عن الدور المقدس للمخابرات

باسل سليم
2005 / 6 / 6 - 06:49     

من حق نواب جبهة العمل الاسلامي في الاردن الالتقاء بمدير المخابرات العامة لطرح مطالبهم وللتعبير عن قضايا وهموم المواطنين الاردنيين الذين انتخبوا هؤلاء النواب والذين من المفترض أن تقوم هذه المخابرات أولا وأخيرا بحمايتهم .
ومن حق مدير المخابرات العامة أيضا تحويل هذا اللقاء الى مناسبة يقدم فيها بعض الاجابات التي تعني فيما تعنيه أن هناك تواصل بين جهاز من أجهزة الدولة وبين نواب الشعب المقيم في هذه الدولة..
أما أن يتحول هذا اللقاء "التاريخي" بين نواب العمل الاسلامي ومدير دائرة المخابرات العامة إلى لقاء عشائري على الطريقة الحديثة - حيث يقدم المستجيرين للمجير مطالبهم فيقوم كرامة ومنة وتقديرا لمقام المستجيرين بتحقيق مطالبهم بطريقة سحرية جازمة- فذلك من مفارقات السياسة الاردنية فقط ...
فبدلا من أن يحتكم مدير المخابرات العامة الى القانون والدستور الذي هو فوق الجميع مثله مثل نواب جبهة العمل الاسلامي قدم مجموعة من العطايا للشعب الاردني بمناسبة هذه الجاهة الكريمة ...
فمدير المخابرات العامة طمأن النواب "على ذمة الراوي من النواب" أن المخابرات ستتوقف عن مداهماتها الليلية لبيوت المواطنين وهي مداهمات مخالفة أصلا لروح الدستور الاردني وللقانون الاردني الذي يحضر على أجهزة الدولة مداهمة بيوت المواطنين بين الساعة السابعة مساءا والسابعة صباحا !!
المادة 10 من الدستور: " للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها إلا في الأحوال المبينة في القانون ، وبالكيفية المنصوص عليها فيه" .
كما أن اللواء وعدهم بأن لا تزيد مدة اعتقال المواطن الاردني في الدائرة عن الاسبوع وهي مدة اعتباطية لا نعرف الداعي لتحديدها بالاسبوع ، هل توصلت دائرة المخابرات لطريقة في الاستجواب تكفل لها معرفة الحقيقة في خضم اسبوع واحد فقط وماذا سيتم في خضم هذا الاسبوع ، جلسات نقاش مثلا أو محاولات لتعديل وجهات نظر المعتقل .. ثم ماذا يتم بعد ذلك : اطلاق سراح المعتقل أو يتم بعدها الاتصال بالمنظمات الاهلية والصليب الاحمر للاعلام عن أن المختفي في ضيافة الدائرة كي يتم توكيل محامي عن المعتقل ، القول بذلك مخالفة صريحة للقانون فلا يوجد نص قانوني يعطي الدائرة الحق باعتقال احدهم لاسبوع كما ان أنتهاك حقوق الانسان الاردني في هذا الاجراء تكمن في أن يتم اعتقال المواطن والتحقيق معه بدون حضور محامي يقوم بتوجيه المعتقل ويضمن فهمه لما يصرح به ويقدمه من معلومات ، تنص المادة 8 من الدستور الاردني على : "لا يجوز أن يوقف أحد أو يحبس إلا وفق أحكام القانون" ...
كما أن مدير الدائرة وعد النواب أن المواطنين القادمين والمغادرين للوطن لن تعيقهم الاجراءات على الحدود لأكثر من خمسة دقائق وهو أعتراف ضمني أن سبب التأخيرات هو تدخلات للأجهزة الأمنية ، أو قد يكون اعترافا أن تلك التأخيرات لم يكن لها داع وأنها أضاعت الكثير من وقت المواطنين على الحدود ، كي يعد المدير الان أن المدة لن تتجاوز الخمسة دقائق ...
هل جرت قفزة شاقولية في فهم الاجهزة الامنية الاردنية لمفهوم حقوق الانسان وقررت فجأة تعديل ممارساتها ، ليقوم نواب جبهة العمل الاسلامي بالتأكيد على الدور المقدس لهذا الجهاز ..
في الدستور الاردني المادة 30 الملك فقط" هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية " أما المواطنون سواء أكانوا نوابا أو عاملين في الدولة فهم محكومون بحقوق وواجبات ، والاجهزة الامنية تعمل على حفظ القانون لا أكثر ولا أقل ولا توجد أدوار مقدسة ، قولنا بهذا لا يقلل من أهمية عمل هذه الاجهزة ولا من كفاءة من يعملون بها ...أما أن يتحول دورها الى القداسة ، والقداسة لا تسائل ولا تحاسب والاسلاميون أدرى مني بتعريف القداسة فذلك كثير علينا !!!...هل هذا هو الثمن الذي على نواب الوطن أن يدفعوه كي يتم تحصيل الحقوق التي يجب أن تصان بالاصل وأن يكون صونها اداءا للواجب لا مكرمة من أحد...
كان بالاجدى على نواب جبهة العمل الاسلامي مطالبة مدير دائرة المخابرات بأن تكون جزءا من مؤسسات البلد التي تطبق القانون وتحفظ روح الدستور وتحافظ على حقوق المواطنين ...
وكان الاجدى على مدير المخابرات العامة أن يعتذر للناس عن أي تقصير يقوم به أو قام به جهازه...لا أن يطالب النواب أن يخبروه شخصيا بأي تقصير على طريقة الاقطاعيات ...طريقة توحي للناس بمنح الحقوق ويحتفل بها الجميع على أنها أنجازات وهي للأسف منة من معطي لما لا يملك من حقوق ، أصحبت تعطى لمن هو صاحب الحق الذي عليه بالمقابل أن يشيد ويشكر...
من الاخطاء التي ارتكبتها المعارضة الاردنية وخصوصا اليسارية منها بعد رفع الاحكام العرفية أنها لم تطالب بالتعويض عن فترة الاحكام العرفية التي دفع فيها الكثير من المناضلين سنوات في السجن كسجناء رأي (حين كان الاسلاميون يرفلون بنعيم العلاقة مع الحكومات ) ...لو فعلت المعارضة ذلك ولو صعدت من مطالباتها الديمقراطية بالطريقة التي يفترض بها أن تكون لما أصبح أي جهاز من أجهزة الدولة مقدسا ولما أصبحت الحكومات المتلاحقة تمنن على الناس بالحقوق والديمقراطية ...
أم أن المعارضة الاردنية ومن ضمنها نوابنا الاسلاميون أصبحوا مستجدي مكارم وطلاب عطايا ...