فلسفة ألفريد مارشال الإجتماعية - سكريبانتي & زاماجني


مجدى عبد الهادى
2013 / 10 / 22 - 11:12     

فلسفة ألفريد مارشال الإجتماعية

إرنستو سكريبانتي ، ستيفانو زاماجني

ترجمة وتقديم : مجـدي عبد الهـادي

نُشر بكتاب : An Outline of the History of Economic Thought - Ernesto Screpanti and Stefano Zamagni, 2nd Edition, Oxford University Press , 2005 .

-------------------------------------------------------

تقديم :

هذا مُوجز عن الفكر الإجتماعي لأحد أعمدة الاقتصاد السياسي البرجوازي ، وهو العالم البريطاني الكبير ألفريد مارشال ، الذي هو بمثابة العمدة بالنسبة للمدرسة النيوكلاسيكية ، والذي اكتسب مكانته العالية فيها ليس فقط لإسهامته النظرية والمنهجية والتحليلية ، بل أيضاً لكونه مُلتقى لروافد عديدة مختلفة المنابع كان هو منها بمثابة المصب الذي من خلاله اتخذت النيوكلاسيكية قوامها المُوحد المُتسق داخلياً ، خصوصاً في كتابه العمدة "مبادئ الاقتصاد" الذي تربت عليه أجيال من الاقتصاديين في أواخر القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين .

إنه لمن المهم الإطلاع على الفكر الإجتماعي للخصوم الإيديولوجيين ، ليس لمجرد نقضه ، بل بالأساس لمزيد من الفهم النقدي بالمنطلقات الفلسفية والإجتماعية لذلك الفكر ، كذا وهو الأهم لمزيد من الوعي بطبيعة التشابكات والإختلافات والتناقضات الداخلية على المستويين الإجتماعي والفكري للعدو الطبقي .

-------------------------------------------------------


فلسفة ألفريد مارشال الإجتماعية

سكريبانتي & زاماجني


في وصف الموقف الحالي لعلم الاقتصاد ، حدد ألفريد مارشال في محاضرته الإفتتاحية للعام الأكاديمي 1885 – 1886 الإلتزام الرئيسي لعلم الاقتصاد بأنه حساب فوائد التغيير الصناعي والإجتماعي ، واضعاً في الإعتبار حقيقة أن نفس المبلغ من المال يعطى سعادة أعظم للفقير مما يعطيه للغني . وهذا مثل أن نقول أن الرفاهية الكلية تزداد إذا ما تم تعديل "التوزيع الإجتماعي" لصالح الفقراء ، وصولاً لنقطة تساوي المنافع الحدية لجميع المواطنين . وينبثق الدفاع عن سياسات إعادة التوزيع الاقتصادي ، وفقاً لمارشال ، من مبدأ المنفعة ، ذلك أن الهدف النهائي للنشاط الاقتصادي هو تعظيم الرفاهية الجماعية .

وكتلميذ نجيب لجون ستيوارت ميل ، كان مارشال مُبادراً ، من داخل التيار الرئيسي للفكر النيوكلاسيكي ، بدفع ذلك الميل للتوفيق ما بين "دعه يعمل دعه يمر" laissez-faire معتدلة وبين برنامج إصلاح اجتماعي . وتماماًَ مثل ميل ، رفض الحجة التي كان يدفع بها عقائديوا التجارة الحرة لتلك الفترة ، بأن الطريقة الوحيدة لتحسين أحوال الفقراء هى حفز أنانية الأغنياء .

وقد دفعه موقفه التوفيقي لتقديم نظام من مبادئ فكرية وقواعد معيارية ، كان في تناقض واضح مع الإيديولوجية السبنسرية [1] المُهيمنة ؛ وبما جلب عليه قدراً لا بأس به من النقد .

وخلافاً لليون فالراس ، يرى مارشال أن هناك جدل معقد بين المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في النشاط الإنساني ، وارتباط قوي بين الحقائق المادية والأخلاقية ، وهو ارتباط ذو آثار هامة على طريقته في تصور - مثلاً – تدخل الدولة في الاقتصاد . وكان مارشال مُنشغلاً بحقيقة أن الإنشغال الرئيسي لعلم الاقتصاد هو قانون الكفاح من أجل البقاء ، الذي وفقاً له فإن "تلك الكائنات الحية التي تنجح بالإستمرار على قيد الحياة هى تلك التي حظت بأفضل تكوين متوافق مع البئية" .

وكان معنياً بوجه خاص بتدمير الدعوى التي يدفع بها الداروينيون الإجتماعيون لتلك الفترة ، والقاضية بأنه يجب ألا تتدخل الدولة بأي صورة من الصور تؤثر في عملية الإنتخاب الطبيعي . ورغم ذلك فقد إستعار من الداروينية الإجتماعية المفهوم التطوري للتاريخ ، ذلك المفهوم الذي يلخصه الإقتباس الذي يظهر في الصفحة الأولى من كتاب المبادئ خاصته "الطبيعة لا تصنع الطفرات" Natura non facit saltus . فالتقدم الإنساني بطئ ويتحرك للأمام بخطوات صغيرة . وبالتالي فمحاولات تغيير المجتمع بسرعة محكوم عليها بالفشل ، وإذا ما تمت فإنها تنتج مجرد البؤس .

ومع ذلك ، فقد اعترف مارشال بأنه على مدى ذلك التطور البطئ للمؤسسات الإجتماعية ، يمكن أن تنشأ بنية محددة تسمح باستغلال مجموعة اجتماعية من قبل مجموعة اجتماعية أخرى . ومع ذلك ، فإن استمرار مثل هذه البنية عبر الزمن يثبت أن مزاياها أكبر من عيوبها . وهذه الحجة تنطبق خصوصاً على الرأسمالية الحديثة . فرغم كافة التفاوتات والتكاليف الإجتماعية الناشئة عنها ، فإن الرأسمالية تضمن كفاءة إنتاجية وتخصيصية وتسهم في إرتقاء وتقدم الجنس البشري .

وكان مارشال يعتقد أن الطبيعة البشرية ، كما تطورت عبر قرون من الحرب والعنف و "الشهوات الخسيسة والدنيئة" ، لا يمكنها أن تتغير في مدى جيل واحد . وفي الحقيقة عندما تحدث مارشال عن تلك "الشهوات الخسيسة والدنيئة" فإنه كان قد تخلى فعلياً عن إفتراضات النفعية المُطلقة . فأي فلسفة إجتماعية – كما لدى ستيوارت ميل – تميز ما بين شهوات صحية وأخرى دنيئة هى فلسفة تتعارض جوهرياً مع الفلسفة النفعية .

وكان مارشال يعتقد بضرورة أخذ الأبعاد السياسية والإجتماعية دائماً بالإعتبار الإقتصادي . ولهذه الرؤية للسياسة الاقتصادية أثار هامة . إذ يحق ويجب علي الدولة بموجبها التدخل في المجال الاقتصادي لتنظيم آلية السوق ولتصحيح تشوهاتها .

وقد بدت مقترحاته التي قدمها كآليات تصحيحية للنظام السياسي الاقتصادي الإنجليزي ، مثل الحركات التعاونية وتقاسم الأرباح والتحكيم فيما يخص الأجور والآليات المشابهة ، عصرية جداً بالنسبة لمعاصريه .


====================================================

[1] نسبةً لهربرت سبنسر الفيلسوف التطوري الإنجليزي ، الذي وضع نظرية تطورية للتاريخ تستند لنظريات داروين في التطور والإنتخاب الطبيعي .