مهادنة الاصلاحية مهادنة للرجعية


فهد المغربي
2013 / 9 / 19 - 16:46     

في تعقد علاقة التناقض الطبقي

ان وجود الصراع بين الطبقة العاملة والبرجوازية في المجتمع الرأسمالي، امبرياليا كان أم كولونياليا، لا يستتبع بتاتا أن الصراع الطبقي يجري بين هاتين الطبقتين فقط، إذ أنه يجري من جهة، بين عدة طبقات تتحدد، في التحليل الأخير، بأنها طبقات كادحة، ويتحدد تحالفها الطبقي، بكونه التحالف الثوري من جهة، وبين عدة طبقات تتحدد هي الأخرى، كطبقات مسيطرة، ويتحدد تحالفها بكونه التحالف الطبقي المسيطر، أي الرجعي. ان ممارسة الصراع الطبقي من طرف التحالف الثوري يرمي، وفق منطقه الموضوعي، نحو هدم علاقات الإنتاج القائمة والانتقال بالبنية الاجتماعية الى نمط جديد من الإنتاج هو الشيوعية، مرورا بالاشتراكية، أما التحالف الرجعي، فبالضد من ذلك، فيرمي نحو تأبيد علاقات الإنتاج القائمة، وبالتالي إعادة إنتاج نفس البنية الاجتماعية، ونفس علاقة السيطرة التي تؤسس،لوجوده، في موقع السيطرة الطبقية.
ان هذه البنية المعقدة للصراع الطبقي ،والتي لا يفهمها، أو بالأحرى، لا يمتلك أدوات فهمها سوى فكر ماركسي لينيني قادر على رؤية التعقيد في ترابط الصراعات الطبقية وتمفصلها على بعضها البعض، قلنا ان هذه البنية، وطابع تعقدها الملموسي، يدفع بالفكر المناضل الى تحديد موقف ثوري، أي بروليتاري، من القوى السياسية التي لا تمارس الصراع ضد نظام سيطرة البرجوازية، من موقع إسقاطه، واستبدال له بآخر، بل من موقع إصلاحه واستبدال – لا له بآخر – بل لشكل منه بآخر، مع تأبيد جوهره الطبقي كنظام سياسي لسيطرة البرجوازية، ونحن، خلال هذا التحليل، سنحاول إنتاج فهم علمي بالقوى الإصلاحية وممارستها السياسية والايديولوجية، انطلاقا من فهم هو الآخر علمي، أي ديالكتيكي، لبنية الصراع الطبقي في مجتمعنا المغربي الكولونيالي، والتحام التناقضات فيه، ان هذا الفهم ممكن على تربة نظرية واحدة هي تربة الفكر المادي الديالكتيكي، وممكن بأدوات معرفية وحيدة، هي المفاهيم النظرية للماركسية اللينينية، بوصفها السلاح النظري للطبقة العاملة المغربية، في مواجهة البرجوازية الكولونيالية ونظام سيطرتها الطبقية الرجعي المتعفن بالمغرب، و لسيرورة الفهم هاته طبيعة سياسية، بقدر طبيعتها المعرفية نفسها، إذ ان إنتاج النظرية العلمية للثورة المغربية يستلزم، إطلاقا، إنتاج الفهم هذا، الذي يولد لنا الموقف ذاك، من القوى الإصلاحية في المجتمع المغربي، وموقعها الفعلي، أي المادي التاريخي في بنية الصراع الطبقي فيه.


وضع القضية وضعا تاريخيا ملموسا

يقول لينين »حين يعمد المرء الى تحليل قضية اجتماعية أيا كانت توجب عليه النظرية الماركسية إطلاقا أن يضع تلك القضية في نطاق تاريخي معين « هذا معناه، في تعبير آخر، أن تحليل أي قضية، يستوجب وضعها في موقع وجودها بالنسبة لحركة التاريخ المادي وشروطه الملموسة، لا خارج كل زمان ومكان، فماذا يعني هذا الشرط، بالنسبة لموضوعنا هذا، والذي هو القوى الإصلاحية في المغرب ؟ انه يعني، بالضبط، أن إنتاج الفهم العلمي بها، وبالتالي الموقف منها، لا يوجد جاهزا في أي كتاب من كتب الماركسية أبدا، ولا يمكن الحصول عليهما انطلاقا من أي مقولة أو نص لأي من منظري الماركسية الرئيسيين (ماركس، انجلز، لينين، ستالين)، ولا لأي ماركسي آخر، فجعل النصوص ركيزة أساسية للفهم ليس من ميزات الفكر المادي الديالكتيكي، بما هو فكر علمي، بل بالعكس، انه ميزة أحد الوجوه الإيديولوجية لنقيضه الطبقي، والذي هو الفكر الديني – الشرعي - بما هو فكر غيبي، صحيح أننا نطلق من الماركسية اللينينية وأسسها المعرفية، في مقاربة الواقع الاجتماعي وفهمه علميا، إلا ان الانطلاق هذا، لا يعني بتاتا أنه يجب نسخ المقولات والنصوص في محاولات يائسة لتبرير المواقف، لا يحاولها سوى فكر كسول، خامل، لا يكلف نفسه عناء تحليل بنية الصراع الطبقي في المجتمع، بما هي بنية مادية، محددة تاريخيا وموضوعيا، أعني، في تعبير آخر، أن تحديد موقفنا من القوى الإصلاحية، يكون أولا، بتحديد موقعها الطبقي، والذي منه، تمارسه صراعها الطبقي سياسيا وإيديولوجيا.

عودة الى بعض المفاهيم النظرية

ما هو موقع هذه القوى في الصراع الطبقي المحتدم بالمغرب ؟ يتوجب علينا الاقرار، أن هاته القوى (النهج الديمقراطي، الطليعة، الاشتراكي الموحد…الخ) لم تنزل من السماء، وليست ممارستها، السياسية والإيديولوجية، نتيجة اختيار أفراد اجتمعوا، فقرروا في سمائهم المطلقة،في علياء تجردهم عن كل واقع تاريخي ملموس، تأسيس أحزاب لها المرجعية الإصلاحية هذه ،ان هذه القوى هي تعبير عن موقع طبقي معين، هو موقع البرجوازية الصغيرة المغربية،بما هي فئة وسيطة بين البرجوازية الكولونيالية المسيطرة وبين الطبقة العاملة، وهنا وجب التمييز بين موقعين : الموقع ضمن علاقات الإنتاج القائمة، وهو الموقع الاقتصادي للطبقة، والموقع ضمن بنية الحقل العام للصراع الطبقي، وهو موقعها السياسي، ان الموقع الأول، هو دائما، المحدد، فوجود الطبقة العاملة ضمن علاقات الإنتاج (وهنا نقتصر في تحليلنا على علاقات الإنتاج الكولونيالية، أي الرأسمالية التبعية، بما أننا ندرس البنية المغربية) كطبقة محرومة من وسائل الإنتاج، ومضطرة الى بيع قوة عملها للبرجوازية، هو ما يحددها كطبقة ثورية، تتمثل مصلحتها الطبقية في القضاء على النظام القائم وعلى الطبقات، بل عليها هي ذاتها كطبقة، وهذه البنية من علاقات الإنتاج، هي التي تحدد أيضا، ضديا، البرجوازية كطبقة رجعية تتجلى مصلحتها في تأبيد النظام القائم، الذي به، تتأمن ديمومة التجدد لسيطرتها الطبقية.
لكن هل يستتبع هذا أن الموقع السياسي لأي طبقة، هو نفسه موقعها الاقتصادي في علاقات الإنتاج ؟ نعم ولا، نعم، لأن أي طبقة، لا يمكن أن تجري ضد مصالحها الفعلية، فلا يمكن، مثلا، أن ترفع البرجوازية شعار الاشتراكية أو الشيوعية، فان فعلت، ففي لغة منافقة مرائية مخادعة،بسبب من موقعها الاقتصادي بالذات، فالاقتصادي، كما سبق القول هو دائما العامل المحدد لبقية العوامل الأخرى، ولا، لأنه من الممكن، في ظروف تاريخية محددة، أن تمارس الصراع طبقة أو فئة منها الى جانب طبقة رئيسية أخرى (البرجوازية أو البروليتاريا) رغم أن الصيرورة الطبقية لهاته الطبقة الرئيسية تتناقض مع مصالح هاته الفئة، أو الطبقة، التي تمارس الى جانبها الصراع، وهذا لا يتم إلا في ظروف التحالف الذي يحتم بالضرورة على الطبقات المتحالفة، أن تخفف من حدة الصراع بينها، لأجل تحقيق الهدف الطبقي المشترك وهو يكون، إما تغيير النظام القائم، أو العمل لأجل تأبيده.
هناك من يعتقد، أن التناقض بين الطبقة العاملة والبرجوازية، في البنية الاجتماعية الكولونيالية المغربية خصوصا، والبنية الاجتماعية الرأسمالية عموما، إنما هو التناقض الرئيسي، وليس لهذا القول أساس من الصحة، فالتناقض الرئيسي، ليس بين الطبقة العاملة والبرجوازية، بل هو بين تحالف الجماهير الكادحة، الذي تتحدد فيه الطبقة العاملة، كقطب جاذب للتحالف من جهة، وبين تحالف الطبقات المسيطرة، الذي تتحدد فيه البرجوازية كقطب جاذب للتحالف، من جهة أخرى، وهو يختلف باختلاف المراحل التاريخية التي تمر بها حركة الصراع الطبقي، وبالتالي الثورة المغربية، أو قل بالأحرى، ان تحديد الحد الفاصل، بين كل مرحلة تاريخية وأخرى، يكون بالنظر في تغير الطبقات الملتفة حول كل من الطبقتين الرئيسيتين الجاذبتين للتحالفين، من حيث مغادرة طبقة، أو فئة منها، من معسكرها الى المعسكر النقيض، أما التناقض بين البروليتاريا والبرجوازية فهو، على حد تعبير الشهيد مهدي عامل، التناقض الدائم، الدائم بديمومة البنية الاجتماعية ونمط الإنتاج التاريخي الذي يحددها، فمن الممكن مثلا، في صيرورة الصراع الطبقي بالمغرب، أن تنضم أقسام من البرجوازية، وحلفائها الطبقيين، أو أقسام من الطبقة العاملة، وحلفائها، الى معسكر آخر غير الذي كانت فيه، وهو ما يتيح للفكر النظري العلمي، أي الماركسي اللينيني، من معرفة تمرحل الثورة ويمكنه، بالتالي، من إيجاد التغيير التكتيكي، الممكن والضروري في آن، في الممارسة السياسية للحزب الثوري للطبقة العاملة.
أما التناقض الثانوي، فهو الذي يجري بين أطراف كل تحالف طبقي على حدة، ولمفهوم التناقض الثانوي دور مركزي في فهمنا للبرجوازية الصغيرة المغربية، ولتعبيراتها السياسية الإصلاحية، وبرامجها التي تروم تغيير شكل النظام دون تغييره نفسه، إذ أن وجود عدة طبقات في تحالف طبقي محدد، لا ينفي وجود الصراع الطبقي بينها، بل بالعكس، يؤكده، لكن في تحركه كتناقض ثانوي، يطمح عبر ممارسته كل عنصر، في تحالفه الطبقي، الى احتلال موقع الهيمنة فيه، وهنا وجب علينا أيضا إقامة التمييز العلمي بين علاقتين تربط بين الطبقات، الأولى، هي علاقة السيطرة الطبقية، وهي التي تربط بين الطبقات المسيطرة والطبقات الكادحة، حيث تسيطر هذه على تلك، وعلاقة الهيمنة الطبقية، التي تربط بين الطبقة الرئيسية وحلفائها الطبقيين في كل تحالف، حيث يكون موقع الهيمنة هذا، في الحالة الطبيعية، للطبقة الرئيسية، أي التي تحمل في صيرورتها الطبقية نظاما من الإنتاج، فالبرجوازية الكولونيالية المغربية، مثلا، وهي الطبقة المهيمنة في التحالف الطبقي المسيطر، تحتل موقع الهيمنة هذا، على قاعدة حملها لنظام من الإنتاج هو نمط الإنتاج الرأسمالي، في شكله الكولونيالي، والطبقة العاملة المغربية هي، بالضد من ذلك، الطبقة المهيمنة النقيض، على قاعدة حملها لنظام من الإنتاج (الشيوعية) هو النقيض للنظام الإنتاجي القائم.
لكن موقع الهيمنة هذا، لا يتحدد بمرسوم، أو بوثيقة، فلا تحتله الطبقة (المهيمنة بحكم طبيعتها) إلا بصراع، هو تناقضها الثانوي مع باقي الطبقات الأخرى في التحالف، هذا معناه أيضا، في تعبير آخر، أن الطبقة العاملة المغربية إذا أرادت أن تهيمن، فيكون لها الموقع القيادي في التحالف الثوري، على أساس موقعها الطليعي، ضمن الجماهير الشعبية الكادحة، فبهذا الصراع الطبقي، وليس بمعزل عنه.
ان وصول البروليتاريا، الى موقع الهيمنة الطبقية، في تحالف الطبقات الكادحة، لا يكون إلا بممارسة صراع طبقي ثانوي، إيديولوجيا وسياسيا، ضد الطبقات الأخرى في نفس التحالف، وذلك ضروري بالنسبة لأي ثورة، وبالنسبة للثورة المغربية بالخصوص، لسببين :
الأول، هو أن ممارسة هذا الصراع ضرورية لبقاء التحالف الثوري وبغيابها يتفكك، فقد يكون أحد عناصر هذا التحالف مثلا، في علاقة تناقض ثانوي بالبروليتاريا وهي الطبقة المهيمنة النقيض، لكنه، مع ذلك، يكون خاضعا لسيطرة الإيديولوجية البرجوازية، فيكون الصراع بالتالي ضد هذا العنصر، ضروريا لاستمرار وجود هذا التحالف الطبقي الثوري، لا يعني الصراع ضده، أنه يجب إقصاؤه أو خوضه كأن هذا العنصر هو العدو الرئيسي، ولكن بمعنى تحرير الحلفاء الطبقيين للطبقة العاملة من سيطرة الإيديولوجية البرجوازية المسيطرة 2 هذا ما حدث مثلا في النضال الذي خاضه الحزب البلشفي مابين 1905 و 1917 ضد "الكاديت" ، من موقع وجود هؤلاء نفسه في التحالف الطبقي للثورة الروسية، وقد كانت نتائج هذا النضال متمثلة في تحرير الفلاحين من سيطرة البرجوازية الليبرالية والتفافهم حول الطبقة العاملة .« والميزة التي تتصف بها هذه المرحلة، هي أن الفلاحين يتحررون من نفوذ البرجوازية الليبرالية، وينفصلون عن الكاديت ويتجهون نحو البروليتاريا، نحو الحزب البلشفي. فتاريخ هذه المرحلة هو تاريخ النضال بين الكاديت (البرجوازية الليبرالية) وبين البلاشفة (البروليتاريين) لأجل كسب الفلاحين» (أسس اللينينية، ستالين) وكذلك ضد "الاشتراكيين الثوريين" في مرحلة فبراير-أكتوبر( 1917). ولولا هذه الممارسة المستمرة للحزب البلشفي للنضال الثانوي، ضد حلفائه الطبقيين، لكان مصير الثورة الروسية هو الفشل الأكيد.
أما السبب الثاني، فيتمثل في كون الطريقة التي يحل بها التناقض الثانوي (أي لصالح أي طرف تعود الهيمنة الطبقية في النهاية) ، تحدد، وبشكل خطير جدا ،الطريقة التي بها يحل التناقض الرئيسي، وبالتالي، مدى تغير أو ثبات طرفي التناقض الأساسي، الاقتصادي (التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقاته) فحل التناقض الثانوي، لصالح الطبقة العاملة، حدد مثلا في روسيا، حل التناقض الرئيسي بين البرجوازية والجماهير الكادحة، بقيام الدولة السوفييتية وبالتالي تحرير القوى المنتجة، من الإطار البنيوي الذي فيه تتطور والذي يلجمها في آن، والذي هو علاقات الإنتاج الرأسمالية الامبريالية،كما أن حل التناقض الثانوي لصالح البرجوازية الصغيرة، قد حدد في الجزائر مثلا، حل التناقض الرئيسي بقيام نظام وطني لكن دون انتقاله أبدا، الى الاشتراكية، ولا تحرير القوى المنتجة من علاقات الإنتاج الكولونيالية التي تعيق تطورها، ان عجز الطبقة العاملة، في شمال افريقيا والشرق، عن هيمنة خطها الثوري، سياسيا وإيديولوجيا، هو ما أدى بالذات الى حل التناقض الثانوي بين الطبقات الكادحة لصالح فئات من البرجوازية المسيطرة نفسها، وكانت النتيجة، بالتالي، تغييرا للأنظمة القائمة هو في الواقع ليس بتغيير، وانما إعادة إنتاج لنظام سيطرة البرجوازية الكولونيالية، عبر تحنط الفئات القائدة لهاته الانتفاضات في جهاز الدولة، وانضمامها الى صفوف الطبقة المسيطرة، رغبة منها في ان تتقاسم معها ناتج الاستغلال، حتى وان اكتفت "بما ترميه إليها هذه الطبقة من فتات استغلالها الطبقي" ولسنا في سيرورة بحث أو تحليل، للمرحلة التي تمر بها الثورة بالمنطقة، وانما نريد فقط أن نبين، بسرعة، هذا الدور الحاسم الذي يعود للتناقض الثانوي، في تحديده لباقي حلول التناقضات الأخرى (الرئيسي والأساسي).

البرجوازية الصغيرة والمهام الميدانية للماركسيين اللينينيين المغاربة

ماذا يعني هذا ؟ هذا يعني ببساطة، أن على الطبقة العاملة المغربية أن تمارس صراعها الطبقي الثانوي ايديولوجيا وسياسيا بلا هوادة، ضد حلفائها الطبقيين والذين من بينهم، هاته البرجوازية الصغيرة التي تعتبر القوى الاصلاحية تعبيرها السياسي. أي إقامة الفارق الطبقي الحاسم، بين إيديولوجية الطبقة العاملة، وبين إيديولوجية البرجوازية، فالتخلي عن الصراع الإيديولوجي مثلا، أي التخلي عن الدفاع عن الماركسية اللينينية بوصفها إيديولوجية الثورة المغربية ونظريتها العلمية، أو القيام بالمساومات الخسيسة، مثل تحاشي ذكر الشيوعية، والثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، وإقامة ديكتاتورية البروليتاريا، وزوال الطبقات، أو الكلام عن "الماركسية" معزولة عن اللينينية محاباة لحزب النهج الديمقراطي وخطه التحريفي الانتهازي اليميني، أو للحركة التروتسكية (المناضل-ة وغيرها) بخطها التحريفي الانتهازي اليساري، أو تقبل أطروحات باقي الإصلاحيين كالملكية البرلمانية أو "اسقاط المخزن" أو "تفكيك بنيات الدولة المخزنية" أو "دمقرطة المجتمع" وغير ذلك من شعارات البرجوازية الصغيرة المتذبذبة ، ان كل هاته التصرفات الليبرالية، كما يسميها ماو تسي تونغ، تلحق أكبر ضرر للطبقة العاملة ولحركة التاريخ عموما حيث تسمح للطبقات والفئات غير المهيمنة ضمن التحالف الثوري ،باحتلال موقع الهيمنة فيه والذي يعود، في طبيعته، الى البروليتاريا لذا قال ماركس يوما: إياكم والتنازل النظري، إياكم والمساومة بالمبادئ.
وأيضا سياسيا، فالنضال ضد البرامج الاصلاحية للبرجوازية الصغيرة يجب أن يخاض بنشاط عال من طرف الطبقة العاملة وطليعتها الماركسية اللينينية، وفي هذه النقطة ،بالذات، سيقول الميكانيكيون :"مهلا كيف تناضل البروليتاريا ضد برامج أحزاب وهي بلا حزب ! فالنضال السياسي ضد حلفاء الطبقة العاملة لا يمكن ان يمارس دون وجود الحزب الثوري" ان هذا التصور، يجد جذوره النظرية، في الفصل الميكانيكي المصطنع بين سيرورتين، الأولى، بناء الحزب الشيوعي المغربي، والثانية، تجذير النضالات الجماهيرية وقيادتها، ان فكرا مسلحا بالديالكتيك، لا يمكن له قول هذا، فالحزب الثوري لا يبنى الا في سيرورة معركة طاحنة، ايديولوجيا وسياسيا، على جبهتين،جبهة ضد النظام القائم وجبهة ضد الحلفاء الطبقيين للبروليتاريا، فهو يبنى تحت نيران العدو، لكن أيضا بين خراطيم المياه، التي يستعملها الحلفاء الطبقيون لإزاحة الطبقة العاملة عن موقعها القيادي في التحالف الثوري «إن الجيش السياسي لشيء يختلف عن الجيش الحربي. ففي حين تدخل القيادة العسكرية الحرب وبين يديها جيش جاهز، يكون الحزب مضطرا إلى تكوين جيشه الخاص به أثناء القتال بالذات وأثناء المصادمات الطبقية، وبذلك بقدر ما تقتنع الجماهير نفسها، وبتجربتها الذاتية، وبصحة شعارات الحزب وبصحة سياسته»(ستالين – أسس اللينينية).
ان التبعية الذيلية للأحزاب الاصلاحية، لها نتيجة واحدة على الحركة الجماهيرية، هي إضعافها ولجم تطورها الى ثورة وطنية ديمقراطية شعبية، تهدم، وتصدع النظام القائم، وتحكم عليه بضرورة الانقراض، أي بالضبط، سيطرة الخط الانتهازي على هاته الحركة الجماهيرية، وهنا نصل الى تساؤل مهم : ما مدى علمية تسمية هذه القوى الطبقية، بما هي قوى برجوازية صغيرة، بالقوى الاصلاحية "ذات الممارسة الانتهازية" ؟ سألنا سؤالا، فلكي نجيب عليه توجب علينا طرح سؤال آخر : ما الذي يحدد ممارسة ما، بأنها انتهازية ؟
حين نتحدث عن حزب الطبقة العاملة مثلا، ونذكر الانتهازية، فإننا نتحدث، بالضبط، عن مفهوم الانحراف (الانحراف الانتهازي) ويعرف أي دارس مبتدئ للماركسية اللينينية أن الانتهازيةOpportunisme " شكلان، الأول، هو شكلها اليميني، حيث يكون خط حزب البروليتاريا هو خط التعاون الطبقي مع البرجوازية ،مثل ما حدث للحزب الشيوعي العراقي في سياسته الخاطئة للجبهة الوطنية المتحدة ، يمكن للقارئ، ان شاء، أن يطلع بهذا الصدد على مقال للرفيق حسقيل قوجمان بعنوان (الجبهة الوطنية عملية طبقية)، أما شكلها الثاني فهو شكلها اليساري، حيث يكون خط الحزب، هو خط استعداء حتى الحلفاء الطبقيين للبروليتاريا، مثل الانحراف الذي كان يمثله تروتسكي، في الحزب البلشفي، المتمثل في استعداء الفلاحين، واحتقار دورهم الثوري، وناضل ضده لينين وستالين فضمنا عدم سيطرته على خط الحزب، وأيضا ما وقع للحزب الشيوعي اللبناني، قبل مؤتمره الثاني، حيث فصل النضال الوطني عن الطبقي ورفع شعار "حكومة العمال والفلاحين" التي كانت تميزه انحرافه، بالتالي،كانحراف انتهازي يساري.
والانحراف في الخط الاستراتيجي لحزب الطبقة العاملة، يجد أساسه المادي، في تغلغل الأطروحات البرجوازية الصغيرة (المتعاونة أحيانا والمغامرة أحيانا أخرى) داخل الحزب، وبالتالي، حياده عن مساره الصحيح، ومن الممكن للحزب أن يصححه، عبر النقد الذاتي، بل ان ميزة أي حزب ثوري جدي، هي نقده لأخطائه وانحرافاته السابقة (نشير،بسرعة، الى أن الخطأ غير الانحراف، فالخطأ شيء وارد جدا في ممارسات الحزب، إذ لم نقل انه ضروري، لكنه خطأ في التكتيك، على أساس من صحة الإستراتيجية، أما الانحراف فهو خطأ الإستراتيجية برمتها) وذلك عبر سلاح النقد الذاتي،وإعادة بناء الخط البروليتاري الصحيح ،هو ما قام به الحزب الشيوعي الصيني سنة 1935.
اذن فكون القوى الطبقية السياسية البرجوازية الصغيرة "إصلاحية ذات ممارسة انتهازية" لا ينم، في واقع الأمر، عن انحراف، وانما عن طبيعتها الطبقية بالذات ف"الانتهازية ليست أمرا عرضيا ، وليست إثما أو هفوة أو خيانة يرتكبها أفراد ، بل هي النتاج الاجتماعي لحقبة تاريخية بأكملها"(لينين) فهي انتهازية لأنها تمارس الصراع ضد البرجوازية، لا لإسقاطها ،ولكن للانخراط في صفوفها كما أسلفنا الذكر، لكن هذه الانتهازية، ليست عرضية عليها، وكأنما ينتظر منها "العودة الى رشدها" ورفع شعار الثورة أو اسقاط النظام بين ليلة وضحاها، وهذا يذكر بنكتة محاولة البعض، إقناع صدام كي يصير شيوعيا ! وانما يتطلب فهم انتهازية البرجوازية الصغيرة، انطلاقا من تحليل الحقل العام للصراع الطبقي، وشكل حركة هذا الأخير المحورية.
في تمييزنا – في مرحلة سابقة من التحليل – بين الموقع الاقتصادي للطبقة في علاقات الإنتاج، وموقعها السياسي في حقل الصراع الطبقي، قلنا أن القناعات الإيديولوجية للطبقة تتحدد لا بالاقتصادي وحده، وانما بعلاقة هذا الأخير بحقل الصراع الطبقي أيضا، ولنضع القضية في سياقها المادي الملموس : ما الذي يدفع مثلا بالحزب الاشتراكي الموحد الى رفع شعار الملكية البرلمانية ؟ما هي الأسس الموضوعية التي عليها يقوم نداء النهج الديمقراطي ب"تفكيك بنيات المخزن" ؟ أي ،في سؤال واحد مباشر : الى ماذا ترجع هذه الشعارات الاصلاحية الخجولة، المتخلفة جدا عن مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية؟

في سيرورة الاستقلال السياسي الطبقي للطبقات الكادحة بالمغرب

ان الموقع الذي تحتله الممارسة السياسية للطبقات الكادحة، إنما هو مسؤول أيضا عن إصلاحية البرجوازية الصغيرة ،فحين تكون ممارسة الطبقات الكادحة، تحتل موقع الطرف الرئيسي للتناقض، بالعلاقة مع الممارسة السياسية للبرجوازية، وبالتالي تكون الطبقة العاملة متقدمة على مستوى النضال الشعبي، مما يسمح للصراع الطبقي، ان يتحرك في شكله الانجذابي، أي انصهار جميع تناقضات البنية الاجتماعية في الصراع السياسي، بما هو صراع حول السلطة. قلنا انه حين تتوفر هاته الظروف، فان البرجوازية الصغيرة تتخلى عن اصلاحيتها، وتصطف في جيش الثورة بقيادة البروليتاريا أما حين تحتل، عكسيا، الممارسة السياسية للبرجوازية، موقع الطرف الرئيسي في التناقض، بالعلاقة مع الممارسة السياسية للطبقات الكادحة، وتكون الطبقة العاملة متخلفة، عن أداء دورها الطليعي، مما يسمح، بالتالي، للصراع الطبقي أن يتحرك في شكله الانتباذي أي تحركه كصراع اقتصادي أو إيديولوجي ،وغيابه على الصعيد السياسي، من حيث كون هذا الصعيد، صعيد صراع حول السلطة.
هذا يعني أن بنية الحقل العام للصراع الطبقي إنما تساهم، بشكل كبير، في تحديد مواقف الفئات الوسطية من النظام والثورة وشعاراتها، فالطبقة العاملة والبرجوازية، باعتبارهما الطبقتين الرئيسيتين في مجتمعنا، تميلان دوما الى اجتذاب الفئات الوسيطة الى جانبها، وكلما تقدمت إحدى الطبقتين، كميا ونوعيا، في صراعها ضد الأخرى، مالت الفئات الوسيطة، الى تبني شعارات هاته الطبقة، أو الاقتراب منها، على الأقل، فحين تقدم الطبقة العاملة في الصراع، ووصول هذا الأخير مستويات عالية في الحدة والعنف، فان أقساما تلو الأخرى، من البرجوازية الصغيرة وباقي الفئات الوسيطة، (بل حتى فئات غير مهيمنة من البرجوازية نفسها) ستتخلى عن نظرتها الاصلاحية التي تلجمها بها أحزابها، وتنضم الى جانب الطبقة العاملة.
ثم ما هي الاصلاحية Réformisme بالنسبة الينا الآن ؟ انها النزعة التي تسود، لدى القوى السياسية، التي تخوض النضال الجماهيري (انخراطها في حركة 20 فبراير مثلا) لا بهدف اسقاط النظام اللاوطني، اللاديمقراطي ،اللاشعبي القائم بالمغرب، والذي هو نظام سيطرة البرجوازية الكولونيالية المغربية، بل بهدف اصلاحه، واستبدال لشكل منه بآخر (استبدال الملكية المطلقة، بالبرلمانية مثلا) إننا لا ننفي، ضرورة النضال من أجل الإصلاحات ،كما يقول لينين بل بالعكس، إننا نستفيد من الإصلاحات، التي نناضل من أجلها ،كلما سنحت الفرصة، فالإصلاح لا يتحدد فقط بمضمونه، على حد تعبير مهدي، بل أيضا، بطبيعة القوى التي تقوم به وتفرضه، فإصلاح تقوم به البرجوازية، من موقع قوة في وجودها في السلطة، يختلف عن إصلاح تفرضه على البرجوازية، قوى مناهضة لها، في الحالة الأولى، تنغلق المرحلة على نفسها، أما في الثانية، فتفتح مرحلة جديدة في الصراع الطبقي، وبظروف جديدة، لكن النضال من أجل الإصلاحات لا يجب ان يكون هو الأفق السياسي، لنضال الطبقات الكادحة ،إذ في هاته الحالة، تكون الطبقات هذه خاضعة للسيطرة الإيديولوجية للبرجوازية المسيطرة، ان الهدف من وراء نضالنا الثوري، ليس إصلاح النظام بل تغييره، ليس الإبقاء على الرأسمالية الكولونيالية، وانما بناء الاشتراكية ثم الشيوعية وإلغاء وجود الطبقات والدولة نفسها.
ان ممارسة الطبقة العاملة لنضالها الطبقي، والذي وحده كفيل، بتكون الجماهير الشعبية المغربية في قوة سياسية مستقلة تدك أعمدة النظام القائم وتحطمه، إنما يفرض عليها عدم المهادنة مع الاصلاحية، سياسيا وإيديولوجيا، لأن كل مهادنة معها، هي مهادنة مع الرجعية نفسها، فحين تتحول الاصلاحية الى أفق لنضال الطبقات الكادحة، فان هاته الأخيرة تعجز، عن التكون في قوة سياسية مستقلة، وتظل في علاقة من التبعية الطبقية للبرجوازية هي بالذات، علاقة تبعيتها السياسية للبرجوازية الصغيرة، هذا ما حدث، مثلا، في الهيمنة التي كانت لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على الجماهير المغربية في عهد الحسن الثاني، وكانت نهايته، كنهاية أي تنظيم برجوازي صغير، الى التحنط ضمن مؤسسات الدولة البرجوازية.
ان العمل المشترك، مع القوى الاصلاحية ضمن الحركة الجماهيرية، هو أمر ضروري، مادامت تمارس الصراع ضد النظام، فلا يمكن ان نتصور مثلا، مسيرة للنهج الديمقراطي لأنه يقول بالجوهر "الحي للماركسية" في شارع، وفي الشارع الآخر الاشتراكي الموحد يقود مسيرة وحده، لأنه يؤمن ب"الملكية البرلمانية"، وفي الشارع الآخر مسيرة للماركسيين اللينينيين تطالب بإسقاط النظام ! ان هذه الصورة، ليس لها مكان الا في رسوم الكاريكاتير، إذ يتعين في النضالات الجماهيرية، العمل المشترك مع جميع القوى التي تشاركنا الصراع ضد النظام القائم، ومن أجل تحقيق مطالب الجماهير الشعبية، والاتفاق على شعارات محددة يتم رفعها، بالانسجام مع طبيعة المطالب، والمرحلة التي ترفع فيها، الا ان هذا الاتفاق، لا يتحقق الا بصراع، يجب علينا خوضه، من اجل رفع راية الخط الثوري، الماركسي اللينيني، وحماية النضال الجماهيري، من السير في الخط الانتهازي الخجول، حتى في النضال من اجل الإصلاحات، بل خصوصا في النضال من اجل الإصلاحات نفسها.
ان مهمتنا، كماركسيين لينينيين، هي دعم النضالات المتنامية لشعبنا المغربي، أين ما كانت، ومحاولة تجذير هذه النضالات، أي تسييس كل ممارسة للصراع الطبقي، ودفعه الى التحرك في شكله الانجذابي، وتوحيدها، والنضال ضد الاصلاحية والانتهازية بلا كلل، في سيرورة تحرير مستمرة، لأوسع الجماهير الشعبية من الإيديولوجية البرجوازية المسيطرة فالحزب الثوري للطبقة العاملة، لن نبنيه في الكهوف، ولا بمعزل عن الجماهير، وانما في سيرورة النضال العملي والنظري المستميت، وتكوين أطر جديدة، تتخرج من صلب نضال الشعب، وإعداد الثوريين المحترفين، انطلاقا من هذا النضال نفسه، الذي هو وعد الكادحين، بأن نظام الرجعية والاستغلال الى زوال.