ازمة اليسار، ازمتنا نحن


طريف سردست
2005 / 6 / 2 - 14:00     

يجري الكلام عن ازمة الفكر اليساري وازمة الحركة اليسارية، ويحاول البعض ايجاد مختلف الاسباب متناسين ان الحركة اليسارية هي نحن بالذات، وان ازمتها هي الازمة الفكرية التي نرفض الخروج منها.
عندما يطرح سعاد خيري بان الابتعاد عن النهج الماركسي هو سبب رئيسي لسقوطها، يذكرني ذلك بالاسلاميين الذين يدعون نفس الشئ. يبرر سعاد خيري في مقالته "الابتعاد عن النهج الماركسي احد الاسباب الرئيسية لانهيار التجارب الاشتراكية السالفة" سقوط الاتحاد السوفيتي بان قادته خدروا الجماهير بالاعلان عن انتصار الشيوعية، في حين يذكر ان سقوط الاشتركية المصرية حدث لعدم وجود قيادة الطبقة العاملةعلى رأس السلطة. لكل الحالات يوجد تبرير جاهز ميكانيكي وسهل.
"ان الشرط الاول لبناء الاشتراكية هو وجود القيادة المسترشدة بالماركسية نهجا وممارسة والتي تعمل على تطوير الماركسية المستمر على ضوء الواقع الموضوعي". هذه التعابير النظرية التي لاتمت للواقع بصلة لازالت اسس تفكير المثقفين الماركسيين. مغفلين ان بمثل هذه التعابير العامة يمكن تبرير كل شئ، بدون ان يضيف المرء شيئا ذو اهمية على الاطلاق. ولا ننسى ان الاتحاد السوفيتي ايضا كان يستخدم نفس التعابير لتبرير كل اخطائه التي كان سعاد خيري ورفاقه يتثقفون ويثقفون الحزب بها.
لازال الشيوعيون حتى اليوم "ينقدون" التجربة السوفيتية بحياء وخجل، مستعملين تعابير مطاطة. تحريف النظرية (النقية) والبيروقراطية والابتعادعن الديمقراطية (بدون تعلبيق) هي اسباب فشل النظام السوفيتي!
وبعد ذلك يتسائلون من اين اتت الازمة؟

هل لدى الاحزاب الشيوعية والاشتراكية واليساريين العرب موقف نظري واضح؟ حسقيل قوجمان في مقاله الماركسية نظرية للطبقة العاملة يصادر قوانين تتطور المجتمع لصالح الفكر الماركسي اذ يقول" ان قوانين حركة المجتمع التي نسميها اليوم ماركسية". كما يدعي بطريقة استنقائية مبسطة، ان التحولات الاجتماعية كلها عدا انتقال المشاعي الى العبودي، كانت تجري عن طريق العنف. هل يبرر العنف كأداة شرعية في المستقبل ايضا؟ وهل تحول النظام الرأسمالي حقا الى عائق "شديد" لتتطور قوى الانتاج منذ زمن بعيد؟ ولماذا لازال هذا النظام ينتصر اذن؟ ويستمر في مقاله بالكلام عن التحريفية الخروشوفية، خالطا بين التحريفية والدعوات الى تتطوير الفكر والممارسة على اساس الواقع الموضوعي. كيف سيتم هذا التطوير اذا كان عرضة للاتهام بالتحريفية في حال الفشل؟ من سيتجرأ على التفكير والتطوير، ثم اليس التتطوير هو محصلة التغيير في موازين القوى في المجتمع المتتطور ابدا، اليس هذا جزء من ازمة الفكر اليساري، ام اننا ندعو الى الركود

ان اصرار بعض المثقفين على معالجة الازمة من خلال منظور "نظري" بحت انطلاقا من مصادر "قرآنية" يشير الى الجانب الاخر للازمة، العقم الفكري والانقطاع عن الواقع وعدم الخبرة في ربط النظرية بالواقع الفعلي واستقراء الواقع الجديد وتتطوير النظرية، وهذا الى حد بعيد بسبب التاريخ الطويل من الارتباط بالتنظير الجاهز القادم من مؤسسات الاتحاد السوفيتي. وبعد سقوط "المجهز" اصبح "المستهلك مجبرا على الانتاج الذاتي، لينتج على نفس الطريقة وبنفس التعابير التي تعود "استهلاكها". فهل نستغرب بعد ذلك من وجود الازمة؟ ان الازمة هي تعبير عن ازمتنا نحن، عن وقوعنا في هوس التنظير المطلق، عبادة النصوص وهوس الترديد الببغاوي للنصوص المقدسة، لنصبح رهينة سجننا "الايديولوجي" الخاص.

غير ان الامر ليس بهذا السواد، لابد من ان تظهر رموز جديدة تستوعب حركة التغير. وتشعر باهمية تشريح الماضي لفهم المستقبل. يقول المحجوب حبيبي في مقالته " آي مشروع نحن بصدده الان..." ان علينا اعادة قراءة التجربة الاشتراكية قراءة بحث علمية بعيدا عن الاستعباد الايديولوجي او العبارات الشعارية ، او النعت بالتحريف والردة، هذه الاساليب التي لاتختلف عن اساليب التكفير عند الاصوليين. ويضيف"
أن حركة اليسار العربي تعاني من قصور في الدراسة النظرية والبحث الميداني وتحديد الأوليات والبرامج، وذلك بفعل وضعية التخلف في الفكر واعتلال الخيال الذي تعاني منه بعض العناصر التي عرفتها شخصيا والتي ابتلي بها الفكر الاشتراكي العلمي فاحتلت في قيادته مواقع نافذة لسبب من الأسباب وهي تتميز بأمية مركبة وقاتلة من جهة لأنها شعبوية تشيع بين المناضلين والجماهير فكرا بئيسا، ومن جهة أخرى فهي تجهل أنها تجهل، فتتميز بغرور وصلف وتعالي عن المناضلين والجماهير، ومن جهة ثالثة تثقن فن الخبث والدعاية الساقطة ضد المناضلين المجتهدين والأكفاء وتصفهم بأنهم برجوازية صغيرة وأنهم محرفون ولهم تطلعات... وما شابه ذلك، وتعمل على ترويج دعيات مسمومة وممارسات أقل ما يقال عنها أنها استفزازية...وهي بذلك تصادر كل اجتهاد وتشيع العداء ضد المثقفين الثوريين، وهذه النماذج هي الاستمرار الستاليني البيروقراطي الرث والقاتل للفكر الاشتراكي العلمي، الذي أوقف الاجتهاد والإبداع وصادر الديموقراطية، وخرب التنوع والتعدد والاختلاف، وكل آليات الجدل، بل وقفز على التاريخ محاولا خنقه ليعمم وصفة واحدة صالحة لكل مراحله وتغيراته ومشاكله بدعوى أنها الأصول والأمهات.."
ان المساجلات الفكرية التي تجري لابد ان تعالج مشاكل قائمة واقعية تهم الانسان العادي بالدرجة الاولى، لابد ان تشخص القضايا حسب اولوياتها الحياتية، وليس تعبير عن ترف فكري استعراضي. لازال الكثيرين لايعرفون الموقف الحقيقي للاحزاب الاشتراكية والشيوعية من قضايا كبيرة تخص مستقبلهم. من الديمقراطية، من العولمة، من الانفتاح الاقتصادي، من بناء اقتصاد حر رأسمالي، من الملكية الخاصة والاستثمارات الخارجية، وليس اقل اهمية من آفاق الفكر الاشتراكي وكيف سيمكن الوصول اليه، في ظل الظروف الراهنة الداخلية والخارجية.
لقد آن لنا ان نهبط الى الواقع