حول الهجمة الإمبريالية على سوريا


أحمد سعيد قاضي
2013 / 8 / 29 - 22:33     

يبدو أن الدول الإمبريالية قد اتخذت قراراً بضرب قلب العروبة النابض، سوريا. فالاختلاف الآن حول طبيعة وشكل الضربة وخارطة أهدافها. فقول اوباما بأن الولايات المتحدة متأكدة من استخدام النظام السوري للكيماوي-بعد تخطيط السلاح الكيماوي بالكثير من الخطوط الحمر يعني ذلك أن الحرب قادمة لا محالة. فالشتاء اقترب والظلمة اقتربت واقتربت معها الحرب على آخر ركائز النظام السياسي العربي منذرةً بحلول النظام السياسي الصهيو-عربي والذي بدأت ملامحه تظهر على أرض الواقع.
وقفت سوريا طوال التاريخ الحديث شوكةً في حلق الدول الإمبريالية وأهدافها في المنطقة العربية، وكانت على خط النار دائماً مع الكيان الصهيوني، ودعمت حركات المقاومة في المنطقة وتعد سلسلة في الحلف المقاوم للكيان الغاصب في المنطقة رغم العديد من الأخطاء التي ارتكبتها القيادة السورية في بعض المراحل التاريخية، وبغض النظر عن طبيعة النظام الدكتاتورية.
أما وقد أفشلت سوريا الكثير من المؤامرات، فقد بدأت المؤامرة الأحدث في عام 2003 عندما غزت القوات الإمبريالية الأمريكية والبريطانية دولة العراق لإسقاط النظام العراقي. كان الهدف التالي للقوات الإمبريالية هو ضرب سوريا وإسقاط الدولة السورية لإخراجها من معادلة الصراع العربي-الصهيوني الإمبريالي.
لكن جاءت النتائج على عكس توقعات القوات الغازية التي غرقت في مستنقع عميق عريض ما زالت تتكبد خسائره إلى الآن. ففي عام 2004 وفي ذروة انتصارها على العراق وشعبها جمعت الولايات المتحدة كافة الشخصيات السورية المعارضة في الخارج وطلبت منهم إثبات قدرتهم على تشكيل حكومة بديلة للحكومة السورية والقدرة على قيادة سوريا لأن الولايات المتحدة تريد إسقاط النظام السوري!
وهو ما اعترف به محي الدين اللاذقاني عضو الائتلاف الوطني السوري المعارض في برنامج الاتجاه المعاكس قبل عدة أشهر، وقال بأن المعارضة الخارجية رفضت إسقاط النظام السوري بأيدي خارجية وكأنهم وطنيين! لا أريد الولوج إلى أسباب رفض المعارضة السورية الخارجية لدك أعمدة النظام السوري حينذاك لأنه ليس موضوعنا، لكن الأكيد بأنها غير وطنية والدليل في أنها المنادي الأول للتدخل في سوريا الآن.
لكن المهم في هذا التصريح هو الاعتراف من قبل أكثر الأشخاص حقداً على النظام السوري بأن الولايات المتحدة تسعى لإسقاط النظام ليس كما يتهم البعض النظام بأنه عميل للإمبريالية.
في ظل مأزق القوات الإمبريالية في العرق اتخذت الولايات المتحدة منحاً آخر للتعامل مع سوريا ومحور المقاومة بشكل عام. فقامت باغتيال رفيق الحريري في عام 2005 وتلفيق التهمة لدمشق وحلفائه بالاغتيال بهدف إخراج الجيش السوري من لبنان وإسقاط حزب الله والرئيس اللبناني المؤيد للمقاومة إميل لحود. فخرج الجيش السوري وهذه أول خطوة في المخطط الأمريكي. ومن ثم كانت حرب تموز المتموضعة في خطط إسقاط المحور المقاوم في المنطقة.
لكن كل المحاولات باءت بالفشل فقد انتصر حزب الله في حربه مع القوات الصهيونية وعاد محور المقاومة أقوى بكثير مما كان عليه وحظي بدعم شعبي عربي واسع.
عادت خطط الضربات العسكرية في سوريا إلى أروقة المخابرات البريطانية والأمريكية في عام 2009 حيث قال وزير الخارجية الفرنسي رولان دوما قبل شهرين ونصف الشهر من الآن بأن بريطانيا كانت تحضر المسلحين لغزو سوريا قبل عامين من بدء الأحداث في سوريا عام 2011. وأن الخطط جاهزة ومصممة منذ زمن والهدف إسقاط سوريا المعادية للكيان الصهيوني كلب الحراسة للمصالح الإمبريالية في المنطقة.
إذاً عاودت الدول الإمبريالية التفكير في الضرب العسكري للدولة السورية سواء بيديها أو بأيدي عملائها في المنطقة. وقد أتاحت الانتفاضات العربية الفرصة للدول الإمبريالية والدول العميلة لها في المنطقة استغلال الحراك الثوري الشعبي في سوريا للتدخل في الشؤون الداخلية السورية وإدخال الخلايا الإرهابية لتوأد بذلك الثورة وتبدأ المواجهة بالوكالة على أرض سوريا بين الدول الإمبريالية وعلى حساب الدم السوري.
فالنظام السوري الذي يشكل بتحالفه مع إيران وحزب الله وباقي الحركات التحررية يشكل خطراً على المصالح الإمبريالية في المنطقة العربية وخاصة بعد رفض النظام السوري مرور خطوط الغاز من قطر إلى أوروبا عبر أراضيه، واكتشاف كميات كبيرة من الغاز على الساحل السوري، ولما يشكله من خطر على كلب الحراسة للإمبريالية الكيان الصهيوني، كان لا بد من إسقاطه.
بعد فشل المحاولات الغربية والإقليمية الحثيثة لتوحيد صفوف المعارضة السورية وإسقاط النظام السوري وخاصة بعد عودة القصير تحت سيطرة النظام السوري وتقدم الجيش السوري في العديد من المناطق قررت القوى الإمبريالية وضع حد لهذا التقدم بأي ثمن لأنه يمكن أن ينهي وجود العصابات الإرهابية التي تنفذ أجندة أمريكية على الأرض السورية.
فلا يمكن تمرير جنيف2 في ظل تقدم الجيش السوري وعودة سيطرته على زمام الأمور لأن ذلك يعني رضوخ الغرب للمطالب السورية. وجاءت الفرصة عندما بدأ الجيش السوري بأعظم عملية عسكرية ضد الخلايا الإرهابية في ريف دمشق وأطلق عليها اسم عملية "درع المدينة".
لقد دفعت القوى الإمبريالية الخلايا الإرهابية في سوريا إلى استخدام السلاح الكيميائي وهو ما حدث فعلاً ليتهم النظام لاحقاً باستخدام هذا السلاح ضد الشعب! وبقيت خطوة واحدة وهي التدخل الخارجي في سوريا لردع الجيش السوري عن التقدم وقهقرته وإضعافه، تحت حجة استخدام السلاح الكيميائي، لكي تفرض الدول الغربية شروطها على النظام السوري بدون أي مقاومة تذكر في أي حل سياسي قادم.
-ولو افترضنا جدلاً استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي فإن التدخل مرفوض من قبل أي دولة وخاصة دول تاريخها مليء بالحروب والغزوات على الدول والشعوب الأخرى الآمنة وصفحات تاريخها ملطخة بدماء الأبرياء، فهل ستحمي هذه القوى الشعب السوري؟!-
وربما تتطور الهجمة على سوريا إلى إسقاط النظام السوري لأن الدول الغربية تاريخها مليء بالكذب والخداع وهو ما ظهر جلياً عندما تطورت الضربة العسكرية الإمبريالية لليبيا إلى مستوى إسقاط النظام الليبي بعد أن كانت تريد أن تضرب ضربات محددة.
العرب لا يقرؤون التاريخ أو لا يستخلصون العبر منه فما زالت الجامعة العربية أو الجامعة العبرية، وهو الأصح، تسهل دخول القوات الغازية لإسقاط الجيوش والدول الأكثر خطراً على الكيان الصهيوني بدءاً بالعراق وليبيا ومن ثم سوريا. بعد ما حدث في ليبيا من قتل لعشرات الآلاف من الليبيين، وما حدث في العراق من تلفيق باستخدام السلاح الكيماوي ومن ثم تدمير شامل للعراق وفتح جرح عميق في جسده ما زال ينزف إلى الآن، لا يزال العرب يؤيدون الغزوات الإمبريالية على الشعوب العربية والأدهى من ذلك ترويج بعض قنوات الفتنة العربية بأن الحرب على الأسد وليست على سوريا!!!
وكأن الجيوش الإمبريالية تريد توفير الحرية والأمن والأمان للشعوب العربية!!
لكني لا أستغرب موقف الجامعة العبرية وخاصة أنها تخضع الآن للأنظمة الخليجية الصهيونية وعلى رأسها السعودية وقطر اللتان تنفذان الأجندة الأمريكية في المنطقة العربية.
والجدير بالذكر أن السعودية لها الدور الكبير في تغيير موقف الغرب باتجاه الأزمة السورية ودفع الدول الإمبريالية للتدخل في سوريا وهو ما أثبته بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات العامة السعودية والمعين في منصبه بتوصية أمريكية، حينما قال بأن القادم هو الحرب بعد رفض الرئيس بوتين التخلي عن النظام السوري بعد تقديم بندر الكثير من الإغراءات لروسيا في زيارته الأخيرة لموسكو.
فالسعودية تستطيع التأثير في القرار الأمريكي لأن الولايات المتحدة تعتمد على أموالها ونفطها كثيراً في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة. لذلك دفعت المملكة السعودية ذات النظام المتعاون مع الصهيونية والإمبريالية بكل قوتها للتدخل في سوريا وضربها بتخطيط هجومي يتم على أرض نظام آخر عميل للصهيونية والإمبريالية وهو النظام الأردني.
إذا سقطت سوريا فإن ما تبقى من النظام العربي قد سقط تماماً وقد ينظم الكيان الصهيوني إلى الجامعة العربية في أقرب وقت ممكن بعد إنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها تماماً.
على أية حال فإن الضربة من الواضح لن تكون خلال الأيام القريبة القادمة فهناك قلق غربي من تبعات الهجوم على سوريا وهناك المعوقات الداخلية في هذه الدول والإجراءات القانونية للتدخل في سوريا فالهجمة على سوريا خطيرة جداً ولها تبعاتها وليست بهذه السهولة لأنها من الممكن أن تشعل حرب إقليمية واسعة المدى قد تمتد نيرانها إلى أوروبا، وسبب آخر وهو عدم انتهاء التحقيق الدولي لما حدث فعلياً في سوريا وهو ما سيؤخر الضربة وبالتالي يمكن وربما أن تتغير الظروف إذا ما استثمرت موسكو هذه المدة الزمنية جيداً وصلّبت موقفها أكثر فأكثر وعليه التخلي عن فكرة الضربة العسكرية لسوريا وهذا ما نتمناه رغم صعوبة حدوث مثل هذه المقاربة، والأيام القليلة القادمة كفيلة بكشف حقيقة الضربة ضد سوريا.
ونهايةً، أرجح أن تكون الضربة قصيرة جداً-إذا ما حدثت- ومحدودة جداً لدرجة لا تجبر سوريا على الرد في محاولة لحفظ ماء الوجه الأمريكي الذي دائماً يهدد ويتوعد في حال استخدام السلاح الكيماوي، أي كما حدث عندما ضرب الكيان الصهيوني لبعض مواقع الجيش السوري. فتحالفات دمشق مع إيران وحزب الله، ومكانتها بالنسبة لروسيا، وقوة جيشها وتماسكه، وخوف الولايات المتحدة من الفشل الذريع كما حدث في أفغانستان والعراق، وكون سوريا على حدود الكيان الصهيوني، والأزمة المالية الأمريكية، والرفض الشعبي الأمريكي للضربة يمكن أن يمنع أو يحد كثيراً من قوة الضربة لسوريا.