رؤية نقديّة تحليليّة حجاجيّة في فكرة التحالف اليساريّ الليبراليّ في -جبهة ديمقراطيّة-


مصطفى القلعي
2013 / 9 / 7 - 18:51     

دار في الساحة السياسيّة التونسيّة، خلال الفترة الماضية، قبل نشأة جبهة الإنقاذ، حديث متواتر عن جبهة ديمقراطيّة هي مضمون دعوة إلى تحالف بين القوى اليساريّة والقوى الليبراليّ. ويقول الداعون إلى هذه الجبهة إنّها ضروريّة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ تونس المعاصر لمقاومة خطر العنف الداهم على المجتمع التونسيّ ولقطع الطريق على محاولات ميركنتلته سياسيّا من قبل حركة النهضة. ويعتبر أصحاب الدعوة1 أنّ منطلقهم فيها هو مصلحة تونس وشعبها. و"مصلحة تونس" شعار فضفاض معوّم وليس سياسيّا طبعا. فلا يمكن أن يكون مرتكَزا للنقاش باعتبار أنّ مصلحة تونس لا أحد يحتكرها والجميع يعتبرون مشاريعهم وأطروحاتهم غايتها مصلحة تونس وشعبها. إضافة إلى أنّ هذا الشعار يمكن أن يدلّ على الخواء وانعدام الرّؤية والمزايدة والافتقار إلى الطّرح المتكامل. ولهذا فإنّي سألغي هذا المنطلق أصلا من نقاشي لفكرة الدّعوة.
سأناقش فكرة هذه الدعوة محاولا بيان خلفيّاتها الميركنتيليّة السياسيّة وغايات أصحابها وسأبيّن عجزها عن التصدّي للعنف الدينيّ المسيّس ذي النيّة الحنبليّة الوهابيّة والغطاء النهضويّ الإخوانيّ. وسأنطلق من الحديث عن طبيعة القائمين على الدّعوة إلى الجبهة الديمقراطيّة ثمّ أمرّ إلى مناقشة منطلقاتهم وخلفيّاتهم حتى أضمن التوازن لتحليلي والموضوعيّة لآرائي متّــقيا قدر الإمكان خطاب الدمغجة الذي مارسه أصحاب الدعوة أنفسهم.
• مصدر الدعوة إلى الجبهة الديمقراطيّة وطبيعتها:
لقد صدرت هذه الدعوة أساسا عن قادة حركة نداء تونس، وخاصة عن السيّد محسن مرزوق في أكثر من مناسبة، وعن حزب المسار الديمقراطيّ الاجتماعيّ لاسيما في اجتماعه العام الذي عقده يوم 14 أفريل 2013 الماضي بقصر المؤتمرات بالعاصمة، وعن الحزب الجمهوري وعن زعيم الحزب الاشتراكيّ اليساريّ محمد الكيلاني في أكثر من مناسبة وعن الكثير من المثقّفين اليساريّين والحداثيّين التقدّميّين وعن بعض مستقلّي الجبهة كالمؤرّخ الأستاذ عميرة عليّة الصغير.2
ويرى دعاة هذه الجبهة الديمقراطيّة أنّ ما بدر من حركة النهضة منذ تسلّمها الحكم من ممارسات سياسيّة ومن خطب وبيانات ومواقف نيابيّة في المجلس التأسيسيّ وما تسرّب من داخلها من فيديوهات لزعيمها راشد الغنّوشي ولقادة آخرين فيها لاسيما الحبيب اللوز والصادق شورو وما جاء على لسان أمينها العام ورئيس الحكومة المستقيل حمادي الجبالي في سوسة إبّان حديثه عن الخلافة السادسة، كلّ هذا يرى فيه دعاة الجبهة الديمقراطيّة خطرا يهدّد مدنيّة الدولة وحداثتها ومكاسب المرأة والحريّات العامّة والخاصّة ومكاسب المجتمع التونسيّ الاجتماعيّة بصورة عامّة. وهذا ما يدفعنا إلى طرح الأسئلة التالية: ماذا لو حصل الاتّفاق وانضمّت الجبهة الشعبيّة إلى الجبهة الديمقراطيّة ولم تسقط حكومة حركة النهضة؟ وهل الغاية هي إسقاط حكومة لنهضة انتخابيّا ديمقراطيّا فقط أم التمهيد لإقصاء حركة النهضة نهائيّا من الساحة السياسيّة؟ وإذا كان همّ أصحاب الدعوة إسقاط النهضة، فلماذا يهرولون إلى الجلوس معها بموجب أو بدونه ومنحها فرصا للنجاة من عثراتها وكبواتها وأخطائها أكثر ممّا تطمح إليه وتطلبه؟ إنّ الغايات من وراء هذه الدعوة ملتبسة إذا أهملنا بعدها الميركنتيليّ الربحيّ!!
يعتقد دعاة الجبهة الديمقراطيّة أنّ عمليّة اغتيال الشهيد شكري بلعيد تعدّ في رأيهم نقطة فارقة لا تَردُّد بعدها في طريق بعث هذه الجبهة. ويعتبرون حادثة الاغتيال إنذارا واضحا بضرورة التيقّظ إلى أنّ الحداثيّين والديمقراطيّين والعلمانيّين والليبراليّين واليساريّين جميعا يجمعهم قدر واحد يضعهم في مواجهة أعداء الحداثة والديمقراطيّة والعلمانيّة. وهم يعنون أساسا الإسلاميّين بمختلف أصنافهم من كان منهم في السلطة يمارسها أو من كان في الموالاة يساند السلطة ويدعمها ويذود عنها.
• مفهوم العمل الجبهويّ لدى دعاة الجبهة الديمقراطيّة:
ألفت الانتباه إلى أنّ هذا القسم من هذا الفصل قسم وصفيّ يكاد يكون توثيقا صحفيّا. والتجأت إلى هذه الأدوات لتساعدني في تقييم مواقف الأطراف تقييما يسعى ليكون موضوعيّا. فلقد صدرت هذه الدعوة، كما ذكرت أعلاه، عن مكوّنات جبهة الاتّحاد من أجل تونس التي تجتمع حول نداء تونس. ولابدّ من الإشارة إلى أنّ الأحزاب التي تصف نفسها بِأحزاب يَسار الوسط هي التي اختارت التحالف الجبهويّ مع نداء تونس الليبراليّ ذي الخلفيّة الدستوريّة كما لا ينفكّ الباجي قايد السّبسي يؤكّد في كلّ مناسبة. ولم تناقش هذا الأحزاب فكرة التحالف مع الجبهة الشعبيّة. بل إنّ هذا الباب لم يفتح أصلا على اعتبار أنّهم يقدّرون أنّ الجبهة الشعبيّة جبهة راديكاليّة متطرّفة إلى اليسار، لا تنسجم مع ميولاتهم وطبيعتهم الوسطيّة! وقدّروا أنّ الاتّحاد من أجل تونس الوسطيّ الليبراليّ أقرب لهم من الجبهة الشعبيّة.
نحن، طبعا، لا نناقش هذا الاختيار ولا نقيّمه. فهذا شأن يعني هذه الأحزاب. وإنّما نستحضره لنحاول فهم رغبتهم في سحب الجبهة الشعبيّة إلى خياراتهم. فأحزاب اليسار المعتدل أو يسار الوسط لاسيما الحزب الجمهوريّ وحزب المسار الديمقراطيّ والحزب الاشتراكيّ اليساريّ تدفع بقوّة نحو سحب الجبهة الشعبيّة إلى خيارها بعد أن تلبرلت وتلبّست تهمة الدسترة والعمل على إعادة إنتاج النّظام السابق التي تتّهمها بها الأطراف الطهرانيّة الثورجيّة الموجودة في السلطة أو في أحوازها.
وبقطع النظر عن النوايا التي أستبعدها من ممارستي النقديّة دائما، فإنّه لابدّ من تسجيل فكرة مفادها أنّ هذه الأحزاب ترغب في التموقع داخل جبهة قويّة متنوّعة إيديولوجيّا تضمن داخلها منزلة مريحة لاسيما أنّها كانت من أكبر المتضرّرين من الانتخابات الأخيرة. فالحزب الاشتراكيّ اليساريّ لم يُدع لنقاشات تأسيس الجبهة الشعبيّة بسبب موقفه المهادن لبن علي وسلطته قبل 17 ديسمبر/ كانون الأوّل 2010 وبعده. فظلّ حزبا ضعيفا متروكا من قبل رفاقه لا وزن له في السّاحة السياسيّة رغم تواتر ظهور زعيميه محمد الكيلاني ونوفل الزيادي في المنابر الإعلاميّة منذ 14 جانفي/ كانون الثاني.
كما تلقّى الحزب الجمهوريّ ضربة سياسيّة شعبيّة موجعة في الانتخابات الأخيرة التي دخلها باسمه القديم الحزب الديمقراطيّ التقدّميّ. وكان يعدّ نفسه الحزبَ الأقدر على منافسة النّهضة. وكان يأمل في فوز كبير. ولكنّه مني بخيبة مدويّة. وكان أوّل من أعلن الانضمام إلى صفّ المعارضة للسّلطة الجديدة حتى قبل أن يعيّن الرّئيس وتتشكّل الحكومة. وإعلانه ذاك تحوّل إلى قبّة التأسيسيّ حيث انقسم فيها النوّاب إلى نوّاب سلطة وموالاة، من جهة أولى، ومستقلّين، من جهة ثانية، ونوّاب معارضة، من جهة ثالثة.
ولابدّ من التذكير بأنّ الجمهوريّ خسر الكثير من قياداته من أعضاء المكتب السياسيّ الذين غادروا الحزب إثر مؤتمره الأخير الذي غيّر فيه اسمه من الحزب الدّيمقراطيّ التقدّميّ إلى الحزب الجمهوريّ. وشهد انشقاقات مدويّة في صفوفه. ومن المغادرين محمد الحامدي ومهدي بن غربيّة وأحمد بوعزّي ونجلاء بوريال الذين أسّسوا مع شخصيّات أخرى ووزراء آخرين في الحكومات المتتالية بعد 14 جانفي/ كانون الثاني 2011 (فرحات الرّاجحي ومختار الجلاّلي، مثلا) حزبا وسطيّا آخر سمّوه "التحالف الديمقراطيّ". وفي المقابل التحق أفراد آخرون بالحزب الجمهوريّ من حكومة الباجي قايد السّبسي المتخلّية بعد الانتخابات التأسيسيّة مثل سعيد العائدي وزير التشغيل السابق وياسين إبراهيم وزير النقل السابق مع حزب آفاق الذي أسّسه، قبل أن يغادر كلاهما الجمهوريّ ويستعيدا آفاقهما بسبب ما لاحظاه من تقارب مريب بين الجمهوريّ وبين حركة النهضة منذ مطلع جويلية/ يوليو 2013.
أمّا المسار الديمقراطيّ الاجتماعيّ فإنّه قد دخل الانتخابات باسم القطب الديمقراطيّ الحداثيّ بعد أن جمع مستقلّين في صفوفه. وبعد الانتخابات فكّ الارتباط معهم. وغيّر اسمه إلى المسار الديمقراطيّ الاجتماعيّ الذي يحتفظ به إلى حدّ الآن. وهو اسمه الثالث منذ 14 جانفي/ كانون الثاني 2013. غير أنّ القطب لم ينته. وإنّما عاد إلى الحياة مؤخّرا. انضمّ إلى الجبهة الشعبيّة. وقد لاحظنا توتّرا من المسار في تلقّي نبإ عودة حزب القطب إلى الحياة بدا في خطاب سمير الطيّب في صفاقس أثناء الاجتماع العام الذي عقده في أفريل/ نيسان الماضي. وهذا غريب؛ فالمسار يستنكر عودة القطب للنشاط. ولكنّه يسعى لجذب الجبهة الشعبيّة إلى جبهة ديمقراطيّة رغم أنّ القطب انضمّ إليها! فلماذا هذا الاستنكار والحال أنّ القطب التحق بالجبهة التي يرغبون في التحالف معها ولم يلتحق بخصم من الخصوم؟ أليس في ذلك تعزيز للجبهة الديمقراطيّة التي يدعون إليها؟ هذه من المواقف لا تفهم بالتحليل السياسيّ. ولكنّها تفهم بالتحليل الذاتيّ المشخصن المرتجل لا أكثر ولا أقلّ.
بالنسبة إلى الجمهوريّ والمسار، نلاحظ أنّهما الحزبان الأكثر تبديلا لاسميهما! وتغييرهما الأسماء غير مفهوم وغير مبرّر في أحيان كثيرة. ولا ندري إذا كان لغايات تكتيكيّة أم يُضمر رغبة في تغيير الخيارات والخلفيّات أم هو لتيسير الاندماج في أجساد سياسيّة أخرى كالاتّحاد من أجل تونس؟ وإن كان الافتراض الأخير فهو يذكّر بالمثل الشعبي "يأكل ويقيس" المستوحى من حكاية الثعلب والتّوت.
كما أنّ الجمهوريّ والمسار هما الأكثر تبدّلا وتغيّرا في مستويي التنظيم والقيادة. وحصلت فيهما انشقاقات كثيرة تبدو لأسباب متّصلة بالتمثيل والمواقع في أغلبها لا أكثر. وعن كلّ منهما، انشقّ حزب آخر أو أكثر، كما رأينا أعلاه. وتتّسم علاقة كلّ منهما بالمنشقّين عنه بالبرود والتوتّر وقلّة التّواصل. فهما حزبان يُستنزفان بخسران داخليّ. ويمكن أن نستنتج أنّهما عجزا عن الحفاظ على وحدتهما الدّاخليّة رغم التآلف الإيديولوجيّ، فكيف سيضمنان التحالف مع الجبهة الشعبيّة وبقيّة مكوّنات الاتّحاد من أجل تونس مع كلّ ذلك التباين الإيديولوجيّ والسياسيّ والتاريخيّ؟
سأحاول الآن تحليل طبيعة العمل داخل جبهة الاتّحاد من أجل تونس ومدى الوفاق والائتلاف بين الأطراف المتحالفة داخل هذه الجبهة. وسأتّخذ ثلاث نقاط مرجعيّة3 في مناقشة ذلك. وهذه النقاط المرجعيّة هي التعامل السياسيّ مع اغتيال الشهيد شكري بلعيد، أوّلا، والحوار الوطنيّ الذي دعا إليه رئيس الجمهوريّة المؤقّت منصف المرزوقي، ثانيا، والقضيّة التي فجّرها النّائب عن الجبهة الشعبيّة منجي الرّحوي حول زيادات النوّاب في أجورهم ومنحهم في جلسة التأسيسيّ يوم 19 أفريل/ نيسان 2013 الماضي، ثالثا.
- النقطة الأولى:
اتّفقت مواقف أطراف الاتّحاد من أجل تونس على التنديد باغتيال الشهيد شكري بلعيد يوم 6 فيفري/ شباط 2013. وكان جميعهم مساندين لعائلة الشهيد ولرفاقه. وقد حضر نداء تونس والجمهور والمسار والاشتراكيّ اليساريّ والعمل الوطنيّ الديمقراطيّ الاجتماع الذي دعت إليه الجبهة بمقرّ حزب العمّال يوم 7 فيفري/ شباط 2013 لمناقشة الدّعوة إلى عقد مؤتمر وطنيّ للإنقاذ يفرز حكومة إنقاذ تنهي المرحلة الانتقاليّة. كما رأيناهم في جنازة الشهيد. وكانت السيّدة ميّة الجريبي على متن العربة التي تحمل جثمان الشهيد مع ابنته نيروز ملوّحة بعلامة النصر.
لكنّ النداء والجمهوريّ والمسار سرعان ما انسحبوا من مبادرة الجبهة الشعبيّة ليلتحقوا بقصر الضيافة بقرطاج استجابة لدعوة رئيس الحكومة المستقيل حمّادي الجبالي إلى حكومة كفاءات معتبرين إيّاها العلاج الأمثل لمطالب تونس وشعبها في تلك المرحلة. بل إنّهم دخلوا في صراع غريب لم يعرف التاريخ مثله يدافعون فيه عن رئيس الحكومة ضدّ حزبه إلى درجة بلغت التلاسن بينهم وبين حركة النهضة! وقد عبّر السيّد سمير الطيّب والسيّدة ميّة الجريبي عن مساندتهما المطلقة لحمّادي الجبالي وتعاطفهما الكامل معه معتبرين إيّاه رجل المرحلة القادر على الإنقاذ. وآلت المفاوضات إلى الفشل كما هو مخطّط لها سلفا. وانتهت باستقالة الجبالي ونجاح خطّة النهضة في امتصاص الحماس الجماهيريّ الجبهويّ المتّحد والغضب الشعبيّ ضدّها.
ورضيت حركة النهضة وحليفاها والجبالي وأعادا استنساخ الحكومة الماضية. وغضب النداء والمسار والجمهوريّ غضبا سرعان ما أطفأته الدّعوة إلى الحوار الوطنيّ في قصر الضيافة بقرطاج المسحوبة من اتحاد الشغل. فعادوا مسرعين نشطين متناسين الماضي كلّه البعيد والقريب ما عدا المسار الذي تردّد بسبب غياب اتّحاد الشغل لا بسبب غياب الجبهة الشعبيّة (؟؟). وليتني أفهم ما معنى إعلان السيّد نجيب الشابي التحاقه بالمعارضة منذ الإعلان عن نتيجة الانتخابات، كما لاحظت أعلاه؟ أظنّه ما كان يقصد ما قاله. لقد كان سبق لسان (lapsus) ناتجا عن الشعور بالخيبة الانتخابيّة.
وكان لهذه الأطراف الدّور الفاعل في إنهاك مبادرة الجبهة الشعبيّة إلى عقد مؤتمر إنقاذ. وكان لها الدور الحاسم في فضّ ذلك التحالف التلقائيّ بين الأطراف الديمقراطيّة في تونس. إذن، لم يكن جماعة الاتّحاد من أجل تونس إلى جانب الجبهة الشعبيّة. ولكنّهم مشوا في جنازة الشهيد وسهروا في الليلة نفسها في دار الضيافة في غياب الجبهة الشعبيّة وقد تركوها غارقة في أحزانها تلملم جراحها..!
- النقطة الثانية:
خلال الأسبوع الثاني من شهر أفريل/ نيسان 2013، دعا رئيس الجمهوريّة المؤقّت منصف المرزوقيّ إلى حوار وطنيّ في قصر الضيافة في قرطاج. وكان من المفترض أن يفتتحه الرؤساء الثلاثة. ولكنّ السيّد مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسيّ غاب عن الافتتاح لأسباب حزبيّة سياسيّة ضيّقة كما قال السيّد فوزي بن عبد الرحمان عضو المكتب السياسيّ للحزب الجمهوريّ. وهو ما يعني غياب التوافق حول هذا الحوار حتى بين الترويكا!!
ولكنّ غياب التوافق حول الحوار الوطنيّ لم يكن بين الترويكا وإنّما بين المنتمين للاتحاد من أجل تونس، أيضا. فقد حضره من بينهم كلّ من نداء تونس والحزب الجمهوريّ فيما تغيّب عنه المسار الديمقراطيّ الذي رهن مشاركته بمشاركة الاتحاد العام التونسيّ للشغل. بينما علّق نداء تونس مشاركته بسبب عدم مشاركة اتّحاد الشغل.4 وتلاه الجمهوريّ في تعليق مشاركته بسبب اصطدامه بما سمّاه "تعنّت النهضة وعدم استعدادها للتوافق" قبل أن يعود له مرّة أخرى. والسيّدة الجريبي هي المكلّفة بالإعلام فيه. أمّا الحزب الاشتراكيّ اليساريّ وحزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ فلا يتوفّر فيهما شرط التمثيل في التأسيسيّ الذي وضعه من دعا إلى هذا الحوار.
والغريب أنّ الجمهوريّ والنداء يعلمان أنّ هذه المبادرة هي مبادرة الاتّحاد، كما لاحظت أعلاه، وقد تمّ تحويل وجهتها ثمّ غُيّب الاتّحاد منها مع شركائه هيئة المحامين والرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان واتّحاد الصناعة والتجارة وجمعيّة النساء الديمقراطيّات! ولهذا السبب رفضت الجبهة الشعبيّة المشاركة فيه.5 كما نلاحظ أنّ نداء تونس حضر الحوار مع من رفضا تلبية دعوة الاتّحاد بسبب وجوده وهما حزبا النهضة والمؤتمر لأسباب ثورجيّة (!!) طهرانيّة(!!).
والخلاصة من هذه النقطة المرجعيّة الثانية أنّ عقليّة العمل الجبهويّ منعدمة عند الأطراف الداعية للجبهة الديمقراطيّة. فلقد عسر عليهم التوافق على نفس الموقف من هذه الدعوة رغم علاّتها وإخلالاتها الظاهرة. فلا هم حضروا جميعا، ولا غابوا جميعا. ولا استمرّ فيها من بادر بالمشاركة. وهم يدركون أنّ غياب اتّحاد الشغل والأطراف المدنيّة الأخرى والجبهة الشعبيّة وشريكهم المسار سيجعل من هذا الحوار أعرج ولن يصل إلى توافقات مهمّة. وهذا ما سيساهم في إطالة هذه المرحلة الصعبة على الشعب التونسيّ فيما يتيح فرصة أطول لأصحاب السلطة لمزيد التغلغل في ثنايا الدولة بما يمكّنهم من فرص أكبر في الانتخابات القادمة لو تمّت. فأيّ حكمة في مواقفهم المشتّتة؟ وأيّ عمل جبهويّ يطمحون إليه بهذه العقليّة والممارسة السياسيّة الضعيفة المتهافتة؟
ونلاحظ أنّ الحزب الجمهوريّ هو من أكثر الأحزاب في الاتّحاد من أجل تونس الذين يخفّون إلى أيّة دعوة إلى الحوار مع السلطة أو مع المعارضة أو مع الاتّحاد. ويكون أيضا من أوائل المنسحبين. وكثيرا ما يترك الحوار مع المعارضة إذا دعته الأطراف التي في السلطة. ولم يترك يوما الحوار مع السلطة من أجل أيّ طرف المعارضة وإن كان من حلفائه. ولقد قرأنا على صفحة السيّد فوزي بن عبد الرحمان عضو المكتب السياسيّ للحزب الجمهوريّ عتابا للجميع بمن فيهم حلفاؤهم في الاتحاد من أجل تونس واتّحاد الشغل. واعتبرهم مسؤولين عن فشل هذا الحوار.6
- النقطة الثالثة:
وتتمثّل في مسألة مِنح النوّاب وأجورهم التي أثارها نائب الجبهة الشعبيّة منجي الرّحوي. فعن نداء تونس، اعتبر النائب إبراهيم القصّاص أنّ كلام منجي الرّحوي ليس سوى مزايدات. وإن أراد الرّحوي أن يكون صادقا فعليه أن يتبرّع بأجرته7 في تلميح إلى أنّه لن يفعل ذلك أبدا! وكان النائب القصّاص في غاية التوتّر وهو يصرّح للمذيعة بما أوردنا. وموقف القصّاص يتماهى تماما مع موقف حركة النهضة التي غضب نوّابها وهاجوا وماجوا وشتموا الرّحوي وأجبروا رئيس المجلس على رفع الجلسة.
فيما اعتبر عصام الشابي الناطق الرسميّ باسم الحزب الجمهوريّ وعضو مكتبه السياسيّ والنائب عنه في التأسيسيّ أنّ كلام الرّحوي لا يعني حزبه.8 أمّا حزب المسار فقد قفز على ما حدث تحت قبّة التأسيسيّ. وأصدر بيانا يذكّر فيه برفضه الزيادة في أجور النوّاب أو في منحهم دون أن يذكر الرّحوي بكلمة ودون أن يعبّر في بيانه عن التعاطف معه ضدّ ما طاله من شتم وإهانة من نوّاب حركة النهضة.9
نشير أيضا إلى أنّ التضارب في المواقف من كلام منجي الرّحوي لم يقتصر على الأطراف المشكّلة للاتّحاد من أجل تونس دعاة الجبهة الديمقراطيّة. فقد عبّر محمد الحامدي الناطق الرسميّ باسم حزب التحالف الديمقراطيّ عن أنّ موقف الرّحوي لا يلزم الكتلة الديمقراطيّة.10 أمّا موقف التيّار الشعبيّ11 الملتحق بالجبهة الشعبيّة فكان ملتزما بما قاله الرّحوي مدافعا عنه متضامنا معه. وقد عبّر النائب مراد العمدوني عن هذا الموقف المساند في نصّ نشره على صفحته بموقع فايسبوك.12 ولنا أيضا في حديث الكلاب كلام.13
نخلص من هذه النقاط المرجعيّة الثلاث التي اعتمدناها في مقاربة العمل الجبهويّ عند دعاة الجبهة الديمقراطيّة إلى أنّ عقليّة العمل الجبهويّ التي تتطلّب التوافق والالتزام بالقرار الجماعيّ والحرص على التضافر والتآلف والوحدة غير متوفّرة عندهم. فهل لفاقد الشيء ما يعطي؟ كيف يدعون لجبهة واسعة وهم أجهل من في الساحة السياسيّة بالعمل الجبهويّ؟
إنّ تقييمنا لطبيعة دعاة الجبهة الديمقراطيّة ولعلاقتهم بالعمل الجبهويّ قد كشف لنا أنّهم يلعبون مع الجميع، ويلعبون على الجميع بوعي أو بدونه. فلا يوجد اقتناع حقيقيّ بقيمة العمل الجبهويّ في ممارستهم السياسيّة. بل إنّ هذه العقليّة غائبة تماما عنهم. ولا تحرّكتهم غير الميركنتيليّة السياسيّة بمعنى البحث عن ضمان الرّبح السياسيّ.
لقد كشفت لنا قراءتنا أنّ الجبهة الديمقراطيّة يحملها دعاتها شعارا أجوف دون اقتناع ولا إيمان أو دون وعي إن أحسنّا الظنّ بهم. ولعلّ الغاية المترائية من وراء هذه الدعوة هي تهرئة الجبهة الشعبيّة لتحقيق أهداف الثورة وإرباكها خدمة لخصومها المتمرّسين في التكتكة السياسيّة. وهو ما أكّدته ممارستهم التي ناقشناها من خلال النقاط المرجعيّة الثلاث.

• مناقشة خلفيّات الدعوة إلى الجبهة الديمقراطيّة:
لنتّـفق أوّلا على أنّ الجبهة الديمقراطيّة قائمة بالفعل في تونس. وقد رأينا مواقف متطابقة تصدر عن الأطراف السياسيّة الديمقراطيّة اليساريّة أو الليبراليّة وعن الأطراف الاجتماعيّة والجمعيّات المدنيّة الديمقراطيّة والإعلاميّة والعمّاليّة والقضائيّة وغيرها. رأينا هذه المواقف المتطابقة في الاعتداءات التي تعرّض الاتّحاد العام التونسيّ للشغل وفي الاغتيالات السياسيّة وفي أحداث 9 أفريل 2012 وفي أحداث الرشّ بسليانة نوفبر/ ديسمبر 2012.
قلت إنّ هذه الجبهة الديمقراطيّة كائنة بالفعل. وهي جبهة مدنيّة عفويّة تلقائيّة وليست جبهة سياسيّة. ولهذا يرغب الدعاة إليها في استثمار هذا التآزر المدنيّ الديمقراطيّ من أجل إنشاء هذه الجبهة الديمقراطيّة سياسيّا تجمع هذا الطيف المتعدّد تحت لواء واحد يقوده حزب نداء تونس.
وعلينا أن ندقّق أنّ هذه الجبهة الديمقراطيّة المدعوّ إليها تختزل الديمقراطيّة في جانبها السياسيّ المتّصل بالحريّات. ولا تعنيها الديمقراطيّة الاجتماعيّة بمعنى الحقّ في العدالة الاجتماعيّة وفي الثروة وفي الكرامة وفي المساواة في الحقوق والواجبات، أو هي تؤجّل هذا البعد الديمقراطيّ الاجتماعيّ. فترتيب أولويّاتها يقوم على تقديم الديمقراطيّة السياسيّة المدنيّة على الديمقراطيّة الاجتماعيّة الاقتصاديّة. وهذه مسألة خلافيّة. فالجبهة الشعبيّة بحكم خلفيّتها الشعبيّة الملتصقة بأهداف الثورة لا ترى هذا الترتيب وجيها. إنّ الديمقراطيّة بكلّ وجوهها السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة هي كلّ لا يتجزّأ. بل إنّ الديمقراطيّة السياسيّة بمعنى الحريّات المدنيّة المهدّدة من قبل النظام التوتاليتاريّ الدينيّ المتحالف مع المجموعات العنفيّة هي معركة نخبويّة لا تلامس هموم عامّة الشعب من الذين انبثقت عنهم الثورة.
إنّ أصحاب الدعوة إلى الجبهة الديمقراطيّة يغيّبون، إذن، العامل الاقتصاديّ تماما عن مضمون دعوتهم. ويرونه ثانويّا أمام الخطر الديمقراطيّ المدنيّ الذي يقدّرون أنّه يهدّد الشعب التونسيّ. كما يهملون مسألة العدالة الاجتماعيّة والتنمية الجهويّة والمحاسبة من طرحهم الآنيّ للجبهة الديمقراطيّة التي يدعون إليها. فالمسألة الاقتصاديّة الاجتماعيّة هي محلّ الخلاف بل التعارض الرئيسيّ بين الجبهة الشعبيّة وبين الاتّحاد من أجل تونس.
يبني دعاة الجبهة الديمقراطيّة دعوتهم على تقييم سلبيّ لحركة النهضة الإسلاميّة وخاصّة بعد استلامها السلطة منذ الانتخابات التأسيسيّة. ويتحرّك جزء أوّل من هذا التقييم في دائرتيْ النوايا والاستيهامات، وجزء ثان في دائرة الحسرة والندم وجلد الذات بسبب سوء التصرّف في انتخابات 23 أكتوبر التأسيسيّة، وكلا هذين الجزأين لا يعدّان مركز التحليل في هذا المقال وإن كنّا سنستفيد منهما في تعميق فهمنا لخلفيّات هذه الدعوة وللغايات من وراء توجيهها أساسا إلى الجبهة الشعبيّة.
أمّا الجزء الثالث فيتحرّك في دائرة تقييم أداء حكومة الترويكا التي يرى أصحاب الدعوة أنّها إسلاميّة بامتياز وأنّ تمثيل حلفاء النهضة فيها ضعيف بل شكليّ. كما يقوم هذا الجزء الثالث نفسه على تقييم مواقف هذه الحكومة المنبثقة عن الانتخابات التأسيسيّة من القضايا الشعبيّة ومن مطالب الثورة وتقييم علاقتها بالمعارضة وعلاقاتها الخارجيّة الاستراتيجيّة وإدارتها للحكم وللشأن السياسيّ والاجتماعيّ عموما.
ولابدّ أن أشير إلى أنّي لا أستطيب كلاما من نوع أنّ "الإسلاميّين خطفوا ثمرة الثورة دون أن يشاركوا فيها". بل أراه كلاما طفوليّا ينطق عن مراهقة وخبط سياسيّيْن. وهذا لا يعني إقرارا بأنّ الإخوان النهضويّين شاركوا فعليّا في الثورة. بل أنا أرى عكس ذلك، وقد عبّرت عن هذا الموقف في أكثر من مقال منشور. لكن، الأوْلى منهجيّا في نظري، أن يقال هذا الكلام قبل الانتخابات لتكون له مصداقيّة. كما أنّ الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وهيئة الانتخابات المنبثقة عنها لم تضعا إثبات المشاركة في الثورة شرطا للمشاركة في الانتخابات.
هذا إضافة إلى أنّ حركة النهضة كانت ممثّلة وبقوّة في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة. وكانت مواقفها قويّة داخلها حين تحتجّ أو تعترض. ولا ننسى أنّ انسحابها من تلك الهيئة حينها خلق مشكلة تمثيل ومصداقيّة فيها، ممّا دفع رئيسها عياض بن عاشور إلى الذهاب إلى المقرّ المركزيّ الفاخر لحركة النهضة الكائن بجهة مونبليزير بالعاصمة واسترضاء زعيمها وقادتها. إذن، هذه ليست مقدّمة سليمة لإنتاج تقييم سليم تُبنى عليه رؤية دقيقة تؤسّس لموقف موضوعيّ مقنع خارج دائرة الاستقطاب والدمغجة والمراهقة السياسيّة.
إنّ المقدّمة الحقيقيّة الدقيقة التي يمكن أن نبني عليها نتائجنا هي أنّ الجميع، بما في ذلك الأحزاب المكوّنة للجبهة الشعبيّة، أغلقوا بسرعة مرحلة الثورة دون التأكّد من استكمالها. وفتحوا مرحلة لاحقة للأولى سمّوها "مرحلة الانتـقال الديمقراطيّ" التي تفترض استيفاء المرحلة الثوريّة لشروطها جميعا، وهو ما لم يثبت ولم يتمّ التأكّد منه. وشرعوا ينظّرون لتحقيق أهداف الثورة عبر الانتقال الديمقراطي. وهرعوا إلى إقرار خيار انتخاب مجلس تأسيسيّ وبدأوا بالتنافس الانتخابيّ متوهّمين استيفاء الشروط التاريخيّة لذلك. ولا نعفي أيّ طرف سياسيّ من الانخراط في هذا التمشّي بما في ذلك الأطراف المكوّنة للجبهة الشعبيّة قبل أن تتوحّد.
فلابدّ من الاعتراف بأنّ تقييم الواقع كان أعرجَ مختلاّ وبأنّ الأطراف السياسيّة كانت متهافتة على السلطة فأحرقت المراحل. ومرّت إلى مرحلة الانتقال الديمقراطيّ دون أن تستوي شروطها وقبل أن تنتهي المرحلة الثوريّة موضوعيّا. ولذلك، أغرق هذا الخيار تونس في اللعبة السياسيّة الانتخابيّة السمجة دون التمكّن من أدواتها فيما أهدرت بقيّة المهام مثل المسألة الاجتماعيّة والمسألة التنمويّة والمسألة القضائيّة ومسألة العنف. وعدنا بسرعة إلى مرحلة الحكومة والوزراء والتسميات وقصاصات المطاعم وقصاصات البنزين والسيّارات الإداريّة والحيف والبطالة والتشغيل واستنزاف الدولة المنهوكة بامتيازات المسؤولين...إلخ أي إلى كلّ المشاكل التي كنّا فيها قبل 17 ديسمبر/ كانون الأوّل 2010، بل زدنا عليها تضاعف قضايا الإجرام ومنسوب التهريب وارتفاع الأسعار الجنونيّ وإشراف الدولة على الإفلاس. وأنتجنا رؤوسا ثلاثة للدولة لا تحظى بالإجماع ولا تتوقّف عن خلق المشاكل وإثارة الرأي العام بقلّة كفاءتها وكثرة أخطائها.
وهذه الحال هي مسؤوليّة الجميع. ولابدّ من الإقرار بذلك. وما سوء تصرّف الحكومات المنبثقة عن الانتخابات وفشلها في تحقيق أهداف الثورة وفي إدارة الشأن العام إلاّ نتيجة للخطإ الجماعيّ الذي ارتكبته النخب السياسيّة والمدنيّة بتونس بعد 17 ديسمبر/ كانون الأوّل 2010. فهي سرعان ما تحايلت على القوى الثوريّة بسحبها القرار الثوريّ من أيدي الجماهير المحتجّة الثائرة إلى مقرّ الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة. وهي هيئة سياسيّة توافقيّة متعجّلة غير ثوريّة. وهو ما يعني استعادة مركزيّة القرار من الهوامش المنتفضة إلى المركز الانتهازيّ. وقد استكانت تلك الهوامش، أقصد الجهات، لذلك باعتبار افتقارها للوعيين الثوريّ والسياسيّ دون افتقارها للثائرين.
إنّ استعادة السلطة لطابعها المركزيّ هو ما أثمر إعادة إنتاج المنظومات السابقة كلّها لأنّ المركز لا علاقة له بالهوامش تاريخيّا في تونس عدا ما ينهبه من ثرواتها دون مشاركة. والمركز يتصرّف بمقولة "أخطى راسي واضرب". والدليل على ذلك الرواية الموجعة التي رواها المناضل عدنان الحاجّي مساء 22 أفريل/ نيسان 2013 على إحدى قناة التونسيّة الفضائيّة الخاصّة حين ذكر بأنّ الحكومة دعته للتفاوض حول مشاكل الحوض المنجي وشركة فسفاط ڤـفصة التي تشكّل مصدرا مهمّا من مصادر تمويل الدولة. وبعد أن تكفّل مشقّة السفر إلى العاصمة، انتظر الحكومة خمسة أيّام ولم تفاوضه. ثمّ وقع إعلامه بتأجيل النظر في المسألة. والتفسير الوحيد لذلك هو أنّ الحكومة تفتقر للحلول ولثقافة الحوار والتفاوض الاجتماعيّ والنقابيّ، مع أنّ الترويكا أثبتت كفاءة طيّبة في التفاوض السياسيّ على اقتسام السلطة!
إذن، أنا، ومن منطلق موضوعيّ، لا أدين الحكومات الانتقاليّة بالفشل لأنّي أعتبر أنّ الحكم أكبر منها وأنّ المراحل الثوريّة وقع حرقها. وهذا لا يعني أنّني أرى هذه الحكومات التي تلت 14 جانفي/ كانون الأوّل 2011 بريئة وصالحة ووطنيّة بل إنّي أراها أضعف من حكم تونس في هذه المرحلة وأصغر بكثير. فلقد عادت إلى الاختفاء في المركز متحصّنة بوسائل الحكم وبأجهزة الدولة وتركت الهوامش على حالها متعلّلة بعلل واهية كثيرة منها التعطيل والإضرابات والاحتجاجات.14 والحقيقة أنّ هذه العلل أمدّت الحكومة براحة نفسيّة لأنّها وجدتها ذرائع لتعليل إخفاقها في حلّ مشاكل الهوامش. فلكأنّها تقول للمهمّشين: أنا تطوّعت لحلّ مشاكلكم وأنتم عطّلتموني فتحمّلوا مسؤوليّاتكم.
لكنّ الحلّ كان يجب أن يكون معكوسا لتستوي الأمور. كان على المركز أن يذوب في الهوامش. وكان لابدّ أن تشارك الهوامش في الحكم وفي القرار الوطنيّ وفي إدارة شؤونها ومشاكلها. وهو ما لا يمكن أن تقبله حكومة سليلة إيديولوجيا طاعة أولي الأمر وتقبيل جبين الإمام والحرص على ترويج صور وزرائها أثناء الصلاة. وهذه طبعا لا تحلّ مشاكل الهامشيّين والجهات.
أعود إلى فحص الواقع لأقول إنّ الجميع آمنوا باللعبة الديمقراطيّة وانخرطوا فيها وذهبوا فيها إلى تخومها غاضّين الطّرف على عمليّة القفز اللاتاريخيّ اللاموضوعيّ على مراحل الثورة. وكانوا يأملون في الفوز بالسلطة المشتهاة التي كان الجميع يرونها على مرمى اليد ويهفون إلى الإمساك بها. ولم يتوقّف الحلم بالسلطة حتى بعد انتهاء الانتخابات وتقديم الاعتراضات وإقرار الجميع بنزاهتها. وقد كانت أطراف كثيرة متيقّنة من الفوز الكاسح على النهضة بسبب ما كانت تعتقده من امتداد لها بين قواعد منتشرة لدى الطبقات الاجتماعيّة الفقيرة والمتوسّطة. وما كان هذا الاعتقاد سوى وهم ملتبس مخادع كشف عن فقر علميّ في قراءة طبيعة المجتمع التونسيّ وطبيعة تكوينه وشخصيّته.
كما لابدّ، في رأيي، من العودة إلى لحظة الانتخابات لنتذكّر طبيعة المشهد السياسيّ حينها فنستفيد منها في بناء موقفنا من مسألة الجبهة الديمقراطيّة المطروحة علينا ممّن يعتقدون أنّنا معهم في نفس المعركة وأنّنا أقرب لهم من الإسلاميّين أصحاب السلطة. ولابدّ من التذكير هنا بأنّ الجبهة الشعبيّة لم تكن قد وُجدت أثناء الانتخابات التأسيسيّة رغم ارتفاع أصوات المناضلين التقدّميّين بضرورة بعثها قبل الانتخابات نظرا لكونها ستشكّل إطارا حاضنا للطيف اليساريّ التقدّميّ المناضل كلّه يمكّنه من حظوظ أوفر لمنافسة الإخوانيّن الذين بان عليهم الثراء وجاءهم الدعم الأجنبيّ معلَنا وخفيّا.
إنّ من الواضح أنّ هذه الدعوة تقرّ بوجود صعوبات سياسيّة تواجهها الأطراف الداعية إليها في مواجهة الخصوم الإسلاميّين أصحاب السّلطة بعد أن فازوا في الانتخابات الأخيرة. ويعتقد الجميع جازمين (!!) بأنّ هؤلاء الخصوم يحظَون بدعم لوجستي وآخر ماديّ داخليّ وخارجيّ. أمّا الأوّل فيتمثّل في ما تمدّهم به الإيديولوجيا الدينيّة من إمكانات ديماغوجيّة ونفسيّة كاسحة لاسيما أنّها تتوجّه إلى الجمهور نفسِه المستهدف من قبل الأطراف اليساريّة، وهو جمهور الفقراء والمهمّشين (البروليتاريا) الذين تروج بينهم الديماغوجيا الدينيّة فيميلون إلى الخصوم ويرجّحون بذلك كفّتهم على حلفائهم الطبقيّين. ولا يبدو أنّ تهمة "تجّار الدّين" قد خفّفت من هذا الرواج للديماغوجيا الدينيّة. وأمّا الثاني فيتمثّل فيما يجزم به دعاة الجبهة الديمقراطيّة من أنّه دعم ماديّ ماليّ وسياسيّ يتلقّاه الخصوم من الدوائر الإمبرياليّة الاستعماريّة ومن وكلائها الأنظمةِ العربيّة التابعة.
كما لابدّ من التذكير بأنّ دعاة الجبهة الديمقراطيّة اليوم كان أغلبهم في الأمس القريب في السلطة أو قريبا منها.15 وهم من أشرفوا على الانتخابات ومن أقرّوا بفوز حركة النهضة الإخوانيّة وخسارة الطيف اليساريّ وبقيّة الأطياف. كما تولّوا تسليم السلطة بشكل مدنيّ سلميّ في موكب احتفاليّ كرنفاليّ ملؤه الانشراح والضّحك وتبادل التهاني.
إنّ حالة الاستقطاب بين النهضويّين وبين الندائيّين كانت قد بدأت بعد الانتخابات، وبعد تسلّم النهضة السلطة مباشرة. فقد بدأ التنافر في المواقف يظهر في مختلف الساحات الإعلاميّة والحقوقيّة والسياسيّة.16 بمعنى آخر علينا أن نتذكّر أنّ قادة نداء تونس لم ينفكّوا، منذ إطلاق مبادرة الباجي قايد السبسي، عن ترديد عبارة كونهم جاءوا للمعاضدة لا للمعارضة. يعني معاضدة السلطة النهضويّة ومعارضة معارضيها. يعني أنّه كان يمكن أن يكونوا إلى الترويكا أقرب منهم إلى المعارضة باعتبار خبرتهم بالسلطة واستعدادهم لمساعدة النهضة بكلّ الأشكال. وهذا ما عبّر عنه الباجي قايد السبسي وغيره من قادة النّداء صراحة في أكثر من مناسبة بعبارته الشهيرة: نحن حركة "معاضدة لا معارضة".
ولكن، وبعد أن تلقّوا اتهامات كثيرة من قبل خلَفهم بتلغيم الإدارة والديبلوماسيّة والعلاقات مع النقابات من خلال إمضاء اتفاقيّات تعسر الاستجابة إليها، بدأوا يشعرون بنكران الجميل وبتغيّر مراتب الكلام. فحوّلوا مبادرتهم إلى حزب سمّوه "نداء تونس" دون أن يعلنوا انتماءهم إلى المعارضة. ولم يفعلوا ذلك إلاّ بعد حادثة اغتيال الشهيد لطفي نڤّض يوم 18 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2012. أمّا علاقة مكوّنات الجبهة الشعبيّة بالتيّار الإخوانيّ النهضويّ فهي نفسها قبل الانتخابات وبعدها لم تتغيّر.
نلخّص ما ذكرناه في نقطتين:
- الأولى: إنّ الدعوة إلى الجبهة الديمقراطيّة مبنيّة على تقييم أعرج للواقع ولطبيعة السلطة وللمرحلة.
- الثانية: إنّ دعاة الجبهة الديمقراطيّة مسؤولون كبقيّة الأطراف السياسيّة في السلطة أو في المعارضة عن فشل المرحلة الحاليّة نتيجة القفز على المراحل والتهافت على السلطة والانتهازيّة في التعامل مع الشّأن العام.
وهذا ما يعني في المحصّلة أنّ هذه الدعوة إلى الجبهة الديمقراطيّة بصيغتها هذه التي نناقشها هنا ما هي إلاّ إمعان في المغالطة وإغراق في الخطإ ومقاومة للسراب وركض متهافت خفيّ وراء السلطة. ولا تدلّ إطلاقا على وعي سياسيّ عميق واجتهاد في تلافي الأخطاء بقطع النظر عن النوايا طبعا.

• مغالطات مفاهيميّة:
نريد أن نلفت الانتباه، هنا، إلى المغالطة الديماغوجيّة التي ما انفكّ الندائيّون وحلفاؤهم في الاتحاد من أجل تونس يكرّسونها حين يحرصون على الجمع بين الليبراليّة والحداثة والعلمانيّة والديمقراطيّة في سلّة واحدة عند وصفهم أحزابهم واتحادهم من أجل تونس. فيما يكتفون بوصف الجبهة الشعبيّة بكونها جبهة يساريّة راديكاليّة فقط أو جبهة عمّاليّة فقط أو جبهة الكادحين والفقراء فقط. والحال أنّ هذا غير صحيح بالمرّة بل هو استيلاء غير مبرّر على مفاهيم متباعدة من حيث السجلاّت والاصطلاح والدلالة لغاية تأثيريّة وميركنتيليّة سياسيّة.
ولابدّ أن نذكّر بأنّ الليبراليّين في تونس، وأعني هنا الدستوريّين، حين كانوا في السلطة في العهدين البورقيبيّ والنوفمبريّ لم يكونوا ديمقراطيّين! بل إنّهم استبدّوا بمعارضيهم القوميّين واليساريّين والإسلاميّين على السّواء! أمّا الحداثة فلا وجه لاحتكارها من قبل الليبراليّين أو غيرهم لأنّها ليست قيمة سياسيّة ولا نظاما في الحكم. وإنّما هي نمط حياة يتجلّى في السياسة والأدب والفلسفة والفنّ والمعمار واللباس وفي كلّ مظاهر الحياة. وهي أقرب إلى مفهوم المعاصرة مع أنّ لكلّ عصر حداثته. بمعنى آخر، فإنّ العصور الإسلاميّة الأولى، لاسيما العصرين الأمويّ والعبّاسيّ وعصر النبوّة والخلفاء الرّاشدين، كانت لها حداثتها قياسا إلى ما سبقها. فالحداثة تقاس بضدّها أي بالقدامة. وهذا باب واسع يضيق هذا المجال عن تفصيل القول فيه.
كما لا يمكن أن نُغفل الإشارة، في هذا السياق، إلى ما نلاحظه من خلط بين مفهومي الليبراليّة والرأسماليّة في الخطاب السياسيّ التونسيّ. بل إنّ المفكّر البلجيكيّ وعالم الاقتصاد السياسيّ بول جوريون (Paul Jorion) يذهب إلى أنّ بين مصطلحات الليبراليّة (Libéralisme) والرأسماليّة (Capitalisme) واقتصاد السوق (Économie de marché) فوارق كبيرة. يقول ما ترجمته: "الرأسماليّة واقتصاد السوق والليبراليّة؛ هذه ألفاظ صارت تقريبا مترادفة في نظر الجمهور في حين لا يوجد رابط مباشر بين ثلاثتها. فالرأسماليّة نظام لتوزيع الفوائض الاقتصاديّة (النموّ) بين المجموعات الكبرى الثلاث المتكوّنة من الأجراء والموارد والمستثمرين (أو الرأسماليّين) باعتبار أنّهم يحتكرون رأس المال الذي تحتاجه المجموعتان الأخريان لضمان إنتاج صناعتهم أو استهلاكهم العائليّ. واقتصاد السّوق هو النظام الذي يضمن توزيع البضائع من المنتج إلى المستهلك الذي يخلق عبر هذا التوزيع منفعة التاجر. فيما الليبراليّة فهي سياسة تهدف إلى تحسين العلاقة بين الحريّات الشخصيّة وبين تدخّل الدولة في الشؤون الإنسانيّة من أجل حماية هذه الحريّات. وأثناء الممارسة العمليّة، فإنّ تدخّل الدولة، بدءا، يفترض اعتباره مفرطا بداهة. وتحقيق هذه الذرى يكون عبر تقليل التدخّل قدر الإمكان. فما الذي يفسّر، إذن، أن تجتمع هذه المصطلحات الثلاثة عند الرأي العام باعتبارها متعادلة كلّ واحدة منها أفضل من الأخريين في توصيف نظامنا الاقتصاديّ؟ ما يفسّر ذلك هو أنّ هذه العناصر الثلاثة اجتمعت لخلق الأزمة العميقة التي انطلقت سنة 2007 في أحد جوانبها."17
تبعا لهذا، فإنّه ليس من المثير في شيء وصف هذا الطرف أو ذاك نفسه بكونه ليبراليّا باعتبار أنّ الليبراليّة والرأسماليّة واقتصاد السوق هي منتِجات الأزمات الاقتصاديّة الكبرى في تاريخ الإنسانيّة. كما يصبح من الخاطئ وصف النهضة بأنّها حركة ليبراليّة أو تدور في أفق ليبراليّ. وإنّما الأصحّ بأن نصفها بتبنّي الرأسماليّة لا بتبنّي الليبراليّة لتعارض بين طبيعة تكوينها ومرجعيّتها مع القيم الليبراليّة.
كما لابدّ من التدقيق في الصفات التي يطلقها دعاة الجبهة الديمقراطيّة على أنفسهم؛ فهل يكفي إعلانهم عن كونهم ليبراليّين ليكونوا ديمقراطيّين؟ إنّ تاريخ تونس المعاصر لا يثبت ذلك سواء فيما يتّصل بتسيير الدولة في العهدين الأخيرين وفي علاقتها بالديمقراطيّة أو فيما يتّصل بالتنظيم الداخلي لجميع الأحزاب السياسيّة الذي يليق به وصف الباترياركيّة وحتى التوريث. فالديمقراطيّة هي نقيصة الجميع ومعرّتهم..!

• ماذا تخسر الجبهة الشعبيّة لو انضمّت إلى هذه الجبهة الديمقراطيّة؟
قبل أن نشرع في مقاربة هذه الإشكاليّة لابدّ أن أشير إلى ملاحظتين:
- الأولى: أنّ الجبهة الشعبيّة مكوّن سياسيّ وطنيّ له مصالحه وأهدافه. وبالتالي فالجبهة تدرس المبادرات والدعوات الموجّهة إليها في ضوء المصلحة الوطنيّة كما تقدّرها وفي ضوء خطّها السياسيّ وبرنامجها وبما يتوافق مع تطلّعات قواعدها ومنتسبيها.
- الثانية: أنّ دعوة الجبهة الشعبيّة إلى جبهة ديمقراطيّة كأنّه يوحي بغمز بأنّ الجبهة الشعبيّة ليست ديمقراطيّة! وهذه مغالطة. فالجبهة الشعبيّة، في مستوى التنظيم والعمل الداخليّ تمارس ممارسة ديمقراطيّة سواء في تكوين التنسيقيّات أو في تكوين اللجان من قبل الأحزاب والمستقلّين. فتسمية "الجبهة الشعبيّة" رغم الاحترازات عليها كانت اختيارا توافقيّا الغاية منه الحرص على الصلة الدائمة بينها وبين الطبقات الشعبيّة. وهذا لا يعني أنّها غير ديمقراطيّة. إنّ الديمقراطيّة ممارسة في الجبهة وشعار ومكسب دفع الكثير من مناضلي الجبهة ثمنا غاليا من أجله.
أعود الآن إلى مقاربة الإشكاليّة لأنطلق من ضرورة فهم طبيعة الجبهة الشعبيّة. فيُجمع اليساريّون المتحزّبون والمستقلّون على أنّ العمل السياسيّ اليساريّ قبل الجبهة الشعبيّة كان مبنيّا على معطيات خاطئة وعلى مقاربات قديمة لم يقع تحيينها وتحديثها. وهو ما يعني أيضا الافتقار إلى أطر البحث الحزبيّ التي تجمع الباحثين المتخصّصين الذين يحتاج إليهم العمل السياسيّ في بناء استراتيجيّاته وتكتيكاته وخططه وأحلافه ومواقفه وممارساته السياسيّة والاجتماعيّة المدنيّة.
أمّا وقد تشكّلت الجبهة الشعبيّة الآن، فأعتقد أنّه عليها أن تعمّق معرفتها بنفسها قبل أن تخوض أيّ مغامرة سياسيّة خارج قواعدها وأطرها وهيكلها التنظيميّ. كما لابدّ من توضيح الفارق بين السياسة والإيديولوجيا، وهو ما يضيق عنه هذا المجال. ولابدّ من العودة إلى لحظة التشكّل الأولى للجبهة بمختلف حيثيّاتها لأنّها تمدّنا بالمرتكزات التي انبنى عليها هذا الحلف السياسيّ الشعبيّ الثوريّ التقدّميّ.
ولابدّ من الانتباه إلى عامل مهمّ في تشكّل الجبهة الشعبيّة يتمثّل في طبيعة تكوّنها وفي خلفيّاتها وفي أهدافها. ففي مستوى التكوّن، نشير إلى أنّها تشكّلت من أطراف ماركسيّة عمّاليّة وماركسيّة اشتراكيّة وماركسيّة ديمقراطيّة وماركسيّة إيكولوجيّة18 وأخرى قوميّة هوويّة19 إلى جانب الماركسيّين والقوميّين والديمقراطيّين والحداثيّين المستقلّين رجالا ونساء وشبابا، طبعا. والعلاقة بين هذه المكوّنات داخل الجبهة الشعبيّة مازالت علاقة تجاور، وتطمح إلى أن تبلغ درجة الانصهار الكامل.20
في مستوى الخلفيّات، إنّها جبهة وليدة ناشئة بعد صراعات مريرة ضدّ الإيديولوجيا خاضها قادة هذه الأطراف وقواعدها من أجل التقارب السياسيّ لاسيما أنّ التجارب التاريخيّة الملهمة لكلّ طرف تقع عائقا أمام هذا التقارب المأمول.21 وكان الجميع على وعي بأنّ تكوين الجبهة ليس اختيارا تكتيكيّا وإنّما هو اختيار استراتيجيّ ضروريّ حياتيّ من أجل التواجد والفعل في الساحة السياسيّة لاسيما بعد خيبة انتخابات 23 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2011 التأسيسيّة التي خاضتها الأطراف الجبهويّة منفردة.
ومازال أمام الجبهة الشعبيّة عمل كبير على مستويين؛ مستوى التعميق المنهجيّ للماركسيّة في دراسة المجتمع وبناه وطبيعته والآليّات التي تحرّكه،22 ومستوى التوطين الفكريّ للماركسيّة النقديّة وللاشتراكيّة الاجتماعيّة وللفكر التقدّميّ المعاصر الذي يناضل من أجل الانتصار للفرد أمام كلّ السلطات، كما يقول هابرماس. "لقد تحدّث هابرماس عن نظريّة الإصلاح الجذري التي تتمثّل في محاولته تخليص الماركسيّة والفكر عامّة من كلّ نزعة يقينيّة. ورفض الحلّ الاجتماعيّ الديمقراطيّ الذي يراه غير قادر على قطع العلاقات مع المجتمع البورجوازي. ولذلك يلحّ هابرماس على الانفتاح على كلّ العلوم الاجتماعيّة، ليس فقط على الاقتصاد، بل أيضا على علم النّفس وتاريخ الفنّ وتاريخ الأدب وعلى العلوم السياسيّة والقانونيّة والأخلاق."23
والجبهة الشعبيّة تعلن مقاومتها للرأسماليّة الجشعة الفاقدة للإيتيقا الإنسانيّة باعتبارها تغتصب رغيف الفقراء من أجل إثراء رأس المال ومراكمة ثروة الشركات المتعدّدة الجنسيّات. كما ترغب الجبهة الشعبيّة أيضا في تقييد اقتصاد السوق الذي يكثر فيه السماسرة والوسطاء بين المنتج والمستهلك بما يفتح الباب للمضاربات والتهريب والاحتكار. فتنشأ بذلك قوّة سمسرة موازية لقوّة الدولة تتحكّم في الأسعار وتهدر الثروة الوطنيّة وتستنزف طاقة الأجراء والعمّال والفلاّحين والطبقة الوسطى وتجبر الدولة على إهدار العملة الصعبة لتزويد السوق بالبضاعة من أجل تعديل الأسعار. وهذه الممارسة التي تقوم بها الدولة لا تعني الحرص على المواطن وإنّما تعني الفشل في اتخاذ القرارات والفشل في الخيارات الاقتصاديّة. فليس تحرير الأسعار خيارا مناسبا للمجتمع التونسيّ في غياب آليّات المراقبة ونجاعتها وقدرتها الردعيّة.
وفي مستوى الغايات، لابدّ أن نعلن أنّ الجبهة الشعبيّة ترمي إلى الانتصار إلى الفئات الاجتماعيّة الهشّة الضعيفة المفقّرة من خلال العمل على ضمان حقّها في الحياة الكريمة.24 كما تعمل الجبهة الشعبيّة على تدعيم البورجوازيّة الوطنيّة ورأس المال الوطنيّ عبر دعمه وتوفير مناخ الاستثمار له بما يضمن مصلحته ومصلحة العمّال والأجراء. وتطرح الجبهة الشعبيّة مسألة ممتلكات الدولة لاسيما العقّارات والأراضي للنقاش. فالجبهة ترى أنّ هذه الممتلكات هي ملك الشعب التونسيّ ولابدّ من إيجاد حلول تتيح للتونسيّين استتثمار هذه العقّارات لاسيما الأراضي الفلاحيّة المهملة والشركات الوطنيّة والدواوين الفلاحيّة والتعاضديّات. فإهمال هذه الممتلكات وحرمان القائمين عليها من الدعم والتحفيز الغاية منه إفقارها وتوطين الأزمات فيها استعدادا للتفريط فيها.
كلّ هذا لا تهتمّ به الدعوة إلى الجبهة الديمقراطيّة. ولا تثيره ولا تقترحه للنقاش. ولا يثير مخاوفها أصلا. وتكتفي بالديمقراطيّة شعارا. ولذلك، تبدو هذه الدعوة قائمة على الدمغجة وعلى الاعتباطيّة وضبابيّة الرؤية والعجلة أيضا. إنّها مبنيّة على الإيهام والتعمية والتهويم والبروباغندا النفسيّة القائمة على رسم صورة فيها مغالطة تظهر فيها السلطة القائمة برؤوسها الثلاثة وأجنحتها المعلنة والخفيّة بمظهر المستبدّ الأسود فيما يظهر البقيّة في نفس الخانة جميعهم يمثّلون هدفا لهذه السّلطة التي ستبيدهم وتبيد مجتمعهم إن لم يجتمعوا بقطع النظر عن خلافات الماضي واختلافات الحاضر.
طبعا، هذا لا يعني أنّ صورة الإسلاميّين أفضل في الواقع. ولكن، ما أقصده أنّه لا يمكن بناء تحالف سياسيّ أو جبهة سياسيّة على تهويمات تفتقر إلى الدقّة العلميّة والضبط المنهجيّ. فالتاريخ لا يصنع بالأوهام والاستيهامات والبروباغاندا والفعل القائم على خلفيّة ردّ الفعل.
إنّ هذه الصورة غير دقيقة إذا قسناها بمقياس السلطة الذي يقيس به دعاة الدعوة أنفسهم وإذا قسناها بمقياس المعارضة الوطنيّة الذي تقيس به الجبهة الشعبيّة. ذلك أنّ وضع الجبهة الشعبيّة ومكوّنات الاتحاد من أجل تونس في نفس الكفّة ونفس المنزلة ونفس الوضع هو في اعتقادي مقدّمة خاطئة لن تؤسّس لنتائج صحيحة. فلابدّ من وضع كلّ طرف في إطاره أوّلا. ثمّ لابدّ من نقد ذاتيّ عميق ونزيه وموضوعيّ، ثانيا. وأخيرا لابدّ من الاتّفاق على معايير تقييم المرحلة بما لا يسمح لأحد بأن يتفصّى عن مسؤوليّته فيها ولا أن يأخذ حجما غير حجمه، ثالثا.
قلنا سابقا إنّ دعاة الجبهة الديمقراطيّة، يرفعون شعار الدولة المدنيّة المهدّدة من قبل السلفيّة الإخوانيّة وحلفائها. لكن هذا ليس سوى الشعار المعلن، في حين لابدّ من كشف المعادلة السياسيّة الانتخابيّة الكامنة وراء الشعار. هذه المعادلة السياسيّة قائمة على قراءة للواقع السياسيّ من زاوية الامتداد الاجتماعيّ والشعبيّ لكلّ طرف من أطراف المثلّث السياسيّ بأضلاعه الثلاثة؛ الضلع الليبراليّ (حتى لا أقول الدستوري(!!)) حول نداء تونس والضلع اليساريّ والقوميّ والديمقراطيّ حول الجبهة الشعبيّة والضلع الأرثوذوكسيّ الإسلاميّ حول النهضة. وللتبسيط فقط أشرح هذه القراءة.
تقول القراءة، التي نقدّمها بكثير من الاحتراز والتنسيب، إنّ الإسلاميّين ينافسون الضلعين الآخرين في امتدادهما الاجتماعيّ. فيما لا يتنافس الضلعان الليبراليّ واليساريّ إذ لكلّ منهما مجاله الطبقيّ الذي يتحرّك فيه. فالنهضة تنافس الليبراليّين على الطبقة البورجوازيّة باعتبارها تتبنّى النمط الاقتصاديّ الرأسماليّ هي أيضا. ولهذا هي لا تفرّط في رأس المال وفي البورجوازيّة بل إنّ أكبر داعميها من كبار التجّار وأصحاب رأس المال. وهي أيضا تنافس الجبهة الشعبيّة على الطبقة الفقيرة/ البروليتاريا عبر خطاب الدمغجة الدينيّة وعبر المساعدات العينيّة. فالنهضة تتحرّك في الاتجاهين مع فئتين متضاربتين طبقيّا؛ البورجوازيّة ضامنة الدنيا والبروليتاريا التي فقدت الدّنيا ولم يبق إلاّ الطّمع في الآخرة. البورجوازيّة تمدّها بالدعم الماديّ الماليّ وغيره مع ضمان المصالح طبعا. والبروليتاريا والطبقات الشعبيّة تمدّها بالأصوات الانتخابيّة. وبهذا فالنهضة تفتكّ من الجبهة الشعبيّة قواعدها. وتسحب من الندائيّين الليبراليّين قواعدهم أيضا باعتبار اشتراكها معهم في تبنّي نمط الاقتصاد الرأسماليّ كما رأينا. وهذا سيناريو مفزع.
هذا لا يعني طبعا أنّ الجبهة الشعبيّة هي جبهة الفقراء والعمّال والفلاحين. إنّها جبهة شعبيّة تتوجّه إلى كافّة طبقات الشعب وفئاته. وبرنامجها برنامج وطنيّ يعد بضمان العيش الكريم لكلّ الفئات الاجتماعيّة. ومقياسها الأوّل هو العدالة الاجتماعيّة وتكافؤ الفرص بين المواطنين والجهات.
يعتقد دعاة الجبهة الديمقراطيّة أنّ خلق هذه الجبهة سيوحّد القواعد اليساريّة والبورجوازيّة في قطب واحد ممّا سيتيح خلق قوّة انتخابيّة موازية لقوّة الإخوان النهضويّين. وهذا تكتيك انتخابيّ محتمل. ولكنّه ليس تحالفا سياسيّا. والحديث عن التكتيك الانتخابيّ سابق لأوانه في هذه المرحلة ما لم يتمّ سنّ القانون الانتخابيّ والتوافق حول طبيعة نظام الحكم.
كما أنّ لهذا التكتيك الانتخابيّ مخاطره أيضا. وهو لا يخلو من مزالق. فهناك لدى الخصم السياسيّ الإسلاميّ ثلاث أوراق حاسمة؛ أولاها أنّه يملك السلطة الآن وبيده الإدارة وأجهزة الدولة. وثانيتها العامل الدينيّ المدمغج الذي سيوظّفه ولاشكّ باعتباره من أسلحته الحادّة المضمونة النتائج مع رصيده الضّخم من الجمعيّات الدينيّة والأهليّة الثريّتين. وسيوجّه هذا السلاح إلى الطبقة البورجوازيّة للتشهير بحليفها الليبراليّ الذي اختار التحالف مع "الملحدين أعداء الملكيّة الخاصّة" (!!)، كما سيروّجون. وثالثتها البروباغندا الإعلاميّة والاجتماعيّة التي ستوظّف فيها ورقة أعداء الثورة وإعادة نظام الاستبداد والتي ستوجّه أساسا إلى الطبقات الفقيرة لسحب ثقتها من حليفها اليساريّ الذي تجسّده الجبهة الشعبيّة. فستتّهم الجبهة الشعبيّة بخيانتها للثورة وللفقراء بتحالفها مع أعداء الثورة ومع أعداء الفقراء!
إذن، الخاسر الأكبر في هذه الجبهة الديمقراطيّة، بصيغتها المقترحة التي ناقشناها وبمعناها الانتخابيّ، في اعتقادي، سيكون هو الجبهة الشعبيّة باعتبارها تستند في برامجها وأطروحاتها وشعاراتها إلى كلّ الفئات وأساسا إلى الفئات الفقيرة وتعِد بإنصافها وضمان حقوقها في الوطن والعيش الكريم. وتبني برامجها على الحفاظ على القطاع العام والتصدّي لمشاريع الخوصصة والشرَاكات غير المتوازنة والتداين المشطّ والقروض غير السياديّة. بينما سيحافظ نداء تونس على قواعده باعتبار رصيده الدستوريّ المضمون. وستدعّم النهضة رصيدها بما ستسحبه من قواعد الجبهة الشعبيّة. وبهذا قد لا تفلح الجبهة الديمقراطيّة في إسقاط النهضة ولا في القضاء على العنف والمجموعات العنفيّة. بل على العكس من ذلك، قد يقضي الإخوان النهضويّون على أمر المعارضة اليساريّة نهائيّا. ويُقضى على الجبهة الشعبيّة بشكل نهائيّ.
كما أنّ ما لاحظناه عن خصوصيّة تكوّن الجبهة من أطراف يساريّة وأخرى قوميّة وثالثة حداثيّة ديمقراطيّة لا يلغي الخلاف بين الإيديولوجيّات المرجعيّة لهذه الأطراف فيما بينها. ولا يلغي حساسيّة أطراف بعينها فيها من هذا التحالف الجبهويّ الديمقراطيّ مع نداء تونس وحلفائه لو تمّ. وما أقصده بالضّبط أنّ الأطراف القوميّة الهوويّة داخل الجبهة الشعبيّة قد لا تقبل قواعدها بوضع يدها في أيدي من تعتبرهم أعداء الأمس.25 وبهذا المعنى، فإنّ الجبهة الديمقراطيّة قد تهدّد الجبهة الشعبيّة بالتفكّك والانهيار فتعود الأطراف إلى حالتها قبل 23 أكتوبر ويتلاشى المشروع التقدّميّ كلّه. وتخيب آمال الجماهير الحالمة بالعدالة الاجتماعيّة والمساواة والحريّة والحداثة والتمدّن والوحدة الإقليميّة والعربيّة.
وستكون تونس حينها أمام أحد مشهدين: إمّا تقاسم السلطة وتبادل الأدوار بين طرفين كبيرين ليبراليّ، من جهة، وإسلاميّ، من جهة ثانية، وإمّا رفض التعايش واستقطاب ثنائيّ حادّ بفعل غياب الطرف الثالث المعدّل، وهو ما قد يؤدّي إلى التقاتل. وأنا أميل إلى الفرضيّة الثانية باعتبار أنّ الفرضيّة الأولى تتطلّب وعيا سياسيّا عاليا وإيمانا كليّا بالديمقراطيّة ومدنيّة الدّولة والتّداول السّلميّ على السّلطة. وهذه أمور غير متوفّرة حاليّا خاصّة بسبب هشاشة الدّاخل السياسيّ التونسيّ وسهولة اختراقه والتدخّل فيه وتوجيهه.
أعود، إذن، إلى طبيعة الدعوة إلى الجبهة الديمقراطيّة. أنا لا أقرأ النوايا. إنّما أقول إنّ هذه الدّعوة قائمة هي أيضا على أسلوب الدمغجة وسحب السّاق.26 فدعاة الجبهة الديمقراطيّة يمارسون ضغطا إعلاميّا بروباغانديّا27 على الجبهة الشعبيّة لا يخلو من سياسة أيضا. فهم يريدون إيهام الرّأي العام الليبراليّ والتقدّميّ والحداثيّ بأنّهم الأحرص على مكاسب الشعب التونسيّ المدنيّة وبأنّ الجبهة الشعبيّة متردّدة.
فإذا التحقت الجبهة الشعبيّة بهذه الجبهة الديمقراطيّة فستكون تابعة لدعاتها باعتبارهم أصحاب الريادة! وإذا لم تلتحق فإنّها ستحمل وزر انتصار الإسلاميّين لو حدث من جديد باعتبارها من عطّل مشروع الجبهة الديمقراطيّة! وإن فاز أصحاب الدّعوة فإنّهم سيستأثرون بالسّلطة دون الجبهة الشعبيّة باعتبارها لم تساندهم في مشروعهم الجبهويّ الديمقراطيّ! وفي كلّ الحالات فإنّ الجبهة الشعبيّة ستكون الخاسر الأكبر. وبهذا التحليل فإنّ أصحاب الدّعوة يرغبون من الجبهة الشعبيّة في أن تكون عصا يضربون بها أثناء المعركة ويكسرونها بعد أن تنتهي.
• نحو الحزب اليساريّ الديمقراطيّ أو الجبهة الشعبيّة الديمقراطيّة:
إنّ دعوة الجبهة الشعبيّة إلى الجبهة الديمقراطيّة، إذن، دعوة جوفاء مفرغة من المحتوى الجدّيّ الإيجابيّ بقطع النّظر عن النوايا، طبعا. وأعتقد أنّها لا تفي بالحاجة حتى للتصدّي للخطر الإخوانيّ ولا العنفيّ باعتباره الشعار المركزيّ لدعاتها للأسباب البنيويّة والعوامل الموضوعيّة التي ذكرتها أعلاه بالتفصيل. بل إنّني أرى أنّ هذه الدعوة بهذه الصيغة تشكّل ورطة كبيرة قد تقضي سياسيّا وشعبيّا على دعاتها وعلى المدعويّين إليها، أيضا.
ولهذا، وإذا كان لابدّ من توسيع الجبهة الشعبيّة، فإنّه يمكن تطوير مشروع الشهيد شكري بلعيد الذي دعا إليه وناضل من أجله من الحزب اليساريّ إلى الحزب اليساريّ الديمقراطيّ، أو توسيع الجبهة الشعبيّة إلى الجبهة الشعبيّة الديمقراطيّة. وهذا طموح مشروع ولكنّه يبقى امتدادا للجبهة الشعبيّة داخل أفقها الفكريّ والسياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ الذي تتحرّك فيه.
إنّ هذا الامتداد الأفقيّ الذي أقترحه على الجبهة الشعبيّة قد يوفّر الإطار الموضوعيّ لانضمام الأطراف المدنيّة إليها باعتبارها ستكون بابا للنضال الديمقراطيّ إلى جانب النضال السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ، أو إلى التنسيق معها على الأقلّ. كما يمكن للأطراف الداعية اليوم إلى الجبهة الديمقرطيّة بالصيغة التي فكّكنا مضمونها وخلفيّاتها، قلت يمكن لهذه الأطراف حينها أن تنضمّ إلى الجبهة الشعبيّة الديمقراطيّة أو الحزب اليساريّ الديمقراطيّ. ولا ضير من مناقشة الاسم والمضمون والأرضيّة والبرامج معا.
• خاتمة:
لم تتشكّل الجبهة الديمقراطيّة. وإنّما تشكّلت جبهة الإنقاذ الوطنيّ التي تشبهه في كلّ شيء، بعد اغتيال الشهيد الحاج محمد البراهمي. وهي تتكوّن أساسا من الجبهة الشعبيّة ومن الاتّحاد من أجل تونس بزعامة حركة نداء تونس والباجي قايد السبسي. وخاضت جبهة الإنقاذ بعض المحطّات النضاليّة بتكتيك واضح تستعمل فيه ضغط الشارع الذي تتقنه الجبهة الشعبيّة، من جهة، وخوض المفاوضات التي يتقنها نداء تونس، من جهة ثانية. ولا تبدو النتائج إيجابيّة إلى حدّ الآن بما أنّ حركة النهضة بدأت تناور على هذا المنهج بمنهج المماطلة والمداورة والدربكة الإعلاميّة وسحب الجميع إلى مفاوضات جوفاء بوساطة الاتحاد العام التونسيّ للشغل وشركائه، انتهت إلى فشل جبهة الإنقاذ والأطراف الوسيطة في تحقيق أيّ كسب سياسيّ فيما حافظت حركة النهضة عل كلّ ما بين يديها. بل إنّها نجحت في زرع الشكّ في المعارضة وأنهكت نضالها في الشارع وربحت الوقت. ومع ذلك مازال الوقت مبكّرا على التقييم.
--------------------------------------------
1. سنعود فيما يلي، إلى تفكيك طبيعة دعاة الجبهة الديمقراطيّة وطبيعة الدوائر التي يتحرّكون فيها وتصوّرهم للعمل الجبهويّ داخل حلفهم.
2. "للأسف بعد انتخابات 23 أكتوبر أصبح النظام السياسي مهدّدا وقابلا لأن يصبح استبداديّا دينيّا.. وحسب اعتقادي عدم اتّحاد القوى الديمقراطيّة سيمكّن حركة النهضة ومشتقّاتها من الأحزاب الأصولية من التحالف في قوّة انتخابية وبالتالي الفوز في الانتخابات القادمة التي أشكّ في أن تكون مستقلّة ونزيهة لعدّة أسباب: أوّلها وجود أكثر من 1300 جمعيّة تعمل تحت غطاء العمل الخيري والدعويّ وهي في الحقيقة تسعى إلى جلب الأنصار إلى حركة النهضة، إضافة إلى وجود أموال ضخمة جدّا تقدّر بالمليارات تضخّ من عديد الدول على غرار السعوديّة وقطر والجمعيّات الوهابيّة والبنوك الإسلاميّة من أجل ضرب المعارضة واليسار وجلب الأنصار وكسب ودّ النّاخبين (...) لذلك أرى أنّ الحلّ يكمن في اتّحاد الجبهة مع نداء تونس وبقيّة القوى الديمقراطيّة من أجل إرساء دولة مدنيّة ديمقراطيّة والحفاظ على نمط عيش المجتمع التونسيّ ومكتسباته في مختلف المجالات والتي تسعى القوى الرجعيّة إلى إبادتها، مع العلم أنّ اتّحاد هذه الأحزاب في قوّة انتخابيّة لا يعني بالضرورة اندماجها مع بعض. فالمهمّ في نظري هو الحفاظ على مدنيّة وديمقراطيّة الدولة خاصة وأنّ هذه الأحزاب تشترك في هدف واحد هو التصدّي لكلّ فكر ظلاميّ استبداديّ يعتمد على العنف لتمرير أفكاره." موقع الجمهوريّة: http://jomhouria.com
3. أقصد: des points de repère
4. قافلة من الوسطاء اتّجهت إلى دار الاتّحاد يوم الإثنين 22 أفريل/ نيسان 2013 لاسترضاء الاتّحاد حتى يلتحق بالمشاركين في مؤتمر الحوار الوطنيّ بقصر الضيافة بقرطاج. وتتكوّن القافلة من كلّ من السيّدة ميّة الجريبي (الحزب الجمهوريّ) والسيّد الصّحبي عتيق (حركة النهضة) والسيّد مهدي بن غربيّة (التحالف الديمقراطيّ) والسيّد المولدي الرياحي (التكتّل). ولكنّ الاتّحاد رفض الدعوة. وباشر دعوته الأحزاب والمنظّمات إلى الشوط الثاني من مبادرته التي استولت عليها رئاسة الجمهوريّة دون أن توفّق في إنجاحها.
5. وهذا الموقف عبّر عبه النّاطق الرسميّ باسم الجبهة الشعبيّة حمّه الهمّامي بمناسبة الاجتماع العام الذي عقدته تنسيقيّة الجبهة بالقيروان يوم الأحد 21 أفريل/ نيسان 2013. وفي انسجام كامل معه، كان موقف حركة الشعب من هذا الحوار الوطنيّ. قال الأمين العام للحركة محمد الإبراهمي في اجتماع عقدته الحركة بباجة يوم 21 أفريل/ نيسان 2013: "«هذا الحوار يُراد به تعويض مبادرة اتحاد الشغل ونحن لا نستطيع المشاركة فيه لأنّه ليس حوارا وطنيّا وهدفه غامض ونحن نتوقّع أنّه سيفشل وسيتوقّف في غضون هذا الأسبوع لأنّني أعتقد أنّه يسوّق لأطراف معيّنة." موقع جريدة التونسيّة:
http://www.attounissia.com.tn/
6. كتب السيّد فوزي بن عبد الرحمان على صفحته بفايسبوك ما نصّه: "مائدة الحوار الوطني المنعقدة حاليا ليست بمبادرة رئيس الجمهورية وليست برعايته. دعا رئيس الجمهورية لهذا الاجتماع الذي افتتح من طرف الرئاسات وغياب مصطفى بن جعفر لحسابات سياسية وحزبية ضيقة. موقف الحزب الجمهوري الداعي إلى الحوار منذ أشهر تمليه المصلحة الوطنية أولا. وإني وإن آسف لموقف أحزاب الاتحاد من أجل تونس فإنّي آسف خاصة لموقف الاتحاد العام التونسي للشغل وخاصة لأسبابه السياسوية التي تضيع فرصة أخرى للوصول إلى توافقات بلدنا ومجتمعنا في أشدّ الحاجة إليها. موقف الاتحاد والأحزاب المصطفة وراءه اليوم لا يقل خطأ عن موقف أحزاب النهضة والمؤتمر من مبادرة الاتحاد السابق":https://www.facebook.com/faouzi.benabderrahman
7. نشرة الأخبار بالوطنيّة الأولى، مساء الجمعة 19 أفريل/ نيسان 2013.
8. قال عصام الشابي على صفحته بموقع فايسبوك ملطّفا تصريحاته في نوع من التراجع: "طالعت باستغراب ما نسب لي من كلام على أعمدة جريدة الصريح ليوم الأحد في تعليق على موقف الزميل منجي الرحوي وخاصة القول بأنّه لا يشرّف ولا مسؤول، فإنّي إذ أنفي نفيا قطعيّا هذا الكلام أو أن يكون كاتب المقال قد اتّصل بي أصلا، وبقطع النظر عن الموقف من تصريحات السيد الرحوي، فإنّه لا يمكن لي أن أصف تدخّل زميل باللاّمسؤول أو بغير المشرّف .إذا كانت الغاية من وراء هذا هي الإثارة فهذا أمر مرفوض وإذا كانت الغاية منه هي الدسّ، فهو أمر مرفوض أيضا."
https://www.facebook.com/issamchebbi.tn
9. نصّ بيان المسار الديمقراطيّ الاجتماعيّ: "المسار يذكّر بموقفه المبدئيّ من الترفيع في منحة النوّاب يذكّر المسار بالموقف الذي أصدره في بلاغ مؤرّخ في 23 ماي 2012، والذي يعبّر فيه عن معارضته للزيادة في منحة النواب في المجلس التأسيسي وقد تضمّن البلاغ الآتي:
على إثر الإعلان عن قرار مكتب رئاسة المجلس الوطني التأسيسي بالترفيع في منح النواب فإن المسار الديمقراطي الاجتماعي يعبر عن رفضه لهذا القرار المتسرع الذي يتناقض مع ما تقتضيه أوضاع البلاد اليوم من تقشف ويطالب بإعادة النظر في مجمل الزيادات المقررة ومناقشة الموضوع بكل شفافية بتنزيله في إطار مسألة الجرايات والمنح بالنسبة لكل المسؤولين السامين في الدولة بما في ذلك في رئاسة الجمهورية وفي الحكومة."
10. إذاعة موزاييك أف. أم الخاصّة في نفس اليوم.
11. طبعا، هذا الموقف لم يعد يلزم حركة الشعب بعد استقالة النائبين محمد البراهمي ومراد العمدوني وعدد كبير من مناضليها منها وإعلانهم عن تكوين "التيّار الشعبي" يوم 7 جويلية/ يوليو 2013، الذي أخذ مكان حركة الشعب داخل الجبهة الشعبيّة.
12. كتب مراد العمدوني النّائب في المجلس التأسيسيّ عن حركة الشعب على صفحته بفايسبوك: "(...) إﻧّﻲ أريد أﻥ أﻗﻮﻝ ﻟﻠﺰﻣﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﺤﺘﺮﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺗّﻬﻤﺖ ﻣﻨﺠﻲ ﺍﻟﺮﺣﻮﻱ ﻭﻧﻌﺘﺘﻪ بالكلب، إﻧّﻨﻲ ﺷﺨﺼﻴّﺎ أﺗﺸﺮّﻑ بانتمائي إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ الكلاب ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ، ﻓﻌﻠﻰ الأقلّ ﺗﺘﻮﻓّﺮ ﻓﻲ الكلب ميزتان: ﺍﻟﺤﺮﺍﺳﺔ ﻭالوفاء ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻧﺮﺟﻮﻩ أﻥ نكون ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺣﺮّﺍﺱ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻭالأوفياء لأبناء شعبنا ﻭﻟﺸﻬﺪائنا..." https://www.facebook.com/mourad.amdouni1
13. نلفت انتباه النائبة (وهي في العربيّة المصيبة) التي شتمت رفيقنا منجي الرّحوي بنعته بصفة الكلب، في رحاب المجلس التأسيسيّ الذي يسمّونها مقرّ السيادة والشرعيّة، بأنّنا ندعوها إلى الانتباه إلى ضرورة تقنين مهنة الاتّجار في الكلاب لأنّها مهنة ظلّت هامشيّة في سوق المنصف باي.. فلا بأس من سنّ قانون ينظّمها ويضع سقفا لثمن الكلب الذكر والكلبة الأنثى باعتبار جملة من مقاييس التثمين والتعيير. ومنها: مقياس السلامة من داء الكَلَب وكثرة النباح وسرعة اللقاح وقِصر مدّته اتّقاء لعراك الذكور. بعض الكلبات يمتدّ لقاحُها وتجمُّع الذكور حولها أسبوعا بحاله فيتعب صاحبها من هشّ الذكور ويتأذّى العابرون إذ الصبوة إلى نكاح الأنثى تلهب عدوانيّة الذكور فتنكر حتى أصحابها ومواليها الذين يطعمونها فتعمل فيهم أنيابها إذ يبدو أنّ الغلمة أشدّ من الألفة والوفاء عند الكلاب. والكلاب الذكور لا تخجل ولا الإناث، فكلاها في ذلك تعبث بالأخلاق الحميدة فترى ذكورها تمارس الدزّ والرصّ والرّهز جهارا وأعضاؤها مكشوفة يتقاطر منها ما لا يجب ذكره، والجميع يسترقون النظر ويبلعون ريقهم خجلا. فيما الإناث تقبض على إير الذكور لا تتركها مهما كانت درجة الخجل التي يبلغها المشاهدون.
ولن يعزّ على النائبات والنوائب سنّ هذا القانون احتراما للأخلاق الحميدة ومنعا للفتنة وتكريسا لفصل الأنثى عن الذكور تماشيا مع منطوق إيديولوجيّتهنّ. ولهنّ في الأغلبيّة عزوة وحصانة وشرعيّة. فالكلبة الأنثى متى صبئت واغتلمت جُنّت بشهوة النّكاح فتنادى حولها الذّكور واجتمعوا وجامعوها في كلّ وقت وحين. فكانت واحدة وهم كثر لا يكاد أحدهم ينزل عن ظهرها حتى يصعد الآخر. وهي تستلذّ ولا تشبع ولا تكفّ في طلبهم إلى مجامعتها حتى يستحي صاحب الكلبة من كلبته فهي تنسب إليه حين يقال هذه كلبة فلان يجتمع حولها الكلاب الذّكور فتهلكها نكاحا إذ يتعب الذكور جميعا ولا تتعب الأنثى. فيضحك الآخرون من صاحب الكلبة خفية وجهارا فلكأنّهم يرونه في مكانها.
وعلى النائبات أن يضمنّ لقانونهنّ الفاعليّة بإجراءات تكفل التزام الكلاب بأخلاق الكلاب من غير الكلاب إذ كلابهم غير كلابنا. فكلابهم نوائب ونائبات وكلابنا حدّد معناها النائبان المناضلان منجي الرّحوي ومراد العمدوني قولا وفعلا. فهذا حديث الكلاب.. وإن عدتم إليه عدنا. فلنا فيه ما نزيد.
14. حاولت في الفصل الثاني من هذا الكتاب أن أحلّل أوجه العلاقة بين حركة النهضة وبين الاتحاد العام التونسيّ للشغل. ولعلّ العودة إلى تلك المحاولة مفيدة في هذه النقطة.
15. السيّد الباجي قايد السبسي كان رئيس الوزراء والسيّد الطيّب البكّوش كان وزير التربية والنّاطق الرسميّ باسم الحكومة والسيّد لزهر العكرمي كان وزير الإصلاح الإداريّ بوزارة الداخليّة والسيّد لزهر القروي الشابي كان وزير العدل (عن نداء تونس)، السيّد أحمد نجيب الشابي كان وزير التنمية الجهويّة والسيّد ياسين إبراهيم كان وزير النّقل والسيّد سعيد العايدي كان وزير التشغيل (عن الحزب الجمهوري) السيّد أحمد إبراهيم كان وزير التعليم العالي (عن حزب المسار الديمقراطي)... إلخ
16. نتذكّر قضيّة قناة نسمة مع فيلم برسي بوليس percer police وقضيّة الأستاذ محمد الطالبي المذكورتين أعلاه وقضيّة الاعتصام السلفيّ بكليّة منّوبة. (انظر الفصلين الخامس والسادس من هذا الكتاب) فخلال احتاجاجات سليانة 2011، مثلا، قبل أحداث الرشّ، وجّه الوزير الأوّل المؤقّت حينها الباجي قايد السّبسي اتّهامات مباشرة إلى الشهيد شكري بلعيد وإلى حزبه حينها "حركة الوطنيّون الديمقراطيّون" وإلى حزب العمّال بالوقوف وراء تأجيج الاحتجاجات. ولابدّ أن نتذكّر أنّ أغلب مكوّنات المكتب التنفيذيّ لحركة نداء تونس كانوا في السّلطة حينها. كما لم يحدث أن قابل قايد السّبسي حمّه الهمّامي ولا شكري بلعيد طيلة فترة حكمه بعد استقالة محمد الغنّوشي من رئاسة الحكومة في مارس/ آذار 2011.
17. Paul Jorion :Economie de marché, capitalisme, libéralisme: les faux amis: http://www.marianne.net/Economie-de-marche-capitalisme-liberalisme-les-faux-amis
18. حزب العمّال وحزب الوطد الموحّد والحزب الاشتراكي الثوري الوطد وحركة الديمقراطيّين الاشتراكيّين وحزب تونس الخضراء ورابطة اليسار العمّالي وحزب النضال التقدميّ.
19. أقصد أساسا قوميّة بعثيّة (الطليعة والبعث) وقوميّة ناصريّة (حزب الجبهة الشعبيّة الوحدويّة والتيّار الشعبيّ).
20. "لكن للعالم العربيّ نوع من الخصوصيّة في هذا السياق تتمثّل في وجود تيّار فكريّ كان فاعلا طوال القرن العشرين وبالأخصّ قبل هزيمة 1967 وهو التيّار القوميّ العربيّ. كيف يمكن أن نصنّف القوميّة العربيّة سواء في تونس أو في البلاد العربيّة؟ هل هي فكر يمينيّ أم يساريّ؟ ربّما تتطلّب الإجابة تحليلا أعمق في هذه النقطة. لكنّني أكتفي بالقول إنّ الفكر القوميّ هو فكر يساريّ من حيث بعدين؛ البعد الثوريّ من خلال مقولة الجماهير، رغم أنّ التجارب التي عاشها العالم العربيّ لم تجسّد هذه المقولة بل ما حصل كان انقلابات عسكريّة لحقها سند شعبيّ كما حصل في مصر سنة 1952 وكذلك في العراق وسوريا مع التوجّهات البعثيّة، ثمّ من جهة ثانية الاعتماد على المشروع الاشتراكيّ كبديل اقتصاديّ واجتماعيّ وإن لم تتحقّق من خلال التجارب المذكورة إنجازات كبيرة. هذه ربّما نقاط مشتركة بين اليسار الكلاسيكيّ وبين تيّار القوميّة العربيّة. أمّا على مستوى الأسس النظريّة للقوميّة والمواقف الاجتماعيّة (الأسرة، الدين...) فتعدّ حسب رأيي منظومة غير تقدّميّة باعتبار أنّ فكرة القوميّة في حدّ ذاتها هي فكرة يمينيّة مهما كان المشروع الذي تطمح إليه. وفي هذا السياق نفهم مثلا تشبّث القوميّين بمسألة الهويّة في قراءة عاطفيّة للإسلام باعتباره مقوّما من مقوّمات الوجود العربيّ أي في إطار الخصوصيّة الأنثروبولوجيّة. أخلص فأقول إنّ التيّار القوميّ يبرز كتيّار يساريّ على مستوى المواقف السياسيّة لكنّه يبقى محافظا على مستوى الأسس الفكريّة وعلى المستوى المجتمعيّ." عادل اللطيفي: في معنى أن تكون يساريّا اليوم، مجلّة الفكريّة، السنة 1، العدد 9، ماي/ جوان 2013، تونس، ص 25.
21. نعود، مثلا، إلى تجربة علاقة البعثيّين بالشيوعيّين في العراق وسوريا، وعلاقة الناصريّين باليسار الشيوعيّ في مصر.
22. لابدّ أن يدرك الماركسيّون التونسيّون هذا: ""كلّ العلوم الأنثروبولوجيّة التي وقعت مقاربتها من خلال التاريخ والإقتصاد والإثنولوجيا تؤدّي إلى الافتراض أنّه لا يوجد مجتمع لا يقوم على تنظيم مختلف نشاطاته بحسب مبادئ منطق نظام معيّن يريده. إنّ مهمّة العلوم الاجتماعيّة هي أن تقارع هذه القواعد بالوقائع للتمكّن من إيجاد القوانين" (...) ونحتفظ من بين التساؤلات الكبرى بتلك التي تهمّ علاقات الإنتاج، والتي من خلال النظريّة الماركسيّة تحدّد الوصول إلى أدوات الإنتاج وإلى إنتاج العمل الاجتماعيّ. ولكنّها بحسب ما لاحظه غودلييه "لا تحتلّ المكان نفسه ولا تأخذ الأشكال نفسها ولا تؤدّي إلى التأثيرات نفسها بحسب المجتمعات والفترات." التاريخ الجديد، إشراف: جاك لوغوف، ترجمة: د. محمد الطاهر المنصوري، مراجعة: د. عبد الحميد هنيّة، المنظّمة العربيّة للترجمة، ط1، بيروت، تموز/ يوليو 2007، ص 422.
23. انظر: أبو النّور حمدي أبو النّور حسن: يورغن هابرماس: الأخلاق والتواصل، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2012، ص 6.
24. يحتاج الماركسيّون التونسيّون إلى مثل هذه الإضافات العلميّة الأساسيّة: "بقدر ما كانت الماركسيّة تطمح إلى "تاريخ شموليّ" أو "كليّ" عليه أن يلتقط في اللحظة نفسها المظاهر المختلفة للحياة الاجتماعيّة (أي الاقتصاديّ والذهنيّ والاجتماعيّ والسياسيّ)، فعليها بحكم أصولها، أن تكون منفتحة بلا حدود على مختلف علوم الإنسان. ونظرا إلى إيلائها الطبقات الاجتماعيّة وصراعاتها الدور الحاسم، فهي تهتمّ أكثر بالبنى من اهتمامها بالحدث السطحيّ، وتهتمّ بالجماعيّ أكثر من اهتمامها بالفرديّ، وباليوميّ أكثر من العرضيّ. أمّا بالنسبة إلى المناهج الكميّة فيجب أن نذكّر بأنّ ماركس كان يستعملها كثيرا." التاريخ الجديد، إشراف: جاك لوغوف، نفسه، ص 413.
25. يعتبر الكثير من القوميّين أنّ السيّد الباجي قايد السّبسي كان من ألدّ أعدائهم حين كان في الحكم زمن بورقيبة. كما أنّ بعضهم يتّهمونه بالضلوع في تعذيب اليوسفيّين. وهناك قضايا مرفوعة ضدّه في القضاء التونسيّ في هذا الصّدد.
26. كم أتمنّى أن أجد لفظة فصيحة تؤدّي مفهوم لفظة "تبلفيط" بالعاميّة التونسيّة! وهو المعنى الذي أريد استعماله في هذا السياق وعبّرت عنه بعبارة "سحب الساق".
27. matraquage médiatique