عن ثورة اكتوبر


جمال احمد
2017 / 10 / 6 - 23:53     

رداً على سؤال لجريدة التضامن الكردية بمناسبة 96عاما على ثورة أكتوبر حول تأثير السياسي لثورة أكتوبر الروسية على المجتمع البشري وبالأخص على الدول الغربية وأوروبا ، وكذلك تأثيرات الجانب الثقافي والرفاهي لتلك الثورة على الدول الأوروبية . فقد كتبت مقالاً باللغة الكردية ورأيت من الأهمية ان اكتبه باللغة العربية وانشره أيضا .
++++++++++
ان ماقامت به ثورة اكتوبر من إجراءات وخطوات ، ثورية كانت ام إصلاحية ، لم تكن وليدة أفكار القادة ولا إبداع نَبَع في تلك الفترة ؛ وإنما المجتمع كان حامل ويتطلب هذه الإجراءات والخطوات ، التى كانت تفور وتتلاطم في أحشاءه ، وكانت الطبقات الحاكمة تقف عائقاً أمام تطبيقها . ان أكثر من ثلاث قرون ونصف كانت كافية لتطور الرأسمالية وتوسيعها بحيث تصل إلى مرحلة تظهر بوضوح فيها مدى العواقب المدمرة لهذا النمط من الإنتاج في ظل السياسة الليبرالية وحرية المطلقة للسوق على المجتمع . لذا فقد برزت ضرورة تدخل المجتمع من خلال الدولة كممثلها بوجه تلك القوة المهاجمة لنمط الانتاج وعليه فقد باشرت الدولة البريطانية في أواسط قرن التاسع عشر بمجموعة من الإجراءات والإصلاحات الجزئية ( منها انشاء لجان تفتيش المصانع ، تحديد ساعات العمل وبالأخص للنساء والأطفال ، تحديد ساعات العمل الليلي ،فرض الشروط الصحية لمكان العمل، التعليم للعمال الأطفال ، صرف المساعدات للعاطلين في الأزمات ....الخ ) وذلك بهدف ترويض هذه القوة الهدامة لنمط الانتاج والتخفيف من آثارها . وكذلك ظهرت في الوقت نفسه أفكار وأراء اشتراكية وشيوعية بتلاوين مختلفة لصد النتائج المدمرة لذلك النمو الاستغلالي وطرح البدائل لها. اي بكلمة فرض تدخل الدولة للحد من حرية السوق في تدمير المجتمع وكذلك صد الاعتراضات العمالية والتذمر الشعبي العام وتأمين مستقبل البشرية !
ومن هذا المنطلق ، فإن ثورة أكتوبر كانت الرد التاريخي للطبقة العاملة على عجز الطبقات الحاكمة للجم الآثار المدمرة لهذا النمط من الإنتاج على المجتمع وتلبية مطالب الأكثرية في المجتمع .
ان ثورة أكتوبر هي المحطة الثالثة في تاريخ الثورة العمالية . ففي ثورة 1848 في المانيا وفرنسا ونمسا ، ظهر العمال كطبقة مستقلة بمطالبهم الخاصة بهم فسحقوا وابعدوا عن الساحة السياسية. وفي المحطة الثانية أعلنوا عن سلطتهم وقاموا بمجموعة من الخطوات الثورية في كومونة باريس لفترة من الزمن واغرقوا في حمام الدم. اما المحطة الثالثة في 1917 فقد اظهر العمال في ثورة أكتوبر بأنهم مهيئون الآن للعب الدور التاريخي وذلك بكسب الفلاحين إليهم وإسقاط سلطة الرأسماليين في الإمبراطورية الروسية الواسعة والاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها، والانتصار في المواجهات العسكرية للهجمات والتخريب الداخلي والخارجي، وكذلك انتصروا في الصراعات الإدارية، والسياسية الداخلية والعالمية .
ان الأزمة العامة في بداية القرن العشرين والحرب العالمية الأولى التي تلتها ، قد شملت جميع البلدان الرأسمالية . لكن خصوصية الإمبراطورية الروسية خلافا لباقي الدول والتي قامت ثورة أكتوبر على اثرها كانت :
1- وجود حزب شيوعي متمرس ومنظم وبأفكار واضحة وغير متردد ومهيأ للعب دوره التاريخي.
2- طبقة برجوازية حديثة وعاجزة عن لعب اي دور تحرري وغير ملبي للمطالب شعبية.
3- طبقة عمالية جديدة وواسعة في المدن لم تكن تسيطر عليه الأوهام والتصورات البرجوازية بعد.
4- جماهير واسعة من الفلاحين المتذمرين والذين يطالبون بالأرض والاصلاح الزاعي.
5- جملة من مطالب شعبية من إصلاحات وإجراءات ثورية تطالب بها عامة الجماهير . وتحقيق تلك المطالب لم يكن ممكنا الّافقط من خلال العمال وبقيادة الحزب الشيوعي (بعدما كشفت البرجوازية عجزها مبكرا للقيام بها) ، وانهم قد أدوا تلك الدور وبدون أية تردد .
ومع ان ثورة أكتوبر قد كشفت وأظهرت للعلن إمكانية ومزايا قدرة الطبقة العاملة في قيادة المجتمع (من خلال النجاح في التحالف مع الفلاحين وتوزيع الأراضي عليهم ، وبناء سلطة مباشرة لأكثرية المجتمع في إدارة الدولة ، وانتهاج سياسة توزيع عادلة قل نظيرها في التاريخ ، وكنس جميع بقايا الماضي من عقبات لتطور المجتمع وجملة هائلة من المنجزات) . إلا انه ومن خلال انحسار الثورة العمالية في الإمبراطورية الروسية فقط ، اكتشف عجز وعدم إمكانية تحويل الاشتراكي لجزء من الاقتصاد الرأسمالي العالمي مستقلاً عن المنظومة ككل . ان الاقتصاد الرأسمالي نظام عالمي ويحقق ذاته في السوق العالمية، وان اي تغير في جزء منه يجب إما ان ينتشر ويشمل الكل ، او أن ذلك الجزء سيستسلم و يلائم نفسه مع الكل في إطاره .
وعدا عن ذلك . فبسبب درجة تطور المتدني للرأسمالية في روسيا القيصرية وتخلفها عن الدول الرأسمالية الأخرى (كبريطانيا وألمانيا) ، وعدم هيمنة أسلوب الإنتاج الرأسمالي على أكثرية الفروع الإنتاجية ؛ فقد أصبحت مهمة النهوض بالاقتصاد السوفيتي وتطوره من مهام الطبقة العاملة . ان النموذج الجديد للحكومة العمالية لادارة هذا الجزء من الاقتصاد العالمي قد تلخصت في:
1- التخطيط المركزي الواعي بدلاً من سلطة السوق العمياء.
2- والهدف منه تلبية حاجات المجتمع بدلاً من الربح. ومن خلال ذلك تطور المجتمع السوفييتي على مقاييس الدول الرأسمالية الأخرى وتنافسها معهم في المقدمة كالدولة العظمى الاولى او الثانية ، ولكن بدون تكديس الثروات في قطب والفقر في القطب الآخر وبدون الكوارث والتهديدات الاجتماعية.
مع انتهاء الحرب العالمية الأولى وانتصار ثورة أكتوبر العمالية ، بدأت نقطة انعطاف تاريخية لتعلن عدم صلاحية الليبرالية الاقتصادية والحرية الكاملة لسلطة السوق في الإنتاج وتجديدها ،ولذا فقد بدأت جميع الدول الرأسمالية بزيادة دور وتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية لتأمين سيرورة الإنتاج ، وذلك اما بشكلها اليساري عن طريق الأحزاب الاشتراكية – الديموقراطية واليساريين او بشكلها اليميني عن طريق الأحزاب الفاشية والعسكرية واليمينيين ، او بإشكال وسطية حسبما تفرضه التوازن الطبقي وضغوطاتهم للطبقتين الأصليتين العمال والرأسماليين .
ومن هنا فان الإصلاحات الاجتماعية التي قامت بها الدول الرأسمالية من بعد الحرب العالمية الاولى ، كانت بالدرجة الأولى نتيجة تطور نمط الإنتاج والصراع الطبقي بين طبقتيها في كل دولة على حدى ، واستسلمت الطبقة البرجوازية لتلك الإصلاحات ولازدياد دور الدولة للاحتفاظ بميزان القوى الطبقية لصالحها وعدم وصولها إلى التصادم الثوري ، وبالدرجة الثانية يرجع الى الصراع والمنافسة مع الاتحاد السوفييتي لتحجيمه في ذلك الإطار وعدم انتشاره في بقية انحاء العالم وكذلك التنسيق معه واحتوائها كوناً احد مكونات الاقتصاد العالمي المهم .