آفاق ما بعد 20 عاماً على اتفاق أوسلو


داود تلحمي
2013 / 10 / 1 - 21:34     

مؤسسة الدراسات الفلسطينية، التي تحتفل هذا العام بالذكرى الخمسين لتأسيسها في العاصمة اللبنانية بيروت، عقدت مؤتمرها السنوي في رام الله تحت عنوان "مستقبل القضية الفلسطينية بعد 25 عاماً على إعلان الإستقلال، و20 عاماً بعد اتفاقيات أوسلو". وتناولت الجلسة الأخيرة في المؤتمر "سبل وآفاق الخروج من الأزمة". وهذه المداخلة جاءت، في هذا السياق، مكثفة بصيغة رؤوس أقلام آخذة بعين الإعتبار الوقت المخصص للمداخلات في هذه الجلسة:
# اتفاق أوسلو أُنجز في مرحلة كان فيها الشعب الفلسطيني في وضع من أصعب حالاته منذ أواسط السبعينيات، نتيجة جملة من التطورات (مفاعيل الأزمة العراقية- الكويتية والإنقسامات العربية والحرب التي نتجت، انهيار الأتحاد السوفييتي، الحليف الدولي الأقوى لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ مطلع السبعينيات)، كل ذلك علاوة على الضرر الهائل الذي كان قد لحق بالموقف الفلسطيني وعموم الجبهة المشرقية العربية بفعل خروج مصر من ساحة المواجهة والصراع في السبعينيات الماضية عبر اتفاق ثنائي منفرد مع إسرائيل، وهو ضرر أحدث خللاً كبيراً في موقع الحركة الوطنية الفلسطينية في نضالها من أجل إنهاء احتلالات العام 1967.
# الإنتفاضة الشعبية الكبرى التي اندلعت في أواخر الثمانينيات الماضية حققت تفهماً وتعاطفاً كاسحين على الصعيد العالمي، لكن جملة من العوامل المحلية والإقليمية والدولية لم تمكّن من ترجمة هذا التعاطف الى مكاسب ملموسة على الأرض، بل إن بعض الأطراف عمل بشكل متعمد على إجهاض الإنتفاضة منذ أسابيعها الأولى.
# وخلال العشرين عاماً الأخيرة، تفاقم هذا الخلل الواسع في ميزان القوى على الأرض بين الشعب الفلسطيني والإحتلال الإسرائيلي، خاصةً بفعل مضي الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بغض النظر عن تلاوينها، في تغيير الوقائع على الأرض، سواء في القدس الشرقية أو في بقية الضفة الغربية المحتلة عام 1967، بما يعكسه ذلك من نية واضحة عند القوى المقررة في إسرائيل لسد الطريق أمام أي احتمال لزوال الأحتلال عن هذه الأراضي في أي أمد قريب.
# خلال العقدين الأخيرين، شهدت خارطة الوضع الدولي تغيراً مهماً، حيث برزت قوى دولية مؤثرة جديدة يمكن أن تدفع باتجاه توازنات وآليات عمل دولي مختلفة عما كان قائماً بعد انهيار الإتحاد السوفييتي مباشرة، في حقبة التفرد الأميركي التي كانت سائدة آنذاك. لكن كل هذه التطورات الهامة ليست كافية حتى الآن لزحزحة الولايات المتحدة عن سطوتها واحتكارها للتعاطي الدولي مع الصراع العربي- الإسرائيلي، خاصة من خلال علاقتها التحالفية الوثيقة مع إسرائيل.
# ورغم استمرار التأييد الدولي الواسع للحقوق الفلسطينية، وهو ما تجلى في السنوات الأخيرة في تصويت زهاء الـ180 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، واقتصار المعارضة لهذا الحق، في غالب التصويتات، على إسرائيل والولايات المتحدة، إلا ان الطرف الإسرائيلي يتصرف باعتباره محصناً ضد أي انعكاس عليه لهذا الموقف الدولي شبه الإجماعي، طالما بقيت القوة الأميركية الى جانبه في كل الحالات وفي كل المنابر وكل القضايا تقريباً. بما يتيح لإسرائيل مواصلة الإستهتار بالقانون والقرارات الدولية، وهو سلوك حال حتى الآن دون ترجمة موقف هذه الغالبية الدولية الكاسحة ضد الإحتلال الإسرائيلي الى واقع على الأرض. ولا يبدو ان هناك أرضية جادة، حتى الآن، لأي رهان على تطور قريب الأمد بهذا الإتجاه في مواقف مراكز القرار في إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء.
# كل ذلك يجعل آفاق إنجاز الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، كما حددها البرنامج الوطني المرحلي، مسدودة الى حد كبير في الأمد القريب، ويفرض بالتالي مهمات مباشرة على حركة الشعب الفلسطيني، في الوطن المحتل وخارجه، عناوينها الرئيسية: تدعيم صمود المواطنين على الأرض في كل تجمعات الشعب الفلسطيني في الوطن، والعمل على تطوير وتصليب ظروف حياة تجمعات الشعب الفلسطيني المختلفة في الوطن وخارجه. ومثل هذا التصليب والإهتمام بمختلف التجمعات يوفر الأرضية لبناء مستوى متقدم من التماسك بين مختلف كتل الشعب الفلسطيني لمواصلة المسيرة التاريخية، بالوسائل المناسبة وفق كل ساحة، وبنفس طويل، على طريق العمل من أجل إنهاء الظلم بكل أشكاله الذي لحق بالشعب الفلسطيني منذ أكثر من 65 عاماً، طال الزمن أم قصر.
# ليست هناك حلول سحرية سهلة وقريبة المنال لإخراج الوضع الفلسطيني من المأزق الراهن، بل هناك ضرورة لتشخيص المعطيات في كل مرحلة بوضوح، والعمل بنفس طويل من أجل توفير شروط تحولات فعلية في هذه المعطيات على الأرض. وهناك أهمية كبيرة للتطورات الجارية في المحيط المباشر، أي بلدان الجوار العربية، قد تفتح الآفاق جدياً لإحداث التغيير المطلوب في ميزان القوى الإجمالي.
# من المهم مواصلة التمسك بمطلب إنهاء احتلال الأراضي المحتلة عام 1967 حتى لو ازدادت صعوبة تحقيقه، أو انسدت آفاقه، بفعل إجراءات الأمر الواقع الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته يمكن إبقاء الأفق مفتوحاً أمام الخيار الأبعد مدى والأكثر تعقيداً، وهو خيار الدولة الديمقراطية في عموم فلسطين بحدود ما قبل 1948، وهو خيار يعالج كافة جوانب الصراع، ويشكل طريقاً إجبارياً في حال تعثر تحقيق هدف إنهاء احتلالات 1967.
# الحراكات الشعبية الجارية في المحيط العربي تفتح آفاقاً لظهور أنظمة من نوع جديد تعكس إرادة الشعوب وتدافع عن مصالح هذه الشعوب، وليس عن مصالح واستراتيجيات قوى أجنبية، أو مطامح ونهم شرائح محدودة متشبثة بسلطتها وموغلة في الفساد والإستبداد والتبعية. لكن عملية التغيير هذه، ذات الأهمية التاريخية لعموم شعوب المنطقة، بما في ذلك بالنسبة لمستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، قد تستغرق فترة زمنية غير قصيرة يصعب من الآن التنبؤ بمداها. إلا انه من الواضح ان شراكة شعوب الجوار، المباشر خاصةً، في إعادة استنهاض عوامل القوة الذاتية في عملية الصراع مع الإحتلال تشكّل أحد أهم المداخل لتصحيح موازين القوى، مع تداخل الأوضاع والمهمات والتحديات بين الوضع الفلسطيني وبين أوضاع دول الجوار. وذلك دون إهمال أهمية استمرار وتوطد دور المحيط العربي والإقليمي الأوسع، ودور شعوب العالم ودوله على أوسع نطاق ممكن.