جبهة الإنقاذ ومعركة الاستنزاف


مصطفى القلعي
2013 / 9 / 8 - 16:37     

أثناء التجمّع الجماهيريّ، الذي دعته إليه جبهة الإنقاذ الوطنيّ التي تتكوّن من الجبهة الشعبيّة اليساريّة وجبهة الاتّحاد من أجل تونس الليبراليّة، إحياءً لذكرى الشهيد الحاج محمد البراهمي الذي وقع اغتياله غيلة وغدرا يوم 25 جويلية/ يوليو 2013 في ذكرى عيد الجمهوريّة التونسيّة، أعلنت جبهة الإنقاذ مرحلة جديدة من النضال ضدّ حكومة النهضة وسلطتها تصحّ تسميتها بمرحلة الاستنزاف من أجل تحقيق أهدافها. ويتمثّل هذا الاستنزاف في النضال بالأجساد الذي بدأ يبلغ أقصى مداه من الاعتصام في الشوارع وما فيه من مخاطر أمنيّة وصحيّة إلى إضرابات الجوع المفتوحة. فيبدو أنّ تقييم جبهة الإنقاذ لنضالاتها أوصلها إلى فكرة أنّ النضالات الميدانيّة في الشوارع لم تكف لإقناع النهضة بفشلها وأذاها الذي سبّبته لتونس. فلم يبق للمناضلين غير أجسادهم يقدّمونها هبة للوطن.
ولكن لابدّ من التنبيه إلى الرمزيّة السلبيّة للإعلان عن إضرابات الجوع سبيلا في النضال إذ أنّها تدلّ على العجز واليأس وانعدام الحيلة. والمعروف أنّ إضراب الجوع خيار فرديّ. أمّا أن يصبح منهجا نضاليّا جبهويّا يعلن عنه في الساحات العامّة أمام الجماهير فهذا غير مسبوق ويدلّ على شراسة الخصم الإخوانيّ (رغم أنّ المعطيات السياسيّة الدوليّة لا ترجّح كفّته) من جهة وعلى وداعة المناضلين اليساريّين والليبراليّين (وقد اجتمعوا دون أن يكتسبوا قوّة مرجّحة سياسيّا إلى حدّ الآن) ونفاذ أدواتهم النضاليّة وافتقارهم إلى الخيال السياسيّ المبتكر.
إنّ قادة جبهة الإنقاذ وزعماءها أجبروا على خوض النضال بأجسادهم الآن بعد أن أساءوا استثمار نضال الجماهير في الشوارع منذ 27 جويلية/ يوليو 2013 تاريخ بداية اعتصام الرحيل في باردو يوم جنازة الشهيد الحاج البراهمي أمام مقرّ المجلس التأسيسيّ مصدر الشرعيّة عند الترويكا الحاكمة ومصدر البلاء والفشل عند المعارضة. وقادة جبهة الإنقاذ، بإعلانهم اتّخاذ إجراء إضراب الجوع منهجا جديدا في النضال ضدّ النهضة، يعبّرون عن إيمانهم بما يقولونه عن حركة النهضة وبتقييمهم لحكمها، أوّلا، ويعطون المثال لمناضليهم في الإصرار والثبات. وهو بذلك ينخرطون بأجسادهم في حركة المقاومة الشعبيّة حتى لا يبقوا دائما بعيدين عن النضال مكتفين بالدعوة والتحريض كما يقول خصومهم. وبهذا المعنى يمكن أن يكون إضراب الجوع ردّا سياسيّا قويّا على تشويهات الخصم النهضويّ. بقي أنّه علينا أن ننتظر لنرى كيف سيتمّ تنظيم إضراب الجوع الجماعيّ هذا، ومن هم الذين سيضربون، وكيف سيتمّ الإعداد له إعلاميّا، وهل سيتمّ استثماره سياسيّا أم لا، وهل سيحقّق إضراب الجوع الجماعيّ غايته في إسقاط حكومة الترويكا الفاشلة أم ستتمكّن حركة النهضة من امتصاصه هو الآخر؟
بقي أنّه لابدّ من الإشارة إلى أنّ إضراب الجوع هذا هو أكبر ردّ على تهمة الانقلاب على الشرعيّة التي تردّدها حركة النهضة وربيباها حزب المؤتمر وحركة وفاء. فالانقلابيّ لا يسير في المظاهرات الشعبيّة المفتوحة ولا يضرب عن الطعام وإنّما يحمل دبّاباته، إن كانت له دبّابات، أو مليشياته، إن كانت له مليشيات، وينقضّ على السلطة في مصادرها مراكز السيادة السياسيّة والإعلاميّة. أمّا جبهة الإنقاذ فجبهة مدنيّة وطنيّة سلميّة مناضلة. وهذا ما نجحت في إثباته.