ليست الإيديولوجيا ولا القيم ولا حتى إرادة الشعوب هي ما يقود العالم اليوم


مصطفى القلعي
2013 / 9 / 9 - 11:23     

رفيقاتي رفاقي داخل الجبهة الشعبيّة وخارجها/ صديقاتي أصدقائي مناضلي الحركة التقدميّة التونسيّة،
اسمحوا لي أن أسألكم: هل حدّدتم عدوّكم بدقّة؟ من تقاومون بالضبط؟ تقاومون التيّار الإخوانيّ السلفيّ الرجعيّ أم الإمبرياليّة العالميّة أم الرأسماليّة المتوحّشة أم الاشتراكيّة في صورتها المائعة اليوم؟ تقاومون إيديولوجيّات أم مشاريع أم أطماعا أم إرهابا أم عمالة؟ بماذا تقاومون؛ بالإيديولوجيا أم بالقيم؟ أيّة إيديولوجيا وأيّة قيم تقاومونها؟ ما هي قيمنا التي تحرّكنا؛ الوطنيّة أم "الرجوليّة" أم التقدميّة أم العدالة الاجتماعيّة أم الحريّة أم الاشتراكيّة؟
لابدّ من رائز (support) ماديّ نمارس علينا اختبارنا المنهجيّ والفكريّ حتى يتجلّى الطرح. هذا الرائز الذي أقترحه عليكم هو سوريا. والمدخل هو السؤال التالي: ما الذي يجمع الأمريكان (الإمبرياليّة) مع الفرنسيّين (الاشتراكيّة) مع الإخوان المسلمين والسلفيّين المسلمين العرب وغير العرب (الرجعيّة الدينيّة) حول موقف موحّد وتنسيق كامل تجاه سوريا؟ ليست الإيديولوجيا بالتأكيد ولا القيم. إنّها المصلحة. فلا الليبراليّ ليبراليّ، ولا الاشتراكيّ اشتراكيّ، ولا الإخوانيّ أخ، ولا السلفيّ متعبّد متبتّل؟ ليس هذا. فكلّهم يشهرون أسلحتهم تجاه عدوّ اتّفقوا على معاداته مع ما بينهم من عداء!
ألم يكن من المنطقيّ إيديولوجيّا أن تنحاز الاشتراكيّة الفرنسيّة إلى الصين وروسيا؟ ألم يكن من المنطقيّ إيديولوجيّا وقيميّا أن يتحالف الإخوان والسلفيّون وحتى الجيش الحرّ مع سوريا ضدّ عدوّ خارجيّ غازٍ أوّلا أسوة بأيّام العرب وحروب القبائل قبل الإسلام؟ ولكنّ هذا لم يحدث لأنّه ليست الإيديولوجيا ولا القيم ولا حتى إرادة الشعوب هي ما يحرّك العالم اليوم.
هناك فقط مصلحة لها محرّك واحد هو الربح إمّا الاستراتيجيّ أو الماديّ أو العسكريّ أو الاقتصاديّ. ولها مدبّر هو رأس المال الغربيّ. ولها أدوات هي التيّارات الإسلاميّة الموظّفة المشحونة، من جهة، والآلة العسكريّة الغربيّة المتطوّة، من جهة ثانية.
رفيقاتي/ رفاقي،
المعركة الوطنيّة والدوليّة اليوم معركة مصلحة وليست معركة إيديولوجيا ولا قيم. والإشكاليّة التي يجب عليكم أن تنكبّوا عليها هي: كيف تضمنون مصلحة شعبكم؟ ما هي برامجكم في هذا الاتّجاه؟ كيف ستتعاملون مع العالم ومع القوى الدوليّة والتيّارات الرجعيّة؟ أمّا الشعبويّة الإيديولوجيّة والشعاراتيّة النضاليّة والقيميّة فلم تعد تكفي. أعرف أنّكم وطنيّون صادقون. ولكنّ هذا للأسف لم يعد يكفي. لابدّ لكم من رؤية استراتيجيّة ومن علاقات دوليّة ومن تكتيكات عاجلة وآجلة، منها الثابت ومنها المتحوّل. لابدّ لكم من خطاب معاصر يجاري الواقع الدوليّ ويأخذ متغيّراته جميعا في الحسبان.
رفيقاتي/ رفاقي،
أعود إلى السؤال المركزيّ لأختم به في شكل اقتراح: أعدّوا قراءتكم الجيوستراجيّة على قراءة محيّنة للإيديولوجيا وللعلاقات الدوليّة وإلاّ فإنّكم ستجدون أنفسكم، لو نجحتم في إسقاط حكم النهضة، في وضع أسوأ منها وأتعس. وألفت انتباهكم إلى أنّه ليس هناك إمكان لأن تطمعوا في النموذج الكوبيّ ولا الناصريّ ولا الصدّاميّ. فاتركوا هذه الأوراق إن كنتم تتداولونها سرّا! وعليكم بالابتكار السياسيّ. وليس أمامكم غير العلم والتكوين. فهل سيطول انتظارنا لمركز البحوث والدراسات أو الأكاديميّة السياسيّة؟ أؤكّد لكم أنّكم لن تذهبوا بعيدا دون هذا.
رفيقكم مصطفى القلعي
مناضل قاعدي في الجبهة الشعبيّة/ تونس