عاشوراء الدوق فليت الأبدية


عماد البابلي
2013 / 11 / 14 - 20:02     

الأضحية والقرابين هي محور ما أود مناقشته هنا في هذه المقالة ، لفت نظري مشاهد مروعة هذا الصباح لبشر ملطخين بالدماء وفي حالات خطرة في شعبة الطوارئ ، ضربوا رؤوسهم بالسيوف في طقوس مميزة في العاشر من المحرم ، اليوم الذي فيه قتل الحسين بن علي ، سنناقش هذه الثيمة المشتركة بعد قليل .. سنستخدم بعض أفكار الانثربولوجيا وعلم النفس اليونغي في فهم هذا الطقس ، نفهم الآخرين بحثا عن الأمان وبحثا عن سبل العيش مع كائنات لا نفهمها ولا تفهمنا ، طقس الأضاحي أو القرابين يعود للعصور الحجرية القديمة فقد تراوحت تلك الثقافات القديمة بين البشر وبين الحيوانات وبين النباتات ، فكلما تعقدت الحضارة زاد تكلفة القربان ، تخبرنا الكتب المقدسة الإبراهيمية عن حادثة القربان الأول بين هابيل وقابيل ، قابيل قدم ثمار ما زرع ، وهابيل قدم ما صاده من البرية ، الإله يتقبل الذبيحة ولم يتقبل النباتات !! تعطينا هذه الأسطورة رتبة هذا الإله بوصفه جنرالا لا بصفته مهندسا كما أفهمه أنا ، الجنرالات في استراحتهم يعذبون أسراهم وأن لم يجدوا حروب يخلقونها ، تقفز لنا تلك الكتب لحادثة أخرى وهي التضحية بالنبي يونس حين حاصرت عاصفة السفينة التي كان يركبها ، ضحى البحارة وبالقرعة بهذا المسكين الهارب حتى يهدأ مزاج إله العواصف ، وقصة أخرى تتضمن التفكير جديا من قبل ابراهيم بابنه حسب طلب الرب ، يسوع يسلم نفسه للصلب كأي مخبول ( هربا من القرف ربما ) حين تحدى كهنة أورشليم بشكل علني ، طبعا لاحقا تمت تحويل القصة على كونها تضحية بشرية من اجل خلاص العالم ، قصة تنفع كهنة الكنائس في قيادة القطعان كآلية تضمن الولاء المقدس ابديا ، خارج ثقافة ابراهيم وذريته كان مفهوم القربان هو نفسه فمن حضارات أميركا الوسطى والجنوبية ( المايا وألانكا ) وصولا للصين وجزر اليابان تنوعت طقوس الأضاحي رغم احتفاظها بنفس الجوهر ، في اليابان القديمة كانت القصور والمباني عامة تُدفن تحت أسسها النساء العوانس طلبا من أرواح الأسلاف حتى يحفظوا تلك المباني ، سور الصين كان يدفن تحته جثث العمال حتى يبقى ابديا ، وفي المايا كان يضحون بالأسرى طلبا لرضى الآلهة ، ولدينا الطقوس البابلية في البكاء على تموز القتيل وحزن العروسه ( عشتار ) علي حبيبها .. نأتي الأن لمناقشة ثيمة طقوس عاشوراء ، ثيمة حديثة نسبيا على التاريخ الشيعي ، تخبرنا المصادر بغيابها كليا في العصر البويهي والعصر الفاطمي وحتى في أشد الأفكار الإسماعيلية غموضا لم نجد مثل تلك الأفكار ، الطقوس مطبوخة ببراعة في الفرن الصفوي ، وكلنا يعلم جيدا هنا تشيع صفوي يختلف كليا عن التشيع الجعفري بنسخته العتيقة ، لماذا وكيف ولدت تلك الطقوس في العوالم الذهنية للسيد إسماعيل الصفوي ، الموضوع يتعلق بخلق التوكيدات العاطفية لهذا المذهب في مقابل عظمة الدولة العثمانية السنية ، يخبرنا علي شريعتي بأن تلك الطقوس مستوردة من اوربا الوسطى ، كان المسيحيين في تلك المناطق يعيدون تمثيل صلب السيد يسوع بالدم .. شيء ما يجلس في خلف اللاشعور الجمعي ، شيء يتعلق بخلق سندات مصرفية ( نفسية ) بين المجتمع البشري من جهة وبين تلك الرموز المقدسة ( يسوع والحسين ) ، تلك السندات توحد البشر في كرنفالات مشتركة بحثا هوية موحدة ، يشبه الأمر تماما ما يحدث في احتفالات اعياد الميلاد والهالوين ، خلق نقاط مقعرة تجذب البشر لبعضهم البعض على طوال الخط الاجتماعي التطوري .. نلاحظ هنا : كلما زاد التطور الاجتماعي تحول الطقس للفرح وبالعكس .. كهنة مدينة النجف حريصون جدا على أبقاء تلك الطقوس أبدية ، تصرف المليارات من الدولارات كل عام في الذبائح والأكل الذي ينتهي إلى سلال القمامة وبقاء الشعب العراقي تحت مستوى خط الفقر ، الخرافة وحدها تجعل من الفقر أبديا ، وبهذا يكون الصراع الطبقي ( حسب الماركسية ) مشتعلا لبقاء مفهوم مناطق الجوع الكافر والشبع الكافر بعيدين عن بعض ، وفي المساحة الفاصلة بينهما يوجد فراغ وظلام وفناء تسكن في رفوفه مقدسات مثل يسوع والحسين وإبراهيم وتموز ويوسف وغيره ، تلك المقدسات والثيم تجعل من سكان الأعلى لا يلتقون مع سكان الأسفل ... أنتهي الأن من الكتابة وأحتفل سرا بعيدا عن القبيلة بعيد ميلاد هيكارو ، هيكارو الجميلة بطلة قصة الدوق فليت ، الذي اعلن من نفسه مخلص هذا العالم ومعزيه ، قوات فيكا المتحالفة تريد الفتك بالبشر ، لكن المنقذ يتدخل ويخلص العالم ، الدوق يرحل نحو عالمه الأصلي ، ويبقى البشر يحتفلون بذكراه الأبدية ، يمثلون الأن في مجالس عزاء ضخمة جدا شخوص متحاربة مثل كوجي وهيكارو والدوق وهناك القائد دندال وبلاكي ، ينجح دايسكي بالقضاء عليهم ويرحل وتبقى هيكارو وحيدة ، وهنا وفي هذه اللحظة الحاسمة تبدأ النساء بالعويل واللطم ... شكرا لكم