عقلية التأليه عند الإسلامويين!


أحمد سعيد قاضي
2013 / 8 / 15 - 03:54     

أولاً وقبل البدء بطرح موضوعنا يجب توضيح جدلية هامة تساعدنا في إيصال الصورة كاملة إلى القراء. هذه الجدلية هي جدلية القول والفعل، أو ما يقال وما ينفذ. فليس كل ما يقال يطبق، هذه هي النقطة التي يجب الانطلاق منها. فعندما يجيء المرء واصفاً نفسه بأنه صادق وعند التجربة واختباره على أرض الواقع تجده كاذب فماذا توصفه؟ بالطبع كاذب، حتى لو قال أنه صادق. وهذه هي الحال عندما يدعي البعض أنهم يستخدمون عقولهم ويملكون الجرأة والقدرة على استخدامها لكن عند تجربتهم على أرض الواقع فإنهم يفعلون عكس ما يقولون تماماً، لذلك تجدهم يقبلون كل الموروثات بدون أي محاولة تمحيص على سبيل المثال. فهؤلاء عقولهم مغيبة تماماً ونوع من الحالة اللاشعورية تحكمهم. فهذه الجزئية تخص موضوعنا.
وأما الجزئية الثانية المهمة هي في أن جزء كبير من المسلمين وأغلبيتهم من منتسبي الجماعات الإسلامية، وليس كلهم يدعون بأن المقدس عندهم هو كتاب الله وسنته ولا شيء سواهما يعد مرجعاً إسلامياً مقدساً. ولكن ليس كل ما يقوله المرء عن نفسه يطابق الواقع فالناس من حوله فقط هم من يستطيعون تحديد مدى مطابقة الإدعاءات للواقع.
والواقع هذه الجماعة اتخذت مقدساً إضافياً أو أضفت القدسية على عنصر ثالث إلى جانب القرآن والسنة وهذا المكون الثالث هو . بل أصبح الشيوخ أحياناً في التركيبة العقلية عند بعض المسلمين المركب الأهم والعنصر الأقدس وثالث الاثنين: القرآن والسنة.
أدلة بشرية العلماء المسلمين من الإسلام نفسه:
يدعي هؤلاء أنهم لا يقدسون هؤلاء "المشايخ" وأن الله اعترف بإمكانية خطأهم فهم بشر لا يختلفون عن أي إنسان بشيء خارق للعادة أو بقوة فوق الطبيعة ولكن عند الواقع فالوضع مختلف كلياً. فعند أي محاولة لانتقاد بعض الأخطاء فإنهم يتجاوزن الآيات القرآنية والحديث الذي يقر بأن العلماء المسلمين بشراً يخطئون كغيرهم " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". ويخترقون قولهم بعدم القدسية، في تكفير المنتقد وشتمه وإخراجه عن الملة وإعادة ترسيخ الهالة المقدسة حول بشر طبيعيين رغم أن هؤلاء نفسهم ينفون تقديسهم لأي شخص!.
ولنتأمل قول الرسول (ص) نفسه " عن رافع بن خديج قال : " قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُأبِّرون النخل قال : ما تصنعون ؟ قالوا : كنا نصنفه قال : لعلكم لو لم تفعلوا كان أحسن فتركوه فنقصت فذكروا ذلك له فقال : إنما أنا بشر مثلكم ، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوه ، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر . رواه مسلم "
فها هو الرسول الكريم نفسه يعترف بأنه بشر مما يعني أنه قد يخطئ فيما لم ينقله عن ربه! وما أقوى حجة من قول الرسول أيها المسلمون؟
ولننظر أيضاً في ما قاله أهم العلماء والأئمة المسلمين.
فهذا ما قاله الإمام مالك " إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه".
وقال الإمام أبو حنيفة " إذا قلت قولاً كتاب الله يخالفه فاتركوا قولي لكتاب الله. قيل: إذا كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل: إذا كان قول الصحابة يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لقول الصحابة. وقال تلميذه أبو يوسف رحمه الله تعالى: لايحل لأحدٍ أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا. "
فبعد التأمل في قول الرسول وما تبعه من أعظم علماء الإسلام هل بقي مجال للشك ببشرية العلماء المسلمين وإمكانية خطأهم؟
ورغم كل الأدلة السابقة على بشرية العلماء المسلمين وطبيعتهم الإنسانية الخطاءة ما زال البعض مصرين على تأليههم ووصف المنتقد بالزندقة والهرطقة والترويج لتهمة عداء الإسلام.
وليس الاتهامات فحسب بل إن الاتهامات مقدمة لإقامة الحد على الكافر الزنديق وإيذائه جسدياً وكل ذلك بسبب عدم قدرتهم على الرد على الطرح العقلاني بطرح عقلاني آخر لأن عقولهم مغيبة ومعطلة وليس لديهم الحجج العقلية وبالتالي فإن المنفس الوحيد هو العنف في محاولة لردع كل منتقد.
هناك أزمة كبيرة في الإسلام لتحديد الأولوية للعقل أم للنقل ولكن بطرحنا للتركيبة التالية فإن المشكلة قد تتضح أكثر بعض الشيء. فهناك من الملامح السيئة في وضعية العالم الإسلامي ما يجعلنا نتجاوز معضلة العقل أم النقل في هذه الجزئية التقديسية للشيوخ.
النقطة الأولى هي في أن المرجعية الموحدة للمسلمين غير موجودة فهنالك الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين، والأزهر و منظمة المؤتمر الإسلامي الخ ولكن كل مؤسسة تتخذ من الفتاوى ما يناسبها بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق بين العلماء المسلمين عامة. فالتنسيق بين هذه المؤسسات غائب إلى أبعد الحدود وهو ما يجعل المسلم في حيرة دائمة وشك دائم.
والشيء الآخر هو أن بعض الشخصيات العامة الدينية لها قوة تضاهي قوة الأزهر أو أي مؤسسة دينية بل قد تتجاوزها. وبذلك يقع المسلم في حيرة التصديق ومن ثم بعد مدة من الزمن يتخذ معظم الناس مرجعية يعتبرها مرجعيته سواء أكانت مؤسسة أم شخصية بعينها وهذه بداية التعصب الأعمى وتأليه البشر.
فتعددية المراجع ذات الفتاوى المختلفة كلياً تفتح الطريق أمام تسلل عقلية التأليه والمعصومية التي يغطى بها بعض الشيوخ إلى عقول المسلمين. لأن هذه الأقطاب الدينية المتعددة تستخدم الدين لتحقيق مصالح أسيادها من أنظمة سياسية أو أحزاب سياسية ولذلك فهي في صراع دائم مع بعضها البعض وهو ما يفتح الباب لاستقطاب داخل الدين الواحد والمذهب الواحد وما يتبعه من حنق وتعصب.
فأول أزمة في العالم المسلم هي غياب المرجعية الواحدة القادرة على ضبط المسلمين وإخراج فتاوى باتفاق كل العلماء المسلمين والتي تصب في مصلحتهم.
النقطة الثانية هي أن ما نراه من فتاوى خاصة في الفترة الأخيرة هي عكس مصالح المسلمين تماماً وتضر في مصلحتهم وهذا ما يراه كل إنسان غير متعصب على الأقل.
فكل الخطاب "المشيخي" هو خطاب تكفيري طائفي يهدد بشكل كبير في تفتيت الأمة الإسلامية بل وبدأ فعله منطقياً وعلى أرض الواقع. فالأزمة المصرية، والسورية، والتونسية تجد هذه القوى "المشيخية" لها يداً طويلة فيها في سبيل تحقيق نجاح الثورة المضادة في هذه البلدان.
فمنذ بث سموم الطائفية والتكفير في هذه الدول بدأت الثورة المضادة تتقوى وتتقدم على الثورات الحقيقية وفي محاولة لإفراغها من محتواها.
ما أود قوله أخيراً بأن الفئة "المشيخية" التي تسيطر على الخطاب الإسلامي في العالم الإسلامي ما هي إلا مجموعة منتقاة نما قوتها في المجتمع ورفعها إلى مستوى مقدس في نظر المسلمين قوى تريد تحقيق أهدافها عن طريقهم. لذلك المحطات التلفازية تستقبلهم وتروج لهم ولكن تمنع الأكثرية من الشيوخ الشرفاء من الخروج للبوح بما يملكون خيراً للأمة. وهذه الأغلبية مغيبة عن الساحة الإسلامية لعدم وجود قوى تدعمها في سبيل النهضة والخروج عن حالة الاستبداد الفكري بين المسلمين.
فتموضعنا لأزمة المسلمين هو في أن مجموعة "مشيخية" طفيلية صغيرة تسيطر على الخطاب الإسلامي في ظل غياب المؤسسات الإسلامية القوية ذات المصداقية، وفي ظل تقديس جزء كبير من المسلمين لهؤلاء الآلهة المصنوعة الذين يعملون بدعم مشكوك فيه ضد مصالح الأمة الإسلامية والعربية.
ولاقتلاع جذور المشكلة فإننا نقترح التالي:
فالحل الأمثل للأزمة الحالية هو في تأسيس منظمة إسلامية تتولى شؤون الفقه الإسلامي بالكامل ولها الحق المنفرد في إصدار الفتاوى للشعوب الإسلامية، وتقوم هذه المنظمة أو الهيئة الإسلامية بجمع كل المؤسسات الإسلامية تحت لوائها بحيث تندمج كل هذه المنظمات في منظمة واحدة تمتلك الشرعية في تمثيل المسلمين على كافة الصعد وغير قاصرة على بضعة أشخاص. وتضم في من تضم كافة الشخصيات الدينية الإسلامية ذات الشعبية الواسعة في العالم الإسلامي لتصبح بعد عمليات الدمج صاحبة السلطة المركزية في العالم الإسلامي. ويجب أن يتم منع أي فتاوى جانبية من قبل أي شخص خاصة في الشؤون الهامة والخطيرة. بذلك يمكن التخلص من حالة الفوضى الخلاقة-بدرجة كبيرة-في العالم الإسلامي.
وفي ظل تنظيم إسلامي مركزي للعلماء المسلمين يقي شر السياسة والاستقطابات الاجتماعية عن الدين تنفتح حفرة أمل في العقلية العربية المتحجرة التأليهية لسبب تحييد الدين الإسلامي عن صراعات هذه العقلية، السياسية والأيديولوجية وحتى النفسية التي هي أساس الأزمة لامتداد جذورها للاوعي عند الإنسان.
 -;-