حقيقة الاشباح والجن


طريف سردست
2013 / 10 / 28 - 19:47     

على مدى أكثر من مئة عام والعلم يحاول الوصول الى تفسير طبيعي للادعاءات الغير طبيعية. الان يبدو ان المهمة نجحت ، على الاقل فيما يتعلق بقسم منها، حسب ماتوصل اليه البروفيسور ريتشارد ويسمان (Richard Wiseman), المختص بسلوكية الانسان في جامعة هيرتفوردشير الانكليزية. في الثمانية عشرة سنة الاخيرة حاول الوصول الى الحقيقة العلمية خلف آلاف الادعاءات عن معايشة اشباح متحركة، وتوصل الى تفسير يخص اوسع هذه المعايشات.

حسب ويسمان غالبية الادعاءات وقصص الاشباح تتعلق بمشاعر في الظهر لاتفسير لها تدل على وجود شخص ما في الخلف. البعض يصف ذلك بالشعور بموجة باردة او صعقة باردة مفاجأة على طول السلسلة الظهرية. البعض الاخر يدعي انهم كانوا في حالة كما لو رؤا شيئا ما يمكن وصفه بالشبح.

ريتشارد ويسمان درس جميع تقارير الابحاث وأمضى اسابيع في اكثر الاماكن الانكليزية شهرة بقصص الاشباح وقام بتحليل مجموعة من الاختبارات العلمية الغير متحيزة وتمكن من العثور على تفسيرات طبيعية بجميع الظواهر.
السر يكمن في مافوق الصوت والعزل السئ للبيوت وخصائص طبيعية في سلوكية النوم.



الشعور الاول: انت تشعر انك لست وحدك في الغرفة

غالبيتنا عايشت هذه الظاهرة في مرة ما. فجأة تسري في عروقك مشاعر ان هناك أحد ما خلفك مباشرة. الان يبدو ان هذه الظاهرة لها اسباب طبيعية وتحديد مافوق الصوت.
موجات المافوق صوتية تملك تردادات منخفضة بحيث ان الاذن غير قادرة على التقاطهم. وعلى الرغم ذلك، ومنذ زمن يعلم الاختصاصيون ان هذه الموجات قادرة على التأثير على الجسم بمقدار ما. هذه الموجات قادرة على حمل الاشياء الصغيرة كما انها قادرة على تحطيم الواح الزجاج وحتى جسم الانسان. الانسان يتعرض لهذه الاصوات بأستمرار، لحسن الحظ بصورتها الضعيفة للغاية، ومع ذلك فهي كافية للتأثير علينا. هذا التأثير تحديدا هو الذي يسبب معايشاتنا لظواهر مافوق طبيعية، يعتقد وايسمن.

في احدى الاختبارات قام طاقم الخبراء الامريكان بتقسيم المشاركين السبعين الى مجموعتين. المجموعة الاولى جرى وضع أفرادها، بالتوالي، في غرفة ، وبدون علمهم ، جرى امطار الغرفة بموجات مافوق صوتية بدرجة ضعيفة، في حين كانت المجموعة الثانية في غرفة اخرى عادية.
النتائج كانت غاية في الوضوح. غالبية أعضاء المجموعة الاولى اعلنوا انهم شعروا برعشة على طول العمود الفقري وكان لديهم أحساس ان في الغرفة يوجد شخص اخر معهم. بل وصل الامر الى ان بعض الافراد شعروا بالغثيان ودوخان. التجربة برهنت ماكان في السابق مجرد ظن، وتحديدا ان الموجة مافوق الصوتية تخلق مشاعر غريبة في الجسم.

حسب القائمين على التجربة النتائج يمكن ان تجيب ، من بين مايمكن ان توضحه، على سؤال: لماذا حوادث الاشباح غالبا تحدث في اوقات العواضف، حيث الرياح تخلق موجات مافوق صوتية عميقة.

عدا عن ذلك حاول الباحث ريتشارد لورد (Richard Lord), الاجابة عن سؤال: لماذا توجد اماكن " تزورها الاشباح" أكثر من غيرها او بالاحرى لماذا غالبية التقارير القادمة تأتي من مناطق جغرافية محددة.
ريتشار لورد، المختص في ابحاث الموجات الصوتية، يرى ان الاجابة وببساطة في ان الموجات مافوق الصوتية تتركز في جيوب محددة، مثل الممرات الضيقة. هذا التركيز هو الذي يؤثر على الاشخاص الموجودين في المكان بحيث يخلق لديهم المشاعر الغريبة. وحتى الطبيعة الطوبغرافية للمكان لها اهمية ، فالجبال والوديان والهضبات يمكن لتشكيلتها ان تفرز ظروف تسمح بخلق موجات مافوق صوتية من التيارات الهوائية. لهذا بعض الاماكن يمكن ان تخلق مشاعر غير طبيعية.

الشعور الثاني: شعور مفاجئ ببرودة تجتاحك
من اجل تفسير علاقة الرعشة الباردة بالاشباح اضطر الباحث ريتشار ويزمان وفريقه للذهاب الى هامبتون كورت بالاس (Hampton Court Palace), الواقع 20 كلم خارج لندن. هذا القصر مشهور، في انكلترا، على انه اكثر الاماكن مسكون بالاشباح. على مدى سنوات زوار القصر يرون الروايات عن مشاعر البرد المفاجئة التي كانت تجتاحهم على طول عمودهم الفقري عندما كانوا يسيرون في ارواق القصر. موجة البرد المفاجئة ومايرافقها من مشاعر يجري تفسيرها على انها حادثة غير طبيعية، ومن هنا صيت القصر على انه مسكن للاشباح.

للبحث في حقيقة الاحداث منهجيا قام ويزمان بوضع كاميرات تصوير بمختلف انواع الاشعة ومجسمات حرارية ومنبهات حركة في مختلف ارواق القصر.
غير ان شكل واحد فقط من القياسات اعطى نتائج، وتحديدا جهاز عادي لقياس الرطوبة. لقد ظهر ان ان الامكنة الاكثر تحفيزا لقصص مشاعر البرودة المفاجئة تتطابق مع الامكنة الاكثر رطوبة. استنتج ويزمان ان الرطوبة تسبب تحولات طفيفة في الحرارة وبالتالي تنوع متعدد في حرارة سراديب واقبية وغرف القصر وهذا يعطي شعور بموجة برد مفاجئة عندما ينتقل الزائر الى منطقة عالية الرطوبة.

الشعور الثالث: انت ترى شخصية غريبة
تقريبا كل سادس امريكي يدعي أنه رأى شبح. وعلى الرغم من عدم القدرة على البرهنة على ان الاشباح موجودة حقيقة محتمل ان علماء النوم تمكنوا من العثور على تفسير على هذه الظواهر المافوق فيزيائية. غالبية هذه الرؤى تحدث في اللحظة التي نكون فيها على حافة النوم أو إذا استيقظنا من النوم فجأة.
الباحثون في مجال النوم يعلمون ان الدماغ يستعرض صور في الفترة التي يتوجه فيها الانسان للنوم او للاستيقاظ. هذه الظاهرة تنشأ بسبب زيادة في أنتاج موجات الفا في الدماغ. الموجات تخلق الظاهرة المرئية مثل البقع او الاضواء او الاشكال الهندسية والاشكال البشرية، غالبا بالترافق مع وشوشة خفيفة او صوت اخشاب او وقع خطوات.
وبالذات هذه الرؤى وهذه الاصوات الاكثر شيوعا في الاوصاف التي يقدمها من عايش معايشات مافوق فيزيائية، وهم على حق في ذلك. تفسير ويزمان لهذه الظواهر ان الدماغ لايكون صاحيا بما يكفي ولذلك تخلق صور مزيفة.
غير ان الخبراء يجدون صعوبة في تفسير واحدة من اشيع القصص عن الاشباح وتحديدا حقيقة ان نسبة النصف من الناس، مرة على الاقل، استيقظوا وجسمهم مشلول تماما وشعور مزعج بضغط على الصدر.
هذه الظاهرة هي اصل القول الشائع "تركبني الجنية" ، اي الاحساس وكأن هناك من يجلس فوقك وانت مصاب بالشلل تحاول ان تستيقظ وتمتلك السيطرة على نفسك. غير ان الان، يحتمل، ان الباحثون عثروا على تفسير معقول. خمسة مرات في الليلة الواحدة ينتقل النائم من فترة النوم العميق الى فترة النوم الخفيف. الاصابة بالشلل، اثناء النوم، هو احد مظاهر فترة النوم العميق، ويهدف الى منع الجسم من التعايش الفيزيائي مع الاحلام. في لحظة الانتقال من النوم العميق الى النوم الخفيف يمكن للدماغ ان يصاب بالتتداخل فيربط شلل النوم العميق مع مظاهر النوم الخفيف. بنتيجة ذلك تظهر الظاهرة الكلاسيكية لرؤى الاشباح، كما يصفها الكثيرون.

في الختام لابد من الاشارة الى انه وعلى الرغم من ان الباحثون عثروا على تفسيرات وتوضيحات طبيعية لغالبية المعايشات الغير طبيعية ، نبقى امام معضلة كلاسيكية الا وهي:
وحتى لوتمكن العلم من تفسير جميع الظاهرات والادعاءات لايستطيع العلم نفي وجود الاشباح او الجن او الشياطين اوالعفاريت او رع او شيفا او هبل او بعل او الملائكة او اي مجهول اخر يبتدعه الانسان