البيع و الشراء في سوق السياسة ..


اسحاق الشيخ يعقوب
2013 / 11 / 4 - 19:35     


الاقتصاد ركيزة عصب الحياة و مدار تجلياتها .. وهو قاعدة اساسية لمجمل انشطة مؤسسات المجتمع المادية و المعنوية .. فالاقتصاد و السياسة – كما يقال – واجهتان لعملة واحدة ... و الاقتصاد في انشطة رساميله الثابتة و المتحركة في العمل و الانتاج يخضع في نموه و تطوره و تمركزه الصناعي و البنكي في عملية المضاربة و المنافسة في الاحتكار و أن اسواقه المتعددة : فيما يعرف بسوق العمل و سوق الانتاج و سوق العقار و سوق البيع و الشراء و خلافه في علاقات الناس و توازن مصالحهم الاجتماعية و هي اسواق اقتصادية خاضعة اجتماعياً لموازين سوق السياسة في الداخل و الخارج ... ولم تكن الرساميل الاقتصادية المحلية في معزل عن تأثيرات الرساميل العالمية الاحتكارية !!

ان اهداف السياسة في الدول الامبريالية في اعادة تقسيم العالم اصبح في حركة سوق السياسة على صعيد العالم : خاضع للتوازن الدولي وفقاً لقيم التكاليف و العوائد في السياسة الاقتصادية !!

ان دولاً عديدة أضحت على طاولة مفاوضات البيع و الشراء في سوق السياسة وقد اصبحت القواعد العسكرية الامريكية الثابتة و المتحركة واقع تهديد و اخضاع بالتسليم لواقع الامر في سوق البيع و الشراء ضمن توازن موازين القوى على صعيد العالم !!

ان الاقتصاد هو المحرك الاساسي في اللعبة السياسية بين الدول الامبريالية في تجاذب المصالح على ايقاع اعادة تقسيم العالم في تغيير الخارطة الجيوسياسية على اساس توزيعات جديدة لموازين القوى و في ترتيبات اقليمية مقبلة قد تمس سيادة و استقلال بعض الدول ...

ان احتكار السوق اقتصادياً ياخذ الى احتكار ادارة السياسة لمصلحة الاقتصاد ... وهو ما ينعكس في الصراعات السياسية على صعيد العالم ...

و في الشرق الاوسط تبرز السياسة الايرانية كلاعب له ادوات نفوذه الجيوسياسية في العراق و سوريا و حزب الله في لبنان وحماس في غزة و الحوثيين في شمال اليمن و في الحراك الطائفي الشيعي في الخليج و الجزيرة العربية ..

و تشكل الملاحة في الخليج اهمية جيوسياسة كبيرة اذ تستوعب مياهه يومياً مرور ما يقارب 20 % من انتاج النفط .. و تلوح ايران باغلاق مضيق هرمز كلما اشتد الخناق الاقتصادي العالمي عليها .. علماً ان حجم صادرات الخليج من النفط لا تتجاوز 25 % وهو ما يضعف من اهميته اذا قيس بما هو متاح في الاحتياطي النفطي الاستراتيجي للولايات المتحدة الامريكية وفقاً لمرئيات ( مايكل سينغ ) في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى .. خلاف ما تراه مجموعة الهلال البحرية في لندن بأن اعاقة حركة الملاحة في الخليج سوف يؤثر على ناقلات النفط و سيضاعف اسعار الخام وهو ما يعني اضافة تكاليف اقتصادية عالية مؤثرة على الاقتصاد العالمي اذ ان الصين و كوريا الجنوبية و الهند و اليابان تستورد بمفردها ما حجمه 77 % من نفط الخليج .. وهو ما يندرج في سوق البيع و الشراء في عرض و طلب الاقتصاد و السياسة على حد سواء !!

ولا ريب ان الملف النووي الايراني اصبح شعرة معاوية في التجاذب بين الاقطاب على الصعيد العالمي .. وهو خاضع في كل مخاطره النووية على أمن اسرائيل بشكل خاص و الدول النفطية السائرة في ركاب الامبريالية الامريكية على صعيد العالم ..

تلكم الورقة فائقة الحساسية و الاهمية : ورقة الملف النووي الايراني الاكثر امكانية في اخضاع سوق السياسة في البيع و الشراء بين الكواليس الصامته في التقارب الايراني الامريكي على طاولة الملف النووي الايراني في عملية البيع و الشراء ( خذ وهات ) و كل شيء خاضع لحسابات العائد و التكلفة الذي يحدد عملية البيع و الشراء في سوق السياسة !!

و تقيس دراسات المراكز الاستراتيجية في الولايات المتحدة الامريكية الاهمية التاريخية حاضراً و مستقبلاً لدول منطقة الشرق الاوسط و ابعاد تطور قوى الانتاج فيها و على ضوء هذه الاهمية تتخذ مواقفها الاستراتيجية تجاه هذه الدور دون مراعات اي شيء سوى مصلحتها الاقتصادية في البيع و الشراء في سوق السياسة !!

و يرى الخبير في الشؤون الايرانية الدكتور محمد السلمي الاهمية الايرانية " حاجة الغرب و الناتو لايران على جبهة افغانستان خصوصاً بعد الانسحاب الكامل للقوات الدولية من الاراضي الافغانية و كذلك حاجة الغرب الى التقارب الكبير بين ايران و الحكومة العراقية الراهنة و المقربة جداً من طهران .. اذ يحتاج الغرب لخدمات ايران فيما يتعلق بالوضع الامني و السياسي على الاراضي العراقية "

و ترى جهات استراتيجية امريكية ايران في هذا الخصوص و ليست السعودية و لا تركيا لديهما امكانيات ما يضاهي الخدمات التي يمكن ان تقدمها ايران للغرب و للولايات المتحدة الامريكية !!

وفي دراسة لجريدة الرياض في المملكة العربية السعودية تحت عنوان ( الغرب في بازار ايران ) في تحليل اخباري لأيمن الحماد قائلاُ : " و انه من النتائج التي ستهب على المنطقة قريباً و هي نتائج عملية للتقارب الايراني – الامريكي – الاوروبي – التسليم بطهران كقوة نووية في المنطقة لديها القدرة التكنلوجية للوصول الى مستويات تخصيب عالية لكن دون ان تصل اليها وهو ما يجعلها في ميزة تفصيلية أمنية دفاعية على باقي دول الخليج خصوصاً و الاقاليم عموماً .. فالتقارب الامريكي – الايراني – الاوروبي سيحجم من دول النفط الذي تتمتع به دول الخليج كأداة سياسية "

وهو ما يعني ان أشياء من اطماع الامبراطورية الفارسية اخذت تتحول من احلام الى واقع .. و يرى الباحث التركي ( علي باكير ) في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية في ( انقرة ) " ان التحولات الحاصلة في الخريطة النفطية الاقليمية و الدولية التي تعتبر مصدر قوة دول الخليج ولا سيما السعودية في طريقها للتغيير مع توجه الولايات المتحدة لتصبح اكبر منتج للنفط و الغاز في العالم في العام القادم بفضل اكتشاف النفط و الغاز الصخري "

و تصبح السياسة الايرانية في عهد روحاني اكثر وضوحاً في براغماتية البيع و الشراء في سوق السياسة فهي خلاف السعودية في وضع براغماتي يُجير لها ان تفتح ذراعيها للدولة العبرية اسرائيل و تفرش السجاد الاحمر في اقامة علاقات دبلوماسية حميمية معها .. وهو ما تدركه الولايات المتحدة الامريكية جيداً في هذا الخصوص و ما هو في وضع نقيض سعودي مبدئي من الصعب ملامسة حساسياته الجيوسياسية !!

و يُصبح التجافل السعودي مشروعاً تجاه التقارب الامريكي – الايراني و ماله من تجاذبات فيما يستجد في عالم السياسة على الصعيد الدولي و الاقليمي ... و كأن موقف الرياض جلياً في رفضها و عدم قبولها المقعد الدائم في مجلس الامن الدولي .. وكان بيان الخارجية السعودية شكل سابقة احتجاجية ضد السياسة الامريكية .. وهو ما عزت ذلك الى اسباب متنوعة في عدم التقدم في حل القضية الفلسطينية وعدم اتخاذ مواقف ناجعة تجاه اخلاء المنطقة من اسلحة الدمار الشامل اثر سياسة الولايات المتحدة الامريكية في الكيل بمكيالين و التسويف و عدم اتخاذ اجراءات عسكرية رادعة في اسقاط نظام بشار الاسد في سوريا .. الا ان توقيت الموقف السعودي مؤداه التقارب الامريكي الايراني و فتح باب المساومة في حسابات الربح و الخسارة في البيع و الشراء في سوق السياسة ...

و معلوم انه في حسابات موازين القوى في عالم البيع و الشراء في سوق السياسة يمكن المقامرة و المناورة و الاغتصاب احياناً لأملاك الغير ودول الغير وهو ما يأخذ توجساً جدياً في منطقة الخليج و الجزيرة العربية تجاه الطموحات التاريخية للامبراطورية الفارسية و ما يتكرس جيوسياسياً براغماتياً في سوق السياسة للجمهورية الاسلامية الايرانية و نهجها الجديد في العهد ( الروحاني ) !!

وكان الموقف السعودي في شخص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد تجلى في وطنية دعم ثورة الشعب المصري بقيادة السيسي ضد حكم الاخوان المسلمين المرتبطة بسياسة الولايات المتحدة و الذين باعوا انفسهم و الوطن المصري في سوق النخاسة في سياسة البيع و الشراء فيما يملكون وما لا يملكون على صعيد العالم ..

ان النهوض الوطني الديمقراطي في الحرية و العدل و المساواة واقع يهز وجدانية ضمير الانسانية الوطنية في الخليج و الجزيرة العربية و يعيد الصواب الى الكثيرين و غير الكثيرين من الطائفيين من ابناء و بنات شعوب المنطقة جراء سوء الاحوال الجيوسياسية التي تحيق بهم و بأوطانهم في عدم الاكتراث طالما انهم مأكولون في الداخل فما الضير ان يكونوا و أوطانهم مأكولين من الخارج !!

ان الحراك الوطني في وصد الابواب في وجه سياسة البيع و الشراء على الصعيد الاقليمي و العالمي .. هو النهوض الوطني حكومة و شعباً في تكريس الحريات العامة و اطلاق طاقات الثقافة و الفن و الادب و تفعيل الديمقراطية و ضرب معاقل الفساد و تحرير المرأة من عبودية الرجل و القضاء قضاءً عملياً مبرماً لقوى الرجعية و التخلف و الظلام .. و فتح ابواب الاستنارة مشرعة على مصراعيها و اطلاق الحريات لكل قوى الخير المعادية للاستعمار و الصهيونية و الرجعية : اكانوا من الليبراليين ام العلمانيين ام اليساريين ام الشيوعيين في التضافر و العمل من اجل اعادة بناء الوطن و مؤسساته ضمن منهج الحداثة و التحديث و في حقيقة تاريخية ثابتة انه لا احد يجاريهم في اخلاصهم ووطنيتهم .. و في ذلك ما يُلحق الهزيمة النكراء لكل اعداء الوطن في الداخل و الخارج و احباط ما يحاك ضدنا و ضد اوطاننا على ايقاع براغماتية البيع و الشراء في سوق السياسة على صعيد العالم !!