-منظمة شنغهاي-.. الحلف السياسي العسكري نحو التعدد القطبي


رشيد قويدر
2013 / 10 / 6 - 14:09     

جاء اجتماع القمة الثالثة عشرة لقادة “منظمة شنغهاي للأمن والتعاون” خلال يومي 13 و14 سبتمبر/أيلول 2013 بمدينة بيشكيك عاصمة قيرغيزستان بمثابة اختبار آخر لمدى قدرة هذه المنظمة على تشكيل النظام الدولي وتحويله من نظام أحادي القطبية إلى نظام التعدد القطبي.
منذ أن تفكك كلاً من حلف وارسو واتحاد الجمهوريات السوفييتية في ديسمبر/كانون الأول 1991، هيمنت الولايات المتحدة على معالجة جميع قضاياه السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية على العالم؛ ونشهد اليوم تحولات جوهرية كبيرة تتراكم نحو تحويله إلى نظام متعدد الأقطاب؛ يضم منظمات إقليمية، منها منظمة "شنغهاي" التي نجحت في بلورة وصياغة مواقف ورؤى مختلفة من زوايا كثيرة عن الرؤية والسياسة الأمريكية، سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى العالمي .
إن منظمة "شنغهاي للتعاون" تم تأسيسها رسمياً في يونيو/حزيران 2001 ، حيث شكل العامل الأمني الدافع الأول للصين لدعوة كل من روسيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان وطاجيكستان، إلى الاجتماع في مدينة شنغهاي في يوم 26 إبريل/نيسان 1996؛ للتباحث حول وضع اتفاقية تستهدف "حلّ الخلافات الحدودية ما بينها مع جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق المحاذية لها، وتعميق الثقة العسكرية ما بين الأطراف الموقعة على الاتفاقية"، خصوصاً بين الصين وروسيا، إذ كانت حدودهما تشهد نزاعات مسلّحة منذ فترة طويلة، وقد سبق ذلك أن رسمت الدولتين الجارتينالحدود القارية الطويلة بينهما بواسطة الليزر من الجو؛ قبل ترسيمه واقعً على الأرض؛ وعليه، فقد شدد البيان الختامي لهذا الاجتماع في حينه ، بأن هذا التحالف "ليس تحالفاً موجهاً ضد دول أو مناطق أخرى، وأنه يلتزم بمبادئ الانفتاح" .
تواصلت اجتماعات هذه الدول الأربع سنوياً، في إحدى عواصمها على التوالي، وجاء الاجتماع الثاني لها في موسكو في 24 إبريل/ نيسان 1997 حيث وقّعت على معاهدة"تخفيض القوات المسلّحة على الحدود فيما بينها"، وعقد الثالث في 1998 في ألما آتا (كازاخستان)، والرابع في العام 1999 عقد الاجتماع في بيشكيك (قيرغيزستان)، والخامس في العام 2000 في دوشنبه (طاجكستان) . وفي الاجتماع السنوي السادس الذي عقد في عام 2001 في شنغهاي انضمت دولة أوزبكستان إلى الاتفاقية، عندها أعلن الزعماء الستة لهذه الدول تأسيس"منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) ".
في 15 يونيو/ حزيران من ذلك العام . وفي يونيو/ حزيران 2002 اجتمع رؤساء دول هذه المنظمة في سان بطرسبرغ (روسيا)، حيث وقّعوا على اتفاق إنشاء المنظمة وقوانينها ومبادئها، وهيكلها التنظيمي، وإجراءات عملها، وأهدافها التي تشتمل على: تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار ما بين الدول الأعضاء، وتطوير التعاون الفاعل بينها في السياسة والتجارة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والثقافة وفي شؤون التربية والطاقة والنقل والسياحة وحماية البيئة، والعمل على محاربة الجريمة المنظمة ومواجهة المخاطر المشتركة التي تواجهها وأهمها: الإرهاب وحركات الانفصال في بعض أقاليمها، والتطرّف الديني أو الإثني، ومحاربة تجارة المخدرات وتهريبها عبر حدودها، وفق آلية مشتركة بينها، وآخرها توفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، والعمل على تطوير وتقدّيم الأفكار للوصول إلى نظام سياسي واقتصادي عالمي ديمقراطي عادل وعقلاني متوازن .
وفي خلال الفترة من عام 2005 حتى القمة الأخيرة في بيشكيك 2013، انتقلت المنظمة من وضع التنظيم الإقليمي ذي الهدف الأمني المحدود وتعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار الطاقة والنقل والسياحة إلى التنظيم الدولي الفاعل والهادف لتأسيس "نظام عالمي متعدد الأقطاب" وتخفيف هيمنة الولايات المتحدة القطب العالمي الوحيد على قضايا الأمن والتنمية على المستويين الإقليمي والعالمي، حيث دعا البيان الختامي إلى اجتماع دول المنظمة في شنغهاي في عام 2005 الولايات المتحدة إلى تحديد موعد لإغلاق قواعدها العسكرية في دول آسيا الوسطى، ما شجع جمهورية أوزبكستان على طرد القوات الأمريكية من قاعدة "كارشي خان آباد" الجوية، وجمهورية قيرغيزيا على إغلاق قاعدة ماناس في مطار بيشكيك، بينما طالب البيان الختامي للمنظمة في اجتماع القمة التاسعة بمدينة في مدينة إيكاترينبرغ في منطقة الأورال (روسيا) خلال الفترة ما بين 15 و16 يونيو/ حزيران 2009 ؛ بالتوجه إلى "النظام المتعدّد الأقطاب في العالم" باعتباره أمراً لا مفر منه في ظل وجود دلالات متنامية لقدرة المنظمات الإقليمية على حل المشاكل والأزمات الكونية، وإعادة صياغة نظام مالي واقتصادي عالمي قائم على العدالة والمساواة يضمن حقوق الفوائد وعدالتها لكل المشاركين، ويسمح للجميع بالاستفادة من فوائد العولمة بشكل مناسب، وتعزيز مركزية ومشاركة منظمة الأمم المتحدة في العلاقات الدولية وتفعيل آليات عملها؛ لتتواءم مع مخاطر العصر وتحدياته، وإصلاح مجلس الأمن من خلال ضمّ عدد أكبر من الدول إلى عضويته، وضرورة حماية السلم الدولي الذي يمكن تأمينه بوجود الأمن المتساوي لكل الدول، حيث لا يمكن ولا يجوز أن يتم إنجاز أمن دولة على حساب أمن دولة أو دول أخرى .
وقد تعزز هذا الهدف الذي لا رجعة عنه لدى قادة "منظمة شنغهاي" في اجتماع قمتهم الثالثة عشرة يومي 13 و14 سبتمبر/أيلول 2013 في العاصمة القيرغيزية، حيث دعت المنظمة في بيانها الختامي: "المجموعة السداسية "إلى استئناف المفاوضات السداسية بسرعة حول المشكلة النووية في شبه الجزيرة الكورية، وفق أهداف ومبادئ الإعلان المشترك الصادر عن مجموعة الوسطاء الدوليين بتاريخ 19 سبتمبر/أيلول ،2005 واعتماداً على أن المشاورات والمباحثات تعد السبيل الوحيد والفعال للحفاظ على السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، ونزع هذه المنطقة من السلاح النووي، وبناء أفغانستان المسالمة والمستقلة، وإعلاء الدور المحوري للأمم المتحدة في عملية التسوية السلمية للقضية الأفغانية؛ وتهيئة الظروف المواتية للإسراع في إحلال السلام وإعمار أفغانستان .
في الموقف في الشأن السوري وموضوعة" السلاح الكيماوي" قامت المنظمة بتوظيف الصراع والحرب في سوريا مع المنظمات التكفيرية المتطرفة؛ وقوات المعارضة السورية وما يسمى بالجيش الحر؛ وإثارة قضية استخدام الأسلحة الكيماوية في هذه الحرب؛ على تأكيد أهمية الدورين الروسي والصيني في إدارة وتسوية قضايا الصراع والنزاع المسلح في مرحلة النظام العالمي متعدد الأقطاب.
حيث أكد الرئيس الروسي رفض بلاده الحرب على سوريا من دون موافقة مجلس الأمن والمنظمات الأممية، وإعلان قدرة "منظمة شنغهاي للتعاون" على المساهمة في حل الأزمة السورية بطرق سلمية . لافتاً إلى أن أهداف وميثاق المنظمة يدعوان إلى ذلك، وشدد البيان الختامي للقمة على ضرورة الحفاظ على سيادة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية؛ ووقف العنف وبدء الحوار السياسي الشامل بين السلطة والمعارضة من دون شروط مسبقة، وفقاً لبيان جنيف الصادر في 30 يونيو/حزيران 2012، إضافة إلى دعم الجهود المبذولة لعقد مؤتمر "جنيف 2" .
وإزاء تصاعد الرغبة الأمريكية في تعزيز دورها كقطب وحيد فاعل على الساحة العالمية؛ ذلك من خلال إعادة الرئيس باراك أوباما التفكير في نشر "نظام أمريكي مضاد للصواريخ" في أكثر من منطقة جغرافية في العالم، وسبق أن كشف سنودن العميل الأمريكي السابق بالمباحث الفيدرالية؛ استخدام الولايات المتحدة شبكة الإنترنت والتواصل الاجتماعي في التجسس على عدد كبير من دول العالم، أعلنت الدول الأعضاء تحذيرها الولايات المتحدة من أن الاستمرار في تنفيذ مثل السياسات والبرامج ومن دون مراعاة مصالح الغير يمكن أن يضعف الاستقرار الاستراتيجي والأمن الدولي، وأن الدول الأعضاء في المنظمة ستقف ضد أي استخدام لتقنيات الاتصال والإعلام بما فيها شبكة الإنترنت في ترويج أفكار الإرهاب والتطرف والنزعة الانفصالية بهدف تقويض الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدول الأعضاء في المنظمة ..
كما أقرت الدول الأعضاء بيان "إعلان بيشكيك"، الذي أكد سعي أعضائها إلى تعميق التعاون الاجتماعي الاقتصادي والإنساني في ما بينهم، وإقرار خطة المنظمة للأعوام 2013-2017 المتعلقة بتنفيذ اتفاق حسن الجوار طويل الأمد، والصداقة والتعاون بين الدول الأعضاء .
إن الإنجاز الأكبر للمنظمة منذ العام 2011 باعتبارها حلفاً سياسياً وعسكرياً عالمياً وريثاً لحلف وارسو أو شكلاً مثله، هو العمل على تكوين منظومة أمنية متطورة لأعضاء المنظمة في مجال مكافحة الإرهاب والاتجار بالمخدرات ورقابة الإنترنت، ما يجعلها وفقاً لرئيس كازاخستان، نزار باييف، تتكفل بتسوية العديد من المشكلات الأمنية والاقتصادية في أفغانستان بعد انسحاب قوات التحالف الغربي في 2014، وكذلك المطالبة بالخروج المبكر للقوات الأمريكية من منطقة آسيا الوسطى عموماً .
لقد جاءت القمة الأخيرة لتؤكد المسعى السريع إلى تأسيس حلف عسكري منافس لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي فقد مبرر وجوده عندما جرى حل حلف "وارسو" السابق، بل جرى توسيع الحلف وزحفه شرقاً خارج اوروبا، وتحويله الى "الشرطي " العالمي بيد وهيمنة الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، وفي خدمة مشاريعها العالمية...
إن كل المؤشرات تؤكد أن الاتجاه يسير بمنظمة "شنغهاي" خاصةً بعد القمة الأخيرة في قيرغيزيا نحو تشكيل الحلف السياسي والعسكري المنافس الأكبر لحلف "الناتو" منذ تفكك "حلف وارسو" بعد سقوط الدول الاشتراكية في شرق أوروبا في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، كما نجاح المنظمة في تحقيق الهدف الأول والأهم الآخر الذي تسعى إليه؛ألا وهو تهيئة "التوزن العالمي نحو التعدد القطبي".. وعلى المباشر سعي موسكو وبكين لمنع انفلات الأوضاع والأزمات بالقرب منهما، لكي لا تحصل الولايات المتحدة على مبرر أو محفز للتدخل السياسي أو العسكري في "الحدائق" الخلفية للدولتين الصاعدتين بقوة متسارعة... روسيا والصين؛ خاصةً وأن روسيا اخذت تخطو بنقلات نوعية على أرض الواقع الفعلي .