جريمة بدون عقاب !


نجيب الخنيزي
2013 / 11 / 16 - 21:01     


أحيا الفلسطينيون يوم الاثنين الماضي الذكرى التاسعة لرحيل القائد الفلسطيني التاريخي ياسر عرفات، وسط تأكيد حقيقة قديمة/ جديدة بأن عرفات لم يمت ميتة طبيعية بل عن طريق اغتياله بالسم، وفقا لما أكدته تقارير المختبرات السويسرية والروسية إثر تحليلها لرفاته وتربته عن وجود نسبة عالية لمادة البولونيوم، وهي مادة لا تمتلكها سوى الدول النووية وهو ما يثبت ضلوع إسرائيل المباشر في اغتياله، وبالطبع فإن ذلك يحتاج إلى وجود شخص أو جهة متواطئة ضمن الدائرة الخاصة المحيطة بالزعيم الفلسطيني الراحل الذي أخضع مقره في رام الله للحصار الإسرائيلي المحكم منذ مارس 2002، وحتى وفاته في مستشفى فرنسي في 11 نوفمبر 2004، وقد تسربت أنباء ــ آنذاك ــ بأن الأطباء الفرنسيين شخصوا سبب الوفاة، ولكنهم تجنبوا إذاعتها بسبب الحظر الرسمي من قبل إدارة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وذلك منعا للتداعيات الخطيرة لدى الشارع الفلسطيني وفي العالم العربي في حال تأكيد تلك الشكوك. قيادات وجهات فلسطينية عدة طالبت بإجراء تحقيقات للكشف عن الجهة المتواطئة، كما طالبت بتقديم طلب للأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية في جنيف بهدف تشكيل لجنة تحقيق دولية على غرار ما جرى إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
من المعروف بأن ياسر عرفات تعرض لعدة محاولات قتل أو اغتيال فاشلة من قبل إسرائيل على مدى كفاحه الطويل، ومنذ تأسيسه في الكويت لحركة تحرير فلسطين في 10 أكتوبر 1959، بمشاركة شخصيات فلسطينية من بينها خليل الوزير وصلاح خلف وفاروق قدومي وغيرهم، غير أن قائمة اغتيالات إسرائيل للقيادات والكوادر الفلسطينية البارزة أكبر من أن تعد، مع أنها لا تعلن دائما مسؤوليتها المباشرة، خصوصا إذا تمت خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد يكون ذلك أمرا متوقعا في صراع وجودي بين الاحتلال والمقاومة، وحين كانت المقاومة ترفع شعار تحرير كامل فلسطين ومن البحر إلى النهر، غير أن إسرائيل قامت بتصفية الزعيم الفلسطيني الذي اعترف بإسرائيل ووقع معها اتفاقية أوسلو (1993) التي حظيت برعاية أمريكية وعربية واضحة، والتي بناء عليها توقفت المقاومة المسلحة، كما اعترف العالم بزعامته لمنظمة التحرير الفلسطينية وبرئاسته للسلطة الفلسطينية التي فاز فيها بنسبة 88% من أصوات الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. ووفقا للمعطيات المتوفرة، فإن اغتيال عرفات تم بمعرفة الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، وقد أورد الصحافي الإسرائيلي أوري دان المقرب من شارون في كتابه عن شارون فحوى المكالمة الهاتفية بين شارون والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، والتي تدور حول ضرورة التخلص من ياسر عرفات، إثر الفشل في محاولة ترويضه للامتثال للمطالب الإسرائيلية/ الأمريكية المذلة، والتي من شأنها تصفية الحقوق والمطالب الفلسطينية العادلة.
ومن المعروف أن بوش وأقطاب إدارته ــ آنذاك شددا ــ على مطالب تضمنت ضرورة التخلص من ياسر عرفات، وتفكيك بنية السلطة الفلسطينية وإعادة تركيبها ضمن المواصفات والمقاييس الأمريكية/ الإسرائيلية، وذلك تحت عنوان الإصلاحات السياسية والاقتصادية والأمنية، وفي الواقع ما كان يهم الإدارة الأمريكية وحكومة شارون هو إعادة تأهيل وهيكلة السلطة الفلسطينية والإصرار على رحيل عرفات وعدم التعاطي معه «حتى في حالة انتخابه مجددا»، وهو ما أكدت عليه في حينه كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي. بمعنى آخر السعي لتصفية القضية الفلسطينية عن طريق فرض الخيار الشاروني الذي تدعمه الإدارة الأمريكية وتيار المحافظين الجدد المهيمن عليها، والذي يؤكد على أولوية مكافحة الإرهاب، ووصم كل شكل من أشكال المقاومة الوطنية المشروعة بأنه يندرج في خانة الإرهاب، مع التأكيد على حق إسرائيل في القيام بكافة الممارسات والإجراءات التي تراها ضرورية لأمنها، بما في ذلك إعادة احتلال الأراضي والمدن الواقعة تحت نطاق السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقات أوسلو وارتكاب المجازر وفرض الحصار والتجويع والإذلال وهدم المنازل وتجريف المزروعات وتنظيم الاغتيالات والاعتقالات الواسعة، وتوسيع نطاق الاستيطان.
الجانب الفلسطيني مدعو إلى إعادة النظر بجدية في كامل المسار الذي اختطه منذ اتفاقيات أوسلو «التي لم يحصد منها الشعب الفلسطيني سوى مزيد من العذابات» وحتى الآن، ما يتطلب الإصلاح الجذري لكافة مؤسسات السلطة الفلسطينية، وإرساء المصالحة والوحدة الوطنية في المقام الأول، وفي الوقت نفسه من المهم الارتقاء بمستوى التضامن العربي وتوحيد كافة الطاقات والجهود والإرادات العربية الرسمية والشعبية من أجل تقديم كل أشكال الدعم المادي والسياسي والمعنوي وغيره لتمكين الشعب الفلسطيني من الاستمرار في المقاومة والصمود حتى تحقيق مطالبه العادلة في جلاء الاحتلال وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. السؤال المطروح هنا: إلى متى تستمر إسرائيل في احتقارها للقانون والشرعية الدولية، وتفلت من المحاسبة والعقاب على مسلسل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى