الذرة والعدد الخيالي ، رد للأخ طلال الربيعي .


ماجد جمال الدين
2013 / 10 / 18 - 14:05     

هذا المقال القصير رد على تعليقين 1 و10 للأخ طلال الربيعي في مقال بحثي للأستاذ المستشار جاسم الزيرجاوي : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=382814

الرد أنقله هنا لطوله النسبي وكي لا يحرف موضوع المقال الرئيس عن نهجه .



1. الذرة !
المفهوم العلمي لكلمة الذرة ، كما أذكر نشأ على يد ديموقريطس بطريقة الإستدلال التالية : حين نقسم بشكل متتالي أي جسم مادي بحيث لا يفقد خواصه ألأساسية فسنصل إلى إصغر جسيم لا يمكن تجزئته .. وهو ما أسماه الذرة .
بالحقيقة كلمة الخواص ألأساسية مخادعة نوعا ما .. لأننا إذا قصدنا بها اللون والطعم والرائحة وحتى الكثافة النوعية ودرجات حرارة التجمد والإنصهار والتبخر ألخ ، وغيرها ، فإننا سنفتقدها جميعا قبل آلاف عمليات التقسيم قبل الوصول إلى المستوى الذري .. وإذا قصدنا الخواص الكيمياوية ، ( وهو ما يوصلنا إلى مفهوم الجزيء المتكون من عدة ذرات لعناصر مختلفة وليس لمفهوم الذرة ) فإنها أيضا تتلاشى تدريجيا قبل الوصول لهذا الجزيء لأن الكثير من العمليات الكيمياوية يعتمد ليس فقط على التكافؤ الذري بل على المؤثرات الكريستالية والمحفزات الخارجية .
حين ننتقل إلى نموذج رذرفورد الذي جاء بعد إكتشاف الألكترونات والبروتونات فسنجد أن الذرة فراغ هائل ! ... ولدراستها وتفصيل معالمها لا يمكننا أن نستغني عن ما يسمى العدد الخيالي (i) أي جذر -1 ، لأننا بالتـاكيد سنستعمل نظريات المجال الكهرو مغناطيسي وغيرها من القوى الذرية .
وألأمر أكثر تعقيدا بالنسبة لمفهوم الذرة ما بعد رذفورد ، أي بعد نشوء النظريات الكمومية وتنامي معارفنا عن عالم الجسيمات والقوى ألأولية .. حينها يصبح ( العدد الخيالي i ) أكثر حقيقيةً وواقعيةً من هذه الجسيمات والذرة معا ..
وأنا لن أدخل في الأمور الفلسفية لهذا الموضوع ، لأنه كما قلت يحتاج لشرح مفصل كما في مقالي عن الرياضيات والفلسفة المنشورة أجزاءه الأولى هنا ، وعن طريقة التفكير وتطور العقلانية البشرية . ولو أنني ببضع عبارات سأكتبها اسفلا أوضح فيها أهم ما أريد قوله .
المهم أنك تقول :: ((الذرة ليست تجريدا فنحن نعلم محتوياتها ويستطيع العلماء شطرها الخ. فهل تستطيع ان تفعل نفس الشئ مع i ؟ )) وهذا عدا أنه يتعارض مع المفهوم ألأولي ( البديهي ) لديموقريطس ، فإنه أي تقسيم الذرة يحتاج بالضرورة للإستناد إلى حقيقة وجود العدد الخيالي وهو ما أوضحه في النقطة التالية . فأيهما أكثر مادية وواقعية ؟ .. أما عن تقسيم العدد i لإثبات حقيقة وجوده وكونه ليس مجرد خيال تجريدي ، فبالطبع كما كل أفكارنا حول العالم المحيط هو إنعكاس تجريدي لهذا الواقع في ذهننا ، ولو درست بعض نواحي نظرية أنظمة الأعداد المركبة لعلمت أن هنالك أكثر من عدد خيالي واحد، وأكثرها إكتمالا نظريا و فائدة في عكس الواقع تتكون من أربعة معاملات .

2. مادية العدد الخيالي ( i ) وكامل الدباغ .
في بداية الستينات ( عهد الزعيم ) حين كنت في الإبتدائية ، كان هنالك برنامج تلفزيوني رائع يعده و يقدمه الأستاذ التنويري الحقيقي والمربي الفاضل كامل الدباغ كل أربعاء بعنوان العلم للجميع .
في إحدى الحلقات أجلس أحد الأشخاص من الحضور على كرسي دوار .. ومن ثم أعطاه عجلة دراجة هوائية بحيث يمسكها بيديه من الجانبين من قضيب يمر عبر محورها . ثم أخذ الدباغ يفرها ( يدورها ) حول محورها بتسارع . الجالس أخذ يدور في كرسيه أيضا . كامل الدباغ أوقف ألعجلة . وبعد قليل توقف دوران الكرسي . ثم أخذ كامل الدباغ بتدوير العجلة بالإتجاه المعاكس لدورانها الأول ، فبدأ الكرسي يدور أيضا ولكن بالإتجاه المخالف لدورانه الأول . هذه أبسط تجربة تثبت مادية العدد الخيالي i .. .. قوة كوريوليوس أو قوة عزم القصور الذاتي .. وقاعدة أصابع اليد اليمنى واصابع اليد اليسرى والتي تستعمل أيضا في تحليل المجالات الكهرو مغناطيسية وغيرها .
حين نضرب multiply مقدارين إتجاهيين vectors ( قوة أو عزم أو مادة أو طاقة متحركة ألخ وكلها مادة موجودين في مستوى هندسي واحد تنشأ قوة مادية أخرى عمودية على المستوى المتواجدة عليه القوتين الأوليتين ، أي في إتجاه البعد الذي يمثله هندسيا العدد i .
هذا كان أبسط مثال واضح وجلي .. وحين ندرس الفيزياء النظرية والتطبيقية ،الكلاسيكيكة والحديثة نستطيع أن نستجلب آلاف ألأمثلة لحقيقة الوجود الواقعي للعدد i . ولآن كل الجهاز الرياضي الذي تشكل في ذهننا إنعكاسا عن الطبيعة المادية المحيطة ( على سبيل المثال متسلسلات فورييه وغيرها من الطرائق الوصفية للعالم الفيزياوي ) تعتمد على الوجود الخقيقي للعدد جذر -1 ، مهما سميته خياليا أو غير خيالي .


3. قبل فترة قصيرة في حديث سابق بينكم وبين المعلم يعقوب أبراهامي ولم أتدخل فيه لإنشغالي ( كما أذكر الحوار جرى في مقال الأستاذ حسين علوان ) رددتم كلمة البديهيات مرارا وتكرارا كاساس للمعرفة . وإن كنت اعذرك لهذا فأنا لا استطيع أن أعذر المعلم يعقوب فهو يعلم تماما أن كلمة البديهيات Acxiom نفيت تماما من القاموس العلمي قبل أكثر من قرن من الزمان ، وحلت محلها كلمة ألإفتراضات postulate . هذه الإفتراضات إن تطابقت نتائجها مع التجربة الواقعية واضحت ذات فائدة لنا فنعتبرها حقيقة ، والحقائق دائما نسبية .

العلم لا يعترف باي بديهية كحقيقة تامة حتى لو تكررت مشاهدتها ملايين المرات كما مطلع الشمس أو سسواد الغربان بدون ملاحظة اي غراب أبيض .
ولذا موقف ألأستاذ حسين علون خاطئ من جهة تأكيده تطور العلم بالشكل الإستقرائي .. فحقيقة هذا التطور كمي فقط .. ولكن كما أعتقد ما يقصده كارل بوبر هو التطور النوعي إلى مرحلة أعلى ، وهنا تفسيراته صحيحة تماما .رؤية الغراب الأبيض هي التي تطور العلم . بالضبط كما تتطور معلوماتك ومعارفك حين تتأكد من الوجود الحقيقي للعدد الخيالي ألذي كان مجرد إفتراض عشوائي في القران السادس عشر .

ومع تطور العلم إلى مراحل أعلى تتطور مداركنا وطرق تفكيرنا ونوعية عقلانيتنا .. ولكن إذا كان أحدهم يتصور أن يجد فيما كتبته أعلاه منحى مثاليا وقصورا في العقل البشري وأنه لابد من إله فراغات وسيع العلم والخبرة وخالق ما ، وضعنا في الروضة وألإبتدائية فهو لم يفهم شيئا بعد .. الإنسان هو الإله .


تحياتي ، وأعتذر عن اي تقصير في اسلوب الطرح إن لم يكن شافيا ، لأنني كتبته باستعجال ، واتمنى أن أوضح افكاري بشكل أدق من خلال الحوار .
مع الإحترام .