بين مطرقة الجوع وسندان الموت


نجيب الخنيزي
2013 / 10 / 12 - 22:13     


في أقل من أسبوعين جنح قاربان يقلان مئات من المهاجرين غير الشرعيين وقد ذهب ضحيتهما مئات القتلى والجرحى والمفقودين ، ومن بينهم عشرات النساء والأطفال . ففي نهاية شهر سبتمبر الفائت غرق مركب قبالة السواحل الاندونيسية كان في طريقه إلى استراليا وعلى متنه عشرات المهاجرين غير الشرعيين من الشرق الأوسط غالبيتهم من اللبنانيين إلى جانب مهاجرين من الأردن واليمن ، وتكررت المأساة في مطلع شهر اكتوبر الجاري ولكن هذه المرة قبالة سواحل جزيرة لامبيدوسا الإيطالية حيث غرقت سفينة تحمل مئات المهاجريين من جنسيات افريقية. لقد شهد العالم مئات الأحداث المفجعة المماثلة كما هو الحال مع المهاجريين غير الشرعيين من المكسيك وكوبا ودول أمريكا الجنوبية صوب الولايات المتحدة وكندا ، وفي أغلب الحالات فأن الدول الصناعية الغنية تظل الهدف الأول لتلك الهجرة المحفوفة بالمخاطر غير ان بعض الاقتصادات ( وخصوصا الدول النفطية الغنية ) الناشئة ليست بمنأى عن تلك الهجرة غير الشرعية . مسلسل الرعب هذا لم ولن يتوقف ومهما كانت المآسي والمخاطر الناجمة عنه مادامت الأسباب والعوامل الدافعة للهجرة غير الشرعية قائمة ، والتي يأتي في مقدمتها تفشي الفقر والبطالة والاستبداد والحروب الأهلية وفقدان الحياة الحرة و الكريمة للغالبية الساحقة من سكان الجنوب . يتعين الوقوف أمام استفحال الاستقطاب على مستوى العالم بين حفنة صغيرة تضم الدول الغنية التي تمثل 20 % من سكان العالم وبين الأغلبية الساحقة من البلدان النامية والفقيرة التي تشكل 80 % من سكان المعمورة والتي عانت من تدمير بيئتها الزراعية ومقوماتها الانتاجية الضعيفة على يد الاقتصادات الرأسمالية القوية . ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة ( الفاو ) فأن عدد الجياع في العالم ارتفع إلى أكثر من مليار شخص، أي ما يمثل نسبة واحد إلى ستة من سكان (ستة مليارات نسمة) العالم، يعيش غالبيتهم في البلدان النامية من بينهم خمسة وعشرون مليونا ونصف المليون في المنطقة العربية أي نحو عشرة في المائة من إجمالي عدد السكان في العالم العربي. عدد الجوعى في العالم آخذ في الازدياد بفعل جملة من العوامل من بينها الآثار المترتبة على ارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيحة المضاربات الجشعة للشركات الاحتكارية العاملة في قطاع الحبوب والمنتجات الزراعية المختلفة، بالإضافة إلى تراجع كمية المنتجات الزراعية نتيجة لتفاقم القضايا البيئية، التصحر، التغيرات المناخية، أزمة المياه، وظاهرة الاحتباس الحراري، وما ينجم عن الكوارث الطبيعية والصراعات والحروب الأهلية التي من شأنها أن تترك آثارا سلبية وخطيرة على بلدان الجنوب ، ناهيك عن تأثير تفاقم الأزمة المالية / الاقتصادية التي شهدها العالم منذ مطلع سبتمبر 2008. بالطبع لا يمكن تجاهل تلازم زيادة الجوع مع تفاقم حدة البطالة والفقر في العالم ومع وجود قطاعات واسعة من سكان العالم تحت خط الفقر، حيث هناك أكثر من 2.5 مليار إنسان حول العالم يعيشون تحت خط الفقر (أقل من دولارين في اليوم) وينفقون ما بين 60 و80 في المائة من دخلهم على الطعام. على صعيد المنطقة العربية تشير التقارير إلى أن هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر أو تحت خط الفقر ، وبالتالي فإن استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية يعني مزيدا من المعاناة لهم. وقد أشارت أرقام واردة عن منظمة العمل الدولية، إلى أن 300 مليون شاب حول العالم، والذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً عاطلون عن العمل، ووفقاً لدراسة أعدها البنك الدولي، فإن 260 مليوناً من الشباب في البلدان النامية غير نشيطين، بينما يؤكد مسح " ذي إيكونوميست " أن ما يقارب 290 مليون شاب عاطلون عن العمل، أي ربع شباب العالم ، في حين اعلن المدير العام لمنظمة العمل العربية " أحمد لقمان " بأن عدد العاطلين عن العمل في العالم العربي بلغ أكثر من 20 مليون عاطل يشكل الشباب نسبة 95% منهم. الدول الغنية لم تكن بمنأى عن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة أكثر من 15 مليون عاطل يشكلون نسبة 7،6% وفي دول الاتحاد الأوربي من المتوقع ان يرتفع عدد العاطلين عن العمل من 17.4 مليون عاطل إلى 22 مليون عاطل في ضوء الأزمة الأقتصادية التي تعصف باليونان والبرتغال واسبانيا. الدول الرأسمالية المتطورة التي تدافع بضراوة عن حرية تنقل السلع والرساميل بين الدول غير انها وخصوصا في ظل تفاقم أزمتها ، ترفض حرية العمل وخصوصا من بلدان الجنوب التي تعيش وضعا بائسا على جميع المستويات بفعل سياساتها ( الغرب )الإستغلالية على مدى قرون من السيطرة الاستعمارية والهيمنة الإمبريالية والتبعية الشاملة . في ظل هذه الأوضاع البائسة التي تعيشها بلدان الجنوب فأن رحلات الموت ستستمر وتتصاعد.