لحظات مصيرية في تاريخ الثورة المصرية


جمال احمد
2013 / 8 / 21 - 23:39     

ان الثورة المصرية مستمرة وتعيش الان لحظات حرجة ومصيرية بعد الإطاحة بسلطة الإخوان وفض الاعتصامات . ان نتائج كل ثورة تتكون من محصلة الصراع بين أطرافها او أقطابها. فكلما اظهر التاريخ استقطاباتها الطبيعية ، حاولت الثورة المضادة تبديلها باستقطابات أخرى لصد الثورة وتقدمها. لقد مرت الثورة المصرية لحد ألان بأربع مراحل اصطفافية:
المرحلة الأولى ثار الشعب (العمال والكادحين) على السلطة القائمة (الرأسماليين،الذين أوصلوا المجتمع إلى أوضاع لن يتمكن من حمايته بشرطة وجيش) ونجحت في إزاحة السلطة مؤقتاً.
المرحلة الثانية بدلت الاصطفاف إلى قطبي مرسي وشفيق رمزي الإخوان المسلمين والسلطة القديمة وأزيحت السلطة القديمة مؤقتا أيضا.
المرحلة الثالثة اصطفاف للشعب ضد سلطة الإخوان وانتهت بإزاحة الإخوان،
اما المرحلة الرابعة فهي اصطفاف الحالي بين السلطة القديمة بوجوه جديدة قديمة وبين القوى الإسلامية بقيادة الإخوان المسلمين ، او الانقلاب ام الثورة الشعبية ، شرعية الصناديق ام شرعية الشارع ، ولربما تنتهي بإبعاد الإخوان وتحجيم دورهم في المجتمع .
ان بقاء الثورة وحيويتها واستمرارها مرهون بإبراز القطب الشعبي أمام السلطة القائمة التي لم تلبي أية من مطالب ثورة 25 يناير من مكافحة الفقر وايجاد فرص العمل (البطالة العريضة) ومواجهة غلاء المعيشة وأزمة السكن وانتشار الفساد وغياب الحريات السياسية وحالة الطوارئ ووحشية البوليس . ان تقسيم المجتمع بين جناحي الثورة المضادة كما في زمن شفيق ومرسي او الان بين الجيش والإخوان والتسليم بهذا الطرفين والدفاع عنهم ، يعني انتهاء الثورة وانتصار الثور المضادة .
ان الصمت تجاه مطالب الثورة وفقط فضح السلطة القديمة في زمن حكم الإخوان أوفضح الإخوان في حكم الجيش يعني الدفاع الغير المباشر عن إحدى أشكال الثورة المضادة ومقارنتهما ، ويعني في نفس الوقت غياب الثورة .
ان الانقسام الحالي للمجتمع المصري بين طرفي الثورة المضادة تظهر جلياً خلال إعلامهم المتعارض بجميع إشكاله ، ولكن الغريب والعجيب هو ان الأكثرية من أقلام الثورة من الشيوعيين واليساريين والثوريين قد أصبحوا أبواق طرف الجيش والنظام القديم مرعوباً من الاخوان المسلمين تحت شعارات براقة وتبريرات في قمة الانتهازية ، وهناك أقلية تدافع بطريقة غير مباشرة عن الإخوان تحت تبريرات الدفاع عن الشرعية والمبادئ الديمقراطية والحريات العامة .
الكل يعلم بتاريخ الدموي للإخوان المسلمين عالمياً ومصرياً وبدوهم الرجعي الكابح لكل تقدم وإصلاحات واستقلالية والوقوف ضد كل تطلعات الشعب الثورية، لذا فعلى كل حركة ثورية ان تمنع نشاط هذه الحركة وتدخلهم في الحياة العامة وتمنع كافة نشاطاتهم وإعلامهم ، وان اول خطوة ثورية لإفساح الطريق امام الثورة هي كنسهم من الحياة العامة وليس انتخابهم او الحوار والتفاهم معهم . لكي تزدهر الحريات يجب ان تقييد جميع الحركات المضادة للحريات ، والحركات الدينية أحداهم . لكن الدفاع عن سلطة الجيش الحالي تحت هذه المسميات لهو خداع مكشوف للجميع ، لان في البدايةً ، السيسي اخذ المباركة من الأزهر والبابا وحركة السلفيين وكذلك قَبَل بمشاركة الإخوان في خارطة الطريق ، هذه القوة لاتقف في تضاد مع الحركات الدينية وتتحالف معها بوجه الشعب اذا ما ظهر اية تهديد لأسس النظام (كما كانت في طول تاريخ مصر) ، لكن صراعهم اليوم هو على تقسيم السلطة وكسب اكبر حصة منها.
ان الذين يحاولون اقحام امريكا واسرائيل في اية مشكلة داخلية هو هروب من تحليل الواقع واخفاء الحقائق . بالنسبة لامريكا واسرائيل ، لايهمهم اي جهة اوحركة تضمن مصالحهم المهم ضمانة مصالحهم ، فبالنسبة للإخوان او السلفيين فانهم مضمونون من المصدر القطري والسعودي اما بالنسبة لقيادات الجيش المصري فانهم موظفون متعينين على قمة جيش المصر بموافقة أمريكية وبالتالي تكون إسرائيلية أيضا . وان تضخيم دور أمريكا واسرائيل هو لإخفاء الصراعات الأصلية المحلية وتمييع وضياع الثورة ومطالبيها ومستحقاتها .
بدأت الآن صيحات رجال الماضي وأصحاب المصالح العليا بالنحيب على الانفلات الأمني وابراز عمليات سيناء ، وكأنما الثورة اندلعت حباً بتأمين الأمن . يطلبون من الشعب الثائر التخلي عن كل مطالب الثورة مقابل تأمين الوضع الأمني !!! فلذا ترى كما هائلا من مقالات عن فضائع الإخوان وجرائمهم وتضخيم الانفلات الأمني والسكوت عن المطالب العادلة للثورة من تامين العمل والسكن والحياة المرفهة الكريمة والرقابة على المتلاعبين بمقدرات المجتمع .
بنظرة شاملة للثورة المصرية الحديثة ؛ انطلقت الثورة بجماهير شعبية من العمال بشاغلهم وعاطلهم وبشيابهم وشبابهم والكادحين الفقراء وانضمت إليهم فئات أخرى من المطالبين بالحريات ومن المعاديين للنظام الفاسد ، والمطالب كانت واضحة من توفير فرص العمل والسكن وتحسين أوضاع المعيشية وإطلاق الحريات ومحاكمة الفساد المستشري وتحجيم سطوة البوليس ، طبعاً كل ذلك يشترط إسقاط نظام مبارك القائم والإتيان بنظام كي يستطيع تلبية تلك المطالب . لكن اليوم وفي مسار الثورة وتضخيم مهامه وتعقيد أموره ، يجب ان لا ينسى ذلك الاساس للثورة والضياع في التفاصيل والجزئيات . ان الثورة المضادة لن تتحرك فقط لاخذ السلطة وانما تتحرك على أصعدة متعددة ومنها جلب وخلق مطالب واهية وثانوية كي يبعد المطالب الأساسية .
ان الثوريين لا يعرّفون بدرجة التزامهم بالمدنية المعاصرة ومحاربة الحركات الدينية الرجعية ، ولا بتشبثهم بالديمقراطية والشرعية ومحاربة الانقلاب على الشرعية ؛ بل بتعلقهم بارادة الجماهير الثورية الراغبة في تثوير الوضع القائم والوقوف في طليعتهم لتحقيق مطالبهم. هناك جماهير غفيرة ضحت بالكثير كي تغيير واقعهم ، تغيير شكل الحكم وأوضاع المجتمع ومسكنهم وماكلهم وشروط عملهم ، إنهم يريدون تغيراً ملموساً وليس وعوداً مبهمة ومن الصعب خداعهم .