الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظرية ومهامه الملموسة


صالح ياسر
2002 / 11 / 9 - 07:07     

 

كثيرة هي تلك المشاهد السياسية المطروحة حول التغيير في العراق وطبيعته، ولن نشغل القارئ الكريم بالكثير من المقالات والدراسات التي نشرت من اكثر من طرف وكاتب وسياسي معارض، فهي مطروحة على صفحات الجرائد او على مختلف المواقع على شبكة الانترنيت، وتعبر عن اجتهادات متنوعة ومتقاطعة، وهي معروفة على أي حال ويمكن لمن يريد الاستزادة العودة اليها.

 

وفي هذه اللحظات الحاسمة والمصيرية، تتصارع الخيارات والإرادات، ويلوح مهندسو " خيار الحرب " بتحقيق " نصر سريع "، في حين ينافح الديكتاتور وهو يتحدث زورا وبهتانا باسم العراق، بأنه سيحول البلاد الى " مقبرة للغزاة ".  ويعني ذلك اننا امام افق مفتوح على كل الاحتمالات.

 

خلاصة القول أن الطرفين، وان اختلفت المنطلقات، يحصران المتابع السياسي، ناهيك عن المواطن العراقي البسيط، في إحدى زاويتين قاتلتين: أما الاصطفاف مع النظام الديكتاتوري، الذي خرب البلاد واستنزف شعبنا في حروب داخلية وخارجية، أو مع الولايات المتحدة ومخططاتها لتدمير بلادنا بحجة إزاحة الديكتاتور ونظامه وهي التي أنتجته وطورته في فترات محددة، وأصبحت " تباهي به الأمم " أنذاك! .

 

وعلى الجانب الاخر هناك العديد من اطراف المعارضة الاخرى ومن بينها الحزب الشيوعي العراقي من يعتقد إن هذه الترسيمة غير مقبولة، بل ومحبطة أصلا. ففي الوقت الذي ترفض هذه القوى ومنذ وقت طويل خيار النظام الديكتاتوري وترفع منذ اكثر من عقدين شعار ازاحته وقدمت التضحيات الكثيرة على هذا الطريق، فإنها في الوقت نفسه ترفض الخيار الاخر المستند على اساس الحرب بحجة إزاحة النظام الدكتاتوري، رغم قناعتها الشديدة بالحاجة الى التغيير وضرورته، وتراهن على خيار اخر هو الخيار الوطني الديمقراطي.

 

 

بداية، لا بد من ذكر بعض الملاحظات الضرورية التالية التي قد تزيل بعض الالتباسات :

1.  الحزب الشيوعي العراقي، وبكل تواضع، لا يحتاج لأن يثبت أنه خصم عنيد للنظام الدكتاتوري. فقد ناضل الحزب منذ اكثر من عقدين ضد هذا النظام، ولجأ ولعدة سنوات الى أرقى اشكال الكفاح الثوري ضد الديكتاتورية واجهزتها القمعية. وقدم الحزب على هذا الطريق تضحيات جسيمة من اجل تحقيق اهدافه في بناء عراق ديمقراطي ومتحرر من كل اشكال العسف والظلم. ولهذا لا يجوز الان، تحت اية ذرائع كانت، القبول بالتغليط المروج لأطروحة مضللة للاسف وقوامها أن رفض الحزب لخيار الحرب يترجم كما لو أنه يتبنى بشكل أو بأخر فكرة استمرار النظام الدكتاتوري. وهذه المغالطة ملتبسة من الفها الى يائها، وهي لا تعني للاسف سوى تشويه الموقف الوطني الناصع للحزب وخطه السياسي المستقل تجاه ما يرسم لبلدنا من ادوار ولشعبنا من مخططات وسيناريوهات. كما ان عرض موقف الحزب بهذه الطريقة المغلوطة كأنما يراد بها استئصال المشروع والطريق الثالث من دائرة البحث والتفكير، وبالتالي يصير الخيار الامريكي هو البديل الوحيد للنظام الدتاتوري، حسب اجتهاد مروجي هذه الاطروحة.

2.  إن رفض الحزب لخيار الحرب، كخيار استراتيجي، وقبل ذلك رفضه لإستمرار بقاء النظام الدكتاتوري نفسه، لا يعني بأي حال من الاحوال وقوفه مكتوف الايدي، متفرجا على الاحداث وتطوراتها، بل سيدعو وسيواصل دعوته ونضاله الذي لن يكل من اجل تحقيق المشروع الوطني الديمقراطي كخيار امثل لحل الازمة، وسيكون حيث جماهير شعبنا والى جانب مطالبها وتحركاتها.

   

 

الخيار الوطني الديمقراطي. بعض الملاحظات التمهيدية الضرورية

 

يستحق طرح الحزب لهذا الخيار، اذن، تناولا تحليلي ونقدي، فهو على ما اعتقد محاولة جادة وعلى درجة من التماسك والواقعية برغم الضجيج الدائر – من مواقع مختلفة - لاقصائه وعدم التفكير فيه، تسعى للبحث عن مخرج ملموس وواقعي من الازمة البنيوية والوضع الذي اوصل النظام الديكتاتوري بلادنا اليه، على الرغم من الهجمات المتعددة من خصوم واصدقاء في الوقت ذاته.

 

تستهدف هذه المداخلة تناول الخيار الوطني الديمقراطي الذي يطرحه الحزب، سعيا نحو تعميق وتطوير النقاش حوله سواء في اوساط الحزب او خارجه. ويعني ذلك أن هذه المداخلة تحاول تناول الخيار الوطني الديمقراطي، كأحد الخيارات/الامكانيات المطروحة لحل الازمة البنيوية الراهنة التي تعاني منها بلادنا في ظل النظام الديكتاتوري، من منظور جدلية ظهورها وتكوينها النظري.

 

ورغم هذه الملاحظة العمومية، اعتقد ان هذا المدخل سيسمح بالكشف عن اليات التكوين النظري للفكرة/المشروع، والمصادر المختلفة للخبرة التاريخية التي انطلقت منها، وعملية التركيب الجدلي بين العناصر المستمدة من تلك الخبرات، وعلاقة ذلك بالتناقضات والصراعات التاريخية المعاصرة. ومن شأن هذا المدخل أن يساهم في تعميق النقاش حول حول هذا الخيار، ويساعد في الكشف عن مناطق جديدة للتفكير والمقاربة.

 

لماذا التفكير في المشروع/البرنامج الوطني الديمقراطي ؟

 

بداية، لابد من الاشارة الى ان المقصود من هذه المساهمة ليست قراءة " مسطحة "، وانما قراءة تريد مساءلة الخطاب/المشروع حول المفهومات الاساسية التي انتجها، وعن قيمتها المعرفية، ومدى قدرتها على أن تعكس الواقع في لحظة تطوره الملموسة، وبالتالي هل كانت تلك المفاهيم تعكس الواقع حقا ؟

 

مادة التحليل والمساءلة

 

كمدخل لهذه الاشكالية البالغة التعقيد، رغم وضوحها الظاهري، سنسأل النصوص الرسمية للحزب، الواردة في مؤتمراته وفعالياته المركزية واجتماعات هيئته القيادية ( اللجنة المركزية)، وسنحاول أن نرتبها وفقا لتسلسلاتها وتطلعاتها الحقيقية. الهدف لا يتعلق بمحاولة محاكمة مكونات تلك النصوص، بقدر ما هو محاولة الاقتراب من اشكاليات المشروع/البرنامج الاساسية وعرضها بما يمكن من فهم المغازي الحقيقية للبرنامج المطروح، والانتقال بالنقاش من مستوى المعرفة العادية الى المعرفة العلمية، التي لا تحاكم أي نص قبل قراءته قراءة صحيحة وليس استبطانية تقوم على الرفض المسبق لمشروعيته ثم تمارس " تحليلها " للخطاب.

 

1.  صياغة المسألة- تحديد طبيعة المرحلة والكشف عن التناقضات الناظمة لها. لا يمكن فهم المشروع/البرنامج بمعزل عن الفهم الذي وصل له الحزب وهيئاته القيادية في محاولاتهم لتحديد طبيعة المرحلة التاريخية الراهنة من تطور بلادنا، وطبيعة الصراع المتعدد الاشكال والابعاد، المحتدم فيه، وخصوصا المهام الملموسة لهذه المرحلة في ظروف العراق الخاصة. عند قراءة المشروع/البرنامج يستنتج القارئ أن حركة المعارضة العراقية وخصوصا الديمقراطية منها، تواجه اليوم مهمات تغيير جذرية تطول بنى النظام السياسية والاقتصادية – الاجتماعية بإتجاه تأسيس تشكيلة اقتصادية – اجتماعية جديدة نوعية على انقاض التشكيلة القائمة. وبمزيد من التفصيل فإن التغيير المطروح في البرنامج، وهو تغيير جذري، يشكل مهمة مباشرة، انية، يسعى الحزب ببناء اوسع تحالف عريض لانجازها. والملاحظ للمشروع/البرنامج سيستنتج على الفور بان الظروف الموضوعية قد نضجت للتغيير، وللتغير الجذري. وارتباطا بذلك يمكن القول  أن التناقض الرئيسي الناظم لهذه المرحلة قد تم تحديده بأنه ذلك التناقض القائم بين النظام الديكتاتوري وجماهير شعبنا. لقد حدد الحزب في مؤتمرة السابع (2001) طبيعة المرحلة الراهنة التي تمر بها بلادنا وطبيعة السلطة القائمة، حيث اكد التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر ما خلص اليه المؤتمر الوطني السادس للحزب (1997) من " ان السلطة القائمة هي سلطة دكتاتورية فردية ذات طبيعة شوفينية، تعتمد اساليب فتشية وممارسات طائفية في الحكم، وتتسم بنزعة عدوانية توسعية إزاء الاشقاء والجيران " واضاف التقرير أن هذه السلطة باتت تعبر " عن مصالح البرجوازية الطفيلية اساسا " ( الحزب الشيوعي العراقي. التقرير السياسي للمؤتمر الوطني السابع 25 – 28 أب 2001، منشورات " طريق الشعب " ، تشرين الثاني 2001، ص 52)، وبالتالي فان التناقض الرئيسي معها تحديدا. وحدد المؤتمر المذكور طائفة من المهام التي يشكل انجازها ضمانة لرحيل النظام الدكتاتوري وقيام نظام ديمقراطي فيدرالي موحد. وكان التأكيد يجري على ضرورة الرهان على العامل الداخلي في التغيير باعتباره العامل المقرر والاستفادة من العامل الدولي في دعم نضال قوى شعبنا المناهضة للديكتاتورية. خلال الفترة الاخيرة وقعت عدة تطورات من بينها التغيير في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه القضية العراقية والمتمثلة بالانتقال من سياسة الاحتواء الى استراتيجية الردع الوقائي. أي ان الولايات المتحدة دخلت كلاعب رئيسي وكعنصر مباشر في " المعادلة العراقية " وفي التغيير من خلال الرهان على سيناريو الحرب، وبالتالي محاولة قطع الطريق على الخيارات الاخرى، ومنها الخيار الوطني الديمقراطي. ان هذه التطورات قد ولدت وقائع جديدة وعناصر جديدة، وخلقت شروطا جديدة، تسمح لنا بالاستنتاج بأننا دخلنا مرحلة جديدة ومتقدمة في الصراع الدائر حول التغيير المنشود، وطبيعته، وقواه المحركة واشكال تجلي التناقض الرئيسي. وهذا يجد انعكاسه في المهمات التي حددها البلاغ الصادر عن الاجتماع الاخير للجنة المركزية للحزب (أب 2002) . ومنعا لاي التباس لا بد من الاشارة الى ان التأكيد على أن مهمات التغيير المطروحة هي مهمات أنية مباشرة لا ينبغي أن يستخلص منها استنتاج خاطئ يقوم على انها مقطوعة الجذور وبدون افق محدد . ان قراءة صاحية للمشروع/البرنامج تسمح بالاستنتاج بأن هذه المهام تلك هي مهام يترابط فيها الاني بالاستراتيجي لجهة صياغة افق استراتيجي للنضال الاني المباشر. وحين يجري التأكيد على انها انية واستراتيجية في أن، فإن المقصود بذلك ان تراكم النضالات وما يترافق معها من تغييرات، انما يأتي كنتيجة للتفاقم المتواصل للازمة البنيوية للنظام الدكتاتوري وتعمق تناقضاتها، ويدفع النضال المتواصل للقوى الاساسية الناشطة في مختلف مناطق البلاد، الى المزيد من تفاقمها، والى بلوغ النظام الراهن حدود الانهيار والتفكك شبه الكامل، في بناه ومؤسساته. وهذا هو ما يجعل الحزب يؤكد في المشروع/البرنامج على المهام ذات الطابع الوطني والديمقراطي، في مفهومه المحدد لها، وانجاز تلك المهام، كقضية تتطلب منا الحزب ورفاقه ومنظماته ادراكها بوضوح بما يمكن من رصد الاحداث وتطوراتها، بعمق وشمولية. وسيتيح هذا للحزب أن يكون في قلب هذه الاحداث، جزءا لا يتجزأ منها، من موقعه المستقل، والتمسك، في كل الظروف، بالشعار الاستراتيجي، شعار التغيير الجذري، من اجل اقامة النظام الديمقراطي الفيدرالي التعددي والتداولي، كأفق للنضال اليومي، في قلب هذه الاحداث. وفيما يتعلق بالتحالف الذي يسعى الحزب جاهدا لبلورته على اساس هذا المشروع/البرنامج فهو، في الظروف الراهنة، عملية معقدة ينضجها الصراع والتحولات التي تجري على جميع الصعد الفكرية والسياسية والاقتصادية – الاجتماعية. وفي قلب هذه العملية يلعب الحزب دورا ثابتا ومنسجما، دون أن يتأثر بما يعترضه من صعوبات وضغوطات بالغة الحدة ومن جهات وزوايا مختلفة، ويركز رؤيته على الموضوع الاكثر ثباتا في مواقف القوى وفي مواقعها، وليس على ما تشير اليه الظاهرات الظرفية عند بعض القوى، من اجل التسريع في انجاز عملية التحالف هذه وانجاحها لتتمكن من انجاز اهدافها ومهماتها المحددة. 

2. تحديد بنية طرح القضية. ينطلق الحزب من التأكيد على أن الخيار الوطني الديمقراطي هو اليوم الحل الوحيد القادر على اخراج بلادنا من أزمتها البنيوية الراهنة من جهة، وتجنيبها خيار الحرب المدمر من جهة اخرى. هذا مع العلم أن الحزب كان المبادر في طرحه لهذا المشروع منذ عدة سنوات وبلوره، في صياغته الاولية، في مؤتمره الوطني السادس (1997)، وطرحه باعتباره مهمة اساسية ومباشرة، بإعتباره ضرورة ملحة لتجميع القوى الوطنية والديمقراطية، حول هذا البرنامج، من اجل تحقيقه. ولاشك ان الحل المطروح اثار ويثير اسئلة عديدة ويتعلق جزء منها بما اذا كانت الظروف الموضوعية لتحقيق هذا البرنامج متوفرة، وما هي القوى السياسية، ذات المصلحة في تحقيقه، أي ما هي طبيعة التحالف القادر على إنجاز هذا الحل، ما هي الوسائل التي يمكن أن تبلور الاشكال التنظيمية للتحالف الموضوعي بين القوى التي تتبنى عناصر الحل الوطني الديمقراطي، كيف يوفق الحزب بين استقلاليته، وبين تحالفاته المتعددة الاشكال والصيغ، بتعدد المراحل، وكيف يستطيع التعبير عن تمايزه وعن وجهه المستقل في هذه التحالفات ..... الخ من الاسئلة التي تستحث النقاش والتفكير المشترك للاجابة عليها ؟ وبغض النظر عن الصعوبات العديدة والتمايزات والاصطفافات السريعة والانزياحات المتواصلة داخل صفوف المعارضة بفعل العامل الدولي، وتحديدا دور الولايات المتحدة واستراتيجتها تجاه العراق، برغم ذلك كله يعتقد الحزب أن الظروف الموضوعية متوفرة ولن تغيير الصعوبات والتعقيدات العديدة من  قناعته بأن هذا الحل، على اساس هذا البرنامج، هو الوحيد القادر على اخراج البلاد من ازمتها البنيوية المتفاقمة، ومن الحرب القادمة التي تروج لها الولايات المتحدة. ولكن تجربة الفترة الماضية بينت أن الشروط الضرورية لقيام هذا الحل لا تتوفر جميعها، لحد هذه اللحظة، بفعل عدم توفر أو عدم نضوج بعض عناصر العامل الذاتي. ويبدو أن السبب الرئيسي وراء ذلك يعود الى ما شاهدناه ونشهده، حاليا، من تفاوت في الرؤى والمقاربات من طرف القوى التي يتفق الحل الوطني الديمقراطي، من الناحية الموضوعية، مع مصالح الفئات الاجتماعية التي تعبر هذه القوى السياسية عن طموحاتها. ومن المفيد الاشارة الى أن التباينات داخل الحل الوطني الديمقراطي، وبين اطرافه، لا تدور حول قضايا هامشية بل حول مضامين البرنامج الوطني الديمقراطي، في العلاقة بين الوطني والديمقراطي، بين السياسي والاقتصادي – الاجتماعي، في العلاقة بين الوطني والقومي، حول العامل الدولي ومدى وكيفيات الاستفادة منه وتوظيفه

 

ومن اجل بلورة افضل وأدق للنقاش سنركز على الجوانب التالية :

 

أولا : الخيار الوطني الديمقراطي : طبيعته التاريخية وحدوده النظرية. المرجعيات التاريخية والنظرية.

 

ثمة اسئلة ضرورية لا بد ان ينطلق منها النقاش حول هذه الاشكالية ومن بينها على وجه الدقة : ما هي الطبيعة التاريخية لهذا الخيار ؟ وما هي الحدود النظرية التي يطرح في اطارها ؟

 

في مسعى محاولة الاجابة على هذه الاسئلة يتعين القول أنه ليس هناك من جواب محدد وحاسم اذ ان الامر متعلق بزاوية النظر التي يطل منها المتابع لهذه الاشكالية البالغة التعقيد. اذن يمكن القول أن الطبيعة التاريخية للخيار موضوع البحث تطرح من زوايا عدة او محاور مترابطة. ولكن من المهم التأكيد على أن هذا البرنامج/المشروع يأتي، كما تمت الاشارة اليه في مكان أخر، كمحاولة بدأت خطوطها الاولى في المؤتمر الوطني السادس للحزب (1997) ثم تم تطويرها في المجلس الحزبي العام الخامس (1999) ثم في المؤتمر الوطني السابع (2001) واجتماعات اللجنة المركزية التي تلت انعقاد المؤتمر السابع. ولكن لابد من الاشارة الى الانعطاف الهام الذي سجله المؤتمر الوطني الخامس للحزب (1993) وصياغته لمفهومين اساسيين سيؤثران بشكل جدي على توجهات الحزب اللاحقة على مختلف الصعد التنظيمية والسياسية  والفكرية، واعني بهما مفهومي الديمقراطية والتجديد. وكان من نتائج ذلك التحول أن إنفتحت الافاق لطرح الاسئلة الجوهرية التي تواجه الحزب على الصعيد النظري والسياسي، ومواقفه واستراتيجيات عمله وخصوصا استخلاصه الدروس من تجارب تحالفاته السياسية، والصعوبات والاخطاء المرتكبة على صعيد التكتيك والاستراتيجية كذلك. وانطلاقا من ذلك فقد تم اخضاع العديد من الافكار والمفاهيم، التي كانت تتمتع بقدر كبير من سطوة البداهة، الى مراجعة وتدقيق. وبهذا الصدد اشار التقرير السياسي والتنظيمي الصادر عن المؤتمر الوطني الخامس للحزب الى ما يلي " على الصعيد الفكري : توجه حزبنا لفحص المقولات والمفاهيم النظرية انطلاقا من نبذ الاستنساخ والنقل الالي للتجارب، واستلهام المنهج الماركسي بمعاينة الواقع الموضوعي وتطوراته والواقع الملموس لنضال شعبنا ومشاكله وتقاليده وتراثه الثوري والاستفادة من التجربة العالمية " ( وثائق المؤتمر الوطني الخامس " مؤتمر الديمقراطية والتجديد "، 12-25 تشرين الاول 1993، ص58).

 

أما على صعيد تجربة الحزب في مجال المحالفات فلم تخلو من تقييم انتقادي حيث اشار التقرير ذاته الى ما يلي : " وفي معرض تقيم ادائنا في مجمل التحالفات التي شاركنا فيها، يمكن القول ان هذا الاداء ظل يعاني ضعفا في ممارسة النقد تجاه حلفائنا، وفي اظهار موقفنا المستقل بشأن بعض ممارساتهم الخاطئة والاستجابة لضغوطاتهم الى جانب ضعف الحيوية والديناميكية في التحرك احيانا بما يخدم تعزيز مواقعنا " (نفس المصدر السابق، ص 65).

 

ومن المفيد الاشارة الى أن ما يميز المرحلة الاخيرة وخصوصا ما توصل اليه اجتماع ل.م في 18/12/2001 من صياغة محددة وملموسة للموقف عبر عنها في " الموقف الوطني المسؤول " والذي يمثل في مضمونه العام كأقتراح مباشر ومحدد لاستراتيجية تاريخية جديدة لللقوى المناهضة لخياري الديكتاتورية والحرب في ان، وتتطلب مناقشة ومساهمة جماعية في البلورة النهائية.

 

ومن جهة اخرى لابد من الاشارة الى أن هذا الخيار ليس مقطوع الجذور عن استراتيجية الحزب العامة في المحالفات السياسية التي تطورت من خلال المعارك السياسية الكبرى التي خاضها الحزب منذ انبثاقه في عام 1934 ولاحقا والتي وجدت اطرها المحددة والملموسة في الشعار الذي طرحه قائد الحزب وباني كيانه الرفيق الخالد فهد : قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية !. إن قراءة متفحصة للجهد الذي بذله الحزب والرفيق فهد، في مجال بلورة مهمات محددة لبرنامج الحزب أنذاك، تتيح لنا القول أن هذا البرنامج كان يتضمن المهام التالية ( قارن : فالح عبد الجبار : مهماتنا ودورنا في اطار الثورة الوطنية الديمقراطية وافاق البديل الاشتراكي. الثقافة الجديدة، العدد 238/1991، ص 7 )  :

1.    الديمقراطية السياسية.

2.  فك التبعية الكولونيالية من خلال ازالة القواعد العسكرية والغاء المعاهدات الاسترقاقية وتحرير الثروة الوطنية من الهيمنة الاستعمارية.

3.  تصنيع البلاد وبالخصوص تطوير الصناعات الثقيلة لتكون قطبا للنمو والاستقلال الاقتصادي.

4.  حل عادل للقضية القومية من خلال ضمان مساواة حقيقية في الحقوق القومية للاكراد والجماعات القومية الاخرى.

5.    اقامة اتحاد عربي يرتكز على التعاون الاقتصادي والصناعي والزراعي والديمقراطية.

6.    انتهاج سياسة خارجية وطنية.

 

واستنادا لذلك يمكن القول أن لب هذا البرنامج سياسيا هو الديمقراطية السياسية، ولب البرنامج اجتماعيا هو التصنيع والاصلاح الزراعي، ولب البرنامج وطنيا هو فك التبعية الكولونيالية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.

 

وفي علاقته بتراث الحزب في هذا الشأن، وتراث الحركة الثورية، يسعى الخيار للدمج بين مهام وطنية عامة ومهام ذات طابع ديمقراطي ومن دون اهمال العلاقة العضوية والضرورية التي تربط بين المهام الوطنية والمهام الديمقراطية، بل انه يعمل على انجازها في اطار تركيب جديد. ولا شك ان هذا التركيب تحدده طبيعة المشروع ذاته، والمرحلة التي بلغتها الازمة البنيوية التي تعيشها بلادنا، وطبيعة الصراعات السائدة اليوم وعمليات الاصطفاف، والانزياحات الجارية داخل قوى المعارضة العراقية بفعل طائفة من العوامل والضغوطات الاقليمية والدولية، وفي مقدمتها الحملة السياسية والنفسية التي تشنها الولايات المتحدة وتلويحها بشن حرب على العراق بحجة اسقاط النظام الدكتاتوري.

 

إن قراءة متمعنة لخيار الحزب، بصياغاته المختلفة والاضافات التي ادخلت عليه خلال الفترة التي اشرنا اليها، تتيح لنا القول أن الخيار هذا يتضمن في ثناياه اهدافا تاريخية بعيدة المدى رغم ان ظاهره يشير الى الانشغال بمهام محددة وملموسة وانية، بسبب ان الحزب صاحب مشروع تاريخي يربط بين الحاضر والمستقبل، وعليه التزامات وطنية وطبقية، قومية واممية. من المفيد الاشارة الى ان الحزب وهو يصوغ مفردات هذا الخيار يعي جيدا أن هناك حاجة ماسة لأشكال جديدة للتنظيم، واشكال جديدة للممارسات الديمقراطية، والى صيغ جديدة للمحالفات السياسية واليات التفاوض الجماعي بين القوى السياسية سواء تلك التي تشكل موضوعيا اساس هذا الخيار أو قوى المعارضة الاخرى. وفي رهانه على هذا الخيار، ينطلق الحزب من افتراض قوامه ان الممارسة الجماهيرية قادرة على توليد اشكال جديدة وتجليات جديدة، وحلول جديدة كفيلة اذا ما احسن توظيفها بشكل سليم أن تنجز مهمة شعبنا الاساسية اليوم وهي ازاحة النظام الدكتاتوري وخلق الشروط لتحقيق الخيار الوطني والديمقراطي في أن.

 

ثانيا : الخيار الوطني الديمقراطي : مصادر التكوين وعناصره الاساسية

بالنسبة لمصادر التكوين يمكن القول انها تتضمن العناصر التالية :

-  انها الازمة البنيوية العميقة التي انتهى اليها نظام البرجوازية الطفيلية البيروقراطية في بلادنا. وقد قدم المؤتمر الوطني السابع تحليلا ملموسا وواضحا لهذه القضية جرت الاشارة اليه سابقا.

-  المصدر الثاني يمكن العثور عليه في التحليل الذي قدمه الحزب في مناسبات عديدة سواء في وثائقه الرسمية الصادرة عن فعالياته المركزية أو مساهمات رفاقه المشتغلين على الصعيد الفكري، حيث تم استخلاص طائفة من الاستنتاجات وجدت انعكاسها على صياغات البرنامج وافقه المحددة.

-  ولا يمكن فهم الصياغات الاولية للمشروع الوطني الديمقراطي بمعزل عن طائفة من التحولات التي جرت على صعيد عالمي واقليمي، وفي مقدمتها أزمة النظام الاشتراكي وانهياره العاصف، التحولات العاصفة في الثورة العلمية التقنية او ما يسمى بـ " الثورة الصناعية الثالثة " والنتائج التي رافقتها، العولمة المتصاعدة وصيغتها الرأسمالية المهيمنة وتأثيرها على العلاقات الدولية، والتأثيرات التي تركتها هذه العملية على النسق السياسي العالمي بعد انهيار نظام القطبية الثنائية وحالة الفوضى التي اعقبتها.

- وعلى الصعيد النظري يمكن صياغة الاشكالية بتكثيف كما يلي : أزمة الفكر الاشتراكي في اغلب صوره، صعود تيارات فكرية تستلهم مفهوم خصوصية الهوية بصيغها المختلفة، صعود الليبرالية الجديدة والاتجاه لفرضها على بلدان " الجنوب ". وعند قراءة المشروع الوطني الديمقراطي، وفي مختلف صياغاته، سنلاحظ ان هذه العناصر تجد انعكاسها في هذا المشروع سواء بشكل ظاهر أو بصيغ مضمرة وعبر توسطات ومن خلال مفاهيم محددة، من خلال صياغة مهمات ملموسة ومحددة وواقعية.

-  انطلاقا من هذه النتائج يستنتج الحزب بأن عملية الانتقال صوب الاشتراكية عملية طويلة ومتناقضة وليست مطروحة على جدول اعماله الان، رغم انها تظل هدفا استراتيجيا بعيد المدى لا يمكن اخراجه من دائرة التحليل والنظر، أي انها على عكس ما كان سائدا ليست قصيرة نسبيا ولا خطية. إن المرحلة التي تواجه بلادنا اليوم وفي الفترة التي تلي رحيل النظام الدكتاتوري غير مأسوف عليه هي عملية معقدة ومتناقضة تجمع بين مختلف الاشكال الاقتصادية وبما يوحد بينها من تناقضات وبالتالي صراعات تقود في الواقع الى تحولات متتالية، ولكن لابد من صياغة منطق محدد من خلال اليات تراهن على تحالف وطني وديمقراطي قادر على انجاز مهام المرحلة الجديدة.

-  الاعتراف بالتغيرات التي هزت المنظومات الفكرية والايديولوجيات الكبرى وطرحت عليها اسئلة ومتطلبات جديدة، واعادت رسم الجغرافية السياسية للعالم. ولاشك أن مقاربة موضوع التحالفات السياسية ومستقبلها في بلادنا لابد ان تأخذ بنظر الاعتبار وقائع المشهد السياسي الاقليمي والعالمي بما هو عولمة الاقتصاد، وفتح الحدود وتعميم اليات السوق وربط الاسواق المحلية بالسوق العالمية التي تتحكم فيها دول المراكز الامبريالية. ونفهم ان هذا المرحلة " التكوينية " التي يعاد فيها تشكيل البنى والوظائف الخارجية للعديد من البلدان ومنها العراق، أي ان هناك معركة تدور حول مضمون الافاق الجديدة، معركة يختلط فيها الاقتصادي بالجيو – سياسي، المحلي بالاقليمي والعالمي.

-  لاشك أن انهيار النظام الاشتراكي الذي كان سائدا في الاتحاد السوفيتي وبلدان اوربا الشرقية والوسطى قد حمل ويحمل طائفة من الدروس التي ارتكن ويرتكن اليها الحزب في صياغته لخياره الوطني الديمقراطي. وانطلاقا من تحليل أزمة الديمقراطية ودورها في انهيار التجارب " التاريخية "، نعثر في الصياغات المختلفة على فكرة مهمة هي التأكيد على ضرورة الديمقراطية بإعتبارها مكونا اساسيا من مكونات المجتمع الذي يناضل الحزب من اجل تحقيقه. ومنعا للإختلاط مع مقاربات اخرى لهذه القضية، يفهم الحزب الديمقراطية هذه ببعديها : السياسي والاجتماعي من خلال وحدتهما وتفاعلهما وتأثيرهما المتبادل.

 

من المجرد الى الملموس : تنوع الصياغات ووحدة الاهداف والمهام

 

مهمات البديل الوطني الديمقراطي

 

بداية، لا بد من الاشارة الى أن الصياغات المختلفة للمشروع التي طرحها الحزب ترتبط بمحاولات الحزب الجادة لصياغة خطاب جديد يرتكز على ثلاثة عناصر اساسية : المرونة، الواقعية والملموسية. أي ان هذا الخطاب اصبح يجسد اشكالية حضور الوعي النظري المتفتح على المشاكل الملموسة، منتجا معرفة بصددها، هادفا تغيير الواقع.

 

واضافة لذلك فإن من المهم التأكيد على البعد التاريخي الذي يتعلق بتاريخية المفاهيم المطروحة في البديل المطروح من طرف الحزب. ان لهذه الملاحظة سياق مهم يتعلق بحقيقة ان صياغة خطاب يتضمن العناصر الثلاثة المشار اليها اعلاه يستلزم عدم التعالي على الواقع، أو يعجز عن الغوص فيه، أو ينطلق من مسلمات مسبقة يفصل الواقع على ضوئها وليس العكس.

 

إن المرء ليتفهم حساسية موضوع التغيير المطروح وتجلياته، والمشاريع المطروحة لحل الازمة البنيوية الراهنة. ويتطلب ذلك التأكيد على أن اكتساب المفتاح لحل العديد من المشاكل، وتوضيح الرؤى سيساهم في تهيئة الارضية الصلبة لانتاج خطاب مرن وبرنامج واقعي وملموس يوفر الشروط لانطلاقة جديدة تجعلنا قادرين على امتلاك ناصية تاريخنا ولعب دورنا المطلوب في معركة بالغة التعقيد والخطورة في ان.

 

ويتوجب من اجل تجديد خطابنا وتطوير رؤيتنا لحل هذه الازمة تغذية الجدال المرتكن الى اسس صحيحة بصدد سياسات وبرامج مختلف قوى المعارضة. واذا كان من المستبعد اليوم لاسباب موضوعية وذاتية القيام بعملية نقد صارمة تفكك كافة الخطابات وتكشف المستور والظاهر منها، فإن هذا السجال ينبغي ان يسعى، الان على الاقل، الى المساهمة في اذكاء حدة الوعي بالمشكلات الحقيقية والرهانات الفعلية التي تتضمنها مختلف البرامج المطروحة اليوم لحل المعضلات التي تواجه بلادنا وفي مقدمتها رحيل النظام الديكتاتوري وطرائق التغيير.

 

ان خلق مناخ كهذا سيخلق الارضية ويوفر الفرصة التاريخية لنقد العديد من المقولات والمفاهيم، ويهيئ في الوقت نفسه المناخ المعرفي الملائم للتقدم خطوة الى الامام في بناء خطاب موحد للمعارضة. ويعني ذلك أن هذا المدخل سوف يضفي بعدا اساسيا في وعي الاشكالية التي تواجهها حركة المعارضة بكل اطيافها، وفي حصر حدود امكانياتها الفكرية، واستنباط عناصرها من خلال الممارسة النقدية التي تستوعبها.

 

ثمة اشكالية مهمة من المفيد الاشارة اليها وهي تلك المتعلقة بالملاحظات العديدة الموجهة من اطراف عدة حول " عدم واقعية " خطاب الحزب بشأن المشاريع والخيارات المطروحة، بما في ذلك خيار الحرب الذي تطرحه الادارة الامريكية، أو حتى تجاهل ما يقدمه الحزب من تحليل للوضع وما يطرحة من برنامج محدد وملموس لحل الازمة الراهنة. ولا نريد القول أن هذا التجاهل ناجم عن جهل بالنصوص والمواقف التي يطرحها الحزب، ولكن لا يمكن من جهة اخرى اعتباره بريئا، في العديد من جوانبه. بل اذا تأملنا الامر عن كثب، ادركنا أن هناك من يحاول أن يختزل ببساطة يحسد عليها كل ما قام الحزب به من جهود حثيثة، في هذا المجال، من اجل وحدة المعارضة على اساس برنامج وطني وديمقراطي مناهض للدكتاتورية والخيارات الخارجية.

 

ومن المؤكد انه وبسبب طبيعة هذه الاشكالية تواجهنا مهمة صعبة، ولا يجوز نكران ذلك او تبسيطه بشكل مخل. فليس الموضوع المطروح – المشاريع المطروحة – من المواضيع التي يمكن معالجتها بشكل مبسط، بل هو في الواقع، وبسبب تداخل جملة من القضايا فيه، هو موضوع بالغ التعقيد بل وشائك جدا. فطبيعة المرحلة التي تمر بها بلادنا اليوم، وطبيعة المشاريع المطروحة والاهداف والمهمات التي تتضمنها، والضغوطات المتنوعة التي ترافقها، لا تتضمن اسئلة شكلية، بل على العكس من ذلك انها تتعلق بالمحتوي الطبقي والاجتماعي السياسي لحركة المعارضة العراقية وتياراتها المختلفة من جهة، وبالمهمات المطروحة امامها والتي يتعين عليها تحقيقها في اللحظة التاريخية الملموسة. ومن هنا يصبح الاحتراس النقدي مطلبا تقتضيه متطلبات اعادة انتاج المفاهيم الضرورية لفهم هذه المرحلة وصياغة برامج ملموسة لها. وفي ضوء ذلك لابد من تأشير حقيقة أن متطلبات انتاج خطاب موحد للمعارضة وبلورة برنامج نضالي محدد لها هي مهام ليست باليسيرة ولا المتيسرة. انها متطلبات لا تستكين لإستعارة النماذج النظرية والاقتباسات المملة أو تطبيق الوصفات الجاهزة، بقدر ما هي مطالبة بمباشرة حوار جدي ومركب مع نتائج ومتطلبات التناقضات التاريخية الحاصلة في بنية الوقائع الملموسة، بما يمكن من الامساك بجذور القضية التي نعالج، وبالتالي التمكن من انتاج معرفة نظرية بصددها. ومن الطبيعي الاشارة الى ان لهذه المشكلة علاقة مباشرة بمجرى المعركة السياسية الراهنة وافاقها المفتوحة على كل الاحتمالات.

 

ان قدرة حركة المعارضة العراقية عموما، والتيار الوطني والديمقراطي خصوصا، على مواجهة حقائق التغيرات الدولية الجارية والاجابة عنها بشكل صحيح، تساوي قدرتها على " اعادة بناء " نفسها وتجديد مشروعها على اسس جديدة تؤهلها للتفاعل مع التغيرات الدولية العاصفة ولكن من دون الوقوع في شركي العزلة المتطرفة أو الاندماج المطلق.

 

 

المشروع الوطني الديمقراطي. تنوع الصياغات ووحدة الاهداف

 

سنحاول هنا عرض الصياغات المختلفة للمشروع الوطني الديمقراطي الذي طرحه الحزب في مناسبات مختلفة، بهدف الكشف عن الاهداف والمهام واليات هذا المشروع، الذي يمكن اعتباره برنامجا محددا يعبر عن وجه نظر محددة ينبغي معرفتها عن كثب.

 

أولا : المشروع الوطني الديمقراطي الذي اقره المؤتمر الوطني السادس (تموز1997)

 

انطلق المشروع من اطروحة هامة هي " ان السبيل الوحيد للخروج من الازمة الشاملة التي تعصف بها وانقاذ شعبنا من محنته واستعادة السيادة الوطنية الكاملة للعراق وتحريره من ارتهاناته الخارجية واعادة اعماره ووضعه مجددا على طريق التطور الاقتصادي – الاجتماعي ونهوضه بدوره الايجابي على الصعد العربية والاقليمية والدولية هو سبيل الخلاص من الديكتاتورية واقامة البديل الوطني الديمقراطي على انقاضها ".

 

واكد المشروع على أن الاسراع في انجاز الاهداف المذكورة اعلاه يتوجب العمل الدؤوب على انجاز المهام التالية ( انظر : طريق الشعب – الجريدة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، العدد 1 السنة 63، أب 1997، ص 10) :

1.  استنهاض قوى شعبنا باعتبارها القوى الحقيقية المعول عليها لانجاز مهمة اسقاط الدكتاتورية، وذلك من خلال تجميع وتوحيد جهود جميع قوى المعارضة العراقية على اسس سليمة من التكافؤ والتعاون تنبذ نزعات الاستئثار والتسلط، وبعيدا عن الارتهان لجهات اقليمية أو دولية، وتفعيل دور قوى التيار الديمقراطي، والعمل على كسب اوساط من داخل الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية الى جانب القزة المعادية للدكتاتورية، والتوجه نحو الحصول على الاسناد الخارجي، السياسي والمعنوي انطلاقا من ارضية المصالح الوطنية لشعبنا وبلادنا.

2.    رفع الحصار الاقتصادي عن شعبنا دون قيد أو شرط وتحت اشراف الامم المتحدة.

3.    تحقيق المصالحة الوطنية في كردستان.

4.  المطالبة والضغط لتفعيل وتطبيق قرار مجلس الامن الدولي رقم 688 الخاص بحقوق الانسان في العراق، وتقديم صدام حسين واركان نظامه الى محكمة دولية بإعتبارهم مجرمي حرب ومجرمين بحق الانسانية.

5.  المطالبة بإجراء انتخابات عامة في العراق بادارة واشراف الامم المتحدة وجهات دولية محايدة.

 

وبمقابل ذلك اشار المشروع الوطني الديمقراطي الى ان الشروع بعملية بناء العراق الديمقراطي التعددي على انقاض الدكتاتورية ومؤسساتها واجهزتها ستوجب تحقيق طائفة من المهام والاهداف ومن بينها :

 

أولا : تشكيل حكومة ديمقراطية ائتلافية مؤقتة من القوى والتيارات الاساسية في البلاد، تعد لاجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقا لقانون انتخابي ديمقراطي تصدره الحكومة نفسها وتحت اشراف جهات محايدة، لانتخاب مجلس تأسيسي. ويقوم هذا المجلس بسن دستور دائم للبلاد يشرع لاقامة نظام ديمقراطي يؤمن حرية التنظيم الحزبي والنقابي والمهني والاجتماعي وحرية الصحافة والتعبير عن الرأي وحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية والقومية، والغاء التمييز الطائفي بكل انواعه – القومي والديني والطائفي- دستور يعتبر كل المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان جزءا منه، ويقر بشكل واضح وصريح الفصل بين السلطات الثلاثة ويؤكد بحزم استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.

 

ثانيا : تصفية الديكتاتورية تماما وانهاء الاوضاع الاستثنائية والشاذة التي فرضتها، وذلك بإلغاء جميع القوانين والمؤسسات والاجهزة المرتبطة بها، واصدار عفو شامل عن السجناء والمعتقلين السياسيين وعن جميع ضحايا الحكم الدكتاتوري واعادة الاعتبار لهم والغاء قرارات التهجير وتأمين عودة المهجرين وضمان حقوقهم كاملة، واتخاذ التدابير والاجراءات الكفيلة بإزالة كل اثار الدكتاتورية واساليبها.

 

ثالثا : العمل على رفع الحصار المفروض على بلادنا والغاء جميع العقوبات الدولية بما يضمن مصالح الشعب والسيادة الوطنية.

 

رابعا : الاعتراف بالحقوق القومية العادلة للشعب الكردي وحل القضية القومية حلا ديمقراطيا على اساس الفيدرالية لاقليم كردستان والحقوق القومية والادارية والثقافية للتركمان والاشوريين والكلدان، وازالة كل ما يعرقل احترام التنوع القومي والديني والمذهبي والطائفي.

 

خامسا : التمسك بمبدأ التداول السلمي للسلطة، ونبذ العنف، واللجوء الى الطرق الديمقراطية السلمية في معالجة الخلافات والمشاكل التي تنشأ بين القوى السياسية.

 

سادسا : اعمار البلاد واعادة بناء اقتصاده الوطني وفقا للأولويات التي تعني برفع معاناة الشعب وتحسين مستواه المعيشي، والدفاع عن مصالح العمال وفقراء الفلاحيين والموظفين وسائر المنتجين، وصياغة سياسة اقتصادية تنموية تعالج مشكلة البطالة وتؤمن الضمان الاجتماعي وتحقق النمو المتوازن للقطاعات الاقتصادية المختلفة وتوزيعها الجغرافي واتباع سياسة نفطية عقلانية تقلل تدريجيا من اعتماد الاقتصاد الوطني على عوائد النفط، والاستفادة من امكانيات الرأسمال العربي والاجنبي.

 

سابعا : اقامة علاقات ايجابية مع الدول العربية ودول الجوار على اساس المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة واستقلال كل بلد وخياراته الحرة في تحديد مستقبله السياسي، والسعي الحثيث لاقامة التكامل الاقتصادي بين البلدان العربي وتأسيس السوق العربية المشتركة.

 

ثامنا : اقامة علاقات متوازنة مع جميع دول العالم على اساس التكافؤ والمصالح المتبادلة واحترام الحقوق والموثيق الدولية.

 

ثانيا : النداء الصادر عن المجلس الحزبي العام الخامس (1999)

 

في هذا النداء تم التأكيد على المشروع الوطني الديمقراطي الذي اقره المؤتمر الوطني السادس (تموز1997) والذي حدد المهام الانية والمرحلية التي تواجه وتنتظر شعبنا وقواه الوطنية. وقد سعى الكونفرنس المذكور لدراسة اوضاع المعارضة العراقية وبحث في تحريك اجوائها الراكدة، خاصة بعد قيام الحزب بطائفة من النشاطات والمبادرات من بينها السعي لتطوير نشاط التيار الديمقراطي، والتوجه نحو القوى الاسلامية واللقاء مع قادتها ومع احزاب وقوى التيار القومي، هذا فضلا عن الجهود التي بذلها بالتنسيق مع الرفاق في حشكع، من اجل المصالحة في كردستان ولتفعيل دور الاحزاب الكردستانية في اطار المعارضة العراقية. وبلور الكونفرنس العام الخامس وطرح مبادرة جديدة بصيغة نداء الى جماهير شعبنا العراقي والى سائر القوى الوطنية دعا فيها كافة اطياف المعارضة العراقية للارتقاء الى مستوى مسؤلياتها التاريخية، وتجاوز حالة التبعثر. بمقابل ذلك سعى المجلس الحزبي العام هذا، ومن خلال هذا النداء، الى صياغة طائفة من المهام أعتقد الحزب في حينها أنها يمكن أن تشكل مدخلا للإتفاق على ما هو مشترك وهي ( انظر : الحزب الشيوعي العراقي : وثائق المجلس الحزبي العام (الكونفرنس) الخامس 26-28 تموز 1999.منشورات طريق الشعب، أب1999، ص 78 - 79 :

1.  إسناد قوى شعبنا المناهضة للدكتاتورية، بإعتبارها القوى الحقيقية المعول عليها في انجاز التغيير للخلاص من الدكتاتورية، واقامة نظام برلماني تداولي، يقوم على أساس الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، ويؤمن الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي واحترام خياراته وضمان حقوق القوميات الاخرى، ويلغي كل اشكال التمييز القومي والديني والطائفي.

2.    رفع الحصار الاقتصادي عن شعبنا.

3.    العمل على تحقيق التلاحم بين الجيش والشعب.

4.  السعي لكسب أوساط من داخل الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية الى جانب القوى المعادية للديكتاتورية.

5.    تحقيق المصالحة الوطنية في كردستان العراق.

6.  المطالبة والضغط لتفعيل وتطبيق قرار مجلس الامن الدولي رقم 688 الخاص بحقوق الانسان في العراق، وتقديم صدام حسين واركان النظام الى محكمة دولية بإعتبارهم مجرمي حرب ومجرمين بحق الانسانية.

7.  العمل على كسب الاسناد العربي والاقليمي والدولي، السياسي والمعنوي، لنضال شعبنا ضد الدكتاتورية انظلاقا من المصلحة الوطنية لشعبنا وبلادنا.

 

ثالثا : مسودة مشروع مطروح على قوى المعارضة في أوائل ‏2002

في أوائل 2002 طرح الحزب على مجموعة من قوى المعارضة مشروعا سماه " خيارنا الوطني المستقل " . وبحسب المشروع المذكور فإن هذا الخيار يستند الى " ارادة شعبنا، وحقه في تقرير مصيره بنفسه، وفي استعادة سيادته الوطنية، والدفاع عن مصالحه، وتأمين تحرره من الارتهان للنظام الدكتاتوري والعامل الدولي، والانطلاق مجددا على طريق الاعمار والبناء، والنهوض بدوره الايجابي على الصعد العربية والاقليمية والدولية، وذلك بالخلاص من النظام الدكتاتوري، واقامة البديل الوطني الديمقراطي، الذي يحترم المواثيق والمعاهدات والالتزامات الدولية ". وشدد المشروع المذكور على أن الوصول الى هذه الغايات يستحث من الاحزاب والقوى المنظوية تحت هذا الخيار العمل على :

1.  استنهاض قوى شعبنا الحية المعول عليها، بإختلاف انتماءاتها السياسية والتنظيمية، في إنجاز مهمة الخلاص من النظام الدكتاتوري. فليس ممكنا تحقيق التغيير الجذري المنشود، دون وجود معارضة داخلية ناشطة، تلعب دورا مقررا بحشد قواها على اسس سليمة من التعاضد والتكافؤ.

2.    رفع الحصار عن شعبنا دون قيد أو شرط، وتحت اشراف الامم المتحدة.

3.  المطالبة والضغط لتفعيل وتطبيق قرار مجلس الامن الدولي رقم 688 الخاص بحقوق الانسانفي العراق، وتقديم صدام حسين واركان نظامه الى محكمة دولية باعتبارهم مجرمي حرب ومجرمين بحق الانسانية.

4.  المطالبة باجراء انتخابات عامة في العراق بادارة الامم المتحدة ووجهات دولية محايدة، وتحت اشرافها.

5.  تقديم العون في مختلف المجالات لابناء شعبنا الذين يقارعون الدكتاتورية، واسناد التحركات المناهضة للقمع والارهاب.

 

ولم يكتف المشروع بهذه التحديدات العامة بل صاغ طائفة من الاهداف المشتركة والتي تتمثل في :

-  إقامة نظام سياسي (بديل) ديمقراطي يتمتع فيه شعبنا بالحرية في اختيار ممثليه، وانتخاب المؤسسات الدستورية، وتأمين سيادة القانون، وضمان التعددية.

-  حل القضية القومية حلا عادلا، ومنح الشعب الكردي حقوقه القومية المشروعة واحترام خياراته بما يعزز الاخوة العربية – الكردية، وضمان الحقوق الثقافية والادارية للقوميات كافة في اطار عراق ديمقراطي موحد.

-     تعزيز وحدة العراق ارضا وشعبا، ومقاومة جميع المشاريع الهادفة الى تفتيته.

-  التمسك بمبدأ التداول السلمي للسلطة، ونبذ العنف، واللجوء الى الطرق السلمية في معالجة المشاكل والخلافات التي تنشأ بين القوى السياسية.

-     الالتزام بكل المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان واعتبارها جزءا من الدستور.

-  الغاء الاوضاع الاستثنائية الشاذة التي فرضها النظام الدكتاتوري، وانهاء ممارسات الاضطهاد السياسي والقومي والديني والمذهبي.

-  تأمين عودة المهجرين والمهاجرين والمبعدين داخل العراق وخارجه لمختلف الاسباب وتعويضهم عن الاضرار التي لحقت بهم جراء ذلك.

-  الاهتمام ببناء القوات المسلحة على اسس سليمة كفيلة بتمكينها من اداء دورها في الدفاع عن الوطن، واحترام المؤسسات الدستورية والنظام السياسي الذي يختاره الشعب.

-  اعادة بناء الاقتصاد الوطني على اساس اولوية رفع المعاناة عن الشعب وتحسين مستواه المعيشي، وصياغة سياسة اقتصادية تهدف الى التوزيع العادل للثروة بين فئات السكان، والتوزيع الجغرافي العقلاني لموارد البلاد ومشاريع التنمية.

-  اقامة علاقات ايجابية مع الدول العربية والاقليمية على اساس المصالح المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سيادة واستقلال كل بلد، ودعم التضامن العربي بكافة اشكاله.

-  اسناد كفاح الشعب العربي الفلسطيني من اجل اقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.

-  انتهاج سياسة خارجية مستقلة، وبناء علاقات تضامن وحسن جوار مع جميع الدول على اساس مواثيق الجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي وهيئة الامم المتحدة.

 

رابعا : المؤتمر الوطني السابع/ أب 2001

 

لم يطرح المؤتمر الوطني السابع للحزب مشروعا جديدا وانما قدم تلخيصا لأوضاع المعارضة وما طرحه الحزب من مشاريع. ففي معرض اشارته الى المشروع الوطني الديمقراطي الذي اقره المؤتمر الوطني السادس، بين التقرير أنه وبرغم أن هذا المشروع قد " شخص المهام الانية والملحة لاخراج البلاد من أزمتها وانقاذ الشعب من محنته " الا أنه " اصطدم، للاسف، شأن مبادرات سابقة بالمعوقات الذاتية نفسها التي حالت دون التوصل الى اتفاق مشترك " (الحزب الشيوعي العراقي. التقرير السياسي للمؤتمر الوطني السابع 25 – 28 أب 2001، منشورات " طريق الشعب " ، تشرين الثاني 2001، ص 95). اما الكونفرنس العام الخامس فقد بلور وطرح مبادرة جديدة بصيغة نداء الى جماهير شعبنا العراقي والى سائر القوى الوطنية دعا فيها كافة اطياف المعارضة العراقية " للارتقاء الى مستوى مسؤلياتها التاريخية، وتجاوز حالة التبعثر والاستجابة الى تطلعات شعبنا بالاتفاق على قواسم مشتركة تشكل اساسا لخطاب سياسي موحد يقوم على الثوابت الوطنية واستقلالية القرار السياسي المعارض "  ( التقرير السياسي للمؤتمر الوطني السابع، مصدر سابق، ص 96). غير ان التقرير المذكور يؤشر مرة اخرى أن هذا النداء " لم يلق، رغم مرونته، الاستجابة الضرورية للتحرك " ( نفس المصدر السابق).

 

واستنادا الى مسودة التقرير السياسي المقدم للمؤتمر وخلاصة المناقشات التي دارت في المؤتمر، وتعميما لتجربة الحزب في مجال العمل المشترك فقد أكد المؤتمر على القضايا التالية ( نفس المصدر السابق، ص 96) :

1.  اهمية الاعتماد على جماهير الشعب وقواه الوطنية المناضلة داخل الوطن لاسقاط الدكتاتورية واجراء التغيير الديمقراطي المنشود.

2.  التفاعل الايجابي مع العاملين الاقليمي والدولي، بما يؤمن دعم واسناد شعبنا على اساس مصالحه الوطنية دون التدخل في شؤونه الداخلية وفرض الوصاية عليه.

3.  توضيح حقيقة الاوضاع في العراق للاطراف التي لا تميز بين الشعب العراقي والنظام الدكتاتوري، وتوضيح اوضاع المعارضة ودورها، وتبديد التصورات الخاطئة والتشويهات المتعلقة بقواها الوطنية الفاعلة داخل الوطن.

4.  التصدي لمحاولات بعض الاوساط العراقية والعربية للترويج للحوار والمصالحة والتعامل مع النظام الدكتاتوري واعادة تأهيله.

 

وفي معرض تقيمه لأوضاع المعارضة أكد المؤتمر الوطني السابع على أنها " دون المستوى المطلوب الذي تتطلبه مهمة اسقاط الدكتاتورية واقامة البديل الديمقراطي المنشود " ( التقرير السياسي ....، مصدر سابق، ص 98). وبين التقرير من جهة اخرى " أن ما يؤذي المعارضة العراقية ويضر بنضالها ضد الدكتاتورية، هو كونها لم تتمكن حتى الان، رغم توافقها عموما حول عناصر اساسية في الخطاب السياسي الموحد، من الاتفاق بشكل جماعي على برنامج عمل يعبر عن القواسم المشتركة، ويشكل سندا ومرجعية سياسية لابناء الشعب الذين يواجهون الدكتاتورية كل يوم ويتطلعون للخلاص منها " ( المصدر السابق).

 

وارتباطا بهذه الاوضاع حدد صاغ المؤتمر السابع طائفة من المهام التي يتعين على الحزب ورفاقه العاملين في النشاط العلاقاتي بذل جهود مضاعفة وحثيثة لانجازها وهي ( المصدر السابق، ص 98 – 99) :

1.  مواصلة الجهود الحثيثة لايجاد اشكال فاعلة، ثابتة أو مؤقتة، للتنسيق والتعاون مع بقية اطراف المعارضة الوطنية على اساس برنامج يستند الى الثوابت الوطنية والقواسم المشتركة أو على اساس اهداف مشتركة محددة.

2.  الاستمرار في المساعي مع الاحزاب الاساسية للتوصل الى اتفاق سياسي، أو أي شكل من اشكال التعاون والتنسيق الثنائي أو المتعدد الاطراف، يتضمن كحد ادنى تصورات مشتركة حول القضايا الرئيسية التي تواجه بلادنا وشعبنا.

3.  المضي في تطوير العلاقات الثنائية والمتعددة الاطراف مع عموم القوى الديمقراطية في المعارضة الوطنية العراقيةالتي تلتقي في مواقفها مع تصورات الحزب في شأن إزالة الدكتاتورية واقامة البديل الديمقراطي.

4.  مواصلة السعي لتطوير العلاقات مع قوى التيار الديمقراطي والعمل على الارتقاء بالتنسيق بين اطرافه وتعزيز مواقفه وازالة المعوقات التي تحول دون اجتذاب قوى وشخصيات جديدة نحوه.

5.  تعزيز المبادرات التي يقوم بها الحزب بمفرده أو بالتعاون مع الاحزاب الاخرى في مجال الاتصال بالاوساط الرسمية والشعبية في البلدان العربية والاوربية ومع المؤسسات الاقليمية والدولية، عبر الزيارات والمشاركة في الفعاليات والندوات للافادة منها في عكس وجهات النظر المشتركة للمعارضة الوطنية ازاء القضايا المتعلقة بالشأن العراقي، وفي مواجهة نشاطات النظام ومناصريه وتعرية طروحاتهم.

6.  تأكيد كون المشروع الوطني الديمقراطي الذي اقره المؤتمر الوطني السادس للحزب والنداء الذي اصدره الكونفرنس الخامس وبيان القواسم المشتركة، تصلح اساسا للحوار بين اطراف المعارضة الوطنية العراقية من اجل التوصل الى ماهو ممكن ومشترك.   

 

 

خامسا : تطور المشروع في الوثائق الصادرة عن اجتماعات ل.م خلال السنة الاخيرة

 

بعد فوز بوش الابن في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وصعود الجمهوريين الى الحكم هناك، ووقوع احداث 11 سبتمبر والتطورات والتداعيات التي تلتها، شهدت العلاقات الدولية مزيدا من التعقيد والرهانات الجديدة، خصوصا مع تعزز مواقع التيار الاكثر تطرفا في الادارة الامريكية الجديدة الذي يريد توظيف احداث سبتمبر بفرض الهيمنة الامريكية على العالم بقوة المدفع.

وفيما اشرفت المرحلة الاولى من ما سمي بـ " الحملة العالمية ضد الارهاب " وذلك بالاطاحة بحكومة طالبان في افغانستان وتحطيم تنظيمات " القاعدةتصاعدت الاصوات داخل الادارة الامريكية لاضفاء المزيد من التشدد وتوسيع دائرة الاستهداف لتشمل العديد من البلدان التي " تؤوي الارهاب " أو تشكل قواعد خلفية له أو تقدم الدعم في هذا المجال لـ " الحركات والمنظمات الارهابية ". وشهدت هذه المرحلة تدقيقا لأولويات الستراتيجية الامريكية حيث لاحظنا هنا صياغة مفهوم " محور الشر " الذي ضم العراق وايران وكوريا الشمالية. ولم يكتف صناع السياسة والقرار في الولايات المتحدة بذلك بل لاحظنا كذلك مسعاهم الدائب لتوسيع مفهوم الارهاب ليشمل انتاج اسلحة الدمار الشامل والتي يعتبر العراق بحسب الرؤية الامريكية - المتهم الاول في انتاجها. ومن هنا تصاعدت الحملة النظام العراقي بما في ذلك التهديد بازاحته من خلال خيار الحرب واتخاذ الادارة الامريكية المزيد من الاجراءات والممارسات بهذا الاتجاه. ورافق ذلك التحول الهام في العقيدة العسكرية للولايات المتحدة بالانتقال من " سياسة الاحتواء " الى " استراتيجية الردع الوقائي ". وقد وجد ذلك انعكاسه على اوضاع المعارضة العراقية وحدوث تمايزات واصطفافات داخلها ونشوء تحالفات جديدة واستقطابات جديدة القت بثقلها على العمل المعارض وعقد من مهماته.

 

وامام تصاعد التهديدات الامريكية باللجوء الى خيار الحرب كوسيلة لحل الازمة البنيوية المستعصية في بلادنا، وما سيرافق ذلك من دمار وخراب، تدفقت اسئلة عديدة عن دور المعارضة العراقية اذا ما اندلعت الحرب، وكيف ستتعامل مع الوضع الجديد ؟ وتوسعت دائرة الاسئلة لتشمل سؤالين مهمين جدا هما :

 

هل المطلوب الاصطفاف مع النظام الدكتاتوري، الذي خرب البلاد واستنزف شعبنا في معاركه الدونكيشوتية ؟ أم هل سيتوجب على المعارضة أن تساند الحملة العسكرية الامريكية المتوقعة على بلادنا بحجة اسقاط النظام الدكتاتوري، بما ستحمله من مأس جديدة لشعبنا ودمار وخراب لبلادنا ؟

 

امام هذه الاسئلة وغيرها توقف الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية للحزب المنعقد في 18/12/2001 واجرى محاولة للاجابة عليها. وتمخضت المداولات التي جرت في هذا الاجتماع عن بلورة " الموقف الوطني المسؤول " الذي إرتكز على اربعة اعمدة اساسية ستشكل لاحقا الارضية الصلبة التي يستند عليها الحزب في تحديد موقفه من التطورات والمبادرات السياسية التي تطرح في اوساط العمل المعارض.

 

إن اعمدة هذا الموقف هي (  انظر : طريق الشعب، العدد 6 السنة 67، كانون الثاني 2002، ص 5) :

 

·   رفض الضربة العسكرية وعواقبها المأساوية ؛

·    التعويل على شعبنا ووحدة قواه ؛

·    عدم الانخراط في الجهد الامريكي ؛

·  الاستعداد للتطورات كطرف مستقل مناهض للنظام ورافض للخيار العسكري، يطرح مشروعا وطنيا ديمقراطيا لانقاذ الشعب وتخليص الوطن من الحصار والدكتاتورية ومخاطر الهجمات الخارجية.

 

ولم يكتف الاجتماع المذكور ببلورة هذا الموقف بل واصل طرح السؤال الهام والتقليدي وهو : هل قوى المعارضة في مستوى هذا الموقف ؟ يجيب البيان الصادر عن الاجتماع بالقول " من المؤسف انها، رغم العلاقات المتبادلة الجيدة، الثنائية والمتعددة الاطراف، وبعض النشاطات المشتركة، لم تنجز عملية التحالف حتى الان، بل ان عددا من الاطراف المعنية تعيش حالة انتظار (سلبي) لما تشفر عنه تطورات الاحداث ومجريات الصراع " (المصدر السابق).

 

وفي مسعاه للمساهمة في البحث عن الاسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الوضع، ارجع التقرير السياسي المقدم للاجتماع المذكور الوضع الى الاسباب التالية (نفس المصدر السابق) :

1.    الغموض والتعقيد اللذين يطبعان اللوحة السياسية الراهنة والمقبلة وتطور الاحداث عموما ؛

2.  تأثيرات القوى الخارجية على بعض الاطراف المعارضة، وخشية هذه من الاقدام على خطوات جريئة مستقلة، قد تجلب لها مشاكل أو تفقدها مكاسب حققتها لذاتها.

 

ولم يكتف الاجتماع اعلاه بهذه القضايا بل أكد على " ان الحاجة ملحة لبذل مزيد من الجهد، وللاقدام على مبادرات تستحث تحرك قوة المعارضة الوطنية بصورة متوازنة ومسؤولة، في اتجاه توحيد جهدها ونشاطها، للتعامل بفاعلية مع المستجدات والتطورات المرتقبة " (نفس المصدر السابق)

 

أما الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية للحزب المنعقد في أواسط نيسان 2002 فقد واصل بحث تطورات الوضع في بلادنا، وبشكل خاص مع تزايد التهديدات الامريكية بتوسيع نطاق " الحرب ضد الارهاب " لتشمل العراق الذي ادرج كما قلنا سابقا ضمن " محور الشر "، بهدف " تغيير النظام " ودون استبعاد كل الخيارات، بما فيها الحرب الشاملة.

 

وارتباطا بهذه التطورات توقف الاجتماع عند اوضاع المعارضة، وبحث سبل تفعيل دورها للتأثير في مسار الاحداث. وقد لاحظ الاجتماع ما يلي ( انظر : طريق الشعب، العدد 10 السنة 67، ايار 2002، ص 7) :

1.  التأثيرات السلبية للتدخل المباشر الدولي – الامريكي بالذات- والاقليمي، الامر الذي ساهم في عرقلة توجه المعارضة لبناء تحالفاتها وصياغة الشكل التنظيمي لوحدة نشاطها، على اساس برنامج وطني – ديمقراطي يعبر عن استقلالية القرار الوطني العراقي.

2.  عدم التوصل الى صيغة فاعلة لتوحيد المعارضة الوطنية وقواها الاساسية وما يتركه ذلك من اثار سلبية، وغياب القيادة السياسية الميدانية للجماهير الساخطة والوطنيين من ابناء القوات المسلحة. ولا شك ان هذا الغياب يسهم في تعقيد القضية العراقية، واطالة أمد ازمتها، وبقاء دون حل.

3.  ان بإمكان وحدة المعارضة وزيادة فاعليتها ونشاطها أن يحرك القضية العراقية، ويجبر كل الجهات المعنية على التعامل معها كقضية انية غير قابلة للتأجيل.

4.  ضرورة ان توحد المعارضة الوطنية قواها من دون وصاية او هيمنة أو رعاية مباشرة من أي جهة كانت.

 

ومن جديد شدّد الاجتماع على رفض الحزب للحرب كخيار استراتيجي، ورفضه للنظام الديكتاتوري في الوقت نفسه. وبمقابل ذلك جرى التأكيد على ان رفض الحزب للخيارين في ان لا يعني وقوفه مكتوف الايدي، متفرجا على الاحداث وتطوراتها، بل سيواصل نضاله ودعوته للترويج للمشروع الوطني الديمقراطي " كخيار امثل لحل الازمة العميقة والشاملة التي تلف بلادنا وشعبنا، وسنكون حيث جماهير شعبنا والى جانب مطالبها وتحركاتها " ( المصدر السابق، نفس الصفحة).

 

وارتباطا بذلك فقد اكد الاجتماع على ان الحزب " ... اذ يتمسك باستراتيجته وخطه السياسي العام وثوابته الوطنية المعروفة، فإنه سيتعامل بمرونة وانفتاح، وبشعور عال بالمسؤولية، مع كل ما تبذله قوى المعارضة الوطنية لتوحيد جهدها، كما سيسعى الى تأمين حضوره فكريا وسياسيا في الجهود التي تتعلق بمصير شعبنا وبلدنا " ( المصدر السابق). وفي ضوء ذلك جرى التشديد على ما يلي :

· التركيز على مواصلة اللقاء السعي للقاء قوى المعارضة على ارض الوطن، وفق جدول اعمال تحدده، والعمل على وقف التدخلات الاجنبية الفجة، المسيئة للقضية العراقية، في شؤون المعارضة.

·  تكثيف اللقاءات والاتصالات مع قوى المعارضة العراقية، والسعي لتجاوز القضايا الثانوية، والمعوقات الذاتية، لتسهيل مهمة العمل المشترك والبحث عن الصيغة الامثل لوحدتها، واطلاق مبادرات لتنظيم فعاليات مشتركة لابراز قضية شعبنا وكسب التأييد والتضامن الفاعل معها.

 

وفي 15 أب 2002 عقدت اللجنة المركزية للحزب اجتماعا اعتياديا بحثت فيه المستجدات السياسية في الاشهر الاربعة التي مرت على اجتماعها السابق. وتوقفت الاجتماع هذا امام طائفة من القضايا من بينها اوضاع المعارضة، وبحث سبل تفعيل دورها للتأثير على مسار الاحداث، وعلى ما يرسم لبلادنا من افاق ولشعبنا من مصير. وارتباطا بتصاعد التهديدات الامريكية ورجحات احتمال شن الحرب، لاحظ الاجتماع بروز طائفة من التمايزات والاصطفافات داخل اوساط المعارضة " اتخذت منحيين، الاول يعكس عملية تمايز وفرز في اوساطها، تجلت في نشوء عدة محاور، والاخر تشكيل او اعادة تشكيل مؤسسات معارضة جديدة، وهو ليس بمعزل عن دعم او تحفيز دوليين واقليميين " ( بلاغ اجتماع اللجنة المركزية، طريق الشعب العدد 2 السنة 68، ايلول 2002، ص 8).

 

وفي شأن المشاريع المطروحة للاطاحة بالنظام الدكتاتوري ولرسم مستقبل العراق، نبه الاجتماع الى القضايا التالية ( المصدر السابق) :

-  المخاطر الجدية التي تنجم عن اعتماد خيار الحرب والتدخل العسكري الاجنبي كوسيلة للتغيير.

-  ان التغيير مهمة شعبنا وقواته المسلحة، بقيادة تحالف قوى المعارضة الوطنية وبدعم دولي شرعي.

-  مضاعفة الجهود لانضاج الظروف الكفيلة بإزاحة النظام الدكتاتوري وتحقيق البديل الوطني الديمقراطي.

 

وفي هذا الاجتماع جرى اضفاء بعض التفصيلات على المشروع المشار اليه اعلاه، حيث جرى التأكيد على أن هذا البديل ينبغي أن تهيئ له حكومة ائتلافية مؤقتة تضم القوى والتيارات الاساسية في البلاد. وجرت الاشارة الى أن مهمات الحكومة المذكورة تتلخص بتصفية أثار الدكتاتورية من خلال اعتماد طائفة من الاجراءات من بينها ( راجع المصدر السابق، نفس الصفحة):

-  الغاء جميع القوانين القوانين والاجهزة القمعية المرتبطة بها، واصدار عفو عام وشامل عن السجناء والمعتقلين السياسييين واعادة الاعتبار والحقوق لهم وتعويضهم، والغاء قرارات التهجير، وتأمين عودة المهجرين .....، وتقديم اقطاب النظام وكبار المسؤولين عن الجرائم المرتكبة لينالوا جزاءهم العادل.

-  اطلاق الحريات الديمقراطية بكافة انواعها وسن قانون ديمقراطي لإنتخاب مجلس تأسيسي للبلاد، يشرع دستورا ديمقراطيا دائما، يرسي الاسس القانونية لحياة ديمقراطية مستقرة وراسخة، ويضمن التعددية والتداول السلمي، ويحل القضية القومية حلا عادلا على اساس اقرار حق الشعب الكردي في اختيار شكل العلاقة مع شقيقه الشعب العربي في العراق الديمقراطي الموحد.

-  العمل على الغاء جميع العقوبات الدولية، وفي مقدمتها الحصار الاقتصادي، في سياق التعامل الايجابي مع المجتمع الدولي والسعي لكسبه الى جانب قضية شعبنا.

-  الشروع باعمار البلاد واعادة بناء الاقتصاد الوطني وفقا للاولويات التي تمس حياة المواطنيين، وصياغة سياسة اقتصادية ترتكز على تحقيق تنمية مستقلة ومتوازنة للاقتصاد الوطني، واعتماد سياسة نفطية عقلانية تتيح توظيف القطاع النفطي في خدمة التنمية الاقتصادية.

    

 

الخاتمة : محاولة تلخيص واعادة تركيب مفردات المشروع الوطني الديمقراطي

 

إن قراءة وتحليل الوثائق السابقة تتيح الاستنتاج بأن المشروع/البرنامج يتضمن المفاهيم والاطروحات الاساسية التالية :

1. التاكيد على الخيار الديمقراطي من خلال التمسك بمبدأ التداول السلمي للسلطة، ونبذ العنف، واللجوء الى الطرق الديمقراطية السلمية في معالجة الخلافات والمشاكل التي تنشأ بين القوى السياسية. ولاشك أن التأكيد على هذا الخيار يهدف من بين ما يهدف اليه هو تدشين الارضية لمجتمع مدني تتعايش فيه عدة فضاءات وحرية تكفل وجود وتعايش كل " التيارات " السائدة في المجتمع من دون تهميش واقصاء. ومن المبرر اليوم اكثر من أي وقت مضى أن يكون احد الاهداف الاساسية بعد رحيل النظام الدكتاتوري هو وصول المجتمع السياسي الى مساومة تاريخية تهدف الى تحديد المبادئ والشروط لانبثاق حركة ديمقراطية قادرة على توضيح اسس المستقبل لحياة ديمقراطية تعددية تداولية، وتكون شرطا لوجود الاحزاب السياسية نفسها. وانطلاقا من خبرة عقود من العسف والقمع وسيطرة فكر الحزب الواحد والرأي الواحد ينبغي على القوى الديمقراطية أن تكون على وعي بامكانية سعي بعض الاطراف التي ستستفيد من مجالات الديمقراطية والياتها الى النزوع نحو فرض الهيمنة وتجحد حق المجتمع بالمطالبة بالديمقراطية كقيمة عليا. ومن هنا اهمية تنمية الوعي لدى المجتمع المدني لكي ينظم نفسه بطريقة مستقلة، تمكنه من وضع اطر تنظيمية قادرة على الرد، بتكوين رأي عام وطني قوي ومؤثر، قادر على منع اية سلطة في المستقبل على تجاوز قواعد لعبة الديمقراطية، وهو وحده القادر على تأمين سبل التحول نحو ديمقراطية حقيقية لمجتمعنا.

2. الدعوة الى اقامة نظام برلماني تداولي، يقوم على أساس الديمقراطية واحترام حقوق الانسان. في هذا الصدد ينطلق الحزب من مقاربة جديدة ونوعية تقوم على الاقرار بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، كما جرت الاشارة اليه في الفقرة السابقة. وطبيعي إن ذلك لن يتحقق من دون إعادة بناء الدولة العراقية التي تحل محل الدولة الاستبدادية السائدة اليوم. ويفهم الحزب حقيقة أنه وبدون تحويل عميق وجذري لبنية الدولة العراقية الراهنة لن يتحقق أي تحول ديمقراطي في المستقبل، وبالتالي لن تتوفر الامكانية العملية لتحقيق مبدأ التداول السلمي للسلطة وبناء المؤسسات التمثيلية التي توفر ذلك التداول.

3.  الرهان على العامل الداخلي كأداة للتغيير ودعم قوى شعبنا المناهضة للدكتاتورية، بإعتبارها القوى الحقيقية المعول عليها في انجاز التغيير للخلاص من الدكتاتورية. فليس ممكنا تحقيق التغيير الجذري المنشود، دون وجود معارضة داخلية ناشطة، تلعب دورا مقررا بحشد قواها على اسس سليمة من التعاضد والتكافؤ.

4.  رؤية جديدة لدور المؤسسة العسكرية وتجاوز التحليل الكلاسيكي الذي يتعامل معها بإعتبارها كتلة واحدة متجانسة وكأحد ادوات اعادة انتاج النظام السائد ، وذلك من خلال اطروحتين : الاولي التي تؤكد على " العمل على تحقيق التلاحم بين الجيش والشعب "، والثانية التي تدعو الى " السعي لكسب أوساط من داخل الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية الى جانب القوى المعادية للديكتاتورية ".

5.  الاعتراف بالحقوق القومية العادلة للشعب الكردي وحل القضية القومية حلا ديمقراطيا على اساس الفيدرالية لاقليم كردستان والحقوق القومية والادارية والثقافية للتركمان والاشوريين والكلدان، وازالة كل ما يعرقل احترام التنوع القومي والديني والمذهبي والطائفي.

6.  بلورة عناصر اولية لحلول ملموسة للإشكالية الاقتصادية. من المفيد التأكيد هنا على أن البديل الذي يطرحه الحزب لا يحلق بعيدا في الاحلام بل يصوغ مواقفه بصدد هذه الاشكالية انطلاقا من الواقع الذي يعيشه الاقتصاد العراقي اليوم، والذي لا يعاني فقط من أزمة بنيوية عميقة بل من كارثة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. إن العناصر الاساسية التي يتعين أن يتضمنها المشروع الاقتصادي البديل توشر القضايا التالية (قارن : رائد فهمي : البعد الاقتصادي – الاجتماعي في مشروع التغيير في العراق. دراسة منشورة على صفحة البيت العراقي على الانترنيت) :

-  إنهاء نظام  العقوبات الذي لم تسبب في تعميق أزمة  الاقتصاد  العراقي، فهي كانت قائمة قبل ذلك بوقت طويل، وفاقم نظام العقوبات أبعادها أثارها.

-  اعمار البلاد واعادة بناء اقتصاده الوطني وفقا للأولويات التي تعني برفع معاناة الشعب وتحسين مستواه المعيشي،والدفاع عن مصالح العمال وفقراء الفلاحيين والموظفين وسائر المنتجين.

-  صياغة سياسة اقتصادية تنموية تعالج مشكلة البطالة وتؤمن الضمان الاجتماعي وتحقق النمو المتوازن للقطاعات الاقتصادية المختلفة وتوزيعها الجغرافي. إنهاء نظام  العقوبات الذي لم يتسبب  في  خلق  أزمة  الاقتصاد  العراقي، فهي كانت قائمة قبل ذلك بوقت طويل، وإنما عمّقت أبعادها وفاقمت أثارها.

-  اتباع سياسة نفطية عقلانية تقلل تدريجيا من اعتماد الاقتصاد الوطني على عوائد النفط كمصدر لتمويل الميزانية وتكريسه بنسب متزايدة للاستثمار وتمويل  عملية إعادة تأهيل وتطوير الهياكل الارتكازية  وذلك بالارتباط مع إيجاد مصادر تمويل داخلية للميزانية العامة. ومن جهة اخرى لابد من ايجاد الأطر الرقابية الديمقراطية التي تحول دون تصرف الحاكم أو الحكومة  بالعائدات النفطية  دونما مشاركة ممثلي الشعب  المنتخبين  في إقرار  خطط الإنفاق المقترحة، الامر الذي يتيح استخدام هذه الموارد وتوجيهها وفق الأولويات الاجتماعية، والحيلولة دون تبديدها في إنفاق مظهري  واستثمارات غير مجدية  وعسكرة منفلتة ومفرطة ولإغداق المنح والهبات داخلياً وخارجياً بغرض كسب الولاء والتأييد السياسي، الذي مارسه النظام الديكتاتوري على الدوام.

7.  بلورة واضحة وملموسة لكيفية التعامل مع الواقع العربي والاقليمي والدولي وفهم تناقضاته الحقيقية وتأثيراته على الوضع في بلادنا ومساراته الفعلية. وفي هذا المجال يتم التأكيد هنا على " اقامة علاقات ايجابية مع الدول العربية ودول الجوار على اساس المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة واستقلال كل بلد وخياراته الحرة في تحديد مستقبله السياسي، والسعي الحثيث لاقامة التكامل الاقتصادي بين البلدان العربي وتأسيس السوق العربية المشتركة ". هذا اضافة الى الدعوة لـ " اقامة علاقات متوازنة مع جميع دول العالم على اساس التكافؤ والمصالح المتبادلة واحترام الحقوق والموثيق الدولية " . كما نلاحظ هنا تأكيدا على ضرورة " الاستفادة من امكانيات الرأسمال العربي والاجنبي " ومن دون الدخول بالتفاصيل.

 

وعدا ذلك يمكن القول أن :

 

·    المهمة المركزية الانية للمشروع/البرنامج : ازاحة النظام الدكتاتوري واقتلاع جذور الاستبداد والعسكرة ....الخ ورفع الحصار من جهة، وبناء نظام ديمقراطي تعددي تداولي فيدرالي من جهة اخرى.

·   ويصبح الشعار المركزي للمرحلة : من أجل تعبئة طاقات شعبنا وقواه الوطنية والديمقراطية والتضامن العالمي للخلاص من النظام الدكتاتوري واقامة البديل الوطني الديمقراطي ودرء الحرب.

·   الوسيلة لانجاز هذه المهمة/الهدف المركزي : اقامة اوسع تحالف اجتماعي سياسي لقوى المعارضة المناهضة للديكتاتورية.

·   الاداة المرحلية : تشكيل حكومة ديمقراطية ائتلافية مؤقتة من القوى والتيارات الاساسية في البلاد، تعد لاجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقا لقانون انتخابي ديمقراطي تصدره الحكومة نفسها وتحت اشراف جهات محايدة، لانتخاب مجلس تأسيسي. ويقوم هذا المجلس بسن دستور دائم للبلاد يشرع لاقامة نظام ديمقراطي يؤمن حرية التنظيم الحزبي والنقابي والمهني والاجتماعي وحرية الصحافة والتعبير عن الرأي وحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية والقومية، والغاء التمييز الطائفي بكل انواعه – القومي والديني والطائفي- دستور يعتبر كل المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان جزءا منه، ويقر بشكل واضح وصريح الفصل بين السلطات الثلاثة ويؤكد بحزم استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.

 

والخلاصة التي يمكن بلورتها هي :

 

· إن جوهر المشروع سياسيا هو الديمقراطية السياسية. فهناك تأكيد في كل الصياغات/المشاريع التي قدمها الحزب على ان هذه الإشكالية تمثل مكونا عضويا اساسيا في البرنامج/المشروع، وتجد انعكاسها في مفاهيم وصياغات عديدة من قبيل : النظام البرلماني التداولي، التداول السلمي للسلطة، ونبذ العنف، واللجوء الى الطرق الديمقراطية السلمية في معالجة الخلافات والمشاكل التي تنشأ بين القوى السياسية، دولة القانون، التعددية الحزبية والديمقراطية المستندة الى دستور دائم تشرعه جمعية تأسيسية، فصل السلطات ...الخ.

· أما على الصعيد الاجتماعي/الاقتصادي فإن جوهر المشروع هو تطوير القوى المنتجة من خلال الربط بين مكونات اساسية ومهمة هي التنمية – النفط – الديمقراطية، والتي عالجها بالتفصيل باحثون عديدون.  ويتجلى ذلك من خلال إعادة بعث الحياة في الاقتصاد الوطني من خلال التغلب على الازمة البنيوية العميقة واعادة بناء الاقتصاد وفقا للأولويات التي تعني برفع معاناة الشعب وتحسين مستواه المعيشي. واضافة لذلك ادماج القطاع النفطي واخضاعه لمتطلبات التنمية من خلال اعتماد سياسة نفطية عقلانية تقلل تدريجيا من اعتماد الاقتصاد الوطني على عوائد النفط كمصدر لتمويل الميزانية وتكريسه بنسب متزايدة للاستثمار وتمويل  عملية إعادة تأهيل وتطوير الهياكل، اضافة الى ضمان رقابة مجتمعية - ديمقراطية على الموارد النفطية وتوجيهها وفق الأولويات الاجتماعية، والحيلولة دون تبديدها في إنفاق مظهري  واستثمارات غير مجدية  وعسكرة منفلتة.

· جوهر المشروع دوليا التعامل المتفتح مع العوامل الاقليمية والدولية وفهم تناقضاتها الملموسة وتأثيراتها على الوضع في بلادنا ومساراته الفعلية. يلاحظ هنا بروز مفاهيم من قبيل : العلاقات المتوازنة على اساس التكافؤ، المصالح المشتركة والمتبادلة، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سيادة واستقلال كل بلد وخياراته الحرة في تحديد مستقبله السياسي، التكامل الاقتصادي، السوق العربية المشتركة.

 

وعدا ذلك لابد من طرح السؤال التالي : هل يمكن لمن يقوم بقراءة صاحية للوثائق المتنوعة التي طرحها الحزب الشيوعي العراقي أن يستنتج بأن خطابه ومشروعه المطروح لحل الازمة البنيوية المتفاقمة التي تواجه بلادنا هو خطاب ومشروع متطرف أو إنعزالي، أو أنه بعيد عن الواقع الملموس ؟ وهل أن " الواقعية " تعني فقط القبول بخيار الحرب باعتباره الخيار الوحيد، ونفي الخيارات الاخرى بحجة أن شعبنا غير قادر على ازاحة النظام الدكتاتوري؟ سؤال برسم المساءلة والتفكير.

 

 ****************************************************************

الطريق