إقتصاد أميركا العالمثالثي - بول كريج روبرتس


مجدى عبد الهادى
2013 / 9 / 7 - 11:05     

إقتصاد أميركا العالمثالثي
بول كريج روبرتس
الثقافة الإستراتيجية – 10 أكتوبر 2010 م
ترجمة : مجدي عبد الهـادي
----------------------------

عملت لعدد من السنوات في إصدارات البيانات الشهرية لرواتب الوظائف غير الزراعية . ولم تكن هذه البيانات تدعم أؤلئك الإقتصاديين الذين يتغنون بـ "الإقتصاد الجديد" . ذلك "الإقتصاد الجديد" المتكون - كما يزعمون - من الإبتكارات والخدمات المالية والخدمات عالية التقنية . والذي سيحل محل إقتصاد "الأظفار المُتسخة" للصناعة ، بينما يعيد التعليم تدريب القوة العاملة ، فيما ننتقل إلى مستوى أعلى من الرفاهية .

وقد ذكرت مرة بعد مرة أنه ليس هناك أي دليل على وظائف "الإقتصاد الجديد" بينما تختفي وظائف الإقتصاد القديم . ويتمثل صافي الوظائف الجديدة منخفضة الأجر في الخدمات المحلية مثل خدمة وسقاية الزبائن في المطاعم والحانات ووظائف البيع بالتجزئة ووظائف الرعاية الصحية والمساعدة الإجتماعية (بالأساس خدمات الرعاية الصحية الإسعافية) ، ووظائف الإنشاءات قبل إنفجار الفقاعة المالية .

ولم تؤثر الحقائق - التي ينشرها مكتب الولايات المتحدة لإحصاءات العمل شهرياً - على بروبجندا "الإقتصاد الجديد" . فاستمر الإقتصاديون يعزفون إسطوانتهم البليغة عن كيف كانت العولمة نعمة بالنسبة لمستقبلنا .

ويحمل ملايين العاطلين اليوم فقاعة قطاع العقارات المنفجرة وأزمة المشتقات المالية للرهون العقارية المسئولية ، رغم أن الإقتصاد الأمريكي يخسر وظائف منذ عقد من الزمان . فمنذ نُقلت نشاطات التصنيع وتكنولوجيا المعلومات وهندسة البرمجيات والبحث والتطوير والخدمات المهنية القابلة للتداول ، أقول منذ نُقلت للخارج والطبقة الوسطى الأمريكية تذبل . وسلالم الحراك الإجتماعي لأعلي التي جعلت المجتمع الأميركي يوماً "مجتمع الفرص" تم تفكيكها .

وقد أثرت الوفورات في تكاليف الرواتب والأجور - التي تحققت بإعطاء وظائف الأمريكيين للصينيين والهنود - المساهمين وكبار المديرين التنفيذيين بالشركات ومضاربي وول ستريت على حساب الطبقة الوسطى والإقتصاد الإستهلاكي الأمريكي . وتمت تغطية خسارة الطبقة الوسطى للوظائف والدخول عبر سنوات بالتوسع في الديون لتعويض ضعف نمو الدخول . ورهن الأمريكيون منازلهم وباعوا أسهمهم وبلغوا الأسقف العليا لبطاقاتهم الإئتمانية .

وقد تزايدت ديون المستهلكين بالتأكيد ؛ لحد أنه لم تعد هناك إمكانية لإستمرار عجلة الإقتصاد بالدوران مع مزيد من تلك الديون .

ولازال الإقتصاديون وصانعوا السياسات يتجاهلون حقيقة كون كافة أنواع الوظائف في مجالات السلع والخدمات القابلة للتداول يمكن نقلها للخارج (أو شغلها بأجانب أتوا بتأشيرات H-1b و L-1) . والوظائف الوحيدة البديلة لتلك الوظائف هى وظائف الخدمات المحلية غير القابلة للتداول ، تلك الوظائف التي تتطلب نشاطاً "يدوياً مباشراً" ، مثل خدمات الصحة الإسعافية والحلاقة وخدمات النظافة والخدمة والسقاية بالمطاعم والحانات ، أي الوظائف التي تميز القوة العاملة بالعالم الثالث عموماً . وحتى هذه الوظائف ، يتم شغل الكثير منها بأجانب أتوا بتأشيرات R-1 من روسيا وأوكرانيا وتايلاند ورومانيا وأماكن أخرى .

وقد أدى نقص الوظائف الأمريكية وضغط دخل المستهلك بالأجور المنخفضة إلى تنحية طلب المستهلك عن دوره القيادي كقوة دافعة للإقتصاد ؛ وهذا هو السبب في كون السياسات النقدية والمالية قد غدت بلا تأثير .

ويوضح تقرير الوظائف الأخير أن تحول أميركا لإقتصاد عالم ثالث لازال مستمراً . فالإقتصاد خسر 95 ألف وظيفة في سبتمبر 2010 م ؛ أساساً بسبب التخفيضات في التعليم المحلي وفي وظائف الحكومة الفيدرالية ؛ فجزء من الـ 195 ألف وظيفة حكومية التي خسرها الإقتصاد تم تعويضه بـ 64 ألف وظيفة جديدة بالقطاع الخاص .

فأين هى الوظائف الجديدة ؟

أنها في الخدمات المحلية غير القابلة للتداول ، ذات الأجور المنخفضة : 32 ألف في الخدمات الإجتماعية والرعاية الصحية ، و 33 ألف في خدمات الطعام وحانات الشراب .

فهناك يمكنك أن تجده ، إنه "إقتصاد أميركا الجديد" !!


تعليق :

ربما لا أوافق الكاتب على تشاؤمه الزائد بخصوص أميركا ، وإن كان الهام في مقالته هو تأكيدها على ما أعتقده - كأحد قوانين العولمة - من "إتجاه الرأسمالية المتناقض للإنكماش محلياً في سياق توسعها عالمياً" ؛ خالقةً باستمرار المزيد والمزيد من "الثنائية الإقتصادية" ، وهى الظاهرة التي ربما لم تُبتل بها المراكز الرأسمالية حتى اليوم ، وإن كان التوسع في إتجاهات من هذا القبيل كفيل بتحقيق مثل هذه التحول الذي سيتكفل عندها حقاً بجعل أميركا إقتصاد عالمثالثي بإمتياز !!

وبصفة عامة ، فهاهي الرأسمالية تعمل حقاً على إعادة توحيد العالم على صورتها ؛ مُنهية خصوصية المراكز الإمبريالية ومُحيلة أكثر شعوب العالم برجوازية لشعوب طبيعية تعاني حقاً من الرأسمالية ؛ وبحيث يمكن أن تتمرد يوماً على ما خلقها واستعبدها !!