التغلغل الإيراني في بلاد الشام (1)


سهر العامري
2013 / 9 / 8 - 13:36     

التغلغل الإيراني في بلاد الشام (1) سهر العامري
عرفت سورية وجودا إيرانيا معارضا للشاه قبل نجاح الثورة فيها شباط عام 1979م ، وقد بدأ هذا الوجود الجديد بعد قيام حركة أمل بزعامة موسى الصدر في لبنان ، وكان أشهر من انضم الى هذه الحركة من الإيرانيين عدا موسى الصدر هو مصطفى جمران الذي قتل وهو يقود القوات الشعبية الإيرانية المعروفة بـ " البسيج " على الجبهة العراقية الايرانية في الحرب ما بين العراق وايران . أما العلاقة التاريخية التي تشد الشيعة في جنوب لبنان وخاصة في جبل عامل فتذهب الى الايام الاولى لقيام الدولة الصفوية في ايران سنة 1501م، وذلك حين دعت تلك الدولة ، وهي بصدد تبني المذهب الشيعي ، بعضا من رجال الدين الشيعة في لبنان للقدوم الى ايران بعد أن رُفضت تلك الدعوة من قبل رجال الدين الشيعة في النجف من العراق .
ذاك في لبنان ، أما في سورية فقد تبنى الحكام فيها خطا قوميا اقترب كثيرا بسورية من مصر زمن عبد الناصر الذي يعد من أكبر دعاة القومية العربية في الوطن العربي ، وقد وصل الحال بالدولتين الى اعلان اتحاد تحت مسمى : الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958م . ولكن هذه الوحدة لم تعمر طويلا ، فقد اتى عليها انقلاب عسكري في سورية سنة 1961م ، وبعد هذا الانقلاب حدث انقلاب آخر جاء بحزب البعث الى السلطة في سورية في آذار سنة 1963م .
بعد ذلك توالت انقلابات وحركات تغيير في سورية كان آخرها ما عرف بالحركة التصحيحية التي قام بها جناح في حزب البعث بقيادة حافظ الاسد ، وزير الدفاع ، ورئيس الأركان مصطفى طلاس ، ثم ما لبث الأمر حتى صار حافظ الأسد رئيسا للجمهورية سنة 1971م . وطوال فترة السبعينيات من القرن الماضي ، وعند زياراتي المتكررة لسورية لم أشعر أن هناك نظاما طائفيا يتحكم بمصير الناس فيها ، فقد عرف عن حزب البعث أنه حزب علماني التوجهات حتى عند أولئك الأعضاء الذين ينحدرون من أصول علوية ، كما أن النظام في سورية وقتها كان على حالة عداء مع ايران حاله في ذلك حال الأنظمة العربية الأخرى ، فالشاه كان شرطيا في الخليج العربي ، وصديقا حميما لإسرائيل عدوة العرب ، والعلاقة بينه وبين الكثير من الدولة العربية ، بما فيها العراق ، كانت على درجة كبيرة من التوتر في مطلع السبعينيات خاصة بعد احتلال الشاه للجزر الامارتية في الخليج العربي عام 1971م . وإنني إن أنسَ فلا أنسى ذلك اليوم الذي عزلتنا فيه الشرطة اليونانية بقاعة من قاعات مطار أثينا ، وكان عددنا نحو ثلاثمئة مدرس ومدرسة عراقي وعراقية متوجهين الى الجزائر ، عن الركاب الإيرانيين والاسرائيليين نساءً ورجالا ، والذين ضمتهم قاعة واحدة أخرى . يضاف الى ذلك أنني كنت في ذات الفترة الزمنية على علم بتسرب البضاعة المصنوعة في اسرائيل الى الأسواق العراقية التي كانت تصل الى العراق عبر إيران وبطرق غير مشروعة .
المواقف المعادية للعرب من قبل شاه إيران ردت عليها بعض الانظمة العربية بطرق شتى ، فليبيا مثلا قامت بتأميم شركة النفط البريطانية (British Petroleum) 1971م ردا على تسليم بريطانيا الجزر الاماراتية الثلاث الى شاه إيران ، كما أنها قامت باطلاق اسم الخليج العربي على شركة النفط الوطنية الليبية ، وصارت سورية في هذا الوقت حالها حال العراق تستقبل الإيرانيين المعارضين للشاه وحكومته ، ففي عام 1977م استقبلت سورية جثمان الدكتور علي شريعتي الذي قتله عملاء المخابرات الايرانية ( السافاك ) في العاصمة البريطانية ، لندن ، زمن الشاه ، وكان علي شريعتي من المعارضين البارزين ليس للشاه وحزبه حزب النهضة أو البعث كما يحلو للبعض أن يسميه ، وإنما لكل القوميين الايرانيين الذين حاولوا تطويع التشيع كسلاح فكري يخدم المشروع القومي الإيراني التوسعي في المنطقة العربية ، وهو ذات الحلم الذي تسعى القيادة الإيرانية الحالية الى تحقيقه اليوم في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين . واذا كان الشاه قد طارد المفكر الايراني الدكتور علي شريعتي ، الذي فضح المتشيعة الفرس في كتابه : التشيع العلوي والتشيع الصفوي ، حيا ، فإن أتباع الخميني لاحقوه ميتا ، فبدلا من اطلاق لقب "معلم الثورة" عليه غب انتصار الثورة الايرانية عام 1979م مثلما قرأت أنا ذلك مخطوطا على ضريحه في زيارة قمت بها الى قبره في المقبرة المجاورة لضريح السيدة زينب في دمشق ، صار بعد أشهر من قيام تلك الثورة ، ومن وجهة نظر أتباع الخميني ، شيوعيا، ملحدا، ومع ذلك فإن الدكتور علي شريعتي تأثر ، ولا شك ، بحركة اليسار الفرنسي حين كان يواصل دراسة الدكتوراه بجامعة السوربون في باريس أيام ستينيات القرن الماضي ، وقد سجن وقتها بسبب من مشاركته بتظاهرة تستنكر اغتيال الزعيم الوطني الافريقي باتريس لومومبا من قبل المخابرات البلجيكية على ما يعتقد.
كنت أنا قد نزلت ضاحية السيدة زينب من دمشق في بداية شهر شباط عام 1979م مهاجرا من العراق بعد أن ناء الظلم بكلكله عليه زمن حكم البعث ، وقبيل انتصار الثورة في ايران بأيام قليلة . لم أجد ساعتها في تلك الضاحية عمرانا كبيرا يذكر ، ولكنني حين عدت لها بعد ما يزيد عن سنتين أمضيتها في جنوب اليمن وجدت حالها قد اختلف كثيرا ، فقد ازداد عدد سكانها زيادة كبيرة نتيجة لازدياد عدد المهاجرين العراقيين من العراق أو العراقيين من ذوي الأصول الإيرانية ممن هجرهم النظام في العراق الى إيران ، وكنت أنا على معرفة بالكثير منهم خاصة بعض الطلاب الذين درستهم في العراق.
سألت طالبا مهجّرا الى إيران من طلابي عن سبب تركه إيران وقدومه الى سورية رغم أنه يجيد اللغة الفارسية اجادة جيدة ، فهو قد تربي في كنف أسرة إيرانية استوطنت العراق على مدى سنوات طويلة . أجابني من دون تردد قائلا : أستاذ ! إيران ملة لا يمكن العيش معها ! وهذه الحقيقة التي عبر عنها هذا الطالب تلمستها أنا عن كثب في زيارتين لي قمت بهما الى إيران بعد نجاح الثورة فيها ، ورأيت سوء المعاملة التي يتعرض لها العراقيون هناك حتى أولئك الذين ينحدرون من أصول إيرانية ، ولا زلت أذكر كيف عرقلت سلطات مطار طهران مغادرة امرأة عراقية من أصول إيرانية ، تجيد اللغة الفارسية من ذلك المطار باتجاه أوربا ، والسبب هو مطالبة تلك المرأة بدفع رشوة قائلين لها أنت امرأة عربية ، والعرب لديهم أموال طائلة !! وقد اضطرت تلك المرأة في نهاية الأمر أن تدفع لهم أربعين ألف تومان إيراني ، وقت أن كان التومان على قوة مقابل العملات الأجنبية .
في ضاحية السيدة زينب عرفني صديق مهجّر على دار طينية تقع في زقاق يفضي الى ضريح السيدة زينب قائلا : هذه الدار كان يسكن فيها نفر ممن يحكمون إيران الآن ، لكنه لم يذكر لي أسماءهم ، والمؤكد هو أن هؤلاء كانوا من المعارضين لنظام الشاه ، ومن الذين استقبلهم النظام السوري على عهد الرئيس حافظ الاسد ردا على مواقف شاه إيران اتجاه العرب خاصة موقفه من القضية الفلسطينية ، ومناصرته لإسرائيل ، وهو موقف ردت عليه المقاومة الفلسطينية في بيروت كذلك بتدريب عناصر من المعارضة الايرانية على السلاح ، مثلما قدمته ، أي السلاح ، لبعض من فصائل تلك المعارضة وأخص بالذكر من هؤلاء مجموعة محمد منتظري الذي يعتبر من المؤسسين الأوائل للحرس الثوري الإيراني الحالي ، هذا الحرس الذي يقاتل العرب في ديارهم اليوم ، سواء كان ذلك في العراق أم في الشام أم في اليمن والبحرين.
كان محمد منتظري هذا ، على ما يبدو ، هو من بين الايرانيين المعارضين لنظام الشاه ، ومن الذين نزلوا في البيت الطيني من ضاحية السيدة زينب ، والذي أشرت إليه من قبل ، ومع ذات الصديق الذي مر ذكره ، والذي هو قريب من منظمة العمل الاسلامي ، رأيت لمحمد منتظري صورا كان فيها الرجل على هيئات مختلفة ، مرة تشاهده معتما بعمامة ، وأخرى واضعا على رأسه العقال العربي ، وثالثة الطربوش الباكستاني ، والسبب في ذلك هو أنه كان يتنقل بين سورية ودول الخليج العربي والباكستان وغيرها من الدول الأخرى ، كما أنني رأيته في صورة مع المرحوم ياسر عرفات في بيروت ، وهو يرد له بعد انتصار الثورة الإيرانية بندقية من البنادق التي كانت الثورة الفلسطينية قد قدمتها للمعارضين الإيرانيين زمن النضال ضد حكم الشاه.