الفكر الثوري والتعدد


جورج حزبون
2013 / 8 / 10 - 18:25     

تعرض الفكر اليساري الى تنوع ، تعدد ، منذ انطلاق ثورة اكتوبر عام 1917 من منشفيك الى بلشفيك ثم ظهور التروتسكية ، وتوالى الامر في مختلف المواقع العالمية والمحلية ، ولم تكن افكار للتطوير بقدر ما كانت للاختلاف ، وعموماً فقد كان مفهوم الثورة على مدى اغلبية القرن العشرين ( ماركسياً ) ، حتى الحركات القومية المحلية ، اطلقت تمردها بالفكر الماركسي ، ذك الفكر الذي تعرض الى اجتهادات وتفسيرات ، جاءت لتتلاءم مع تفسير كل ثورة ، وبالتأكيد كان هناك اغناء للفكر ، لكنه ايضاً وهنا الاهم حمل تعارضات ، وصلت في النهاية الى السقوط دون تحقيق النصر ، وانطبق عليها تلك المقولة الفلسفية ( تناقض تساقط ) .
منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي ، والتي تخلى فيها عن نظرية الصراع الطبقي العالمي وحركة الثورة العالمية ، واتجه نحو مفهوم التعامل مع حركات التحرر الوطني ، وهو الحزب التاريخي والمركزي في فكر الاحزاب الشيوعية العالمية ، حتى ادى ذلك الى توجهات متعددة لعل ابرزها الموقف الصيني، والذي اعتبر الموقف الروسي رجعياً ، وبالتالي فان الروس اعتبروا الموقف الصيني شوفينيا ، اضف الى مواقف الاحزاب الشيوعية الدولية مثل الايطالي والفرنسي والذين اخذا مواقفا مختلفة ايضاً ، بعيداً عن الاستقطاب ، والنتيجة فان الحركة الشيوعية اضحت متعددة ، والمساجلات المتبادلة استندت الى مقولات ماركس ولينين ، حتى اصبحت نصوصاً مقدسة ، رغم تفسيراتها المختلفة وحسب الاهواء .
وفي عالمنا العربي ، بعد ان انطلقت حركة التحرر الوطني بثوب قومي وحدوي ، فان قيام دويلات قسمت الوطن العربي حسب مصلحة المنتصرين من الحلفاء في الحرب العالمية الاولى ، والتي ورثه الامبراطورية العثمانية ، فان مفهم الوحدة القومية تعدد ، ولم يعد يستند الى رفض التقسيم بل الى التعامل مع الواقع ، حيث ان الانقسامات خلقت طبقة منتفعة من الحكم ، وكانت هي في الواقع من البرجوازية الصغيرة ، والتي احتاجات الى فكر يفسر مواقفها ويدافع عنها ، دون التخلي عن مفهوم الوحدة ، حيث هو ايقونة الجماهير ، وهكذا جرى التعدد ، حتى حزب البعث انقسم ، اضافة الى الاحزاب القومية الاخرى ، خاصة وان عبد الناصر ، والذي قاد حركة القومية العربية سنوات الستينات من القرن الماضي ، رفض فكر البعث وحاربه ، وطرح مفهوماً خاصاً غير واضح وغير محدد ، رغم دفاعه عن الوحدة التي ربما عبر عنها في الميثاق الذي صدر عام 1963 حيث يقول // ان الوحدة العربية لا يمكن ولا ينبغي ان تكون فرضاً ، فان الاهداف السامية يجب ان تتوافق اساليبها شرفاً مع غاياتها --، ومع ذلك فقد عارض الجبهة القومية في اليمن وحاربها وهي التي كانت تقاتل الاستعمار البريطاني فعليا ، وفشلت تجربة الوحدة مع سوريا ، واخيراً فان النصر لم يتحقق ، والطريق الى القدس كخطوة استراتيجية نحو الوحدة سقطت مع سقوط القدس، وهزيمة الجيوش العربية ، والتي من اسبابها ذلك القمع للقوى الديمقراطية واقامة دول بوليسية لضرب قوى التحرر العربي فكان ان فشل الجميع وانشل فعله .
ثم قامت حركة الاسلام السياسي ن مبعثها ومحركها ذلك الصراع، بين ما كان يطلق عليه القوى الرجعية والقوى الثورية ، ودعمته قوى البترودولار خاصة مع صعود الثروة بسبب حرب اكتوبر عام 1973 ، والتي كانت بدأت عملية استخدامها منذ ثورة السلال في اليمن ، ومحاولة اقامة حلف اسلامي لمواجهة التيار القومي الناصري ،وهو حال اقتنعت به اميركا كوسيلة مناسبة في معارك الحرب الباردة لمواجهة الاتحاد السوفياتي ، وبالتالي ضرب مجمل حركة التحرر العالمي بوسيلة دينية متوفرة .
وبلا شك فقد كانت حركات سياسية اسلامية قائمة مثل حركة الاخوان المسلمين لكنها كانت متجهة الى المنهج الدعوي ، كذلك الحركات السلفية ، ربما كان تتحين الفرضة ، وبسبب قمع الدولة البوليسية ، والذي وفر لتلك الحركات ارضية شعبية ،ولو على قاعدة التضامن ، ويلاحظ هنا ، ان اغلب حركات الاسلام السياسي العنيفة صاحبة فكر وهابي ( سعودي ) وصاحبة ارتباط بشكل او باخر، وانها خرجت من رحم حركات الاخوان المسلمين ، فقد رفضت فكرها واعتبرته مهادنا ( الظواهري ) نموذج ومصطفى شكري وغيرهم ، وتم طرح افكار متعارضة ومتطرفة مثل التكفير والهجرة والتي لم يكن ممكنا لها الاستمرار دون المد المالي السعودي ، واحياء مفهوم الجهاد في الاسلام واخضاع ذلك المفهوم لتفسيرات القائمين على تلك الحركات ، حيث اصبح حالة ارهابية ترفض من اوجدها مثل السعودية وتعتبرها دولة مارقة ، وتهاجم اميركا وتجدها خصمها الاول قبل وبعد احداث 11 سبتمبر، مما دفعها لاعادة دراسة التجربة عبر تقسيم تلك الحركات وتوجيهها | سوريا مثلا |.
والواقع ان اخضاع الفكر للمصلحة السياسية ، يجعله مهمشاً طالما هو غير موحد ، بغض النظر عن مضمون هذا الفكر كان دينياً او كان ماركسياً ، والنتيجة فان المستفيد الاول من هذه الحالة المتعارضة للطروحات الفكرية ، هو الاستعمار او بشكل ادق الرأسمالية العالمية ، ومراكز ابحاثها التي تبث سمومها في الجماعات الفكرية المختلفة لخلق تعددية وبالتالي التشتت ، ولقد اثبتت تجربة العالم خلال سنوات القرن الحادي والعشرين رغم قصر مدتها ان لا مستقبل للحركات الاسلاموية بل انها تعطل مسيرة شعوبها ، وان الدين ليس هو الخصم بقدر ما هو مشروع يراد تمريره بتفسيرات تدفع لضياع الحقوق والاوطان، وتمنع تطوير مجتمعات حديثة ، كذلك فان الازمة المالية العالمية التي انفجرت عام 2007 لا زالت تتفاعل وتتسع رغم كل محاولات الاحتواء فهي خطوة واسعة على طريق الازمة العامة الحتمية ، وتاكيد واقعية الصراع الطبقي قاطرة التاريخ ، فقد اوضح الحل الماركسي لقضايا البشرية كم هو ممكن مع ضرورة فهمه على طريقة قول ماركس نفسه // ان النظرية دليل للعمل // وليس امامنا بديل اخر ، وليست نصوصا جامدة او مقدسة كما يتعامل الاسلام السياسي مع الدين .ِ