شيء مما يجب قوله... بصدد النقد ونقد الوضع السياسي في بلادنا


أحمد الناصري
2013 / 10 / 11 - 17:14     

بصدد النقد ونقد الوضع السياسي في بلادنا

يجب قول الحقيقة الكاملة للناس، كما هي، والتخلص من التردد والتأجيل والانتظار، عن طبيعة وحجم كارثتنا الوطنية، وما يمر به ويعيشه شعبنا، في هذه اللحظة الدامية والحرجة، من دون أي تزويق أو تخفيف أو يأس وخوف من هذا الواقع المرير والخطير. فنحن لم نساهم في صنعه إنما نريد المساهمة في معالجته وإصلاحه!
الحوار والحديث والموقف، الفكري والسياسي، عن الواقع والوضع السياسي وطبيعته في بلادنا، والتعرف على طبيعة وحجم الكارثة السياسية والاجتماعية والإنسانية والنفسية، هو أمر بالغ الأهمية والحساسية، ما دام الوضع بهذه الخطورة والعمق الذي لا يصدق. لذلك، لابد من التحديد والتخصيص والتشخيص في العمل السياسي والفكري والجماهيري والإعلامي. فالأمور لا تزال عامة وعائمة وسائبة ومخلوطة وغير واضحة وغير موثقة، بصدد الإرهاب ومكافحته والفساد وحجمه وطبيعة وخطط السلطة وعملها، ومسألة غياب الدولة والفوضى العامة والى أين يسير مجتمعنا؟
إن نقد الوضع وكشف الواقع وتفكيكه، كما هو، في محاوره وعناوينه الرئيسية والثانوية، وتحديد حجم وطبيعة المأزق التاريخي الذي نمر به، من خلال فهم طبيعة الوضع السياسي الذي نعيشه، هو، الخطوة الصحيحة الأولى، والشرط الأول، لأي عمل وطني سليم، على طريق طويل وشاق. وهذه المهمة ليست سهلة أو روتينية أو عادية، وهي تحتاج الى وعي وموقف جديد وشروط مختلفة، وبدون هذه الخطوة الكبيرة والضرورية فأننا سنبقى ندور داخل حلقة مفرغة دون الوصول أو المساهمة بحل. وكما هو معروف، فالمنهج النقدي يحتاج الى قدرة وأدوات عقلية وجرأة ونظرة واضحة وتخلي عن مصالح ضيقة. وهنا لا بد من القول بوجود نقص كبير وخطير يحتاج الى معالجة وتجاوز. والمنهج النقدي لا علاقة له باليأس، بسبب عمق الخراب الذي يكشفه النقد، إنما هو خطوة كبيرة على طريق الأمل والعمل الصحيح.
التهشيم والتدمير المنظم والواسع والشامل والسريع، الذي يعترض له مجتمعنا ووطننا وشعبنا، هو من الخطورة والبشاعة التي لا توصف ولا يعرف عمقها وحجمها الحقيقيين الى الآن. ولا ندري ما هي نهاية ومقاصد ونتائج مشروعهم الأخيرة؟ هل ينهار الوطن؟ لكن أبرز وأخطر ما يجري، هو جريمة الدم والقتل الجماعي اليومي، وتغطية كل شيء بالدم، كطريقة للصراع السياسي العنيف والمنفلت من كل عقال وأساس، وتنفيذ الخطط والنوايا بواسطة الدم، ثم تخريب وتجريف وتشويه الإنسان والدين والاقتصاد والثقافة والتعليم والبيئة، لعزل وارباك المجتمع ودفعه الى الزاوية والحائط الأخير والسيطرة عليه بواسطة آله الرعب الجهنمية، واستبدال أسس وقيم المجتمع والسياسة والوعي، بواسطة السلاح والعنف والجهل ومليارات كونية من المال السائب والفساد العام والعلني ودفع المجتمع بقوة نحو الهاوية السخيفة...
إن مجموعة معزل المنطقة الخضراء، هي المكلفة بالتنفيذ، وهي مسؤولة مباشرة عن كل ما يجري في بلادنا، بسبب سيطرتها على السلطة. لكن من العجيب والمثير مثلاً أن نختلف على قضية الفساد، وحجم الصفقات الكونية والوهمية الجارية هناك. أو طبيعة العملية السياسية وإمكانية استمرارها بل وتعميقها، وأساليب السلطة وفشلها التام في مكافحة الإرهاب الشامل والمتعدد. هذا التشويش يعرقل الوصول الى أي حل آخر غير العملية السياسية الطائفية المفروضة على بلادنا ولو بالانتخابات الشكلية!
الأكثرية من الأحزاب والأفراد، لا تزال تناقش أموراً سطحيةً وثانويةً، ولم تنتقل بعد للعمق الحقيقي للكارثة وأسبابها الرئيسية وكيفية علاجها، بينما المطلوب وطنياً ضبط وترتيب الحوار وتشخيص وتحديد الأمور الرئيسية. والأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة كثيرة ومتنوعة. فالبعض ينتقد المالكي شخصياً، ولا ينتقد جوهر (العملية السياسية الطائفية) وأسسها وجميع خطواتها التي فرضها الاحتلال، وجميع ما يسمى ب (مكوناتها) المتشاركة، والتي تتخذ مواقف طائفية أو قومية ضيقة، تتعارض مع المصالح الوطنية العامة والبسيطة، وصولاً الى رفض الطائفية وتجريمها ومنعها. فهم لا ينتقدون مثلاً مواقف الأحزاب الكردية الرئيسية المضطربة والضيقة من العمل السياسي العام، أو حتى داخل إقليم كردستان. وربما هناك من يعول على (العملية السياسية الطائفية) وعن إمكانية تطويرها وتعميقها، أو يتوهم بإمكانية حل الكارثة الأمنية بمجرد إجراءات تقوم بها السلطة! فهذا وهم فادح يخصه، وهو سيصل أيضاً (إذا لم يكن قد وصل فعلاً) الى الجدار الأخير، بعد إن تتجاوزه الأحداث ويخسر كل شيء، مثل كل مرة وكل مرحلة ومنعطف!
وهناك، أيضاً، من يلوذ بمنطق صوري شكلي مضحك، تعلمه من قائده الأعمى (التاريخي) المعصوم، الذي يعرف كل شيء ويقدر كل شيء، وينوب عنه بالتفكير، كمتلقي عاجز وبائس وبسيط، لكنه قابل وقانع بمصيره كتابع، كأنه قدر خارجي، رغم تخلف الأول الباهر والمكشوف! وظل يمارسه، كما المريد الغبي، بالنسبة لعلاقته بمرشده الكبير. لذلك فهو يظل يفاجأ بأي موقف نقدي آخر، ويعارضه شكلياً ومسبقاً، مدعياً التطور الوهمي. وتلك من محن العقل الراسخة.
يجب أن نعود ونبحث في زلزال الاحتلال وقبله، وحجم التأثير النوعي الحاسم والبالغ على المجتمع والسياسة والثقافة والوعي، وطبيعة العملية السياسية التي فرضها. عندها فقط نتلمس بداية الطريق لحل كارثتنا الوطنية، الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية والبيئية، بل وكل شي معطوب ومهدد في بلادنا، من خلال كشف حجم الإرهاب ومصادره المتعددة وأساليبه، والأرقام الكونية للفساد المالي والسياسي، وقضية انهيار المجتمع والدولة، وأرقام الإنتاج الصناعي والزراعي الحقيقية، وأبواب صرف عائدات النفط، وأرقام الفقر، ومشاكل التعليم والصحة والثقافة والبيئة والكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى. عندها سيتغير الوضع حتماً!
إن الانترنيت وبرامجه المتنوعة والسريعة، يتيح ويوفر فرصة غير مسبوقة، للحوار الجاد، لطرح وإيصال الرأي والموقف المطلوب، بصدد ما يجري في الوطن وما يتعرض له الناس من محنة وجودية حقيقية، وللتفاعل والتنسيق السريع بين الداخل والخارج، لكشف حجم الكارثة والجريمة ومعاناة الناس رغم بشاعتها والمساهمة بالحل!