عن روسيا والمتغيرات العالمية والاقليمية


جورج حزبون
2013 / 9 / 29 - 22:38     


جاء تدمير العراق ، ضمن حالة الانفراد الاميركي ، فيما عرف بعولمة القطب الواحد ، ورفضاً لذلك المفهوم ،وضمن التفاعلات الدوليةالمتصدية له ، تكونت مجموعات دولية مختلفة مثل حلف البريكسي ومجموعة شنغهاي ، وتحالفات اميركا اللاتنية وطلائعية البرازيل والهند ، فيما دعيت الدول الصاعدة ، بحيث اصبحت خريطة العالم تعددية ، مما فرض على السياسة الاميركية اعادت صياغة نهجها العدواني في العالم ، ثم جاءت الازمة المالية الاميركية التي اجتاحت العالم بفعل وحدة الارتباط بالدولار، كونه اصبح احتساب واحدة عالمية منذ السبعينيات من القرن الماضي، فكان من المحتوم ان تتغير خارطة العالم السياسية ، فقد دخل الاقتصاد بقوة في اعادة تلك الصياغة ،ورفض العودة للنهج السابق ولعل هذا بالضبط ما صرح به طوني بلير عشية الازمة ، وان عالم جديد اخذ يتبلور، واصبح لالمانيا ايضاً مكانة مهمة في السياسية الدولية بفعل قوة اقتصادها ، واصبحت مجموعة العشرين التي تلتقي دورياً احد اهم اعمدة السياسية الدولية والاقتصادية العالمية ، فقد تشكلت على اساس من كونها الدول الاغنى في العالم ماليا .
لقد ادى الاقتصاد الروسي والمتنامي، اضافة الى ما ورثته عن الاتحاد السوفيتي من قدرات عسكرية هائلة خضعت ايضاً للتطوير ، الى ان تصبح روسيا احد ابرز الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الآمن ، واهمها في مجموعة العشرين ، وطرفاً يكاد يتعادل مع الولايات المتحدة التي تعاني ازمات مالية عميقة واستنزاف مستمر نتيجة سياسية الغطرسة الى اوصلتها في العراق وافغانستان و غيرها، حتى اصبحت الدولة الوحيدة التي تمثل الامبريالية عسكرياً بفعل حالة الانتشار الهائل في انحاء العالم ، ليس فقط بالقواعد العسكرية المنتشرة في اوروبا والعالم ، بل بالاساطيل الحربية التي وصل عددها في بحار العالم الى تسعة عشر تعادل كل منها قوة دولة متوسطة عسكرياً.
فالعودة الروسية القوية الى السياسية الدولية ، تنطلق من واقع اقتصادي قوي و عسكري مهم وقادر ومتطور ، مع امتلاك طموحات وفرتها السنوات السوفيتية ، ونزعة قومية اسستها سياسة الامبراطور بطرس الاكبر وزوجته كاثرين ، بحيث يهتم الشعب الروسي بدوره العالمي و يرفض احتوائه او تحديد اقامته في حدود بلاده ، فهو يمتلك الثقافة و الادآب و العلوم التي يفاخر بها ، وتهتم بها ايضاً كافة شعوب العالم التي تشاركه تلك الابداعات الانسانية ، خلافاً للثقافة الاميركية التي ابدعت الوجبات السريعة والهيمنة و ازدراء الاخر .
تسير الصين بهدوء نحو قيادة اقتصادية للعالم ، وتجاهد فرنسا وبريطانيا للمحافظة على قدراتها الراهنة لتبقى دول كبرى ذات تاريخ طويل من الاستعمار والنهب للشعوب ،رغم دورها الهام في الاسهام بالثقافة الانسانية التي لا زالت مراجع اساسية في المعادلة الثقافية البشرية ، و في هذا السياق فان الاخرين لا ينتظرون وهم يحاولون اللحاق ، وبرزمنها دول صاعدة هامة مثل الهند والبرازيل وغيرها، تمتلك القوة والفوران والاصرار ، لا يحد من طموحها سوى نهج العولمة الذي اجمع العالم على رفضه حتى لا يكون قيداً على طموحها وتطورها ورفضا لهيمنة القطب الواحد .
ولقد اوضحت الحالة السورية طبيعة المتغيرات العالمية ، حيث لم تعد تملك اميركا ان تستمر بدور الشرطي المعربد العالمي ، وان للقوة حدود لا يستطيع من يملكها التصرف بها بقرضة غير محسوبة ، فحال الحلفاء مازوم ، والازمة المالية لا زالت تتفاعل وقد تنفجر ، وهذا ما قدره مجلس العموم البريطاني وترددت له فرنسا ، ولم يفد معه تحرك مدير المخابرات السعودية بندر بن سلطان ، عبر المغريات المالية ، فالاستراتجيات لا تنفعل ولا تحركها رغبات او صداقات ، والازمة السورية ، تذكرنا مع الفارق التاريخي والموضوعي ، بازمة السويس التي انفعلت لها بريطانيا وفرنسا فكانت نتاجها تراجع سياسي واقتصادي لتلك الدول ، ظل يتفاعل لسنوات طوال ، وليس دخول روسيا الى ساحة الازمة السورية ، نابع ايضاً من دائرة عاطفية بقدر ما هو ناتج عن ذلك الدور السياسي المتنامي لروسيا في العالم ، والذي فقدته بعد خروج الاتحاد السوفياتي من المعادلة الدولية ، وهي تطمح لمواصلته لما له من اثر يجعل من روسيا دولة كبرى ذات بعد سياسي ، ودولة اقتصادية ذات وزن مهم ، اضافة الى انها ضمن مجموعة البريكس الدولية تمتلك معاً 18% من اجمالي الناتج العالمي .
طويلاً سيبقى امر الانفجار العربي الذي انطلق منذ سنتين ، وحمل مسميات كثيرة ، مع تأكيد ان دافعه الاساس هو ذلك الظلم المستمر الذي تعيشه الشعوب العربية ، في زمن انفتاح عالمي كبير لم يعد بامكان اي نظام حجبه عن شعوبه ، ولو تحت مسميات ثورية ثارية ، لم تحقق الا بالقمع لاكثر من ستون عاماً ، وفي غياب قيادة وتنظيم وبرنامج سياسي لذلك الانفجار الذي جاء مصنوعاً !!! او متسرعاً !!لكنه محق وموضوعي ، وهذا ما دفع ماركس الى تايد كومونة باريس رغم انه كان حذر من توقيتها ، طالما جوهرها محاربة الظلم والفساد والفردية والدعوة للديمقراطية .
تمكنت حركات الاسلام السياسي من احتوائه وحصد نتاجه ، فكانت الشعوب متنبهه ، لتلك المساعي الهادفة اعادة انتاج القهر بصيغ جديد ، وسرقة الثورة بشعارات دينية ، فعاد التفاعل يتشكل ، مما نبه القوى المحركة وخاصة الخليجية فاستنجدت بالظلامين من كل العالم ، وسهلت ، دربت ، وسلحت وارسلت فتحولت الارض السورية الى افغانستان العرب ، وتعرض الشعب السوري الى قهر لم تعهده اية شعوب عربية من قبل ، ولعدة اسباب اهمها اعادة التمكين لتيار الاسلام السياسي و ثانياً لتفكيك الدولة المركزية العربية و ابرزها في المشرق سوريا ، ثم لتكون قد نفذت الرغبة الاميركية في انهاء الملف الفلسطيني لصالح اسرائيل ، و لعل الاكثر اهمية هو ان ذلك الانهاء يعفيها من حرج عاشته و لا تزال امام شعوبها و اديانها ،حيث ظلت حلي امريكا المخلص ، الداعم الاول لاسرائيل بالسلاح والخبرة والسياسة والسيطرة على الارض العربية التي تحتوي ثالث الحرمين !!
من هنا جاء الموقف الروسي الثابت في رفض تدمير الشام ، ليكتسب اهميته فقد بين ان الموقف الاميركي له حدود ، وان الرجعية العربية لا تستطيع الانتصار في محاولتها العابثة لاعادة التاريخ ، حين تم تحجيمها سياسياً بعد معركة السويس وبروز القومية العربية بعناوينها ، لتحاول هي احتلال تلك المواقع بشطب سوريا عن الخارطة العربية خاصة بعد ان اطمئنت لامر مصر و تونس و ليبيا و ربما سواها او من قد يلي من دول مثل السودان ،و هذا يفسر اسراع السعودية لنجدة مصر بالمال بعد الاطاحة بنظام المرشد حين اتضح ان المتغيرات لا تسير على هواها وحتى لا تخرج مهزومة تماماً من معركتها مع حلفائها في اميركا و اسرائيل ولو دون حلف موقع و مخطوط ، فقد انتهت نظرية الفوضى الخلاقة الى خلق وعي شعبوي عروبي نهضوي يعيد صياغة المنطقة ويعزل اصحاب الفيل !!!ّ