الاعتقال السياسي بأي تصور؟


رشيد العيساوي
2013 / 10 / 17 - 07:12     

مع الهجمة الشرسة للنظام القائم الموازية لازمته البنيوية كتجلي من تجليات طبيعته التبعية اللتي يجسدها بانبطاحه التام لاوامر صندوق النقد الدولي و الدوائر الامبريالية عموما. هاته الهجمة اللتي كان من الطبيعي أن تجابهها الجماهير الشعبية بكثير من السخط و التذمر، فعمت الانتفاضات و الاحتجاجات مختلف ربوع هذا الوطن الجريح، واجهها النظام القائم بكل ما يملك من قمع و على جميع المستويات: المباشرة منها و غير المباشرة.
إن تلك الانتفاضات الغاضبة و العفوية و طبيعة الجماهير الغير واعية سياسيا في مجملها، و كذا مكر النظام و كل القوى الانتهازية و الرجعية اللتي تدور بفلكه، جعل من هاته الحركية أن تخفت وتعرف مرحلة الجزر. هذا الجزر شجع النظام القائم على المضي قدما في دمويته و عزل بعض الاطارات التقدمية و المكافحة، فنالت حصة الاسد من القمع الستوليبي بالمغرب، حيث تم الهجوم عليها كما لم يحصل من قبل و تم توزيع قرون من الاعتقال السياسي على مناضليها.
في ظل هذا التراجع الجماهيري وقسوة القمع الممارس على الجماهير الشعبية عموما و المناضلين المنحازين لها خصوصا، و في غياب تصور سياسي واضح يجمع هؤلاء المناضلين، تحركت عواطفهم فكانت ردات الفعل عبر مبادرات هنا و هناك، كما طبعا لا ننسى ترك كل القوى الانتهازية المعروفة بالاسترزاق على قضايا الشعب المغربي و تمويه الصراع ما أمكن، ممارسين بذلك دورهم السياسي المعتاد و اللذي يعكس طبيعتهم.
إننا كمناضلون يستفزنا هذا الوضع و نتحمل المسؤولية أمام المعتقلين السياسيين اللذين فقط البارحة كانو بيننا و لا نعلم على من الدور غدا، يستوجب علينا خوض الصراع على كل مستوياته، فالنظام ماض في هجومه و الاجابة لن تكون أبدا بالعاطفة أو الارتجال اللذي لن تستفيد منه الا الانتهازيه.
إن الاشتغال على الاعتقال السياسي باعتباره قضية طبقية لا يمكن أن يكون إلا بتحديد أرضية و تصور واضحين، ذلك التصور اللذي لا يفصل الاعتقال السياسي باعتباره قضية عن مجموع القضايا الاخرى اللتي يستعصي حلها في ظل ما هو قائم، و بالتالي يجعل من قضية الاعتقال السياسي مدخلا من المداخل للمس كل تلك القضايا و الربط فيما بينها كلها من أجل الصب في آخر المطاف في قضية التحرر و الانعتاق من الاستغلال و الظلم بكل أشكالهما.
إن هذا التصور هو الذي سيكون خارطة الطريق و النبراس العلمي لهاته المعركة، بحيث يكون الاشتغال بالشكل اللذي اللذي تبني فيه المعركة دائما على سابقتها، الشيء اللذي سيشكل تراكمات تقوي الذات المناضلة و تطورها على جميع مستويات الصراع. تلك القوة الوحيدة الكفيلة بخلخلة موازين القوى لصالحها و بالتالي لعموم المضطهدين و قضاياهم، و قضية الاعتقال السياسي تبقى قضية من هاته القضايا.
إنه بدون هذا التصور اللذي يجب أن يلزم المناضلين بكل قناعة، تبقى كل المبادرات (المشكورة طبعا و اللتي ننخرط فيها ما أمكن) تبقى فردية أو من محيط محدود ولا تخرج عن رد الفعل العاطفي، كما يطغى عليها أحيانا منطق الشوفينية و المزايدات اللتي لا تخدم القضية بأي حال من الاحوال.
إن مثل هاته المبادرات بطابعها الارتجالي تبقى محدوة في الزمان و المكان، حتى من حيث طابع التشهير بملفات المعتقلين و ينتفي فيها طابع التراكم بحيث تكون مفصولة بعضها عن بعض، لانه الخيط الناظم بينها منعدم.
لا بديل عن الوضوح في التصور اللذي سيجمع كل المبدئيين، يبنى به نضالهم و يقصون به بلا هوادة كل الانتهازيين.
لا مكان للانتهازيين بين الثوريين.
الحرية كل الحرية لجميع المعتقلين السياسيين.