الماركسية و التراث العربي الاسلامي


يسار زين
2013 / 11 / 17 - 00:23     

كثرت في الايام المنصرمة المواضيع التي تناولت مسألة الحسين ابن علي ، وهنا اتناول بالتحديد موقف الشيوعيين منها، إذ من الضرورة سبر اغوار العلاقة بين الماركسية كمنهج للتحليل و تراث عربي اسلامي عليها ان تتعاطى معه بحكم الضرورة الموضوعية ، وقد تناول الشيوعيون الموضوع على الفيسبوك من منطلقين وجب علينا تفنيدهما لكشف الطرق التحليلية التي بها يتعاطون مع الاحداث . اول هذين المنطلقين يتمثل برأي مؤيد دغمائي للثورة الحسينية، حيث يرفع الشعرات الطائفية نفسها التي تغذي الانقسام الطائفي والتي هي بالاساس صناعة البرجوازية الدينية المتحالفة مع رجال الدين ، تلك الشعارات الموجودة وبكثرة في العراق و سوريا نظرا لشدة الاحتقان الطائفي التي تتسبب به البرجوازية لتثبيت سلطتها، وهنا يذوب الفكر الثوري في الواقع الملوث وتنتفي عنه صفته الثورية. أما ثاني هذين المنطلقين فيستقي من الثورة الحسينية مضامينها الثورية بما فيها من ثورة على الفساد و الظلم و شفافية في الموقف وعدم التخلي عنه وبالتالي انتفاء مرض الانتهازية حيث كان باستطاعة الحسين المبايعة و أخذ مركز مرموق يؤمنه له نسبه لمحمد، فإذا نحن أمام ثورة سياسية اجتماعية وجب علينا أن نأخذ منها موقفا لا أن نتجنبها بحجة تاريخيتها وأخذها طابعا طائفيا، خاصة وأن للجماهير العربية الاسلامية تعلقا عاطفيا شديدا بهذه اللحظة التاريخية ويجتمع على هذا التعلق وان بتفاوت كلا الطرفين السنة و الشيعة وخاصة ايضا ان هذه اللحظة التاريخية محط استغلال كبير من قبل رجال الدين. فهل تنفي الماركسية اي علاقة للانسان بمخزوناته الثقافية التاريخية و تجبره على نكرانها جملة وتفصيلا ؟ وكيف يمكن للماركسية مجابهة من يسطو على التاريخ العربي الاسلامي بحجج أبوية وايديولوجيا دينية طائفية خدمة لمصالحه؟
لا يمكننا أخذ موقف من اي حدث الا بعد التعرف على سياقه وأحداثه، وبالتالي على الماركسي ان يكون نقديا عند قراءته للتاريخ، فتختزل الشيعة الصراع بصراع ديني يغالون في تفاصيله وغيبياته ، إذ أن الطقوس الرائجة حالية تأسست عام 352للهجرة على يد معز الدولة لتأمين ولاء الناس للبويهيين.
كما وتنحو الفرق الاخرى للوقوف على الحياد منه وعدم تجريم الطرفين، وهنا يتلاقى كلا الطرفين اما مع الشيوعيين الذين يدعون للحياد وعدم اخذ موقف من الحدث بحجة تاريخيته و ظهوره بمظهر طرفي و اما مع الشيوعيين الذائبين في ثقافة مجتمع طائفي .
ولقد علمتنا الماركسية ان التاريخ ما هو الا صراع طبقات وبالتالي فان تلك اللحظة التاريخية هي صراع طبقي بين طبقة حاكمة ثرية تزعمت التجارة في قريش واعتادت على الحكم وغرقت في فساده وملذاته و بطشه و بين طبقة وجيهة انتفضت ضدها كما يظهر التاريخ من ثورة محمد بوجه اسياد قريش و تجارها هذه الطبقة وان جمعت حولها فقراء عصرها وعبيده الا انها لم تكن من نفس الاساس الطبقي لانصارها حيث انها استحوذت على قدر ميسور من الثقافة التاريخية والدينية والمركز الكهنوتي وبالتالي استلمت قيادته عبر ايديولوجيا دينية .
ولقد علمتنا الماركسية ايضا ان الثورية ليست الا صفة نسبية مرتبطة ببنيتها الاجتماعية فلا يمكننا نفي صفة الثورية مثلا عن البرجوازية ابان ثورتها ضد الاقطاع لان الايديولوجيا البرجوازية اليوم لم تعد ثورية ! وبالتالي لا يمكننا نفي صفة الثورية عن حركة الحسين في يومها لان الايديولوجيا الدينية اليوم اصبحت رجعية. وكما ان البرجوازية قدمت مفاهيم لا يمكن للبشرية القفز عنها كالحرية و المساواة والعلمانية والدولة القومية ايضا قدمت حركة الحسين مفاهيم لا يمكن للتاريخ العربي الاسلامي التخلي عنها كالانتفاض ضد الحاكم و رفض الذل و الظلم و مبايعة الحاكم الفاسد عدا عن دروس التضحية والفداء ، لا يمكن للعرب التخلي عنها ليس لان الحسين بن علي بوصفه رمزا شيعيا اتى بها بل لانها ضرورة تاريخية في وقتها ولازالت لليوم بعض شعارتها راهنة.
ولاننا ماركسيون ولاننا موجودون في لحظة تاريخية وبنية اجتماعية حكمت علينا المواجهة مع البرجوازية بكل اطيافها واخطرهم حاليا البرجوازية الاسلامية ، وجب علينا تجريد هذه البرجوازية من كل اوراق قوتها ومن بينها المتاجرة بالموروث التاريخي الذي هو اخطر اسلحتها ، فبينما تستغله تلك البرجوازية بسكونه وتاريخيته تسعى لفرضه انقساما حاليا مسترجعة اياه من التاريخ ، وعلى النقيض تقوم الماركسية بتحليله بحركته وتناقضاته لتنتزعه من يدي البرجوازية الدينية ليس في محاولة منها لاسلمة الماركسية او تشييعها بل للالتحام بالقواعد الشعبية و استخلاص العبر التاريخية منه.
ان الغربة عن الواقع والعزلة عنه سبب اساسي في تراجع الماركسية عربيا، وحركة الحسين كما وصفت اعلاه تستحوذ على قدر مهم من عقلية الانسان العربي الاسلامي ، وبالتالي فان احترام معتقدات الجماهير و عدم التعالي عليها ينتج بالضرورة احتراما للماركسية الناظرة للحركة الحسينية نظرة ايجابية و التي بنفس الوقت تسحب العباءة الغيبية الرجعية الطائفية عن جسد البرجوازية الاسلامية بشقيها .
وبالتالي على هذه النخب العلمانية أن تفهم أن العلمانية لا تحقق بالابتعاد عن التاريخ العربي الاسلامي بل بتغيير الاساس الاقتصادي الاجتماعي للمجتمع وهذا يحتاج مما يحتاجه لصراع فكري طويل مع الرجعية فلا يمكننا مثلها "اي العلمانية" ان نعزل انفسنا عن التاريخ الديني للمجتمع. اذا يسقط الماركسيون اصحاب الرأي الانعزالي عن التاريخ في فخ العلمانية بوصفها درءا لانقسام الجماهير الطائفي وبالتالي يبتعدون عن الماركسية التي تشترط تغييرا ثوريا لاساس المجتمع من أجل فض هذا الانقسام الطائفي هذا التغيير المحتاج بالضرورة لصراع فكري مع البرجوازية لا بد منه وبالتالي لا بد من العودة للتاريخ الذي تستمد منه البرجوازية التابعة احدى اوراق قوتها.
أخيرا على الماركسية كي تنطلق مجددا أن تنزع عنها هذا الاستعلاء على الجماهير و على تاريخها لانها المعنية الاولى بتغيير هذا الواقع الذي يحمل سمات التاريخ حكما نتيجة التطور المشوه لبنيته . اذا لا يعد تناول بعض الماركسيين لحركة الحسين بنظرة علمية ايجابية نوعا من انواع العودة للطائفية و الوقوع في حفرها بل هو عين الثورية شرط ان يكون من أجل نقد التاريخ الديني و تعرية البرجوازية من أوراق قوتها.