تقويض أسس الدولة 1:تمهيد


أحمد سعيد قاضي
2013 / 8 / 16 - 08:12     

*تمهيد:
أعرف أن كلامي سوف يكون قاسياً على العقلية البرجوازية التي اصطنعها وروّج لها القلة المسيطرون في العالم لتجعل الشعوب نفسها تتمسك بفكرة الدولة. حتى إن الدولة تجذرت أهميتها الوهمية في الوعي الجماعي للبشر، وتأصلت في سايكولوجيا الأفراد بحيث أنها أصبحت من المحرمات أو المقدسات الممنوع المساس بها على الصعيد الفردي والجماعي. لكني أطرح طرحاً عقلانياً لن يتلمس طريقاً له عند من تحمه العواطف والمشاعر الجياشة!
68.26% من الأفراد في العالم يوجههم الإعلام العالمي ببساطة ويكوّن آرائهم وتوجهاتهم ويشكل وعيهم الذي على أساسه يعيشون ويضحون. لذلك فقد كونت الطبقة الحاكمة المالكة البرجوازية في العالم هالة مقدسة حول الدولة بتنظيراتهم الممتدة من توماس هوبز وجون لوك وجيرك إلى جان جاك روسو وهوريو، إلى يومنا هذا بسبب ملكية هذه الطبقة للقوة الإعلامية بالدرجة الأولى والقوة السياسية والاقتصادية والعسكرية والمالية.
لذلك فهذا البحث البسيط هدفه تقويض الأسس التي تقوم عليها الدولة البرجوازية الحديثة وإيضاح حقيقة الدولة بشكل عام. ولدق القاعدة الفكرية التي تقوم عليها الدولة يجب في البداية إيضاح أصل الدولة أو منشأة وأسبابه ودوافعه. ومن ثم سوف أعرض كل مكون من مكونات الدولة وكل خاصية من خصائصها للفحص والتمحيص لنسف ظواهر الأمور والنفاذ إلى مكنوناتها الحقيقية.
فالدولة بشكل عام هي مجرد فكرة تخفف نفسياً من عبء خضوع الجنس البشري إلى سلطة تقمعه وتوجه حياته كما تريد. وتحول خضوع البشر إلى أناس آخرين إلى هدف سامٍ وهو الحفاظ على الدولة الوطنية. وتبرر خضوع الناس إلى السلطة القمعية والجيوش وغيرها من قوى الأمن. ففكرة "الدولة" ومكانة هذه الكلمة المضخمة تجعلها حجة ومبرر للخضوع إلى أناس آخرين على الأقل في صراع الإنسان مع نفسه داخلياً، فعندما يسأل الإنسان نفسه لماذا أخضع لأناس آدميين يقيدون حريتي؟ يجد جواباً سهلاً وحيداً يخفف من حدة عنائه وهو في سبيل الدولة!
*أصل الدولة:
الدولة في التفسير الماركسي تختلف عن النظريات الأخرى بشأن الدولة والتي تفترض كلها نقطة أن الدول نشأت من حاجة المجتمع إليها ومصلحته في التنظيم وحفظ الأمن وأنها نتيجة تطور طبيعي في العقل البشري!. لكن النظرية الماركسية لأصل الدولة تقول بأن انبثاق الدولة كان بعد بروز التناقضات الطبقية ووجود الصراع الطبقي في المجتمعات. وهو ما أدى بدوره لبروز الدولة بوصفها أداة قمع واستثمار الأغلبية الشعبية لحساب الأقلية المالكة المسيطرة وهو ما سنثبت صحته في هذه السلسلة.
فيقول لينين بصدد تفسير وجود الدولة:
"إن الدولة آله لصيانة سيادة طبقة على طبقة أخرى: فعندما كان المجتمع خالياً
من الطبقات، وعندما كان الناس قبل عهد العبودية يعملون في ظروف بدائية، حين
كانت تسود مساواة أكبر، وحين كانت إنتاجية العمل ما تزال منخفضة جداً، وعندما
كان الإنسان البدائى لا يحصل على ما هو ضروري لمعيشته البدائية الخشنة إلا بصعوبة عندئذ لم يبرز ولم يكن بالإمكان أن يبرز فريق خاص من الناس يفرزون خصيصاً للحكم، ويسيطرون على بقية المجتمع.
وعندما ظهر الشكل الأول من أشكال انقسام المجتمع إلى طبقات، عندما ظهرت
العبودية، وعندما أصبح بإمكان طبقة معينة من الناس تمركزوا على العمل الزراعى
بأحسن أشكاله أن ينتجوا شيئاً من فائض لم يكن ضرورياً ضرورة مطلقة للإبقاء على
شعلة الحياة في العبد، وكان يقع فى يد مالك العبيد، وعندما توطد بهذا الشكل وجود
هذه الطبقة من مالكي العبيد، ولكي يتوطد ـ لابد من أن تظهر الدولة"

ونقتبس من كتاب فريدرك إنجلز "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" :" وهكذا ليست الدولة بحال قوة مفروضة على المجتمع من خارجه، والدولة
ليست كذلك « واقع الفكر التاريخية » « صورة وواقع العقل » كما يدعى هيجل
الدولة نتائج المجتمع عند درجة معينة من تطوره، الدولة إفصاح عن واقع أن هذا
المجتمع قد وقع في تناقض مع ذاته لا يمكنه حله، عن واقع أن هذا المجتمع قد انقسم إلى متضادات مستعصية هو عاجز على الخلاص منها. ولكيلا تقوم هذه المتضادات وهذه الطبقات ذات المصالح الاقتصادية المتنافرة بالتهام بعضها بعضاً والمجتمع فى نضال عقيم ـ لهذا اقتضى الأمر قوة في الظاهر فوق المجتمع، قوة تلطف الاصطدام وتبقيه ضمن حدود (النظام). إن هذه القوة المنبثقة من المجتمع والتى تضع نفسها، مع وذلك فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر هى الدولة"

"ينبغي لنا بادئ ذي بدء أن نعير انتباهنا لواقع أن الدولة لم تكن موجودة على
الدوام، فقد كان زمن لم يكن للدولة فيه وجود، فالدولة تظهر حيث يظهر انقسام
المجتمع إلى طبقات، عندما يظهر المستثمرِون والمستثمَرون"...لينين

فمن الواضح أن الدولة هي تعبير عن التناقض الطبقي الذي تسيطر فيه الطبقة المستغلِّة على هذه الأداة (الدولة) ولذلك كانت الدولة عبر التاريخ: الدولة العبودية، والدولة الإقطاعية، والدولة البرجوازية وأشكال هذه الدول الثلاث على التوالي مثلت مصالح الطبقة المسيطرة الحاكمة وحمتها وحافظ على مكانتها فوق العامة. فعندما كانت دولة الأحرار التي تضطهد العبيد، فُصلت بقوانين على مقاس هذه الطبقة المالكة على حساب باقي البشر. ولما كانت الدولة الإقطاعية، فُصلت أيضاً على مقاس الطبقة الحاكمة على حساب الأقنان وصغار الفلاحين. وها هي الدولة البرجوازية التي فصلت على مقاس الطبقة البرجوازية على حساب العمال وصغار الملاك والموظفين.
...يتبع