الاشتراكية النيوكلاسيكية لأوسكار لانجه وأبا ليرنر - سكريبانتي & زاماجني


مجدى عبد الهادى
2013 / 10 / 21 - 12:06     

الإشتراكية النيوكلاسيكية لأوسكار لانجه وأبا ليرنر

إرنستو سكريبانتي ، ستيفانو زاماجني

ترجمة وتقديم : مجـدي عبد الهـادي

نُشر بكتاب : An Outline of the History of Economic Thought - Ernesto Screpanti and Stefano Zamagni, 2nd Edition, Oxford University Press , 2005 .

-------------------------------------------------------

تقديم :

هذا عرض شديد الإيجاز لمساهمة إثنين من أهم علماء الإقتصاد السياسي للإشتراكية ، وتتعلق مساهمة العالمين المذكورين بما يُسمى في الأدبيات الاقتصادية باشتراكية السوق أو الإشتراكية النيوكلاسيكية كما هو وارد بالعنوان ، إستناداً لكونها إشتراكية تعتمد الأدوات النظرية للنظرية النيوكلاسيكية من جهة ولكونها تعتمد على السوق كأداة مهمة – ضمن أدوات أخرى - لتخصيص الموارد .

وقد كانت الأطروحة الأساسية لأوسكار لانجه فيما يتصل بأنموذجه الإشتراكي ، كما عبر عنها يوماً ، هى أن "هدف الإشتراكية هو تحقيق حالة المنافسة الكاملة في الرأسمالية" ، تلك الحالة ذات الطابع النظري البحت في أدبيات الإقتصاد السياسي للرأسمالية ، والتي لا وجود لها سوى في بعض الأسواق النوعية ، دون أن تكتسى بأي طابع عام ، ودون أن تكون لها الغلبة حتى في حال وجودها ؛ بحكم ما تفرضه القطاعات القائدة للإقتصاد الحديث مُمثلةً في الصناعة والصيرفة .. إلخ – بما لأسواقها من طابع إحتكاري – من تكاليف وقيود وآليات عمل حاكمة لمُجمل النظام الإقتصادي .

ومعروف ما لهذا الطابع الإحتكاري من تكاليف وخسائر سواء من جهة الكفاءة الإقتصادية والإستقرار الإقتصادي أو من جهة الرفاهة الإجتماعية ؛ بما يحدد بمفهوم المُخالفة ما يجب أن تكون عليه الإشتراكية كما يقترحها لانجه ، حيث يُوجزها كاتب هذه المقالة بأنها " يجب أن تكون قادرة على الجمع ما بين التخصيص الكفؤ للموارد الإنتاجية وتوزيع الدخل الذي يعظم الرفاهة الإجتماعية .... مُنفتحةً على التجديدات دون أن تكون مُعرضةً للكوارث الناتجة عن التقلبات الدرورية "

-------------------------------------------------------

الاشتراكية النيوكلاسيكية لأوسكار لانجه وأبا ليرنر

سكريبانتي & زاماجني



لقد كان الإقتصادي الروماني أبا ليرنر – وقبل الجميع – الإقتصادي البولندي أوسكار لانجه هما من قدما الرد الأقوى على حجج كلٍ من فون ميزس وفون هايك . ونفى "نموذج لانجه – ليرنر" المشروعية النظرية لحجة فون ميزس ، باستخدام إثبات إنريكو بارون عام 1908 للتكافؤ الواقعي ما بين التخطيط المركزي والسوق الحرة فيما يخص التوزيع الكفؤ للموارد .

ومن ناحية أخرى ، حاول لانجه وليرنر وضع حل "عملي" يعتمد على طريقة "التجربة والخطأ" التكرارية الشهيرة ، حيث يستطيع مكتب التخطيط المركزي الإستناد إليها لأداء نفس وظيفة الأسواق الفالراسية [1] .

ووضع لانجه نموذجين بديلين ، في الأول يتم تخصيص السلع الإستهلاكية وخدمات العمل بوسائل السوق الحرة على أساس أسعار نقدية ، بينما في الثاني ، تُعين أسعار محاسبية للمدخلات . وستتحدد قيم التوازن لكلا المجموعتين من الأسعار بواسطة إجراء تكراري مُوحد . وفي كل مرحلة من العمليات ، يعلن المخططون عن أسعار توجيهية ويوجهون أمرين لمديري منشآت الدولة :

( 1 ) تحقيق أقصى خفض ممكن لمتوسط تكلفة الإنتاج بتوظيف توليفة من عوامل الإنتاج التي تتعادل قيمة النتاج الحدي لكل منها مع سعره .

( 2 ) تثبيت مستوى الإنتاج عند النقطة التي تتعادل عندها التكلفة الحدية مع السعر المُحدد من قبل مكتب التخطيط المركزي .

وبالمثل ، تعظم الأسر دالة منفعتها بمعاملة الأسعار المُعلنة كمتغيرات حاكمة . وبهذه الطريقة ، يتم الوصول لدوال الطلب على السلع وعرض العمل ، وعلى مستوى كل سلعة وخدمة ، يجمع المخططون العروض المُقدمة من المنشأت والأسر . فإذا كان هناك طلب إيجابي زائد (ناقص) على سلعة أو خدمة ما ؛ يتم رفع (خفض) السعر . ويتم إعلان السعر التوجيهي الجديد للمنشآت والأسر ، ليتم تكرار العملية ؛ حتى يتلاشى كل الطلب الزائد . وكما إعترف لانجه نفسه ، فهذه العملية هى ذاتها عملية التجربة والخطأ أو تلمس السعر الفالراسية Walrasian tâtonnement .

وفي النموذج الثاني الذي إقترحه لانجه عام 1958 ، لم يفترض لانج وجود أي نوع من السوق الحرة . فطلب المستهلك على السلع وعرض العمل يتم الوصول إليهما بواسطة المُخطط إعتماداً على معادلة للرفاهة الإجتماعية مُشتقة من التفضيلات الفردية . بينما تسعى العملية التكرارية لمجرد تحديد أسعار محاسبية وتكتسى بطابع إفتراضي فحسب . وحالما تم الإنتاج المُخطط له ، فإن السلع الإستهلاكية يتم بيعها في الأسواق الحقيقية بأسعار فعلية ، ربما لا تكون لها أي علاقة بقيم التوازن المحاسبية .

في المقترح الأول الخاص بإجراء التجربة والخطأ ، كان التأكيد قبل كل شئ على أن الإشتراكية المُخططة قادرة على تخصيص الموارد بنفس الطريقة التي يقوم بها اقتصاد السوق الرأسمالي ، لكن بعد ذلك ، وفي محاولة لبناء نموذج معياري لاشتراكية سوق ، أصبح المشروع أكثر طموحاً ، رغم أن النموذج المعياري قد أضحى أكثر عُرضةً للإنتقادات من جهة واقعيته .

وفي الواقع ، بينما لا يتماشى السلوك الواقعي للفاعلين في الأسواق الرأسمالية مع الطريقة التي تطرحها نظرية التوازن العام ، فإن المديرين الإشتراكيين سيتوجب عليهم إتباع الأوامر القاضية بالتزام قواعد النموذج ؛ بكل ما قد يرتبه من نتائج . وهكذا ، إذا كان التوازن غير مُستقر أو إذا كانت العملية التي تقود للتوازن تتسم بالبطء ؛ فإن المديرين سيفتقرون لأي دليل قوي وفعال ؛ وفي هذه الحالة يفقد النموذج أي أهمية تجريبية .

وهذا ما يفسر تضمين نموذج إشتراكية السوق لبعض "العناصر" غير الموجودة في السوق الرأسمالي . وواحد من أهم هذه "العناصر" هو تحديد معدل التراكم الرأسمالي ، ليس بواسطة العمليات السوقية ، بل مباشرةً وتحكمياً بوسطة مكتب التخطيط المركزي ، الذي يحدد أيضاً قواعد التوزيع بين الأفراد للإيراد الإجتماعي من رأس المال والأرض المملوكان ملكية عامة .

وفي ضوء هذه الصعوبات ، لم يكن مفاجئاً – في صياغة أحدث لمدخل لانجه – أن يطور كينيث آرو وليونيد هورفيتش ، في مقالة في الستينات ، النموذج الثاني ، تطويراً تعارض بوضوح مع توصية لانجه نفسه بعدم إستخدام النموذج الثاني ؛ لكونه "غير ديموقراطي" إلى حد بعيد .

ولذلك ، فالسوق في نموذج لانجه تصبح مجرد آلة حاسبة لحل نظام من المعادلات الآنية ، وهو التشبيه التي اقترحه لانجه نفسه عام 1965 .

وهكذا فاشتراكية السوق يجب أن تكون قادرة على الجمع ما بين التخصيص الكفؤ للموارد الإنتاجية (وهو ما يتطلب قواعد يضعها مكتب التخطيط المركزي لمنع السلوك الإحتكاري بأنواعه) وتوزيع الدخل الذي يعظم الرفاهية الإجتماعية (وهذا يتضمن القضاء على التفاوتات التي تسببها الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج) . واقتصاداً يعمل على أساس هذه المبادئ سيكون مُنفتحاً على التجديدات دون أن يكون مُعرضاً للكوارث الناتجة عن التقلبات الدرورية .

ولم يخف لانجه بالتأكيد الصعوبات المتعلقة بتحقيق مثل هذا المشروع . والأخطر من ذلك ، مخاطر بقرطة bureaucratization الحياة الإقتصادية وما يتصل بها من غياب الحوافز الكافية للمديرين لإتباع أوامر المخططين ، والتي - رغم ذلك - لا تسبب ما تسببه الرأسمالية الإحتكارية من إهدار للكفاءة .


=======================================================


[1] نسبة لليون فالراس عالم الإقتصاد الفرنسي ، وصاحب نموذج التوازن العام الشهير باسمه .