مقاربة جدلية للشكل السينمائي (1)سيرجي أيزينشتاين


هشام روحانا
2013 / 11 / 9 - 10:50     


ترجمة وإعداد هشام روحانا
•بحسب ماركس وانجلز فإن المنظومة الجدلية ليست سوى إعادة إنتاج واعية للطبيعة الجدلية (للمادة) لأحداث العالم الخارجية ولهذا: فإن انعكاس المنظومة الجدلية للأشياء في العقل على شكل إبداع المجرد، من خلال مسار التفكير تنتج: المنهجية الجدلية في التفكير، الجدلية المادية- الفلسفة، وأيضا فإن انعكاس نفس نظام الأشياء من خلال إبداع الملموس وبينما أنت تعطيه شكلا فإنك تنتج: الفن.



يُعتبر سيرجي أيزنشتاين(1898- 1948) أحد أهم مخرجي السينما العالمية ومنظِّراسينمائيا كبيرا، ساهم في تأسيس نظرية السينما، وأثار بأفلامه وتجاربه في التطبيق السينمائي جدلا عميقا حول علاقة السينما بالفكر الإنساني وبالفنون الأخرى، كما نظّر لجمالية وخصائص الفن السينمائي ووظائفه. ولد سيرجي ميخائيلوفيتش أيزنشتاين في 23فبراير 1898 في مدينة ريجا Riga عاصمة لاتفيا. وقبل بلوغه العاشرة من عمره أصبح يجيد اللغات الروسية والألمانية والانجليزية والفرنسية، واتجه إلى الرسم، ثم درس الهندسة. ومع اندلاع الثورة البلشفية في روسيا هجر الهندسة وعمل رساما في إحدى الصحف قبل أن يلتحق بالجيش الأحمر، ليشارك في تصميم قطارات الدعاية الشهيرة للثورة البولشفية. وانحاز أيزنشتاين في تجاربه المسرحية إلى جانب الاتجاه الطليعي الذي كان يرفض مفهوم الواقعية التقليدية منحازا الى المسرح الطليعي بموسكو متبنيا النظرية التركيبية التي ترى ضرورة تفكيك جوانب العمل المسرحي إلى قطع صغيرة يمكن ضمها إلى بعضها البعض وتقديمها حسب رؤيا المخرج. ما تزال نظريته عن "اللقطة" والمونتاج تثير جدلا عميقا في أوساط العاملين في الحقل السينمائي.
يقول الباحث البريطاني ريتشارد تايلور عن سيرجي أيزنشتاين: "إذا ما كان هناك أحد يستحق أن يوصف بأنه" شكسبير السينما" فمن الواجب أن يكون هو سيرجي أيزنشتاين. إن مكانته ودوره في تطوير السينما كشكل فني تشبه في جوانب عديدة تجربة شكسبير في تطوير الدراما الحديثة، ولكن على العكس من شكسبير كان أيزنشتاين أكثر من مجرد ممارس رائد لفنه، بل كان أيضا المنظر الأساسي له، ولذلك لم يكن فقط "شكسبير السينما" ولكن أيضا، وعلى نحو ما، ستانسلافسكي وبريخت وربما أيضا ميرهولد".
(المترجم)

**

في الطبيعة لا نشاهد أيا من موضوعاتها منعزلا، بل إن كل شيء في اتصال بشيء آخر، إما قبله أو إلى جانبه، تحته أو فوقه
(جوتيه)
وبحسب ماركس وانجلز فإن المنظومة الجدلية ليست سوى إعادة إنتاج واعية للطبيعة الجدلية (للمادة) لأحداث العالم الخارجية ولهذا: فإن انعكاس المنظومة الجدلية للأشياء في العقل على شكل إبداع المجرد، من خلال مسار التفكير تنتج: المنهجية الجدلية في التفكير، الجدلية المادية- الفلسفة وأيضا فإن انعكاس نفس نظام الأشياء من خلال إبداع الملموس وبينما أنت تعطيه شكلا فإنك تنتج: الفن.
وتأسيس هذه الفلسفة هو مفهوم ديناميكي للأشياء: الوجود-كمفهوم ارتقائي ثابت ينشأ من التفاعل بين متناقضين متعارضين اثنين.
التركيب (Synthesis)- الذي ينشأ من التعارض بين الأطروحة ونقيضتها (Thesis and antithesis).
إن الاستيعاب الديناميكي للأشياء، أساسي أيضا وبنفس القدر من أجل فهم صحيح للفن ولمجمل الأشكال الفنية، ويتجسد هذا المبدأ الجدلي في مجال الفن على شكل صراع بوصفه العنصر المؤسس لكل عمل فني ولكل شكل فني ذلك لأن الفن دائما هو صراع:
1. من حيث رسالته الاجتماعية؛ ذلك لان مهمته كشف تناقضات الوجود وتظهيرها. وذلك من أجل تشكيل وجهات نظر مُنصِفة من خلال تنظيم التناقضات القائمة داخل عقل المشاهد، ومن أجل صقل مفاهيم ثقافية ملائمة، تصعد من هذا الصدام الديناميكي ما بين الرغبات المتناقضة.
2. من حيث طبيعته؛ إذ ان طبيعته هي التناقض القائم ما بين الوجود المادي والنزعة الإبداعية، ما بين القصور العضوي والمبادرة الهادفة. إذ يقود تضخيم المبادرة الهادفة - مبادئ المنطق العقلي- إلى تخشب الفن في شكل تقانة المعادلات الرياضية. (تتحول لوحة المنظر الطبيعي إلى خارطة طوبوغرافية، بينما تتحول صورة القديس سباستيان الى مخطط تشريحي).
وتقود نزعة العفوية الطبيعية - ذات المنطق العضوي-إلى تحلل الفن ليغدو بدون شكل.
وبما أن حدود الشكل العضوي (المبدأ الخامل للوجود) هو الطبيعة. وحدود الشكل العقلي (المبدأ الفعال للإنتاج) هو الصناعة ، فإنه على تقاطع الطبيعة مع الصناعة يقف الفن.
ينتج صدام منطق الشكل العضوي ضد منطق الشكل العقلي.





*جدلية الفن الشكل *




يقوم التفاعل البيني بينهما بتحديد الديناميكية. وليس فقط في نطاق مفهوم مجال الزمن-المكان (الحيز)، بل في حقل التفكير المجرد بعينه. وإنني لأنظر أيضا إلى إنتاج المفاهيم الجديدة ووجهات النظر في الصراع بين الإدراك المألوف والتمثُل العيني بوصفه ديناميكية - ديناميكية عطالة الإدراك- أي كتحريك ونقل "وجهة النظر التقليدية" نحو أخرى جديدة.
وتحدد كمية مقاطع الفَوْت (Interval) وطأة التوتر. (يُنظر، في الموسيقى على سبيل المثال لمفهوم مقاطع الفَوْت. هنالك حالات حيث تكون فيها أبعاد الفواصل واسعة إلى الحد الذي يُنشئ كسرا- إنهيارا لمفهوم التناغم في الفن، على سبيل المثال "انعدام السَمَاع" لمقاطع محددة من الفَوْت).
إن الشكل المكاني لهذه الديناميكية هو التعبير. وإن أطوار التوتر فيها هي الإيقاع.
إن الأمر ساري المفعول على جميع أشكال الفنون وفي الحقيقة على جميع أشكال التعبير. وبالمثل، فإن التعبير الإنساني هو صراع بين ردود الفعل المشروطة وردود الفعل غير المشروطة. وفي هذا فإنني لا استطيع الاتفاق مع كلاجيس Klages (1) الذي:
1.لا يأخذ بعين الاعتبار التعبير الإنساني بوصفه مسارا بل على أنه ثابت كنتيجة.
2. يحيل كل شيء متحرك إلى مجال "الروح" بينما يحيل فقط تلك العناصر المعيقة إلى مجال "العقل" ."العقل" و"الروح "بمفهومهما المثالي ويتماثلان عن بعد مع الأفكار حول ردود الفعل المشروطة وغير-المشروطة.
إن هذا الأمر صحيح تحديدا في الحقل الذي يمكن فهمه على أنه فن. على سبيل المثال فالتفكير المنطقي أيضا يمكن فهمه على أنه فن، فهو يُظهِر نفس الآليات الحركية: الحياة الفكرية لأفلاطون أو دانته، سبينوزا أو نيوتون كانت واستمر الحفاظ عليها بتأثير البهجة النابعة من الجمال الخالص لعلاقات التناغم الإيقاعي بين القانون و المثال العيني، بين النوع والفرد وبين السبب والنتيجة. ويسري مفعول الأمر في مجالات أخرى، مثلا في الكلام، حيث تنبع سيولته، حيويته وحركيته من شذوذ الجزئي عن علاقته مع القانون الناظم للمجموعة بالكامل. بعكس ما نشهدهمن العقم في التعبير في مثل هذه "اللغات" الاصطناعية تامة التنظيم كالاسبيرانتو(Esperanto).
وهذا المبدأ عينه هو مصدر الفتنة في الشعر. إن التناغم الإيقاعي يصعد كصراع بين المقاييس الموزونة المتحققة وبين تنوع توزيع النبرات الذي يحاول تجاوز هذه المقاييس.
إن مفهوم الظاهرة الثابتة شكليا كوظيفة ديناميكية يعبر عنه جدليا أجمل تعبير في مقولة جوتيه الحكيمة: "الارختكتورة هي الموسيقى وقد تجمدت" (Die Baukunst ist eine erstarrte Musik).
وفي حالة الأيديولوجيا المتجانسة (وجهة النظر الأحادية) فإن الكلية مُخترَقة بمجموعها وصولا إلى أصغر تفاصيلها من قبل مبدأ الروح. وهكذا، فعلى طول مسار صراع المشروطية الاجتماعية وصراع الطبيعة المتحققة فإن منهجية أي فن هي مبدأ الصراع ذاته. بوصفه المبدأ الاساسي للايقاع المتناغم المطلوب إبداعه وإجتراح الفن-الشكل.





// ترجمة وإعداد هشام روحانا