الاقتصاد والماركسية .. 5


فواز فرحان
2013 / 8 / 21 - 16:53     

في مجموع المقولات الاقتصادية التاريخية يجد النظام الاقتصادي للمجتمع المدروس تعبيره المجرّد ، ويتوصّل الاقتصاد السياسي حسب درجات المفاهيم المنطقية الى تحديد ما هو ثابت وجوهري وباقٍ بقوة في العلاقات الاقتصادية المتحرّكة ، والذي بدونه لا توجد هذهِ العلاقات ، ولا يمكن أن توجد ، وبالتالي ما يُميّز هذه العلاقات المعيّنة من حيث مجموعها ووحدتها في العملية الاقتصادية ..
هذا يعني أيضاً ان الاقتصاد السياسي يتوصّل الى توضيح وإبراز تلك العلاقات والصلات السببية الأساسية المتبادلة التي تكشف اتجاه وطابع تطور هذه العلاقات الانتاجية ، وبتعبير آخر أن الاقتصاد السياسي يقوم بتوضيح القوانين الاقتصادية الخاصة بكل إسلوب إنتاج وتوزيع للخيرات سواء أكان رأسمالياً أم إشتراكياً ، أي قوانين تطور الانتاج في الاسلوبين ..
ان توضيح قوانين التطوّر الاقتصادي للمجتمع هو بالذات مهمة علم الاقتصاد السياسي ، وقد اشار إنجلز في تعريفهِ لجوهر هذا العلم بالقول ..
(( هو علم القوانين المسيّرة للإنتاج وتبادل الخيرات المادية في المجتمع الانساني )) ..
انجلز .. ضد دوهرينغ .. ص 137
ان القوانين الاقتصادية هي قوانين العلاقات الانتاجية ، وفي هذا يستقر تمايز القوانين قبل كل شئ ، تمايز القوانين الاقتصادية عن قوانين الطبيعة ، فقوانين الطبيعة تعمل بمعزل عن الانسان ، أما القوانين الاقتصادية فلا يمكن لها أن تعمل بمعزل عنهُ ، ان قضية طابع القوانين الاقتصادية هي قضية الاقتصاد السياسي الأساسية ، ومصير الاقتصاد السياسي كعلم ، إنما يتوقف من حيث الجوهر على حل هذه القضية ..
وسأتوقف عند مثالين مختلفين لتوضيح أهمية طابع العلاقات الاقتصادية هذه ..
المثال الأول ..
ينفي الاقتصاديون المدافعون عن النظام الرأسمالي وبعض الشيوعيون من الذين لا يدركون مفعول القوانين الاقتصادية موضوعية القوانين الاقتصادية ، تارة على إعتبار انها تجري خارج اطار التاريخ ، وتارة من خلال إعادة محتواها الى العفوية ..
كيف ؟
يستعمل هؤلاء الاقتصاديون كلمة موضوعي ( قوانين موضوعية ) في تحليلاتهم ، لكنهم يردّون ذلك كما ذكرت الى العفوية ، الى طبيعة الانسان ، الى علم النفس ، وهم في نهاية الأمر يردون القوانين هذهِ الى نطاق الوعي والارادة ..
ولو سلطنا الضوء على المحاور الرئيسية لطروحاتهم حول طبيعة القوانين الاقتصادية سنرى انهم يركزون على المحاور التالية ..
ــ يعتبرون القوانين الاقتصادية قوانين نفسية .
ــ يعتبرون قانون فائض القيمة نتيجة لتطور الوعي البشري وليس نتيجة لدراسة تجريبية على القوانين الاقتصادية ..
ــ الحياة الاقتصادية لا تخضع لقانون السببية ، بل لقانون الغاية المحدودة بظاهرة الارادة الانسانية ، أي تلك الأهداف التي ينتجها الانسان ويضعها نصب اعينهُ ، مستعيناً بملكاته الفطرية ..

المثال الثاني ..
بعض الاقتصاديون السوفيت ، حاولوا في المجتمع الاشتراكي ذاته ، عندما كانت فعالية الناس الاقتصادية الواعية متناسقة تكتسب طابع الشرط الالزامي ، حاولوا النظر الى القوانين الاقتصادية من حيث الجوهر ، كقوانين تضعها وتوجدها عن وعي إرادة الناس ، وإرادة الدولة الاشتراكية ..
هذا الفهم لقوانين الاقتصاد القائم على المذهب الارادي ، إنما يعني فصل إدارة فعالية المجتمع الاشتراكي الاقتصادية عن تلك العمليات الموضوعية الواقعية التي تحدث عنها ماركس والتي يجب ان تلازم الاشتراكية ، وبدون أخذ هذه العمليات بعين الاعتبار لن يكون بالامكان إقامة إدارة اقتصادية متينة في نطاق المجتمع بأسرهِ ، وتظهر هنا إمكانية المغامرة الاقتصادية ، وبالتالي تزعزع شديد للإقتصاد الوطني كلهُ وربما انهياره ، وهذا ما رأيناه في إقتصاد الدولة السوفيتية ..
ولنتوقف قليلاً عند تقييمات الاقتصاديون المدافعون عن الرأسمالية والتي تتعلق بطابع القوانين الاقتصادية في الدولة السوفيتية بشكل خاص والاشتراكية بشكل عام وتتلخص في ..
ان موضوعية القوانين الاقتصادية قائمة في عفويتها ، ويؤكدون على ضرورة تجنب الحد من عفوية القوانين الاقتصادية ومنها عفوية عمل قانون القيمة في المجتمع الاشتراكي ، وفي رأيهم أن القوانين الاقتصادية الاشتراكية ليست بالقوانين لعدم عملها عفوياً ، كما أنها عبارة عن تعميمات سياسية فوقية لا تخدم أحداً ، وليس لها طابع اقتصادي ..
ويستبدل هؤلاء الاقتصاديون قضية طابع القوانين الاقتصادية بقضية ظهورها أو عملها ، والواقع أن القوانين الاقتصادية تعمل عفوياً في بعض الظروف ، وتعمل لا عفوياً في ظروف اخرى ، أي من خلال النشاط الاقتصادي الواعي المنظم على نطاق المجتمع بأسرهِ ، أي نشاط الناس المدركين لضرورة عملهم الموضوعية ..
أي أن طابع القوانين الاقتصادية يتحدد بالأمر التالي فقط .. هل هي مرتبطة بوعي الناس وارادتهم ؟ أم غير مرتبطة ؟
ومن خلال طرحنا للأمر بهذا الشكل يبرز لنا سؤالاً حاسما ..
بماذا تتحدد هذه القوانين ، إذا كانت القوانين الاقتصادية لا تتعلق بوعي الناس وارادتهم ؟
يدعي الاقتصاديون البرجوازيون المدافعون عن النظام الرأسمالي أن القوانين الاقتصادية مرتبطة بالعوامل الطبيعية ( الفيضانات ، والبراكين والارهاب والحروب الأهلية وغيرها ) وبالقوى الخارقة ايضاً كموروث وصلها عن المجتمع الاقطاعي وبقي عالقاً بهذا النظام ، أما الاقتصاد السياسي الماركسي فيذهب بقوة الى أن القوانين الاقتصادية مرتبطة بقوة بوعي الناس وارادتهم كما هو عليه الحال في القوانين العلمية الموضوعية التي لا تتعلق بإرادة الناس ووعيهم ..
وحين تسود الملكية الاشتراكية ( الانتقالية ) الجماعية لوسائل الانتاج ، يسود التعاون الرفاقي والمساعدة المتبادلة بين الناس الذين تحرروا من الاستغلال ، هناك حيث يعود مجموع الانتاج الاجتماعي الى أعضاء المجتمع جميعاً ، لا يمكن ان يقوم نظام لانتاج وتوزيع الحاجات الضرورية لحياة الناس غير نظام جماعي ، وبدون هذا النظام لا يمكن قيام العلاقات الانتاجية الاشتراكية وتطورها ..
كما لا يمكن تأمين التجنيد الضروري لقوى المجتمع ووسائلهِ جميعاً لطاقات الناس البناءة كلها في سبيل تطوير الانتاج الاجتماعي الضخم المعقد الحديث ، تطويراً مستمراً في صالح أعضاء المجتمع دون هذه الملكية ، يجب أن نعلم أن هذا الانتاج سيكون مزوداً بالتقنية الحديثة ، وقائم على الاستخدام التقني الحديث للفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وغيرها من العلوم ، أي أن الناس عندما يعون ضرورة الانتاج الجماعي الطبيعية لهم آنذاك سينفذون عن وعي وطواعية هذا الهدف ، متغلبين على ما يعترض طريقهم من مختلف أنواع الصدف ..
ولو توقفنا قليلاً عند تطبيق فكرة الادارة الجماعية لوسائل الانتاج وتحريرها من الاستغلال ، لا بُدّ ان نوضح للقارئ أن الرأسمالية في القرن الماضي تمكنت من البقاء المرن بفضل التخصص ، واليوم في أعلى مراحلها تتمكن من إبداء المرونة والاحتفاظ بالبقاء بفضل تخصص التخصّص الذي ولدهُ عصر العولمة الحديث ..
بلا أدنى شك أن الأخطبوط الرأسمالي الذي يحاول إبتلاع العالم بأسرهِ بفرض طريقتهِ في التفكير والانتاج ، وبفضل إستفادتهِ القصوى من التجارب الاقتصادية عبر القرون ، تمكن منذ مطلع القرن الماضي بصياغة جديدة لكل طرقهِ في التعاطي مع موضوع الحفاظ على الملكية ..
فبعد تأسيس البنوك العملاقة الثمانية التي تتحكم بموضوع النقد الورقي وما يقابلها من ذهب على الأرض ، أنشأوا منظمات سرية تعمل دون كلل ليل نهار من أجل تحشيد المزيد من العقول المثقفة في إطار نظامها ، وبعد تأسيس هذه المنظمات السرية ، قاموا بتأسيس منظمات علنية تعمل ليل نهار من أجل الحفاظ على شكل الملكية وإبقاء العالم تحت رحمة هذا النظام ، وبعد المنظمات الدولية العلنية التي تعطي الشرعية وتوفر الغطاء القانوني لعمليات السلب والنهب والاحتلال ، قاموا بتأسيس أجهزة المخابرات المتقدمة ، جميعها تخضع لمركز واحد على سطح الأرض ، ببساطة لأن أجهزة المخابرات هذه دائماً بحاجة الى تقنيات يوفرها المركز لهم ويتمكن من التجسس على كل أجهزة المخابرات في العالم من خلال التقنية التي يزودها بهم ..
وتم انشاء منظمات حكومية في كل انحاء العالم ومنظمات مدنية وشركات الميديا جميعها تعمل من أجل نفس الهدف ، ومن هذه المنظمات تترشح الشخصيات العالمية الى مراكز أعلى في القرار ، فكلما أبدى تفانياً في خدمة الهدف كلما إنتقل الى مرحلة أعلى بغض النظر عن جنسهِ ولونهِ ومكانهِ ..
يتعامل هؤلاء مع كوكب الأرض على أنهُ أرض إستثمارية يجب تحويل كل شئ فيها الى سلعة حتى غلافهِا الجوي ، وجميع العلوم عليها يجب أن تخدم هذا الهدف ..
فالشركات العملاقة التي قامت البنوك بتأسيسها راحت تتوسع وتختلط بشكل دائم وأسماء مختلفة بالعالم الى درجة أنهُ أصبح من الصعب على سكان هذا الكوكب فهم حركتها ، لكنهُ كما قلنا يلف العالم يوماً بعد يوم ، وفي المقابل تعاني جموع العمال في العالم من الضعف في فهم طريقة العمل التي تجعل من حركتهم هادفة وفعالة وقادرة على المجابهة بشكل صحيح ..
فالقول أن السيطرة الجماعية على وسائل الانتاج والتي ستقوم بها طلائع البروليتاريا من العلماء والمفكرين والعسكريين يجب أن تشمل أيضاً السيطرة على كل هذهِ الخريطة دون تردد ، بما في ذلك مراكز الابحاث العالمية في سيرن وغيرها ، والسيطرة على وكالات الفضاء وعدم السماح بإحتكار الأسرار العلمية وإقتصار معرفتها على نخبة معيّنة والسيطرة على كل الأجهزة والبنوك التي تمكن الأخطبوط من بقاءهِ حياً ..
تخيّل عزيزي القارئ أنك نهضت ذات صباح على سيطرة جموع العمال على كل الشركات والبنوك والمؤسسات في العالم ، ووجعلوا كل شئ خاضع لمجالسهم في كل حي وقرية وبلدة ومدينة وبلد وقارة ..
وجعلوها بيد العلماء من طبقتهم ، وألغوا النقد والتعامل بالذهب ، وألغوا الحكومات المحلية والاقليمية وألغوا الاعتراف بالمؤسسات الرأسمالية الدولية وأخضعوها لارادتهم ، وأسندوا مهمة تمثيل كل بلد الى شخص في برلمان عالمي يشكل حكومة موحدة في الأرض ، تجعل كل الموارد والطاقات لخدمة الانسانية لا غير ..
من المؤكد أن كل البشر سيشعرون للحظة فريدة من نوعها أن كابوساً قذراً إنزاح عن صدورهم ، وهو الاستغلال والتفكير فقط بلقمة العيش وفرصة العمل التي حولها الأخطبوط الرأسمالي الى سلعة ، بل أنه ( هذا الأخطبوط ) حوّل الانسان نفسه الى سلعة ..
الغوص في تفاصيل هذا الأمر لا يجانب جوهر الاقتصاد السياسي ، لأن طريقة عمل الملكية الرأسمالية يجب أن يدركها العمال في كل أنحاء العالم وسأقوم بتلخيص الفكرة حتى تصبح أقرب للذهن وبالتسلسل ويمكن التعامل معها ..
البنوك ــ الشركات ( بكل تفرعاتها ، شركات النقل وشركات الطاقة وشركات الاتصالات والشركات التي أسست مطاعم عملاقة في العالم ، وشركات الفنادق العملاقة وغيرها ) ــ المنظمات السرية ( للحصول على المعلومات وإحتكارها والحفاظ عليها من التسّرب ) ــ المنظمات العلنية ( الأمم المتحدة ، حلف الناتو ، الاتحاد الاوربي ، المحكمة الدولية وغيرها ) ــ أجهزة المخابرات الدولية ( للتجسس على البشر ونشر الفتن والحروب ) ــ منظمات حكومية ( ورقة ضغط مهمة لإختيار العناصر الفعالة للعمل ضمن المنظومة الرأسمالية ) ــ المنظمات والهيئات المدنية ( الفاتيكان ، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، واتحاد علماء البوذية ، والشنتوية ، والكنفوشيوسية ، الفيفا ، اللجنة الاولمبية الدولية وغيرها ) ..
كل العاملين في إطار هذهِ المنظومة إنما هم عاملون في مجال الحفاظ على ديمومة النظام الرأسمالي العالمي وإبقاء الانسان تحت رحمة هذا النظام يعاني من الاستلاب والذل والخنوع ..
وعندما يتم النظر الى هذهِ المعادلة يجب ملاحظة كمالها وعدم تجزئتها ، لأن الأمر سيجعل المرء يعمل لمصلحتهم دون علمهِ ، فلا يمكن القول مثلاً أن اصحاب الفنادق والمطاعم هم يحكمون العالم ! وكذلك لا يمكن القول أن المخابرات الأمريكية أو البريطانية هي التي تتحكم بالعالم ! ببساطة يعتبر ذلك تجزئة للموضوع والنظر الى اللوحة متكاملة فقط يصل بنا الى جادة الصواب ..
فهذه الهيكلية تضم إقتصاديين كبار وعلماء ، وتضم قضاة ورجال دين وخبراء في مجالات السيطرة على الموارد وخبراء في كل تفرّعات المنظومة العالمية للرأسمالية ، وقد أبدت هذه الرأسمالية من المرونة والاستمرار ما لم يتوقعهُ منها كارل ماركس أو فلاديمير لينين ..
لذلك عندما تواجه جماهير العمال هذهِ الماكنة ينبغي عليها فهم أصغر تفصيل في حركتها وسيرانها حتى تتمكن من إيقافها وإعادة توجيه سيرها لمصلحة البشر وليس العكس ..
وبالعودة الى المستوى المعيّن الذي بلغهُ تطور وسائل الانتاج والقوى العاملة والعلوم بشكل عام في المجتمعات الحديثة نرى أنهُ يحدد أيضاً علاقات الملكية ، وعلاقات تبادل التأثير بين الناس ، ، كما يولد موضوعياً المستوى المعيّن الذي يبلغهُ تطور القوى المنتجة ، علاقات إنتاجية معيّنة ( جديدة ) وبالتالي القوانين الاقتصادية الملازمة لها ..
وتجد ضرورة الانتاج الاجتماعي الطبيعية إنعكاسها في أعمال الناس بشكل مستقل عن الوعي الانساني والارادة الانسانية ، وليست هذه الضرورة الطبيعية حسب تعريف ماركس سوى القانون الموضوعي المادي للحياة الاجتماعية ..
ويذهب أغلب الاقتصاديون المدافعون عن النظام الرأسمالي الى القول بأن القوانين الاقتصادية هي القوانين التي تحدد طبيعة الانسان الثابتة ، وبهذا التعريف يقرّون بأبدية هذهِ القوانين ، وهم في الحقيقة يقصدون أبدية قوانين المجتمع الرأسمالي ..
ونحن نعلم أنهُ ليس بمقدور القوانين الاقتصادية أن تبقى خالدة ، غير متحوّلة ، أو متبدلة ، شأنها شأن هذا النموذج أو ذاك من العلاقات الانتاجية ، وفي هذا تناقض وفارق آخر بين القوانين الاقتصادية وقوانين الطبيعة ، فقوانين الطبيعة ثابتة في حدودها ( كقانون الجاذبية مثلاً ) ، في حين أن القوانين الاقتصادية نشأت مع نشوء المجتمع الانساني ، وهي تتطوّر مع تطوّرهِ وتتبدل مع تبدلهِ ، بعض هذهِ القوانين يولد والبعض الآخر يموت ، لا تبعاً لارادة الانسان رغم أنهُ يحدث من خلال عملهِ ، بل تبعاً لنشوء وإنعدام تلك العلاقات التي تعبر هذهِ القوانين عن جوهرها ..
إن لكل إنتاج إجتماعي قوانينه الخاصة أو النوعية ، وهي قوانين يعمل الاقتصاد السياسي على توضيحها ، ففي كل نظام إقتصادي منظومة كاملة من القوانين الخاصة أو النوعية ، وهذا مردهُ كما نعلم الى العلاقات الانتاجية ، ، رغم أنها كاملة وموحّدة ، فهي تتمتع بذات الوقت بنواح وعمليات متباينة ، فالسمات العامة التي تشمل جميع النواحي والعمليات المعيرة بشكل عام وأساسي عن جوهر العلاقات الانتاجية المعيّنة ، تكوّن ذلك القانون الخاص كالقانون الاقتصادي الأساسي لنظام معيّن ، في حين أن قوانين خاصة أو ( نوعية ) اخرى تعبّر عن الأساسي في محتوى النواحي والعمليات المستقلة لاسلوب الانتاج الاجتماعي موضع البحث ..
فالقوانين الاقتصادية الخاصة لا تعمل في الواقع العملي منعزلة عن بعضها البعض ، إنها وثيقة الصلات فيما بينها ، وذات تأثير متبادل ، يكمل أحدها الآخر ، عاملة على كشف أعمق لجوهر العلاقات الانتاجية أثناء تطورها ..
وقوانين إقتصاد كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع تتمتع بمنطق ديالكتيكي دقيق ، يلائم ديالكتيك العلاقات الاقتصادية ذاتها ، ففي المجتمع الرأسمالي مثلاً حيث يكون قانون انتاج فائض القيمة هو القانون الاقتصادي الأساسي ، لا بد من نشوء قانون المزاحمة الرأسمالية ، وقانون التراكم الرأسمالي العام ، وقانون معدل الربح ، وقانون سعر الانتاج وغير ذلك من قوانين الاقتصاد الرأسمالي ، أما في المجتمع الاشتراكي القائم على سيطرة الملكية الجماعية لوسائل الانتاج ، فمع نشوء قانونه الاقتصادي الأساسي ينشأ قانون التخطيط ، وتطوير الاقتصاد الوطني للبلدان تطويراً متناسقاً ، وقانون إرتفاع إنتاجية الاقتصاد الاشتراكي ارتفاعاً متواصلاً ، وقانون توزيع الخيرات المادية حسب العمل الى ما هنالك من قوانين المرحلة الاشتراكية ..
ثم ان القوانين الاقتصادية الخاصة تخضع مع تطور العلاقات الانتاجية الى بعض التعديلات ، تحت تأثير ظروف كثيرة التنوع ( تطور العقل والوعي البشرِيَين ، وتطور التكنولوجيا المتواصل ) ..
فالامبريالية مثلاً بتوليدها الربح الاحتكاري ، عدلت قانون معدل الربح المتساوي عند تقديم رأسمال متساوي ، وكذلك أزمات الرأسمالية عدلت ظهور الدورات ، وتحول الاشتراكية المستمر نحو الشيوعية يُعدل قانون التوزيع الاشتراكي وهكذا ..
الاقتصاد السياسي كعلم إستطاع أن يُبيّن العلاقات الديالكتيكية المتبادلة بين القوانين النوعية في العملية الاقتصادية لاسلوب إنتاج معيّن ، وكذلك التعديلات الجارية بإستمرار على هذهِ العلاقات ، وتمكن من تحليل قوانين عمل كل تشكيلة معيّنة في تطوّرها ، وبالتالي ترك لنا الأسس الواضحة والسليمة لتفسير العمليات الاقتصادية الجارية في عصرنا الحديث والذي يسمى بعصر العولمة ..
الى جانب القوانين الاقتصادية أو ( النوعية ) لهذه المرحلة او تلك من مراحل تطور العلاقات الانتاجية ، تقوم أيضاً قوانين موحدة ، أو عامة تشمل جميع مراحل تطور المجتمع الاقتصادية ، بهذه الجملة يحدد الاقتصاد السياسي الماركسي الضرورة الاساسية المستمرة الباقية بقوة يُحدد تلك الصلات والعلاقات المتقابلة الضرورية الأساسية في علاقات الناس الانتاجية التي لا تتعلق بطابع هذه العلاقات النوعي ، وهي بالتالي ملازمة لها في جميع مراحل التطور ، بين هذه القوانين العامة نرى قبل كل شئ قانون ملائمة العلاقات الانتاجية بطابع القوى المنتجة ، هذا القانون يكشف الأساس الموضوعي لوظيفة كل نموذج معيّن من العلاقات الانتاجية ، وضرورة انتقال هذه العلاقات الى نموذج أعلى عندما يتبدى التباين بين هذه النواحي من الانتاج الاجتماعي ..
وبين تلك القوانين العامة ايضاً قانون إقتصاد العمل الذي يظهر في كل مرة بأشكال تاريخية متباينة ، إن ضرورة إقتصاد العمل أي ضرورة رفع إنتاجيّتهِ توجد في جميع التشكيلات الاجتماعية ، أما طرق وحدود تنفيذ هذا القانون فهي تبقى نوعية ، فالشكل التاريخي هنا يكدّس خصائصهُ ولكنهُ لا يقضي على الشئ العام في القانون ..
يضاف الى ذلك أنه لا ينبغي أن نحشر في عداد القوانين الاقتصادية العامة تلك القوانين التي هي على الرغم من مصادفتها في الكثير من التشكيلات الاقتصادية مرتبطة بنوعية معيّنة ، خاصة بمراحل معيّنة من مراحل تطوّر الانتاج ، فقانون القيمة مثلاً الذي إعتبره بعض الاقتصاديين قانوناً عاماً يشمل التشكيلات كلها ، بما فيها المرحلة العليا من مرحلتي الشيوعية ، لا يمكن إعتباره كذلك ..
كيف ؟
الواقع أن قانون القيمة على الرغم من أنهُ يعمل خلال فترة طويلة من المجتمع البدائي وحتى المجتمع الشيوعي ، ظهر فقط في مراحل معيّنة من مراحل تطور المجتمع البدائي ، مع نشوء الانتاج السلعي ، وهو سينعدم عند إنتصار الشيوعية التام ، مع إنعدام إنتاج الأشياء كسلع ، فالناس آنذاك لن يتوقفوا عن الاهتمام بمقدار العمل الذي ينفقونه على انتاج السلع ، إلاّ أن هذا الأمر سيتعلق بقانون إقتصاد العمل ، فقانون القيمة ليس قانوناً عاماً بل هو قانون نوعي للإنتاج السلعي ..
من الواضح أن القوانين العامة لا يمكننا توضيحها بشكل دقيق في المراحل الاولى من ظهور علم الاقتصاد السياسي ، فلكي نستطيع إكتشاف القوانين العامة لا يكفينا بحث إسلوب إنتاج وتوزيع الخيرات المادية في المجتمع الرأسمالي ، بل إدراك حركة هذا المجتمع وتطورهِ مع تطور قوى الانتاج والتقنية وأساليب عمل هذا المجتمع بشكل دقيق ، وهذا الامر يستطيع علم الاقتصاد السياسي وعلم الطبقة العاملة تناوله وشرحهُ بكل بساطة إذا ما تمت دراسة الماركسية بشكل سليم ..
لقد وضّح كل من ماركس وانجلز ولينين إسس الاقتصاد السياسي العام بشكل لا لبس فيه رغم محاولة من أسماهم لينين بالتافهون والضيقوا الافق التقليل من شأن القوانين الاقتصادية للمراحل والتشكيلات الاجتماعية في كل عصر ، وعلى هذا الاساس وحدهُ أصبح بالامكان توضيح القوانين الاقتصادية الشاملة لجميع مراحل إسلوب الانتاج الاجتماعي التارخية ..

يقول انجلز ..
(( ان الاقتصاد السياسي يبحث قبل كل شئ ، القوانين الخاصة بكل مرحلة من مراحل تطور الانتاج والتبادل ، وعند نهاية هذا البحث فقط يستطيع وضع تلك القوانين القليلة ، العامة كلياً ، التي يخضع لها الانتاج والتبادل بشكل عام )) ..
انجلز .. ضد دوهرينغ .. ص 138

إن تطور كل تشكيلة وفق القوانين الاقتصادية الخاصة ، ووفق القوانين الاقتصادية العامة ، ينبع من إرتباط هذه القوانين ببعضها البعض فيما بينها ، فالقوانين الخاصة تعمل في مراحل معيّنة من مراحل التطور الاقتصادي ، وتحدد هذا التطور حتى الانتقال الى مرحلة جديدة أرفع ، في حين أن القوانين العامة تربطما بين التشكيلات وتجعل منها عملية واحدة وتشترط ظهور القوانين النوعية ..
ان الاقتصاد السياسي عندما يدرس أعمق أسس الحياة الاجتماعية ، إنما يمس من خلال ذلك مصالح مئات الملايين من البشر ، ويوّضح القوانين الاقتصادية العامة والخاصة ويضع كل منهما في خدمة المجتمع ، وتؤكد النتائج التي يتوصل إليها علم الاقتصاد السياسي ذلك من خلال كشفها لجوهر العلاقات الاقتصادية وتطورها ، فالعلاقات الرأسمالية رغم مرونتها وقدرتها على البقاء أصبحت تعيق إنتاج الثروات الضرورية للمجتمع بأسرهِ ، ولا تساعد على نمو انتاج هذه الثروات الا تلك العلاقات التي تعكس قوانين الاشتراكية العلمية ومقولاتها الماركسية التي وضع لها ماركس إطاراً قائماً على الجدلية في تطورها ، لهذا يشير الاقتصاد السياسي الماركسي بكل ما يتمتع به من يقين علمي الى حتمية القضاء على اسلوب إنتاج المجتمع الرأسمالي وظفر الاسلوب الاشتراكي بكل أبعادهِ ، ومن الواضح تمام الوضوح أن هذه القضية تقلق دعاة الملكية الفردية والمدافعون عن الرأسمالية ، من الذين توقع ماركس أن يكونوا رأس الحربة في حرب الرأسمالية على الطبقة العاملة منهم دعاة تجزئة قوانين الاقتصاد السياسي والافاقين من الذين يدعون بأن الرأسمالية أفل نجمها وان مجتمع الخدمات بات هو الفيصل في حكم العالم وأن القوانين العامة والخاصة فقدت مفعولها لتصب في نهاية الأمر في خدمة الرأسمالية وطروحاتها ، هذا ما توقع ليس ماركس وحدهُ بل أنجلز ولينين ظهورهم في مختلف العصور ليكونوا أبواقاً مجانية لهذهِ الدعاية ..
فالادعاء بإنهيار الرأسمالية وسيطرة مجتمع الخدمات يشترك مع البرجوازية في هدفها بنزع سلاح الطبقة العاملة النظري وبالتالي تهتم بتطور الاقتصاد السياسي الذي يساعد على صيانة سلطة رأسالمال وتوطيدها ، أي أنها تهتم بتشويه العلم ، وبالتحديد علم الطبقة العاملة ( الاقتصاد السياسي ) ..
واذا كان الاقتصاد السياسي البرجوازي في تلك الظروف قد إستطاع السير نحو السلطة من خلال التشويه ، أن يكون علمياً ، فإن ساعة الاقتصاد قد دقت ..

كما يقول كارل ماركس ..
(( منذ أن خرجت الطبقة العاملة الى حلبة الصراع الطبقي المستقل ، آنذاك أصبحت القضية منحصرة لا في صحة هذه النظرية أو تلك ، أو في عدم صحتها ، بل في نفعها للرأسمال أو ضررها لهُ ، في ملائمتها لهُ أو غير ملائمتها ، في توافقها مع الأفكار البوليسية أم لا ، إن البحث المنزه هنا يتخلى عن مكانه للصراع الذي يخوضهُ الكتبة المأجورون ، كما كما تستبدل التحريات العلمية اللامتحيزة بدفاع مسبق مغرض )) .
كارل ماركس .. رأس المال .. المجلد الأول .. ص13


هذا ما توقعهُ ماركس بالتحديد لدعاة سيطرة الرأسمالية على العالم وقوانينها الى الأبد وكذلك الى الكتبة المأجورون من دعاة الماركسية الذين يفصلون القوانين الاقتصادية عن حركة التاريخ ويدعون بسيطرة فئاة وليدة صغيرة هي من صنع الملكية الرأسمالية على العالم والمسماة بمجتمع الخدمات ، والذين وصفهم لينين بأنهم تافهون ضيقوا الافق مشوهون للماركسية حتى وإن حملوا شعاراتها ..

أسئلة تتعلق بالموضوع ..

ــ كيف يتميّز العمل حسب درجة تعقدهُ ؟
ــ ما هي العلاقة الانتاجية التي يُعبر عنها في قيمة السلع ؟
ــ كيف يعمل قانون القيمة في ظل النظام الرأسمالي ؟
ــ ما هو دور النقود في ظل الانتاج السلعي ؟
ــ كيف ظهرت طبقة العمال المأجورون ؟
ــ كيف ظهر النظام الرأسمالي الى الوجود ؟
ــ كيف ظهرت البوادر الاولى لمعنى رأس المال ؟
ــ ما المقصود بفائض القيمة ؟
ــ كيف يُخفى شكل إجرة العمل الاستغلالي ؟
ــ هل تغيّر جوهر الرأسمالية منذ عهد ماركس حتى اليوم ؟
ــ ما الذي يعنيه الحديث عن المساواة والعدالة الاجتماعية في ظل الرأسمالية ؟
ــ ما هي أهمية فائض القيمة في العصر الحالي ؟