من القبيلة إلى الدولة


ابراهيم حجازين
2013 / 10 / 16 - 19:17     

في بداية القرن العشرين كانت الأرض العربية وهي تحت الحكم العثماني تنقسم في مجملها بين مناطق حضرية مستقرة فلاحية في الأصل بالرغم من الدمار الذي اجتاحها بسبب تردي الإنتاج الزراعي خلال الحقبة العثمانية وبعضها تجاري مديني في بلدات ومراكز حضرية وساحلية والجزء الأخر بقي كما كان منذ ما قبل الاسلام مناطق نفوذ قبلية للقبائل القوية وتميزت هذه المناطق بعدم الاستقرار ليس المنبثق من طبيعة الإنتاج ذات الصبغة الصحراوية، بل وبسبب إهمال الإدارة المركزية التي كانت تقوم فقط بتقديم العطايا للزعامات المتنفذة لضمان الأمن خاصة للقوافل التجارية. وكانت القبائل تتصارع أساسا لنيل عطايا الدولة ومن هنا كانت التبدلات إما في تحالفات القبائل وصراعاتها البينية أو داخل تلك التجمعات القبلية بين الأسر المتنفذة داخلها.
قامت بعض القبائل بتحركات ضخمة وواسعة لتمد وتوسع من مناطق نفوذها طمعا بالقوة والنفوذ لإحراز مكاسب خاصة مع بدء التوسع الاستعماري الغربي في ساحات الرجل المريض وكانت الزعامات الناشئة تطمح لبناء تحالفات مع القوى الغربية، واستعانت هذه القبائل في تحركاتها بإيديولوجيات تضمن لها شرعية وتأثير ناجز استندت إليها وأصبحت هذه ذات استقلال نسبي في دورها واختراقها للوعي الجديد المتشكل للمجاميع السكانية التي أصبحت ضمن سيطرة ذلك التحالف الجديد وأساسا لرؤيتها للعالم والأخر وطريقة لإدارة مناطقها.
بعد خروج العثمانيين من المنطقة وفي ظل وقوعها تحت الهيمنة الاستعمارية الغربية. بدأت حركة بناء الدول في منطقة لم تشهد دول مركزية منذ سقوط الدولة العباسية وبعضها لم يشهد وجود دول بشكل مطلق بحكم صحراوية تلك المناطق والتي لا تتلاءم طبيعتها مع وجود دولة مركزية تحكمها. وإذا كان من الطبيعي ظهور الدول في المناطق الحضرية بحكم الاستقرار فيها، فمن غير الطبيعي أن تنشأ دول حيث لا استقرار ولا حياة اجتماعية مدنية يكون نشأة الدولة فيها استحقاق موضوعي واستجابة للضرورة التاريخية.
ونلاحظ انه مع تحيط الدول الاستعمارية وتوجهها لمنع قيام دول مركزية كبرى في المناطق الحضرية خاصة منذ تجربة محمد علي لتوحيد سوريا ومصر كأساس لبناء دولة كبرى، فإنها غضت النظر لا بل دعمت توليفة جغرافية- قبلية كقاعدة سياسية لتشكيل دول فائقة المساحة. وحتى ونتيجة للحظات تاريخية في توسيع نفوذها في مناطق الخليج حيث ظهر نموذج القبيلة-الدولة، فان القبيلة تحولت إلى دولة وبقيت الدول في إطار نظرة محركيها عبارة عن ارض تقيم عليها عائلة او قبيلة وتتحرك في مجالها لتحقيق المكاسب التي ازدادت وتوسعت مع تشكيل تلك الدول. ولكن ضمن هذه الصيرورة القسرية، فلم تمر تلك الدول بمرحلة تشكل انتماء وطني فالوطن كمفهوم يظهر ضمن الصيرورة التاريخية يؤطر السكان في بنيته لهذا بقيت الإيديولوجية والمكاسب والاقتصاد الريعي بعد ظهور النفط بديل عن هذا الانتماء. ومن هنا كانت القفزة من القبيلة للدولة، لكن لم تبقى القبيلة كما كانت يعد مرور عقود من الزمن ولم يتشكل وطن يضمن الانتماء على أساسه، فالأسر المتنفذة لا ترى بالسكان إلا رعايا دون أية حقوق بالرغم من المظاهر السطحية القائمة هنا وهناك.
هذا يفسر التحالف المؤقت الذي ظهر بين الفينة والفينة من دول قطرية نشأت بعد الاختراق الاستعماري ودولة القبيلة نظرا لتلاقي المصالح في ظل نظام التبعية للفئتين او محاولة جذب بعض تلك الدول إلى التبعية أو الصراع المطلق فيما بينهم نتيجة الاختلاف والتناقض بين الطبيعة الحضارية والمدنية لمناطق الاستقرار والسعي لتفكيكها من جانب دول المجتمعات ما قبل الدولة الحديثة