فتوى الإنقاذ


نضال الصالح
2013 / 8 / 11 - 08:59     


بمحض الصدفة كتب لي أن أشارك السكن، في المدرسة الداخلية لدراسة اللغة التشيكية ، شابا سودانيا إسمه مبارك. كانت المدرسة في مدينة ماريانسكي، وهي منتجع جميل على الحدود الألمانية، يأتيه الناس للعلاج من كل أنحاء تشيكوسلوفاكيا . لقد اشتهرت المدينة إلى جانب مياهها وطينها العلاجي بوجود مدرسة للفنادق وأخرى للممرضات ، مما كان سببا في كثرة الفتيات الشابات فيها .
لم أكن قبلها قد قابلت سودانيا وكانت معلوماتي عن السودان قليلة . كان المصدر الأساسي لتصدير صورة الشخصية السودانية إلى العالم العربي هي الأفلام المصرية و لم تعط الأفلام المصرية الأخوة السودانيين حقهم ، فلقد كان السوداني في الأفلام المصرية بواب عمارة ، خفيف الظل، يتكلم العربية المكسرة .
لقد محت صورة رفيقي في السكن ومنذ اللحظة الأولى الصورة التقليدية التي ألصقتها الأفلام المصرية في ذهني. فلقد كان مبارك طويل القامة،عريض المنكبين، حنطي اللون، جميل الوجه، مجعد الشعر، في غاية الثقافة والأدب، ولقد كان متدينا لا يقطع فرضا. منذ اللحظة الأولى ربطتنا علاقة من الود والصداقة وكنا نقضي أمسياتنا في الحديث عن فلسطين وعن السودان. ولم أكن قبل لقاءه أعرف الكثير عن السودان بل كانت معلوماتي عن جنوب السودان شبه معدومة.
كان مبارك محط أنظار الفتيات وكن يلاحقنه أينما ظهر، ولم يكن في البدء يهتم بهن خوفا من أن يرتكب إثما، كما كان يقول لي . وكنت عكسه تماما، حيث كنت أعشق الفتيات الجميلات وأحب مجلسهن و ملاطفتهن ولم أكن أعتبر ذلك إثما وإنما هدية ربانية. كان مبارك، حين تنضم إلينا مجموعة من الفتيات، يفر هاربا تاركا شخصي المسكين في حضرة عنقود من الفتيات الجميلات وكن يتعجبن من سلوكه حتى أن بعضهن ظنن أنه مثليا.
في مساء أحد الأيام عاد مبارك إلى الغرفة مهموما . طرح السلام علي ولكنه على غير عادته نزع ملابسه على عجل ودخل الحمام ليغتسل ولقد مكث في الحمام وقت طويلا. خرج من الحمام لابسا الجلابية السودانية ذات الجيبين ، واحد في الخلف والآخر في الأمام، ثم فرش سجادة الصلاة وراح يصلي ولقد أطال صلاته إلى درجة غير عادية، ثم جلس يتمتم الدعاء وطلب المغفرة. جلس بعدها مطأطئ الرأس صامتا وطال صمته وبقيت أنظر إلية أنتظر تفسيرا ولم أكن أرغب في قطع صمته وتأمله.
قام مبارك، طوى السجادة ووضعها في الخزانة وجلس على طرف سريره . نظرت إليه وقلت : مالك يا رجل ، ماذا حدث، لعله خيرا ؟ رد علي بعد فترة بصوت خافت قائلا : لقد ارتكبت إثما كبيرا وأرجو من الله أن يسامحني. قلت: وأي إثم هذا ؟ نظر إلي وقال : لقد قبلتني فتاة . ضحكت وتنهدت قائلا : بسيطة ، لقد أخفتني يا رجل ، وهل كانت الفتاة جميلة ؟؟ قال معاتبا، أنت تأخذ الأمر بغير جدية، فقاطعته قائلا محاولا التخفيف عنه: لا ذنب عليك ، فهي التي قبلتك ولست أنت من قبلها . قال : يا زول، ولكن القبلة أعجبتني .
تكرر المشهد عدة مرات، طالت القبل وزاد عليها بعض من الضم واللمس وشعور بالشهوة وزاد معها الشعور بالذنب، كما طالت مدة الاغتسال ومدة الصلاة وكثرة الدعاوي ، حتى خلت أن مبارك مصاب بالهلوسة، فلقد قل نومه وإذا نام كثر صراخه أثناء نومه وباتت حالته تسوء ولا تدعو إلى الاطمئنان. لقد تصارعت في داخله ثقافتان واحدة مدعومة بالتراث الديني العميق والأخرى مدعومة بالمشهيات والمقبلات والرغبة المكتومة العارمة.
كتب مبارك عدد من الرسائل إلى شيوخ دين في السودان، يعرف البعض منهم والبعض الآخر سمع بهم وانتظر الأجوبة وانتظرت معه لأنني تأثرت بمشكلته وأحزنني حاله. بعد مدة طويلة بدأت تأتي إليه ألأجوبة، بعضها زاد من حيرته والبعض الآخر زاد من همه وعذابه . مجمل ما كتبه الشيوخ يتلخص في جملة واحدة : عليك بتجنب المغريات والكثرة من الصلاة.
لم تحل أجوبة المشايخ مشكلة مبارك وإنما عقدتها . كانت المغريات قوية ، ولم تنفعه كثرة الصلاة في ردها ومقاومتها. بقي الحال على ما هو عليه حتى وصلت رسالة من أحد ألشيوخ كانت بلسما على قلب مبارك. لقد أخبره الشيخ الفاضل أنه في أرض كفر وهي أرض حرب وهو كجندي مسلم في أرض حرب يجوز له نكاح نساءهم والتمتع بهن .
منذ وصول تلك الرسالة، تغيرت حال مبارك، فلقد أخذ يعود في المساء مبتسما فرحا ، ومع أنه بقي مواظبا على الصلاة، إلا أنه لم يعد يطيلها كما كان يفعل قبل وصول فتوى الإنقاذ، ولم أسمع منه بعدها دعاءا لطلب المغفرة.