المسار الثوري في مصر 1:تحديد مفاهيم ومرجعيات


أحمد سعيد قاضي
2013 / 8 / 21 - 21:33     

تقف مصر الآن على حافة الهاوية في صراع سياسي-اقتصادي ويتحول شيئاً فشيئاً إلى صراعٍ عسكري بين الجيش المصري، الذي ارتكب المجازر بحق المعتصمين من الإخوان المسلمين، ومن يدعمه من جبهة الإنقاذ وقطاع عريض من الشعب المصري من جهة، وبعض ممن حمل السلاح من الإخوان المسلمين وحلفائهم من الجماعات الإسلامية الجهادية في سيناء، والتي بدأت بمهاجمة مراكز الشرطة والجيش المؤسسات الحكومية المصرية بلا هوادة بعد عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، في الجهة المقابلة.
وفي ظل تصاعد الأحداث التي اتسمت في الفترة الأخيرة بإراقة الدماء المصري وتعقدها، وبسبب أهمية مصر ومفصليتها في العالم العربي يجب علينا تأطير الأزمة المصرية وتوصيف ما يحدث ووضع المعايير والمنطلقات التي نستطيع الانطلاق منها في وصف الأزمة الثورية في مصر.
علينا في أي عملية تحليل لما يحدث في مصر أن نأخذ بعين الاعتبار المقدسات أو المحرمات الممنوع المساس بها تحت أي حجة من الحجج والتي تعتبر أيضاً نصل السيف الذي ينقسم عليه الخائن المضاد للثورة والمخلص لها.
أولاً المسار الثوري والمطالب الثورية التي لا يجب النزول عن تحقيقها تحت أي ظرف من الظروف والمتمثلة في شعار الثورة "عيش، حرية، عدالة اجتماعية". ثانياً، حماية سلامة الأمن القومي المصري ضد العدو الخارجي الذي يسرح ويمرح على الأراضي المصرية في سيناء وهذا العدو هو الكيان الصهيوني قبل العدو الداخلي الذي يعتدي على المدنيين والكنائس والأقليات والجيش والشرطة، وتخليص مصر من الهيمنة الإمبريالية. ثالثاً، الاستمرار في مواجهة الثورة المضادة.
هذه المنظومة الثلاثية يجب النظر منها إلى أي صراع واصطدام يومي يحدث في مصر في محاولة لوضع الأمور في مكانها الصحيح والانطلاق من إستراتيجية صحيحة تقوم على تحليل واقعي مادي يشكل الأرضية الصلبة للمواقف والتحركات الشعبية الثورية. فهذه الثلاثية يمكن اعتبارها حد الميزان الذي به نقيس التحركات في مصر من جميع الأطراف.
مهمة تحليل الصراع في مصر وتفكيك العناصر المركبة التي تجعل المشهد السياسي المصري مربك، ومضطرب، ومشوش، وغير واضح للعيان ليست بالسهولة التي يعتقدها البعض لسبب رئيسي وهو تعدد الصراعات داخل مصر وتداخل الصراع الثوري مع الثورة المضادة مع الصراع الطبقي بين الطبقة الكادحة والطبقة البرجوازية، والصراع داخل الطبقة البرجوازية نفسها، وصراع عناصر الطبقة الكادحة مع بعضها البعض.
لقد وصل الإخوان المسلمين إلى الحكم وبحكم طبيعة القيادات البرجوازية ورؤيتها الرجعية فقد تحالفت مع جنرالات العسكر على تقسيم نفوذ السلطة والامتيازات في اتفاق أولي لم يمح حالة الشك بين الطرفين. وعند هذه النقطة بالذات أود الوقوف.
يجب هنا إثبات هذا الإدعاء الذي يقول بخيانة الإخوان المسلمين للثورة وتحالفهم مع جنرالات الثورة المضادة(إدعاء آخر بان قيادة المجلس العسكري تقود الثورة المضادة يجب إثباته).
فلا مجال للانطلاق في سبر غور الصراع المصري الحقيقي وكشف خفاياه إلا بالاتفاق على أرضية ننطلق منها وهي كشف أهم ملامح خيانة الثورة المصرية من قبل الإخوان المسلمين ومعاداتهم للثورة فعلياً. ومن ثم إيضاح الدور الحقيقي للمجلس العسكري الذي يشكل رأس الحربة في الثورة المضادة.
وجدير بالذكر أن جبهة الإنقاذ المعارضة تحالفت أيضاً مع الطرف الآخر من الفلول في سبيل الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين. وسنتعرض في المقالات القادمة لموقف وسلوك جبهة الإنقاذ-التي نادى قياداتها يوماً بسقوط حكم العسكر- التي تذيلت لاحقاً إلى المجلس العسكري.
وبعد الاتفاق على هذه الأرضية نستطيع الاستمرار في عرض وتوضيح وتفكيك شباك الصراع في مصر لكي نعرف ما هو المسار الذي تسير فيه الثورة المصرية، ومن هو العدو ومن هو الصديق ومن هو المؤهل لقيادة الثورة بعيداً عن التعصب والمشاعر والأحكام المسبقة.
تكمن أهمية تشخيص الصراع المصري-المصري والاحتراب الداخلي بين القوى السياسية في مصر ومؤسسات الدولة في أن هذا الصراع يضع مصر الثورة على المحك بحيث أنها إما أن تنجح لتتبوأ مركز القيادة بالنسبة لباقي الانتفاضات العربية في سيرها إلى بر الأمان. وأما السيناريو الثاني فهو فشل الحراك الشعبي ونجاح الثورة المضادة التي ستساهم في احتواء باقي الانتفاضات العربية إذا ما حدثت، وبالتالي فشل المخططات الثورية والعودة إلى المربع الأول القائم على الاضطهاد والكبت والنهب والسرقة لمقدرات الشعوب.
ولن يقتصر تأثير نجاح الانتفاضة في مصر على دول الانتفاضات العربية فقط، بل تتخطاها إلى دور الدفع والمد الثوري إلى الأنظمة الاستبدادية المتعفنة الملكية العميلة للإمبريالية وهو ما تخشاه كثيراً هذه الدول وتسعى جاهدة إلى احتواء الحراك الشبابي وإفشاله في دول الانتفاضات بطرق عدة.
ويبدو واضحاً أن دول العالم عامة، ودول العالم العربي خاصة، والقوى السياسية في هذه الدول أيضاً انقسمت انقساماً حاداً بشأن ما تشهده مصر من أحداث متوالية تبعاً لمصالحها المختلفة وأجندتها وأيديولوجياتها المتباينة في دليل قاطع على أهمية مصر وثقلها السياسي والإستراتيجي الكبير على المنطقة برمتها.
ولكن كل الأطراف الداخلية المصرية، والإقليمية، والدولية تنطلق من منطلق مصالحها الخاصة ولا تنظر إلى تحقيق أهداف الشعب المصري العظيم وثورته. لذلك دعمت كافة الأقطاب إحدى الطرفيين المصريين المتصارعين في صراع يغطي الساحة المصرية ويخفي باقي الصراعات.
وبقيت فتات محلية وإقليمية ودولية تنظر إلى الصراع في مصر من منظور ثوري وليس مصلحي وهم من نعقد عليهم الآمال بسبب فهمهم للواقع المصري وطبيعة المراحل الثورية.
في ماهية الثورة:
وفي هذا التمهيد وجب توضيح عدة نقاط قد تساعدنا في فهم الثورات وطبيعتها. ومن أهمها أن ما حدث في العالم العربي هو مجرد انتفاضات شعبية، وحراك اجتماعي لا يصح تسميته بالثورة. فالثورة تعني التغيير الجذري في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقيم والمفاهيم والسلوك الفردي والاجتماعي.
يمكن استثمار هذا الحراك الشعبي لكي يتحول إلى ثورة في ظل وجود شعب واعي وقيادات منظمة قادرة على التأثير على الشعب ومخلصة للثورة. فإذا حدث التغيير العميق-وهو يحتاج إلى وقت طويل- فإن الانتفاضة تسمى ثورة.
وأما التغييرات السياسية التي تحدث فهي مجرد عمليات تجميل سياسية وتجديد ديكور في البيت السياسي للدولة والتي لا ترقى لأن تكون ثورة وهي من أسهل ما يكون-لكنها تكون مؤشراً على مدى جدية الحزب الحاكم في اتخاذه للثورة هدفاً. لذلك يجب عدم الخلط بين التغييرات السياسية والحراك الجماهيري والثورة.
ويجب التأكيد على أن توجهات الأحزاب والقوى السياسية المختلفة بما فيها أجهزة الدولة سواء أكانت خائنة أم مخلصة للثورة تظهر للعيان من تصرفات هذه القوى والمواقف التي تتبناها والإجراءات التي تتخذها خلال المسار الثوري والاعتصامات المستمرة.
بهذا المدخل البسيط الذي لا يجيب على الأسئلة المطروحة بل يطرح المزيد من الأسئلة عن مصير الثورة المصرية وجب البدء. فبعض الأدوات والمقاربات التي طرحناها هي مجرد تمهيد لتفكيك المشهد المصري الذي سوف يأخذ بالاتضاح والتبلور في كل مقالة بعد الأخرى من هذه السلسلة لتنضج الفكرة الشاملة لدى القراء في نهاية هذه السلسلة القصيرة الموجزة.