شران أحلاهما مُرّ... لكن يجب أن تختار أهون الشرين


حميد خنجي
2013 / 9 / 5 - 19:58     


إستجابة لدعوة موقعنا التقدميّ الأثير ؛ " الحوار المتمدن" لكتابها في المشاركة بابداء آرائهم حول " التدخل العسكري الأمريكي وحلفائها في سوريا". وحيث أن الموضوع حيوي، ملح وخطير .. وبما أن التهديد الاميركي أصبح قابلا للتطبيق في أية لحظة وفقا لخطاب "أوباما" – المتناقض والمتلكئ- ( في يوم أو أسبوع أو شهر!). بجانب تصريحات مجموعة من صقور البنتاغون والكونجرس ، الأكثر وضوحا ومباشرة. أرتأيتُ أن أشارك برأيي المتواضع حول هذا الأمر، الذي قد يكون له تأثير كبير، بل محوري ، ضمن مشهد حركة الواقع ، وحراك "الربيع العربي" (ثورة العرب المعاصرة المستمرة) وتداعياته

بتقديري أن المشهد السوري معقد وملتبس ، بالرغم من نار الثورة السورية العظيمة / "اليتيمة" ، المتأججة ولهيبه الساطع نحو المجهول ! أعتقد أنه يمكن تصور؛ ما ستتمخض عنها الضربة الأمريكية المحتملة ، بوضعه ضمن متلازمين واختيارين لمصيرين وموقفين ، لاثالث لهما - كانتهازية وسطية - .. وهما: " شران أحلاهما مُرّ... ولكن يجب أن نختار أهون الشرين !". ولا بد أن نوضح رأينا بشجاعة و بلا مواربة أو تلعثم في الجواب على السؤال الملح : هل تؤيد أم تعارض ضربة عسكرية أمريكية ضد نظام بشار الأسد المجرم؟ أجب بلا أو نعم ! أدرك صعوبة الإجابة على هذا السؤال الصعب ، الحساس والمصيري ! .. فالإجابة ستكون للتاريخ ؛ تاريخية بامتياز ! لكن يجب أن نوضّح ملاحظة مهمة في هذا الصدد ، وهو أن الفرد الحر - غير الملتزم بجهة / جماعة سياسية - أسهل له في التعبير الواضح عن رأيه الفردي ، مقارنة بمحفل حزبي جماعي ، بسبب أن الحزبَ الجديّ ملزمٌ وملتزمٌ بالشرعية الدولية المنبثقة عن القوانين الدولية ، التي لا تسمع بالتدخل في الشأن الداخلي لأي دولة مستقلة ، عضو في الأمم المتحدة ، إلا في حالات استثنائية جداً ؛ كتطبيق البند السابع مثلاً.

الشر الأول هو : استمرارية نظامُ ؛ "عصابةٍ عائلية" ، قومجية شعاراتية فاشية مخابراتية بوليسية شبيحية – نظام غير مسبوق في مدى إجرامه - لايسقط بالطرق الاعتيادية / الطبيعية، في الأفق المنظور.. أي بثورة شعبية واسعة.. وإلا لكان قد سقط بهذه الثورة المسلحة المستمرة من عامين ! إن نظاماً أو عصابةً بهذه المواصفات، لابد أنه سيورث ويستمر إلى عقودٍ قادمة (الحفيد حافظ متهَيأ !) .. وكأن شيئا لم يكن ! لايسقط أو يُقلع- قلعا - إلا بقوة / ضربة ضخمة ومهولة لايملك إرادتها ؛ إلا الغرب / اليانك .. هذه هي الحقيقة المُرّة، حسب الظرف الآني لميزان القوى! لمن نسى أو يتناسى ؛ نعيد إلى الأذهان أن الثورة (الإنتفاضة) السورية بدات بحركة عفوية من أطفال "درعا" ؛ حين كتبوا على الجدران الجملة السحرية : " الشعب يريد إسقاط النظام !" .. محافظ درعا (ابن خالة الأسد) اعتقل الأطفال وخلع أظافرهم !.. ذهب زعماء درعا إلى المحافظ يطالبون بتحرير الأطفال ، فكان جواب المحافظ :- جيبوا لي نسوانكم علشان أركبهن وأحبّلهن بأطفال مؤدبين !!.. هكذا بدأت ثورة درعا وبقيت ثورة" حورانية" لأكثر من شهر قبل أن تتحرك "حمص" تأييداً لدرعا .. فأين اسرائيل وأميركا والمحيط / الدول العربية من كل هذا ؟! من المؤكد – خاصة في عالم اليوم- أن أي حدث غير اعتيادي - كثورة في أي بلد - لا يكون بمأمن من التدخلات الخارجية - كل لمصالحه ومراده - التي قد تتلاقى أو تتعارض مع المتدخلين الآخرين. تجاوز الآن عدد الضحايا : 120 ألف. والمهجرين : المليونين. والكُلفة الشاملة قد تكون وصلت : فلك التريليون !؟

الشر الثاني هو: تحطيم الغرب / اليانك ؛ للمؤسسات العامة والبنية الاجتماعية والعمرانية كلها، كثمن للخلاص من جحيم لايُطاق ! وهذا ما حدث بالفعل في العراق في 2003 على يد القوات الغازية ! وهو الأمر الذي قام به – ومازال- النظام السوري بنفسه ، حيث جرى ويجري تحطيم شامل ، منهجيّ وهمجيّ ، لبلدةٍ بعد بلدة ، وقريةٍ بعد قرية.. بل ومجمل البنية العمرانية السورية في الحواضر والأطراف ، بدل قيام الغرب بذلك ! .. ومن هنا نلاحظ ونسمع هذه الأيام المشدودة ؛ التصريحات الغربية المتناقضة ، بحيث من الممكن للسياسي الحصيف أن يقف على سرّ تلكؤ وتردد الغرب في الضربة العسكرية المزعومة ! يبدو الآن أن الضربة - إن أتت - ستكون رمزية سيكولوجية واستعراضية ، بُغية الحفاظ على ؛ ماء الوجه ، وعلى ؛ ما تبقى من "الصدقية المزيفة" و قوة "الهيمنة" الاستعراضية لليانكي الأمريكي ، كخداعٍ للرأي العام الداخلي والخارجي .. أيضا كرد فعل من أن "اليانكي" لايمكنه بلع حقيقة موضوعية وهي أن مرحلة القطب الواحد قد أزفت للانتهاء ، وأن العالم يخترق تدريجياً مرحلة جديدة وهي : تعدد الاقطاب ! فلمَ المغامرة في التدخل السريع والحسم وتحطيم ما بقى من عمران ، مادام الجزار شمشون يقوم بواجبه في الهدم (عليّ وعلى أعدائي!) بدلا عنهم ، على الوجه الأكمل؟!!. والنتجة الأساس: سقوط ذلك الجحيم إلى الأبد في العراق سنة 2003 ! والخوف من عدم سقوط تومئه في الشام !!.. بل قد يجري تقويته ليعاد التوازن أمام المعارضة المسلحة في لعبة جهنمية / عبثية ، لا نهاية لها ، إلا جحيم الرماد وبقايا الأطلال ! شخصياً حددتُ موقفي الفردي كأنسان متمدن (حتى لا أقول كتقدمي)، كما –اليوم- أحدد موقفي من نظام جزار الشام- مع الفارق الزمكاني بين البلدين - أي سأختار الشر الثاني (أهون الشرين) المأمول ( آمل أن يأتي سريعاً بالرغم من شكّي وخشيتي في أن لايأتي أو يتلكأ) ، كونه الحل الأمثل والأسرع للتخلص من العصابة الأسدية بأقل الضحايا البشرية الممكنة وتقليصها .. وبكُلفةٍ أقل . إن شعوب ؛ المشرق العربي ، الايراني والشرقأوسطي ليس لها ما تخسره ، من تحطيم "عرين الأسد" سوى جزءٍ من اغلالها المزمنة الصدِئة !

جوهر المشكل أنه يجري - بصفاقة - تناسى الفرق بين الوضعين في العراق – ما قبل وما بعد سقوط الطاغية - على يد المثقفين الشعاراتيين من مختلف الشّيع .. بمعنى أن الغزو(الخلاص) الغربي / الامريكي للعراق ، تسبب في خسارة وثمن فادحين لكل الأطراف ، في الأفق الآنيّ ؛ خاصة بالنسبة للشعب العراقي - مؤقتا- بأمل الإصلاح والتعافي التدريجي (الموقف الآن). وحتى خسارة أمريكا نفسها لاتعوض بعشرات السنين (الحديث يجري عن تريليونات عدة ، قد تصل الخمسة - الكُلفة الإجمالية الشاملة).. كمقارنة يجب أن ندرك أن القيمة الإفتراضية والتقديرية لأمريكا (ثاني دولة بعد روسيا) في حدود 50 تريليون ! صحيحٌ أن الغرب في مصلحته – وقتئذٍ / دائما- تحطيم البنية العراقية / السورية / العربية الشاملة ، لأمور وضرورات موضوعية ؛ ندركها جيداً.. لكن ليس كما يؤولها المهوسون القومجيون ؛ أصحاب "نظرية التفتيت والمؤامرة" لـ "أمتنا العربية الخالدة" – خير أمة أخرجت للناس !؟

ولكن مهلاً.. من قال أن الغرب لم يتفاجأ (الكل تفاجأ وليست الانتلجنسيا العراقية لوحدها) بدرجة تدني وتردي الوعي الاجتماعي لدى الجماهيرالعراقية بشكل غير مسبوق ؛ كضريبة العهد البائد؟! أكيد الغرب لم يخلق الوضع العراقي السيئ (تسبب فيه ، على أية حال) .. هو بنى على ماكان هناك من ظروف مواتية لمصالحه .. لأنه ببساطة لايمكن لأي كان ؛ خلق ظرف موضوعي معين بإرادته البشرية الذاتية! لأن الوضع المتخلف المتأتِ من درجة تدني الوعي الاجتماعي للجماهير العراقية ، كان الحصاد المُرّ لما زُرع وفُرض (خوف ، رعب ، قتل ، اغتيالات وتوَكُّليات غيبية) على الناس من قِبَل النظام البائد. يجب أن لاننسى أيضا ، أنه بعد التخلص من نظام صديم المقبور، فإن المسؤوليين الايرانيين ، من خلال قنواتهم المخابراتية ، الدعوية ، المالية والميديا الجهنمية والروضة خونية .. ألخ .. كانوا - ومازالوا - يبثون سمومهم وأوهامهم الخرافية في المجتمع العراقي / الخليجي / العربي ، الامر الذي يتسبب في تأخر "عودة الوعي والروح " الطبيعيين للمجتمع العراقي

والشئ يالشئ يُذكرُ ... رأينا كيف أن نظام ولاية الفقيه / الملالي ، يدافع عن الإخوان ليس حبا فيهم، بل خوفاً من مصيرهم المشابه بسبب تآكل رصيدهم المضطرد.. خاصة الآن من مغبة سقوط أحد جناحي الاسلام السياسي في قلب المنطقة والعالم (ما تأثير ذلك بعد سقوط الأسد؟!) .. في الوقت الذي قتل فيه نظام مرسي الإخواني مواطنين من الشيعة في مصر !.. تصوروا الانتهازية والديماغوجية والنظرة المصلحية الضيقة ، للطبقة الأكثر ثراءً والأكثر نفاقاً وكذباً، في ايران اليوم ، حيث يتظاهر ويتاجر النظام الايراني بمشاعر الشيعة البسطاء في كل مكان ، ويخدعهم بأنه سندهم وحاميهم !

يا ليت تقدميينا و"يسارويينا" و " متمركسيينا" يدركون أن سقوط نظام بشار؛ كمخلب للنظام الايراني ، وكآلعن حصن من حصون الاستبداد العربي / الشرقي التوريثي المعاصر والمزمن؛ يعنى عمليا دستة أمور ايجابية ، لجُلّ الأطراف (ستبدأ سيرورة المدنية التقدمية في المنطقة) على رأسها تقهقر نظام ولاية الفقيه الايراني ، وتلاشي فكره/ عقيدته وثقافته الخرافيتين ، بجانب عودة العافية للسلطة اللبنانية المختطفة من قبل حزب الله اللبناني – الايراني ، وعودة الحيوية للمجتمع المدني اللبناني . بجانب فِكاك اللبنانيين من التدخل السوري وتوقف مسلسل اغتيالات الوطنيين الأحرار في لبنان.. فشعب لبنان الجميل يستحق وضعاً حياتياً أفضل مما هو عليه الآن. فمن المؤكد أنه – حينئذٍ- ستتراجع منظومة الشعارات الرخيصة والدعايات المصلحية / الطبقية المغلفة بقوالب مذهبية / طائفية فارغة.. بل أن سقوط الديكتاتور السوري سيؤدي – لا محالة - إلى تراجع مجمل سياسة التجارة الدينية / المذهبية ، والشعارات القومجية البراقة حول المقاومة ، ووهم استرجاع فلسطين من البحر إلى النهر

رأيي الواضح أنه بعد أن قُلع الاخوان (الفكر السني المتأسلم الرجعي) في مصر، لابد من قلعِ ؛ الفكر الخرافي لنظرية "ولاية الفقيه" الرجعية ، مخالبه وأوهامه (الفكر الشيعي المتأسلم الرجعي).. ولا بد أن الضربة الأمريكية ستؤثر أو تقرّب ذلك اليوم ، من حيث لاتريد ( مجبرٌ أخاك لابطل!). هكذ يجب أن يرى المشهدَ ، "الوطنيُّ " / " التقدميُّ" / " الماركسيُّ" ، الذي يدعي ركونه لعلم الدياليكتيك وحركة التاريخ المعاصرة ، إنطلاقا من همّه الأساس المفروض ، المتجسد في أولوية تسييد ثقافة التقدم والمدنية في ربوع المنطقة العربية والاسلامية.. وإلا فإن من يعتقد أن العكس هو الصحيح ، لأسباب وأغراض شتى- أغلبها ضيّقة ذاتويّة- .. وأن هذا السيناريو سيكون لمصلحة الغرب "التفتيتي" فإن هذا "التقدميّ" - بتقديري- لم يدرك معنى الثورة والتقدم !.. ولم يسمع بعد بالنبأ الرهيب !