النضال، لكن أين نشاطنا الطبقي والاممي الثوري الذي يظهر فقط في الأول من أيار!!
أين موقفنا الواضح والمبدئي من الخصخصة مثلا!!
كان هنالك العديد من الملاحظات حول "الحزب والجبهة" وحول "الانتقاد الانتقائي" والاصطفاف الانتقائي، وتغليب الشكل على المضمون، وخفوت الصوت أو التأتأة في إيصال القرارات الحزبية في قضايا أساسية. كل هذه مواضيع ذات وزن وذات قيمة، نتطرق إليها مستقبلا في الهيئات وتطرح في المؤتمر. المطلوب الآن تلخيص جريء، وشجاع، ونزيه، وبنّاء، وفي أساسه تقوية تنظيم الحزب، على أساس فكره الماركسي اللينيني الثوري والاممي.