المسار الثوري في مصر 3: المجلس العسكري، رأس الحربة في الثورة المضادة


أحمد سعيد قاضي
2013 / 8 / 22 - 19:48     

تحصل مصر على أكثر من 1.6 مليار دولار كمساعدة سنوية يتسلمها الجيش المصري وتصرف معظمها على أفراد الجيش المصري وضباطه وقادته وأسلحتهم وتدريباتهم. حيث كوّنت هذه المساعدات الأمريكية المقرّة بعد اتفاقية كامب ديفيد جنرالات بزنس وتشكل المساعدات لهؤلاء الجنرالات عصب الحياة الذي من الصعب التخلي عنه بالنسبة لهم.
وعليه فإن جنرالات الجيش المصري أولاً، ارتهنوا وخضعوا للولايات المتحدة بسبب تقديمها للمساعدات التي تبقيهم في المقدمة حيث أنه رغم إدعائهم بأن الأمن المصري خط أحمر لا يمكن تجاوزه يسمحون للجيش الصهيوني بأن يسرح ويمرح في سيناء وأن تقع سيناء خارج سيادة الدولة المصرية بحيث أن الجيش عند دخوله إلى بعض المناطق يحتاج إلى تنسيق وبعض المناطق يمنع دخولها منعاً باتاً!
فأي سيادة وأي أمن قومي يتحدث عنه الجيش في ظل غياب سيادة مصر عن سيناء؟! كل هذا وأكثر بسبب أن جنرالات البنزنس يخشون إزعاج الولايات المتحدة إذا ما حاولوا استرجاع السيادة المصرية على سيناء. فيقوم الجيش بقتل كل من تسول له يده على المساس بالأمن المصري القومي إلا الكيان الصهيوني فيمنع منعاً باتاً حتى انتهاج نهجاً مسالماً في استرجاع السيادة المصرية على سيناء من قبضته.
من الواضح إذاً أن أحد أهم أسباب الاختراق في سيناء وتهديدها للأمن القومي المصري هو بسبب غياب سيادة مصر عليها وهو ما يوجب إلغاء أو على الأقل تعديل اتفاقية كامب ديفيد المهينة، فالحملات العسكرية التي يقوم بها الجيش المصري بالتنسيق مع الجيش الصهيوني لن تقتلع جذور الإرهاب الذي صنعه الكيان الصهيوني ويحافظ عليه في سيناء. وهذا ما يعرفه جيداً مدعو الوطنية في الجيش المصري وحامي "الأمن القومي المصري".
المشكلة تكمن أولاً إذاً في أن قرار الجيش المصري الذي يدعي الوطنية يخضع لقوى خارجية أهمها الولايات المتحدة وهو ما يمنعها من إلغاء أو تعديل أو محاولة فرض السيادة على سيناء. وثانياً، في أن رجال الأعمال المصريين الكبار وبالمشاركة مع جنرالات الجيش بالإضافة لبعض الأشخاص من القوى الأخرى كحسن مالك وخيرت الشاطر(وهذا سوف أفصله خلال السلسلة) يشكلون الجزء الهام من الطبقة البرجوازية المصرية التي تعني بالضرورة ارتباط مصالحها بالنظام الرأسمالي العالمي وبالتالي خضوعها للقوى الإمبريالية التي تحدد قراراتهم. وسياسات النيوليبرالية أكبر دليل على ذلك.

أما بالانتقال إلى ثورة 25 يناير، فبعد تنحي مبارك عن الحكم واستلام المجلس العسكري بقيادة المشير حسين طنطاوي الحكم في 11 فبراير فقد حافظ على حكومة أحمد شفيق الذي يعد من أبرز وجوه النظام السابق لحين تشكيل حكومة جديدة. إلا أن الشعب المصري وقواه الثورية حددت موعداً لمليونية تهدف إلى إسقاط حكومة الفلول وهو ما دفع أحمد شفيق إلى تقديم استقالته قبل موعد المليونية المحدد بيوم واحد أي في 3 مارس.
وكلف المجلس العسكري عصام شرف بتشكيل حكومة جديدة والتي حدثت تحت حكمها عدة مجازر أهمها ما حدث في أحداث ماسبيرو وأحداث شارع محمد محمود ومجزرة مجلس الوزراء بتواطؤ من الحكومة وبأيدي المجلس العسكري وقوى الأمن المصرية.
قام المجلس العسكري وقوى الأمن بقتل الثوار المتظاهرين بدون أية رأفة أو رحمة فنادى الثوار بسقوط حكم المجلس العسكري وحكومته برئاسة عصام شرف.
ثم كلف المجلس العسكري أحد فلول النظام السابق وهو كمال الجنزوري في تولي الحكومة وهو ما قوبل بالرفض من القوى الثورية المصرية لكن حكومة الجنزوري استمرت. ووقعت مجزرة إستاد بورسعيد في ظل وجود هذه الحكومة، وتم السماح بالسفر للأجانب المتهمين بقضية التمويل الأجنبي.
ما يمكن تعلمه من الأحداث هو أن المجلس العسكري لا يضيع مساحة صغيرة للعب فيها بإعادته لرموز النظام السابق للحكم كأحمد شفيق والجنزوري. ولا يضيع أي فرصة لتخوين الثوار وقتلهم وارتكاب المجازر بحقهم تحت حجج وذرائع واهية.
لكن الدافع الرئيسي دوماً هو أن الاحتجاجات تضر باستثمارات ومشاريع جنرالات البزنس ورجال الأعمال الكبار والفلول الذين يخشون أيضاً من الثورة التي ستسلبهم امتيازاتهم وتحاسبهم على نهبهم لثروات مصر، لذلك يقتنص جنرالات العسكر أي فرصة لضرب أي تهديد لمصالحهم ولو بحجج حرصهم على الثورة.
وهذا ما قام به المجلس العسكري بقيادة السيسي عندما استغلوا الغضب والحنق الشعبي على حكم الإخوان المسلمين وسوء إدارتهم وخيانتهم للثورة وأطاحوا بمرسي تحت ذريعة حرصهم على تحقيق الإرادة الشعبية.
الإطاحة بمرسي وحكم الإخوان الخائن كان خطوة جيدة للقوى الثورة وقفزة للأمام في المسار الثوري، ولكن الدافع الحقيقي لتدخل العسكر بعد أن كان على اتفاق مع الإخوان المسلمين على تقسيم السلطة والنفوذ بينهما وبعد طول دفاع الإخوان المسلمين عن العسكر هو أن مليارات السعودية والإمارات التي ألهبت قلوب جنرالات البزنس الذين لا يفقهون معنى الثورة أو قيمة الشعب أو محتوى الكرامة.
أطاح العسكر بحكم الإخوان وقاموا بارتكاب أكبر المجازر بحق شباب الإخوان المعتصمين في ميدان رابعة العدوية. طبعاً اعتصام الأخوان المسلمين يهدد مرة أخرى بزنس جنرالات ورجال الأعمال، وبالدعم المادي والمعنوي السعودي والإماراتي، وبدعم قطاع واسع من الشعب للجيش قام العسكر بارتكاب هذه الجرائم.
نحن لسنا مع مطالب الإخوان المسلمين في إرجاع خونة الثورة للحكم مرة أخرى لكن يجب الدفاع بقوة عن حق أي شخص في إبداء رأيه والاعتصام السلمي. فليس هنالك أي مبرر لهذا الإرهاب الدموي بحق جزء من الشعب المصري بغض النظر عن ما مطالبهم.
ولم يقتصر حكم العسكر المضاد للثورة على ارتكاب الجرائم بحق شباب الإخوان المعتصمين بل قاموا بفض اعتصام عمال مصنع السويس للصلب مثلاً، واعتقال اثنين منهم وهو ما يدل على أن المجلس العسكري رأس الحربة في الثورة المضادة كما هي الحال لأي جيش في العالم والتي صنعت خصيصاً لحماية الطبقة البرجوازية وضمان استمرارية استثمارها للقوى العاملة بأمن وأمان.
والآن وفي ظل حكم المجلس العسكري نرى قرار البراءة عن الدكتاتور الفاسد حسني مبارك ونجليه علاء وجمال مبارك في استخفاف واضح بالشعب المصري وقواه الثورية المتفتتة والمتصارعة. وهذه الخطوة تشكل ضربة قاسية للقوى الثورية المصرية والثوار المصريين الذين وثقوا بالمجلس العسكري ونادوا ببقائه في الحكم.
وفي ظل انقسام القوى الثورية في صراع مع القوى الخائنة للثورة يسير المجلس العسكري في ثورته المضادة وإعادة تشكيل النظام البائد وهو ما تأكد ببدء عملية إرجاع الكثير من رموز النظام السابق إلى الوظائف الحكومية مثل إعادة النائب العام عبد المجيد محمود وهو الذي أصدر قراراً بخروج الدكتاتور مبارك، وسمح بسفر الأجانب المتهمين بقضية التمويل الأجنبي من قبل.
فتحت أي حجة ارتكب العسكر الجرائم المتوالية بحق الجماهير الشعبية المصرية؟ وبأي مبرر يخرج الدكتاتور الفاسد العميل مبارك من السجن بحكم براءة في ظل حكم العسكر؟ وبأي حجة تستمر خيانة العسكر وتوطئها مع الكيان الصهيوني من ناحية استخباراتية وعملية، ما هو لسان حال عبد الناصر في حال عودته للحياة؟! وبأي مبرر يقع أكثر من 40% من سكان مصر تحت خط الفقر والجنرالات يصرفون المليارات على العسكر وعلى جيوبهم؟
إذا نجحت ثورة 25 يناير فإن ذلك يعني نهاية حكم العسكر، وقطع حبل المال الذي لا ينقطع عن جيوبهم، وتقليص ميزانيتهم، وتقليص سلطاتهم، والأهم من ذلك غرس قيم الوطنية في قلوبهم وجباههم! وهو ما يخشاه النهابون المجرمون من جنرالات البزنس.