– الحلقة الرابعة- - السجن قلعة النضال -- الجزء السابع –


فؤاد الهيلالي
2013 / 8 / 10 - 09:08     




سلسلة وثائق المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية " إلى الأمام"1979-1980 – الخط الثوري – الحلقة الرابعة- " السجن قلعة النضال "- الجزء السابع –


تحت نيران العدو:من يوميات النضال الثوري لمنظمة إلى الأمام

المعارك البطولية لمنظمة "إلى الأمام"
1970-1979

"لا يهمني أين و متى سأموت ولكن يهمني أن يملأ الأحرار الدنيا ضجيجا حتى لا ينام الأغنياء فوق أجساد الفقراء"

إرنستو تشي غيفارا

"نضال، فشل، نضال جديد، فشل جديد، نضال جديد مرة أخرى، وهذا حتى الانتصار, ذلك هو منطق الشعب وهو كذلك، لن يذهب ضد هذا المنطق".
ماوتسي تونغ

"إن الثورة إبداع والشيوعي إنسان مبدع يعمل على ابتكار وسائل العمل التي تهدف إلى تحقيق الأهداف المرسومة بأكثر الطرق فائدة وأقلها تكليفا وأقصرها زمنا."
الشهيد القائد عبد اللطيف زروال

- فهرس
-الشهداء الثوريون الثلاثة: عبد اللطيف زروال, سعيدة لمنبهي, جبيهة رحال.
- تقديم عام
- الفصل السابع:
- الشهيد الأول:عبد اللطيف زروال الفارس الأحمر
- نبذة مختصرة عن حياته
- ذكريات مع الشهيد
- عبد اللطيف زروال الإنسان
- مقتطفات من فكر عبد اللطيف زروال
- عبد اللطيف زروال المنظر:
- تقديم
- في مواجهة التحريفية
- عبد اللطيف زروال رجل التنظيم
- تقديم:
- مقتطفات من فكره التنظيمي
- عبد اللطيف زروال المناضل الوحدوي
- عبد اللطيف زروال والصمود
- عبد اللطيف زروال الأديب والشاعر
- ملحق: عبد اللطيف زروال: القصيدة والنبوءة
- قصيدة "عن الحب والموت"

الفصل الثامن:
-الشهيدة الثانية:سعيدة لمنبهي : النجمة الحمراء
-نبذة مختصرة عن حياة سعيدة لمنبهي
-الولادة والنشأة والإنتماء النضالي
- 16 يناير1976: يوم الإعتقال
- 16 يناير 1976: الساعة السادسة مساء
- أمام المحكمة أو الوجه الآخر للجلاد
- بعد صدور الأحكام
- معركة سعيدة لمنبهي الأخيرة
- صيف1977 والطريق إلى المعركة الأخيرة للشهيدة
- يوم 12 دجنبر1977: سعيدة لمنبهي تدخل مدينة مراكش دخول الشهداء الأبطال.
- من شهيد إلى شهيدة وإلى كل الشهداء
- على خطى الشهيد عبد اللطيف زروال
- الفصل التاسع:
- الشهيد الثالث: جبيهة رحال صقر القلعة الأحمر الشامخ
- نبذة مختصرة عن حياة جبيهة رحال
- بعض من حياة الشهيد جبيهة رحال
- من النضال الثوري إلى الإعتقال
- جبيهة رحال المعتقل في سجون النظام
- استشهاد الرفيق جبيهة رحال
- جبيهة رحال المناضل الوحدوي
ملحق: وثيقة للشهيد جبيهة رحال
- تقديم:
- الوثيقة:" العملية الوحدوية بين منظمة "23مارس" و"إلى الأمام" جزء من وحدة الحركة الماركسية- اللينينية الشاملة"


الشهداء الثوريون الثلاثة
( عبد اللطيف زروال,سعيدة لمنبهي,جبيهة رحال)
تقديم عام:

يحيى البشر و يموتون فتلك جدلية الحياة و الموت, لكن موت الشهداء هو دوما حياة. فذاكرة الإنسانية المعذبة في كل العصور تحتضن أسماءهم و تحفظ ذكراهم و تذوذ عنهم من عاديات الزمن , و قد يمضي ردح من الزمان و تلف طبقات النسيان الذاكرة الجماعية للشعوب بحكم الخوف و
القمع و تسييد أخلاق الخنوع و انتشار القيم المزيفة, لكن غالبا ما يفاجئ أمواتنا- الشهداء جلاديهم والذين من نسلهم و من يتمترسون في خندقهم, بقدرتهم على العطاء المتجدد أبدا, و لنا في تجارب العالم أمثلة ناصعة على هذا التألق الأبدي.
ففي أحلك مراحل التاريخ الإنساني, تستطيع الترسانة القمعية المادية و الإديولوجية للطبقات الرجعية أن تفرض صمت القبور على الشعوب و الإجماع القطيعي على المثقفين المزيفين, لكن فقط إلى حين ! فصوت الشهداء يظل يتردد كالصدى يشحن إرادة المناضلين و يشحذ العزم على المقاومة. إن هذا ما يخيف طغاة الأنظمة و سدنة الفكر الرجعي المتكلس, ذلك أن إرادة الشعوب تأبى دائما أن تضع – رغم كل التواطؤات – اللؤلؤة في عنق الخنزير.
إن الشهداء ليسوا سلعة تباع و تشترى و لا بضاعة يرتزق بها, إن الشهداء مشروع ثورة دائم و نار حارقة لمن حاول طمس جذوتها.
سيبقى الاستشهاد لغزا محيرا للفكر البرجوازي, فالاستشهاد قيمة أخلاقية تستعصي على الفهم لدى المتشبعين ب "العقلانية" البرجوازية النفعية و البرغماتية. فالتضحية بالنفس ليست قيمة بالنسبة لدعاة الفردانية الليبرالية.إن الفردانية البرجوازية تحمل في طياتها تناقضها المميت, ففي الوقت الذي تمجد هذه الإديولوجية الفرد و الحرية و المساواة فهي في نفس الوقت تعبر عن سحق لفردانيته و دوس على كل المبادئ الإنسانية التي تدعيها.
و خلافا لذلك , فالماركسية , باعتبارها علم تحرر البرولتاريا, تأكيد لأخلاقية محررة من الاستيلاب الأخلاقي و الوهم الإديولوجي, ذلك أنها تؤسس لقيم جديدة انطلاقا من الواقعي في سعي لبناء منظومة قيم أخلاقية جديدة.
إن الدور التاريخي للبرولتاريا , خلافا لدعاة الفردانية القدامى و الجدد, يقوم على أساس عقلانية عميقة متحررة من القيم الوهمية, عقلانية تضع حدا للاستيلاب الإنساني و للجشع الرأسمالي الفرداني و بذلك تخلق قيمها الخاصة, فالعامل المستغل – و ايضا المثقف المستلب – لا يحتاج إلا
للصبر أو الانقياد و الاستسلام للواقع و ذلك حسب منطق الأخلاق السائدة بقيمها المتعفنة.
أما البرولتاري الواعي لطبقته و لدورها التاريخي و المثقف المندمج في السيرورة التاريخية الثورية الأصيلة, فيحتاجان لقيم البطولة و حس المسؤولية التاريخية و الحماس و ضرورة اكتساب المعرفة العلمية و ربط الممارسة النضالية بالنظرية الثورية التاريخية للتغيير.
في المنظور الماركسي فإن " الواقعي " سيرورة و إمكان. و الممكن تألق للإنسان الواعي لشروط حريته. إن التقدم نحو هذا الإنسان الشامل الذي يقوم في عمق الطرح الماركسي, بالشكل الذي حدده ماركس و لينين بالنسبة لإنسان المجتمع الشيوعي, لا يمكن تحقيقه إلا على قاعدة التجاوزلشروط الوجود الحالية, إن التجاوز بمعناه الديالكتكي تحطيم للشروط القائمة و رفع ب " الواقعي" إلى أعلى أي السمو به.
بهذا المعنى يعتبر التجاوز واجبا اجتماعيا و فرديا , لاينفي السيرورة التاريخية و يسير في اتجاهها نحو الإنسان الشامل . فمن ملكوت الضرورة إلى ملكوت الحرية.
لقد ساهمت الثورة الفلسفية للماركسية في خلق نماذج جديدة من الطلائع المناضلة, ذات حيوية طبيعية و متفتحة و ذات وضوح كامل ,قادرة على الربط بين الممارسة الثورية و التفكير النظري المادي و الجدلي ضمن براكسيس ثوري يروم تحقيق الثورة.
إن المشروع الاشتراكي بطرحه لشعار " الفرد الحر في مجتمع حر",يدعو إلى تجاوز الاستيلاب الإنساني و و ضع حد للتناقضات الداخلية للفرد و الدفاع عن قيم جديدة لا تحركها التنافسية و الربح الأقصى محرك الأنانية الرأسمالية.
إن الماركسية, ضدا على " الماركسية الباردة" التي يروج لها دائما أكاديميو الجامعات والمثقفون المهووسون بعلم المتودولوجيا (الماركسية مجرد ميتودولوجيا لتحليل الواقع) هي علم للثورة( " إن الشيوعية هي علم تحرر البرولتاريا "انجلز, "مبادئ الشيوعية").
إن الحق في الثورة هو أسمى حق, يعلو و لا يعلى عليه. و إن خدمة الجماهير هي المبدأ الأخلاقي الأساسي الذي يحكم الممارسة الثورية للمناضلين الشيوعيين.
من هذا المنطلق ينتمي شهداؤنا الثلاثة عبد اللطيف زروال و سعيدة المنبهي و جبيهة رحال إلى قافلة شهداء الحركة الماركسية – اللينينية المغربية و قافلة شهداء الحرية بأبطالها و ملاحمها الخالدة.
و كلما احتد الصراع مع أعداء الحرية من كل صنف و نوع, و كلما انتشر الزيف و التحريف, و برز مسوقو الأوهام و طفا على السطح مثقفو " الطريق الوسط "( أو القابضين على العصا من الوسط) و هم فئة بالغة الطموح قليلة الأمل , آلت على نفسها ألا تعيد الكرة و أن لا تلدغ من الجحر مرتين, فئة صممت العزم على استخدام ذكائها بما يعود عليها بالنفع و أحياناالربح السريع, أناس أشكل عليهم الأمر و التبست عليهم الطرق فاختلط عليهم الحابل بالنابل حد أن اختلطت خطاباتهم بالخطاب " الرسمي" السائد,سنتذكر شهداءنا العظام بطيبوبتهم و تلقائيتهم و بساطتهم و أخلاقهم النبيلة و شجاعتهم الناذرة.
فتحية لشهدائنا الأبطال و من يكرم الشهيد يتبع خطاه.
- الفصل السابع
-الشهيد الأول :

عبد اللطيف زروال: الفارس الأحمر
نبذة مختصرة عن حياته:

تاريخ الولادة: 15 ماي1951
الأم : فاطمة بنت محمد البصراوي
الأب: عبد القادر بن الجيلالي
المكان: مدينة برشيد
المهنة: أستاذ الفلسفة
تاريخ الاعتقال: 5 نونبر 1974
تاريخ الاستشهاد: 14 نونبر 1974
مكان الاستشهاد: درب مولاي الشريف ( معتقل سري بمدينة الدار البيضاء)( لفظ أنفاسه الأخيرة بمستشفى ابن سينا- الرباط-
السن عند الاعتقال: 23 سنة
السن عند الاستشهاد: 23 سنة

-ذكريات مع الشهيد

تعود معرفتي بالشهيد عبد اللطيف زروال إلى سنة 1971,عندما كنت أحضر الندوات التي تنظم في الجامعة في مناسبات مختلفة و بالضبط في إحداها بكلية العلوم, و كان الأمر يتعلق بالقضية الفلسطينية ,و كان جل المحاضرين ينتمون إلى القوى الإصلاحية منهم علال الفاسي و محمد الخصاصي و غيرهم .
خلال هذه الندوة دارت إحدى المعارك الفكرية و السياسية حول القضية الفلسطينية بين اليسار الثوري و القوى الإصلاحية التي كانت تحاول خلط الأوراق و تقديم صورة مشوهة عن القضية, بل ذهب محمد لخصاصي إلى حد تشويه ماركس من خلال قراءة مشوهة لكتاب كارل ماركس" حول المسألة اليهودية".
و تصدى اليسار الثوري لتلك الترهات الإصلاحية," الإسلامية "أو القومجية, بالدفاع عن منظور الثورة العربية والدور الطليعي للثورة الفلسطينية في مواجهة الثالوث الصهيوني الامبريالي الرجعي.
تعرفت في كواليس القاعة على الرفيق زروال الذي كان يخوض نقاشا مع مجموعة من المناضلين , بينما كنا نحن نساهم في التصدي للمناورات التي كان يقوم بها الإصلاحيون والتحريفيون للتشويش على مداخلات الرفاق و تشويه آرائهم.
كانت لقاءاتنا في هاته الفترة تتم بالصدفة بعيدة عن أي إطار تنظيمي.وفي نهاية دجنبر71 – بداية يناير72 حضرنا معا الندوة الوطنية الأولى لمنظمة" إلى الأمام", و كانت أول فرصة للتعارف أكثر خاصة بعدما تم انتخابنا أعضاءا في اللجنة الوطنية للمنظمة التي تفرعت عنها كتابة وطنية ضمت من بين صفوفها الرفيق عبد اللطيف زروال.و كانت اجتماعات اللجنة الوطنية بعد ذلك إطارا للنقاش و التعرف على أفكار و آراء الرفاق الآخرين بالإضافة إلى شخصيتهم و أسلوبهم.
إبان هاته الفترة ساهمت النضالات الموحدة بين الحركة الطلابية و الحركة التلاميذية في تعزيز العلاقة النضالية مع الرفيق ( المعني بالنضالات الموحدة: المعارك البطولية التي خاضتها الحركة الطلابية و التلاميذية في فبراير – مارس 1972 ).
في إحدى أيام هاته المعارك, و حيث أن الجامعة كانت تعرف صراعا مريرا بين اليسار الثوري و القوى الإصلاحية والتحريفية حول أفق المعارك آنذاك, و عندما كانت كلية الآداب تعقد إحدى أهم تجمعاتها العامة, التحقت الحركة التلاميذية بقيادة اليسار الثوري بكلية الآداب و حاصرتها مرددة الشعارات الثورية ( لا إصلاح لا رجعية قيادة ثورية) ثم اقتحمت كلية الآداب. وقعت هناك أزمة بسبب هذا التدخل, حاول الاتحاديون استغلالها لإفشال التجمع و تشبت التلاميذ بموقفهم مالئين القاعة بشعاراتهم و أناشيدهم الثورية, و كان لابد من حل, فبرز الرفيق عبد اللطيف الزروال و هو عضو تعاضدية كلية الآداب, و ناقش الطلائع التلاميذية في موقفها مبرزا مدى اتفاقه معها, لكن كان يؤكد على ضرورة عدم إتاحة الفرصة للقوى الإصلاحية لكي تمرر مناوراتها , و بعد أخذ و رد و تدخل من الرفيق تم الاتفاق على أن ينسحب التلاميذ من داخل الكلية مع منحهم الكلمة داخل التجمع للتعبير عن موقفهم بالنسبة للمعركة .وكان لهم ذلك فناشد ممثلو الحركة التلاميذية الطلبة بالتصويت لصاالح استمرار المعركة.
أدركت خلال هذه التجربة القصيرة تلك القدرة الفائقة للرفيق على الإقناع و حل المشاكل في أعقد الظروف دون أن يفقد برودة دمه.
منذ ذلك الوقت أصبحت اتصالاتنا منتظمة سواء من خلال اجتماعات اللجنة الوطنية أو من خلال الزيارات التي كنت أقوم بها للشقة التي كان يقطنها في حي المحيط بالرباط قرب الكنيسة( قاعة المهدي بن بركة حاليا).
تعرفت خلال هذه الزيارات المتكررة على أوجه مختلفة من شخصيته سواء تعلق الأمربنظمه للشعرأوتعلقه بالموسيقى و الغناء ( كان معجبا كثيرا بأغاني فيروز و بالأخص أغنيتها زهرة المدائن). كما كانت تدور أحاديثنا بالإضافة إلى الجوانب السياسية أو التنظيمية, عن السينما العالمية و العربية. كنت مشاركا في مجموعة من الجرائد والمجلات التي كانت تصدر بهافانا و منها " غرانما" و "تريكونتنونطال"و كانت هذه الأخيرة تقدم ملفات عن السينما الثورية بأمريكا اللاتينية و التي كانت تسمى السينما " الغوارية".ومن هنا كان يدور النقاش حول جدوائيتها بالنسبة للثورة المغربية.
السينما "الغوارية" هي نوع من السينما الثورية ينتجها مناضلون يستعملون الكاميرا بدل البندقية, فيذهبون إلى الأحياء الشعبية و العمالية و الضواحي و يقدمون عرضهم للجماهير بدون أية رخصة ثم ينسحبون ما أن يتم تطويق المنطقة من طرف الأجهزة القمعية.
كانت المجلة تقدم محاولات نظرية لتأسيس سينما ثورية بدل السينما البرجوازية وأيضا ما يسمى بالسينما السياسية.كما كنا كذلك معجبين بفيلمي " الأرض" ليوسف شاهين و"z" لغوسطاس غفراس.
و إذا كانت هذه اللقاءات, قد سمحت لي عن قرب ,بمعرفة جوانب من حياة الرفيق, لا تسمح بها لقاءات اللجنة الوطنية, نظرا للاتزام بجداول أعمال محددة في ظروف سرية تامة, حيث كانت أماكن الاجتماعات تتغير من لقاء لآخرخلافا لما أصبح عليه الأمر بداية خريف 72 ,حيث انتقلت اجتماعات اللجنة الوطنية إلى مدينة الدار البيضاء, التي أصبحت مركز القيادة( كان مقر القيادة يوجد في العنوان التالي : 44 شارع غاندي الدار البيضاء), فإن الاجتماعات التنظيمية سواء منها اجتماعات اللجنة الوطنية أو الندوات الوطنية أو غيرها, قد سمحت لي برصد الصفات الثورية والخصال الإنسانية لدى الرفيق عبد اللطيف زروال, تلك الصفات التي جعلته يلعب دورا رئيسيا داخل المنظمة و يتألق كأحد قادتها البارزين.

عبد اللطيف زروال الإنسان
"إن الثورة إبداع والشيوعي إنسان مبدع يعمل على ابتكار وسائل العمل التي تهدف إلى تحقيق الأهداف المرسومة بأكثر الطرق فائدة وأقلها تكليفا وأقصرها زمنا."

هدوء في قوة, توازن في الشخصية,مرح الطباع , محب للنكتة, تتحول معه مائدة الأكل إلى لحظات استراحة حقيقية,قدرة فائقة على التحليل , وبراعة في التركيب عند الصياغة و التقرير, حسن الاستماع إلى الآخرو دقة الملاحظة, مواعيد صارمة و انضباط ذاتي أضحى تلقائيا, أسلوب ناجع في النقد دون تجريح و استعداد للنقد الذاتي دون جلد للذات, فالشيوعي عنده إنسان مبدع و الثورة إبداع, حس عال بالمسؤولية و قوة داخلية تعبر عن نفسها في لحظات الشدة, فلا ارتباك و لا خوف واستعداد دائم لمواجهة الظروف الصعبة بعزيمة لا تلين, ماركسي – لينيني ثوري منفتح على كل الثورات الحقيقية, معلم ثوري يتعلم باستمرار فلا مكان عنده للاستعلاء, محب للجماهير مستعد دائما لخدمتها و ثوري متفائل أبدا تعكس ذلك ابتسامته الدائمة.

مقتطفات من فكر عبد اللطيف زروال:
عبد اللطيف زروال المنظر:

- تقديم

إن الكشف عن الدور الذي لعبه الشهيد عبد اللطيف زروال كمنظر داخل المنظمة الماركسية- اللينينية المغربية " إلى الأمام", يصطدم عند محاولة التوثيق له بكون أغلب الوثائق كانت توقع إما باسم الكتابة الوطنية أو اللجنة الوطنية للمنظمة, علما أن أسلوب العمل الجماعي و القيادة الجماعية كان على رأس المبادئ التي كانت المنظمة تحاول العمل بها ( انظر في هذا الصدد وثيقة النظام الداخلي للمنظمة التي سبق و أن نشرناها في إحدى الحلقات السابقة)لكن جل الرفاق و خاصة ممن كانوا يشكلون النواة الأساسية للمنظمة يعرفون أسلوب الرفيق في الكتابة و مضمون أفكاره لحد إدراك الحضور القوي لفكره في كل النصوص,ورغم ذلك هناك وثائق عرف عنها أنها صيغت بالكامل من طرفه مثل " قاطرة الجماهيرو قاطرة المساومين"أو بشكل مشترك مثل "تناقضات العدو و الأفق الثوري بالمغرب " (هاته الوثيقة كتبت بشراكة مع أبراهام السرفاتي) و" نحو تهيئ شروط قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية "التي قام بصياغتها.
أما الوثائق الأخرى " عشرة أشهر من كفاح التنظيم: نقد و نقد ذاتي" و "الوضع الراهن و المهام العاجلة للحركة الماركسية- اللينينية " و " من أجل خط ماركسي – لينيني لحزب البرولتاريا المغربي" و ورقة " ما هو الإطار الشيوعي"و" لنحسن استعمال السلاح الخلاق للتنظيم"و" أهمية سلاح النظرية", كلها وثائق تشع بالروح الثورية الماركسية – اللينينية لدى الرفيق عبد اللطيف زروال.
لقد ساهم الرفيق ابتداءا من الندوة الوطنية الأولى في سيرورة نقد خط العفوية الذي ساد خلال السنتين الأولتين من تأسيس المنظمة , و هكذا عبر نقاشات ثنائية و جماعية استطاع أن يلعب دورا كبيرا في تركيب الأفكار التي ستنقلها وثيقة " عشرة أشهر من كفاح التنظيم..." التي أسست لإعادة بناء المنظمة من جديد تحت شعار:
" من أجل بناء منظمة ثورية , طليعية , صلبة و راسخة جماهيريا" و وضعت الشروط لتحقيق ذلك.
هنا لابد من التذكير بالدور الذي اضطلع به الرفيق في الصراع من أجل انتصار الخط الثوري داخل المنظمة في الفترة الممتدة من الندوة الوطنية الأولى إلى صدور وثيقة" عشرة أشهر .." و ذلك بمعية مجموعة من الرفاق الطلبة و التلاميذ و عدد آخر من الأطر( نعني بالأطرأولئك الرفاق الذين يتوفرون على حد أدنى سياسي و نظري و ليس على أساس دبلوم أو غيره).
لم تنحصر إسهامات الرفيق في الجوانب التنظيمية فقط بل تعدتها إلى المفاهيم الاستراتيجية مثل دوره في النقاش حول الاستراتيجية الثورية, كما تعكسه و ثيقتان أساسيتان و هما : " مسودة حول الاستراتيجية الثورية " و "الوضع الراهن و المهام العاجلة للحركة الماركسية – اللنينية"( النص الداخلي ) و مساهمته في تطوير المفاهيم التكتيكية للمنظمة كما هو الحال في الوثيقة التي صاغها: "نحو تهيئ شروط قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية"
أما وثيقة " تناقضات العدو و الأفق الثوري بالمغرب" فقد ساهمت في تطوير المفاهيم السياسية الطبقية للمنظمة والتي جاءت تطويرا متقدما لوثيقة " سقطت الأقنعة فلنفتح طريق الثورة " هذا الإسهام الذي ظل مستمرا في الوثائق اللاحقة مثل " الوضع الراهن ..." و " نحو تهيئء شروط قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية".
و يحتل مفهوم الحزب الثوري و بناءه في علاقة جدلية مع نضال الحركة الجماهيرية الثورية موقعا أساسيا في فكر الرفيق , و ستتفرع عن ذلك مفاهيم عديدة منها مفهوم الصمود كعامل حاسم في بناء الحزب تحت نيران العدو. و مفهوم الصمود عند زروال متعدد الأشكال و غني بالمضامين .
و يخترق كل هذه الإسهامات منظورمتجدد باستمرار لأساليب العمل الثوري ولمفهوم الإطار الثوري المتعدد المواهب و الاختصاصات و نعني هنا المحترف الثوري بالمعنى اللينيني الشامل.
إن الثورة عند الشهيد زروال إبداع و الشيوعي إنسان مبدع و بهاته الطريقة كان يقوم بقراءة كل الثورات, كان يقول دائما " إن مهمتنا هي الثورة في المغرب لكن دون عزل هذه المهمة عن الثورة العربية و الثورة العالمية.
في مواجهة التحريفية
"إن الأفكار الكبرى للثورة الثقافية البروليتارية العظمى في الصين قد مكنت من إحياء وإغناء النظرية الماركسية-اللينينية التي كانت التحريفية العالمية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي بلد أكتوبر وبلد لينين قد أسدلت عليها ستارا كثيفا من التحريف والتشويه. لقد أعادت الثورة الثقافية رفع الراية المجيدة للأممية البروليتارية ولدكتاتورية البروليتاريا ورفع راية الخط الجماهيري, ونحن الماركسيون-اللينينيون المغاربة لم يكن انفصالنا قطيعة مع التحريفية المحلية فقط بل ومع كل خط التحريفية العالمية، وفي نفس الوقت استيعاب المساهمة العظيمة للثورة الثقافية ولخطها الجماهيري الذي يستند على قدرة الجماهير الخلاقة في صنع الثورة وقيادتها. واستنادا على هذه المساهمة استطاع المناضلون الثوريون في مختلف جهات العالم إدراك خيانات التحريفية وإزالة التشوهات والغموض التي كانت تحجب بها المبادئ العظيمة للماركسية اللينينية."
"إن جدلية فكر لينين ومساهمة الثورة الثقافية الكبرى ونضالات الثورة العالمية تجعلنا نرفع عاليا موضوعة الحزب الثوري كانبثاق لتقدم وتعمق كفاحات الجماهير، وتهيكله كحزب ثوري يستند إلى المركزية الديمقراطية في قيادته لكفاحات الجماهير، وفي مقدمتها الطبقة العاملة طليعة الثورة، بكل ما تحمله هذه الموضوعة من مضامين خلاقة."

عبد اللطيف زروال رجل التنظيم
- تقديم:
كان عبد اللطيف زروال رجل تنظيم بامتياز, و لن تجد من يختلف حول هذا الأمر.لقد كانت حقيبتة بمثابة مكتب متحرك وأجندة مضبوطة للمواعيد و دقة عالية في احترامها, فلم يسبق له أن تغيب عن اجتماع أو لقاء لحد أنه لما تغيب ذات يوم أدرك الجميع أن الرفيق قد تم اعتقاله و هذا ما حصل يوم الخامس من نونبر1974.
كان لدى الرفيق حسا عاليا بالزمن حيث كان يرى أن على الشيوعي أن ينجز مهامه بأدنى تكلفة و بأقل وقت ممكن ( انظر من أجل خط ماركسي – لينيني). كان الشهيد يجسد روح الانضباط البرولتاري الذي لا يتهاون مع المبادئ و الميوعة و غياب الهمة و الحماس عند المناضل الثوري, و كلمته الدائمة بالدارجة المغربية المصحوبة بابتسامته البريئة " أش هاذ التخاذل أ الرفيق ؟"ثم يلوذ بالصمت تاركا للآخر فرصة مراجعة نفسه بدون إحراجه, لم يكن الرفيق من النوع الجاف و البارد المشاعر, ذلك النوع الذي كثيرا ما نصادفه و الذي غالبا ما يسقط في الحسابات الضيقة على حساب الروح الشيوعية الحارة التي تنقل الدفئ و الحب إلى كل الرفاق و المناضلين.
مدرسة زروال التنظيمة باختصار تقوم على احترام المبادئ الشيوعية و الأخلاق الثورية و المشاعر الرفاقية المستندة إلى أسلوب عمل و منهجية تقدر المسؤولية, و تسمو بالعلاقات الرفاقية باعتبارها تجسيدا لمجتمع قادم, مجتمع الإنسان الاشتراكي و الإنسان الشامل للمجتمع الشيوعي.

- مقتطفات من فكره التنظيمي:
"منظمة ثورية تستند على المركزية الديمقراطية في ديناميتها الداخلية، في جدلية القيادة والخلايا وتستمد حيويتها من جدلية المنظمة والجماهير، منظمة مبنية على وحدة الإرادة ووحدة الفكر والممارسة الجماعية، مركزية لبناء وحدة متينة سياسية وإيديولوجية وتنظيمية وتركيز التنظيم كبلورة للقوى الطليعية للجماهير، وديمقراطية تفتح مجال المبادرة والانتقاد داخل التتنظيم:
أ‌. منظمة ثورية تستند على الدور الطليعي للبروليتاريا في الخط والممارسة، وتضع مهمة التجذر داخل الطبقة العاملة في مقدمة كل المهام، من أجل بناء الطليعة البروليتارية، وبدون إنجاز هذه المهام "فإن تنظيم المحترفين الثوريين قد يصبح ألعوبة ومغامرة ومجرد شعار بدون مضمون" كما يقول لينين، منظمة ثورية تستعمل نظرية البروليتاريا : الماركسية اللينينية في تحليل الواقع الملموس لبلادنا، وخوض نضال حازم ضد مختلف الإيديولوجيات البرجوازية.
ب- منظمة ثورية مهيكلة من المحترفين الثوريين، منظمة الشيوعيين الذين ينظمون ويكرسون حياتهم وعملهم اليومي للثورة، ينبثقون من النضال الجماهيري ويشكلون طليعته، على هذا الأساس يتحدد أعضاؤها وتتحدد مقاييس استقطابهم, منظمة ثورية تندمج بحركة الجماهيروتعمل على بلورة القوى المتقدمة من حركة الجماهير في كل مرحلة.
وسنعيد في هذا التقييم بناء المحاور الرئيسية التي يجب أن تستند عليها الانطلاقة الجديدة لتنظيمنا نحو بناء منظمة ثورية صلبة.
ج- منظمة ثورية تساهم بصفة فعالة في وحدة الماركسيين اللينينيين، مساهمة تنبني على حصيلة نضال المنظمتين الثوريتين ومكتسباتهما داخل الحركة الجماهيرية، من أجل منظمة ماركسية-لينينية موحدة نحو بناء الحزب الثوري.
د‌- منظمة ذات خط سياسي سديد، ينبع من الاستيعاب الدائم لخصائص الوضع ببلادنا وتطوراته، والقدرة على استعمال المنهج الماركسي-اللينيني في تحديد هذا الخط، خط سياسي يستند على تطوير حركة الجماهير الثورية والسير على رأسها، وفي مقدمتها الفلاحين الفقراء وشبه البروليتاريا ومجموع قوى الشعب الثورية بطليعة البروليتاريا وحزبها الطليعي نحو آفاق الحرب الشعبية، ودمج العنف الثوري بمسيرة حركة الجماهير نحو الحرب الشعبية.
ه‌- منظمة ثورية يلتزم أفرادها بالانضباط الصارم على كافة المستويات، انضباط الرفاق للخلايا، انضباط الأجهزة الدنيا للأجهزة العليا، وبالممارسة الدائمة للنقد والنقد الذاتي جماعيا وفرديا، داخليا وأمام الجماهير.
و‌- منظمة ثورية ذات قيادة صلبة ومتينة، قادرة على بناء الخط السياسي وضمان تطبيقه في كل مرحلة وتطوير ممارسة التنظيم، وقادرة على ضمان الوحدة السياسية والإيديولوجية والتنظيمية وعلى نهج المركزية الديمقراطية داخل التنظيم."


" إن مهمة بناء الحزب الثوري البروليتاري هي تلك المسيرة التي ينخرط فيها اليسار بنضالات الطبقة العاملة و يعمل على قيادتها . و يعمل فيها على توفير أسس التحالف العمالي – الفلاحي , من خلال دمج الماركسية – اللينينية بواقع بلادنا الملموس , و هي مسيرة نضالية يعمل فيها اليسار على الانخراط في الكفاح الجماهيري بمختلف الأساليب ,و فق خطط معينة في كل مرحلة من أجل الوصول إلى التأثير فيه و قيادته . و بهذا الطريق وحده يمكن للأطر البروليتارية أن تتبلور و للحزب الثوري أن ينشأ ".

"إن تصليب تنظيماتنا وتمتينها أمر حاسم في هذه الفترة, من أجل تقوية شروط الدفاع الذاتي لدى الجماهير, كما أكدنا على ذلك في وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية-اللينينية", فما يزال هذا العمل يتطلب المزيد من تكثيف الجهود. ونقصد هنا بالتنظيمات تلك التي تشكل محور الربط العضوي بين المنظمة والتنظيمات الجماهيرية التي نعمل داخلها والحركة الجماهيرية بصفة عامة, وفي مقدمة هذه التنظيمات اللجان الأساسية, ولجان النضال داخل القطاعات, وبدرجة أولى اللجان العمالية, من أجل تكثيف العمل الشاق لغرس جذور منظمتنا داخل الطبقة العاملة وبناء أسسها البروليتارية بدرجة مركزية. اعملوا إذن بمزيد من العزم والحماس على إحكام اللجان الموجودة, إضبطوا اجتماعاتها وبرامجها النضالية, كثفوا العمل الإيديولوجي بدون كلل, اجعلوا من "إلى الأمام" أداة تصليبها وتكوينها, إشحذوا عزيمة مناضليها بالحماس الثوري وارفعوا كفاءاتهم النظرية والعملية, حولوا اتصالاتهم المتفرقة إلى حلقات منتظمة واجعلوا من "إلى الأمام" وسيلة للوصول إلى ذلك."

عبد اللطيف زروال


عبد اللطيف زروال المناضل الوحدوي
"تشكل مهمة توحيد الماركسيين اللينينيين في منظمة مكافحة واحدة تكون نواة صلبة للحزب الثوري, مهمة مركزية حاسمة في إنجاز مجموع المهام الأخرى, وقد أشرنا في البداية إلى الخطوط العريضة لإنجاز هذه المهمة العظيمة, والحلقة المركزية في إنجازها هي توحيد الخط الإيديولوجي والسياسي والتنظيمي للحركة الماركسية اللينينية المغربية, بواسطة الصراع الإيديولوجي الإيجابي, على أن يكون هادفا للوحدة, وأن يكون ديمقراطيا ومنظما خاضعا لبرنامج متماسك الحلقات ومنسق الخطى, وأن يرتبط بالممارسة المشتركة الموحدة, ويتبادل التجارب والمؤازرة النضالية ضد العدو المشترك, وأن يتجنب كل مساوئ الحلقية والابتزاز ... إلخ ..."

"إن إثارة القضايا بشكل مجرد فقط, دون ربطها بالواقع الملموس في بلادنا, وبالتجربة المعاشة لكل طرف, لا يسمح بتطور إيجابي للنقاش, إذ يظل النقاش في سماء المفاهيم المجردة, دون أن يستند إلى التجربة المحددة التي تثبت صحة هذا الرأي أوذاك, ويكمن هنا أسلوب فعال في حسم التناقضات القائمة بين المواقف بالاستناد إلى التجربة المعاشة."

"إن النهج السديد في تحديد الخط الماركسي اللينيني للثورة والإجابة على قضاياها النظرية والعملية يكمن بالدرجة الأولى في التحليل الطبقي السديد, وتلك هي المهمة الأولى الملقاة على عاتق الثوريين, على قاعدة التحليل الملموس للواقع الملموس القائم على دمج الحقيقة العامة للماركسية اللينينية بواقع بلادنا, لهذا فإن أية موضوعة في الخط الذي نقترحه ينبغي أن نستلهم التحليل الطبقي العلمي لبلادنا في طرحنا, هنا تكمن مسألة جوهرية في الإجابة على القضايا المطروحة, من اجل صياغة الخط الماركسي اللينيني للثورة المغربية وتقديم النقاش بصورة مضطردة نحو أهدافه العظيمة."

"نسطر بعض المبادئ التنظيمية لحزب البروليتاريا الثوري والتي ينبغي أن تقوم عليها المنظمة الماركسية اللينينية الموحدة:

-;- التطهير المستمر للمنظمة من كافة العناصر المنحرفة والمتفسخة والمرتدة وتجديد دمائها باستمرار.
-;- التطبيق المتواصل لخطها وانتقاده وإنمائه
-;- تسديد التثقيف النظري والصراع الإيديولوجي الهادف
-;- تعزيز الطابع البروليتاري للمنظمة وبلترة الأطر.
ويتطلب تطبيق هذه المبادئ الشروط التالية :

-;- الانضباط البروليتاري الصارم والموحد على كافة المستويات.
-;- القيادة الجماعية : عبر ضرب كافة أشكال تسلط الفرد والمبادرات الفردية اللامسؤولة, إن هذا المبدأ يجسد مفهوم البروليتاريا العام على صعيد الممارسة التنظيمية.
-;- النقد والنقد الذاتي داخل المنظمة وأمام الجماهير.
-;- المركزية الديمقراطية : القائمة على جدلية الطليعة والجماهير, وتوفير منظمة حديدية وموحدة الإرادة والفكر والممارسة, وتفتح مجال الانتقاد والابتكار, ومتدفقة الحيوية,على أساس وحدة الانضباط على جميع المستويات, وينبغي ممارسة المركزية الديمقراطية مع الجماهير وذلك من خلال جدلية المنظمة والتنظيمات الثوريةلشبه الجماهيرية والمنظمات الجماهيرية."

عبد اللطيف زروال و الصمود

"إن الموت لا يخيف المناضل، بل هو واجب نستعد لتأديته كل ما كان ذلك ضروريا، ويستطيع الماركسيون-اللينينيون مقاومة التعذيب، لأنهم يدركون أن تعذيبهم جزء بسيط، وبسيط جدا، من العذابات اليومية التي تعيشها الجماهير، جزء بسيط من آلاف التضحيات التي تقدمها الشعوب في كفاحاتها، في فلسطين، في الفيتنام والكامبودج واللاووس، في ظفار في أنغولا، في الموزمبيق، في أمريكا اللاتينية، في كل مكان، يستطيعون ذلك لأنهم يحملون معهم الإيمان بانتصار قضية البروليتاريا، لأنهم يحملون معهم وفي عضويتهم الإيمان بالجماهير وقدرتها على هزم الأعداء."

عبد اللطيف زروال الأديب الشاعر

إذا استثنينا قصيدته الشهيرة "عن الحب و الموت" فستظل إنتاجاته الأخرى مفقودة إلى أجل غير مسمى, ذلك أن المخابرات المغربية كانت قد اقتحمت إحدى المنازل السرية للمنظمة بحي إفريقيا بالدار البيضاء ,حيث كان يستقر هناك أرشيف المنظمة الذي تم تهريبه من مكان آخر بعد اعتقالات بداية نونبر 1974. و كان ضمن الأرشيف مخطوطات الرفيق و كتاباته الشخصية و كل إنتاجاته, ولم تنج من قصائده سوى قصيدته المشار إليها أسفله, كما لو أن قدرا خبيثا شاء أن تظل مجهولة كقبره تماما.
ملحق:

عبد اللطيف زروال: القصيدة والنبوءة.


عن الحب و الموت
الصورة

تعود في كل العصوروالألوان و الفصول
تعود كالفراش للحقول
تعود من شاطئ الموت محارة
غيمة ماطرة ...شرارة
نقية كقطرة ندى في ريش عصفورة
أراها تلملم شظايا المرآة المكسورة
و إطار الصورة ,
تعود للحب , بعد الموت , صبية
تغمر وجه العاشق , بالقبل الندية
ها هي فراشة تطير
تغمر جسد القتيل بالزهور
و تصبح راقصة في النور
هي هنا في مملكة الأبد
روح شفافة بلا جسد
حلت بروحي ...تقطرت شهدا في فمي
فسقط المطر...و أنضرت الغابة
فلماذا ...حين مددت لها يدي المرتجفة
انقطع الخيط ...؟
وطارت من الشرفة...

العاشق

جبت عنها أرض الأسطورة و الخرافة
أسأل الريح و المنجم و العرافة
نمت على كل الأرصفة...
أحمل قلبي على كل شرفة
أعبر كل المضايق و الجسور
أحمل حبها في كل العصور
أتبع طيفها في زحام العالم الكبير
أذرع الموانئ و البحار
أحفر اسمها في الأمواج و الأصداف
ما جمعت كفاي غير المحار
عانيت الموت و الظمأ و الدوار
و تمزقت ...و قاتلت في كل الجبهات
و لذت بالفرار
آه يا حبها ...
وحدي على انتظار
تكسر السيف و جف الزاد
و يبست شفتاي من الإنشاد
من يمنحني قلبه ساعة الطحان ؟
وحدي على انتظار :
حين تأفل شمس النهار
أعبر إليك الأسوار
أمسك بالخيط الذي يهتز ...
يسقط الخيط عنكبوتا على الجدار
أرتد إلى يأسي ممزقا منهارا
الحب, يا رفيقتي, صليب الذين يحبون و يظلون
يحفرون في الجدار, حتى يسقط أو يسقطون
الحب , يا رفيقتي , مجازفة
و ليس غير السيف من يعيدني إليك
ليس غير السيف من يذيب جليد المسافة


الشهيد

ها أنذا أسقط في الساحة
أحمل قلبي , وردة حمراء, تنزف دما
ها أنذا عريان , أزحف فوق القتلى
و ألم أطرافي... كي أمسك بالراية الممزقة
و أنفخ بدمي في رماد الشرارة المحترقة
ها أنذا أدفع الضريبة
فلتباركي موتي ياحبيبة

عبد اللطيف زروال 1972

الفصل الثامن
الشهيدةالثانية:
سعيدة لمنبهي: النجمة الحمراء

نبذة مختصرة عن حياة سعيدة لمنبهي
تاريخ الولادة: 1952
المكان: مدينة مراكش
المهنة: أستاذة الإ نجليزية بالرباط
تاريخ الاعتقال: 16 يناير 1976
السن عند الاعتقال: 24 سنة
الحكم الصادر: 5 سنوات + سنتان
تاريخ صدور الحكم: 14 فبراير1977
تاريخ الاستشهاد: 11 دجنبر 1977
مكان الاستشهاد: مستشفى ابن رشد - الدار البيضاء
السن عند الاستشهاد: 25 سنة
- الولادة والنشأة والإنتماء النضالي:
كان البلد المغرب , قطعة من جغرافية هذه الأرض, يوجد في شمال غرب إفريقيا أو غرب المغرب الكبير, و كانت المدينة /مراكش , الحمراءإحدى أقدم عواصم المغرب التاريخية ,أسسها المرابطون و جعلوها عاصمة لحكمهم , مدينة التاريخ و الجغرافيا الجميلة, هي أيضا مدينة الكلاوي , الباشا الإقطاعي و عميل الاستعمار الفرنسي و الذي جعل منها مقر إقامته والذي أذاق ساكنتها كل صنوف العذاب و التي لا زالت ذاكرة المراكشيين تحكي عنه و عنها إلى اليوم. مراكش أيضا مدينة المقاومة ضد الاستعمار و عملائه, مدينة الشهيد حمان الفطواكي المقاوم الذي أعدمه الاستعمار , مراكش و ألف حديث وحديث...
في ذات سنة , سنة 1952 سنة من سنوات الجمر، التي كانت تقطعها البلاد في تحد عنيد للإستعمار وأركانه، سنة الانتفاضة العمالية والشعبية بمدينة الدار البيضاء، بعد اغتيال الشهيد فرحات حشاد، الزعيم النقابي بتونس، اندلعت انتفاضة الكريان سنترال أحد أحياء البيضاء الصفيحية حيث كان يتكدس عشرات الآلاف من العمال والكادحين والفقراء،هي إذن سنة انتفاضة مارس 52 التي ستعلن نهاية سنوات المخاض التي بدأت مع انتفاضة وادي زم 1948 ودخول الطبقة العاملة على خط المقاومة الجذرية وانطلاق المقاومة المسلحة بعد ذلك.
في هذه السنة كانت ولادة سعيدة لمنبهي وذلك يوم 16 شتنبر.
كان يوما عاديا ولاشك كباقي أيام السنة لدى المراكشيين لولا أنه في هذا اليوم كان أحد بيوت المدينةوهو منزل ذو بوابتين إحداهما تطل على حي دوار كراوة والأخرى صوب رياض الزيتون، يعج بحركية غير عادية، الأم فخيته بلكبير الهيلالي تضع مولودة جديدة، مفجرة فرح الزوج وأسرتها الصغيرة، أطلق على المولودة اسم سعيدة و كانت السعادة تملأ البيت الأسري. في ذلك البيت أطلقت سعيدة صرخة الحياة الأولى لتبدأ المشوار في أحضان أبويها وإخوانها محاطة بالحب والحنان. سنوات بعد ذلك, ستلتحق سعيدة بمدرسة "قبور الشهداء" ("قبور الشو" كما ينطقها المراكشيون) الابتدائية، و قد اجتازت سعيدة هذه المرحلة بنجاح لتنتقل إلى مؤسسة "أبو العباس السبتي" (الإعدادية والثانوية) لتحصل على البكالوريا سنة 1971، منتقلة بعد ذلك إلى الدراسة الجامعية.
كانت الرباط وجهتها التالية لاستكمال دراستها الجامعية و ذلك سنة 1972 , الرباط, تلك المدينة التي بناها الموحدون لتصبح بقرار من الماريشال ليوطي العاصمة الإدارية للبلاد منذ الحقبة الاستعمارية.
الرباط المدينة القائمة على شاطئ الأطلنطي هي وتوأمها سلا. المدينة الجامعية الرئيسية للبلاد آنذاك حيث كان أغلب طلاب البلاد يتوجهون إليها لمتابعة دراستهمم الجامعية.
في هذه السنة التي التحقت فيها الشهيدة بالجامعة كانت نضالات قوية و معارك ضارية تخوضها الحركة التلاميذية والطلابية وأصداء نضالات جماهيرية تنفجر في كل مكان.
كانت سنة 1972 سنة كل الاحتمالات , حيث صعود اليسار الثوري الماركسي – اللينيني وتحمله مسؤولية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب , (في غشت 1972سينعقد المؤتمر 15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب " أ.و.ط.م") و في 22 أبريل من نفس السنة سيتم الإعلان عن تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ (ن. و. ت)).في السنة نفسها ستكون محاولة الانقلاب التي قادها المجرم أوفقير ضد الملك رأس النظام الكمبرادوري القائم كتعبيرعن تناقضات حادة داخل التحالف الطبقي السائد.
في أجواء ملتهبة، وصراعات إيديولوجية وسياسية داخل الجامعة، وفي خضم أجواء نضالية تخيم على البلاد ضدا على القمع الأسود والاستغلال والاضطهاد والاستبداد السياسي، تابعت سعيدة دراستها بشعبة الإنجليزية بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية, وانخرطت منذ البداية في النضال داخل كلية الآداب معقل اليسار الثوري الماركسي اللينيني فتحملت المسؤولية داخل تعاضدية كلية الآداب لسنتي 72-73 باسم "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين". استكملت سعيدة تكوينها كأستاذة للسلك الأول بالمركز التربوي الجهوي الذي ستتخرج منه كأستاذة لمادة الانجليزية بإعدادية الخوارزمي بالرباط, و ستنخرط مباشرة بعد التحاقها بالعمل في النقابة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد المغربي للشغل كمناضلة نقابية.
خلال هذه السنة , سنة 72, سيدشن النظام الرجعي حملة واسعة ضد اليسار الثوري الماركسي اللينيني مست العديد من أطر منظمتي "أ" و "ب" ("إلى الأمام" و23 مارس لاحقا)، كما تعرضت الحركة الطلابية للقمع الشرس من خلال اختطاف العديد من مناضليها ومسؤوليها ومتابعة ومطاردة الآخرين. ولم تتوقف الحملة بعد صعود اليسار الثوري إلى قيادة أوطم بل تصاعدت إلى حدود إقدام النظام على حل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في 24 يناير 1973, فانخرطت سعيدة في النضال من خلال مساهمتها في المظاهرات المنددة بالقرار الرجعي دفاعا عن أوطم وخطها النقابي الثوري واستمرارا لكفاحها العنيد ومن أجل الصمود في وجه الإعصار مجسدة شعار الصمود والارتباط بالجماهير الذي رفعته منظمة "إلى الأمام" في وجه إحدى أعتى الحملات القمعية التي أطلقها النظام "الفاشي" ضد الحركة الجماهيرية والقوى التقدمية والثورية.
سعيدة لمنبهي هي أيضا ابنة منظمة" إلى الأمام", فسعيدة التي حظيت دائما بحب أسرتها كبرت ونقلت معها الحب والمودة والصداقة والرفاقية إلى كل من تقاطعت معهم على طريق حياتها كإنسانة وكمناضلة ثورية مؤمنة دائما بالحق في الثورة.
سعيدة التي خبرت سبل النضال داخل الحركة التلاميذية بثانوية "أبو العباس السبتي" بمراكش، وكمناضلة بكلية الآداب للاتحاد الوطني لطلبة المغرب والجبهة الموحدة للطلبة التقدميين وكمناضلة نقابية بالاتحاد المغربي للشغل، سعيدة المناضلة العنيدة، المشبعة بالأمل والتفاؤل الثوري والمتشبعة بالفكر الماركسي اللينيني والتواقة إلى تحرر المجتمع مجتمع الرجال والنساء المتساوين في كل شيء، سعيدة في إحدى أحلك ظروف القمع الأسود الذي طال البلاد والعباد على يد نظام ديكتاتوري مصاص للدماء، في مغرب الاعتقالات والمحاكمات الصورية والطرود الملغومة والإعدامات، في مغرب تازمامارت، الكمبليكس، درب مولاي الشريف، اكدز، دار المقري وغيرها... في مغرب "الجدران لها آذان" حسب التعبير السائد وحيث حيازة كتاب شبهة، وقراءة جريدة شبهة، والتضامن مع فلسطين شبهة ووو...سعيدة وهي كل تلك الخصال الثورية سعيدة التي كانت تعيش كل تلك الظروف ستتخذ قرار انخراطها في المنظمة الماركسية اللينينية "إلى الأمام" لتواصل النضال من أجل دولة ديمقراطية شعبية ومن أجل الاشتراكية. ومن موقع عضويتها لإحدى خلايا المنظمة ومسؤوليتها التنظيمية داخلها (كانت سعيدة مسؤولة عن خلية بالرباط- سلا) شرفت سعيدة المرأة المناضلة بتباثها وإقدامها وجرأتها وصمودها في أحلك لحظات المواجهة والتحدي عند نقل الوثائق السرية، أو توزيع المناشير السرية، أو القيام بأعمال التمويه لكراء المنازل (المستعملة كمقرات سرية للمنظمة) أوعند أعمال الرصد وضبط المواعيد أو عند لزوم الحزم لمواجهة خطر داهم أو لطمأنة مناضل أو رفيق لازال في بداية النضال، سعيدة الرفيقة جديرة بنساء المقاومة الفرنسية أو الجزائرية من أمثال جميلة بوحيرد وغيرها. كيف لا تكون كذلك وصدى المرأة المغربية المقاومة مستمر, من المقاومة الأولى ضد الاستعمار في جبال الأطلس وغيرها إلى النضال إبان الحركة الوطنية والمقاومة المسلحة في الخمسينات إلى نضال العاملات والفلاحات والطالبات والكادحات في المعامل والبوادي والجامعة وفي الأحياء الشعبية.
لقد مزقت سعيدة حجاب النضال عن المرأة لتفتح طريق نضالها الطويل ضد شروط اضطهادها المزدوج ومن أجل مجتمع المساواة الحقيقية بين الرجال والنساء.
كانت سعيدة من المناضلات الأوائل اللواتي فتحن طريق النضال النسائي الثوري ببلادنا, بل كانت أول من مهد له وفجر ينابيعه بشفافية ووضوح وصدق وإرادة لا تلين. لم تكن سعيدة لترضى بأنصاف الحلول و حتى في سلوكها اليومي كامرأة وإنسانة كانت صادقة ونزيهة لا تعرف المساومة على حريتها وحرية الآخرين .سعيدة التي لم يمهلها الموت وغادرتنا في مقتبل العمر تركت لنا قصائدها ورسائلها الى عائلتها وبحثا أو مقال لم يكتب له أن يتم.لو أعدنا قراءته لأدركنا الكثير من أفكارها وقيمها النضالية كامرأة رفعت صوتها ضد الإضطهاد المزدوج للنساء ومن اجل تحررهن تحررا كاملا وشاملا.فبمقدمات منهجية تاريخية واعتمادا على نظرة ثاقبة مسلحة بفكر ثوري, تناولت سعيدة الكتابة في موضوع شائك يتعلق بمن يطلق عليهن "النساء العاهرات".فقد قدمت سعيدة نظرتها للتاريخ قائلة"لم يعد التاريخ تاريخا للأسر الحاكمة ولايحق للمؤرخين المزيفين أن يكتبوا تاريخ شعب,فالناس هم من يصنعون التاريخ بدمائهم.وهذا التاريخ يسجل ذلك الإرهاب الذي يزرعه النظام الرجعي في صفوف الشعب عن طريق أجهزته القمعية....."
"وحدها الإديلوجية الماركسية اللينينية,إديلوجية كل الشعوب المستغلة تستطيع أن تنتزع البلاد من نير الأمبريالية والإقطاعية خادمتها المخلصة".
بالنسبة لسعيدة لمنبهي ف"الإنحلال والفساد في مجتمع ما تولده طبيعة هذا المجتمع نفسه:المجتمع الرأسمالي باعتباره نظاما استغلال ولاعدالة اجتماعية يغدي مختلف مظاهر الإنحلال :الفساد والعهارة."
"من المؤكد,أنه في مجتمع طبقي وفي ظل نظام مفروض على الجماهير من طرف الإستعمار والأمبريالية من أجل الحفاظ على مصالحهما الإقتصادية والسياسية,فالعهارة ,الرذيلة والرشوة هي مظاهر ملازمة لهذا النظام.إنها مظاهر يتم نشرها وتشجيعها.الشعب في ظل نظام لاوطني يتعرض للفقر الأكثر قتامة"
في نظر سعيدة فالمرأة المغربية تعاني من استغلال مزدوج " في هذا المناخ الذي يمكن وصفه بالفاشي,لا يمكن لنا أن ننسى الإستغلال المزدوج الذي تتعرض له المرأة في بلد متخلف وتابع.هذا الوضع الخاص للمرأة المغربية, التي تتعرض لمظهرين من الإستغلال:استغلال من طرف النظام مثلها مثل الرجل واستغلال من طرف هذا الرجل نفسه,هو ظاهرة اجتماعية متولدة تلازميا وفي نفس الوقت من طبيعة البنيات الإقتصادية –السياسية والإجتماعية القائمة.فمن الطبيعي أن تعتبر المرأة في ظل نظام بطريركي مجرد كائن تابع ليس بإمكانه لا امتلاك الأرض ولا اختيار الزوج أوالإنفصال عنه ,ليس لها إلا وضعية القاصر......"
من خلال مقالها المكتوب من داخل السجن سنة 1976 قدمت سعيدة الأستاذة المتخرجة من المركز التربوي الجهوي بالرباط درسا في البيداغوجية الثورية.فهي لم تنجز بحثها إلا بعد أن انبنت بينها وبين تلك النساء ضحايا المجتمع الطبقي ثقة متبادلة وفي هذا الصدد تقول سعيدة"بيننا وبين هؤلاء النساء حصل تعاطف كبير" وفي مكان آخر على هامش المقال كتبت تقول" بعض الناس حين يتكلمون عن عاهرة يقولونها بنبرة احتقار.نحن نعطي لهؤلاء النساء ضحايا الإستغلال كل الإحترام الذي يمكن أن يستحقن".
في نظرسعيدة هؤلاء النساء كن مرغمات في ظل "نظام لا يهيأ للشباب سوى طريق المخدرات والكحول أو طريق السجن والتعذيب بالنسبة لأولئك الذين اختاروا النضال ضده" .ولتكريس الإستعباد والإستيلاب ترى سعيدة أن"الإستعمال الديماغوجي للدين يسمح بتعزيز الإستغلال والإستيلاب والإستعباد بالنسبة للمراة".
أدركت سعيدة جيدا الطبيعة الطبقية للعهارة من خلال دراستها للفئات الثلاث التي تنتمي لهن النساء اللواتي يمتهنها (اللمبن-بروليتاريا,البورجوازية الصغيرة,الفئات"الراقية").ثلاث فئات من العاهرات لثلاث أنواع من الطلب في سوق المتاجرة بجسد المرأة.
وفي محاولة لسبر غوروعيهن الطبقي والجنسي وقفت سعيدة على ذلك الوعي الحسي لديهن الذي يظل ذا أفق مستلب.فهن يعرفن من هم أعداؤهن ويعرفن أن الدولة متعفنة وغير عادلة لكنهن لا يعرفن ما هي الحلول, محتميات بعامل الزمن, معتقدات أن هذا الأخير خارج أي عمل ملموس كفيل بتغيير واقعهن. وخلصت سعيدة إلى القول أن كل هؤلاء النساء والمرأة بشكل عام لايمكنهن أن يعرفن تغييرا لوضعية استغلالهن المزدوج إلا إذا اكتسبن وعيا طبقيا وعملن من اجل تغيير جذري للمجتمع ومن اجل بناء مجتمع اشتراكي يمنح للمرأة حقوقها الفعلية أي المساواة التامة مع الرجل ودور فعلي في الإنتاج ومساهمة حقيقية في الحياة السياسية لبلدها.إن تحرير المجتمع كله هو مهمة المرأة والرجل على حد سواء وعلى رأس هذا المجتمع العمال والفلاحون.
ونحن نقرأ هاته الأسطر,يدرك كل المناضلين المخلصين و المناضلات المخلصات جسامة الخسارة بفقدان سعيدة ذلك الإسم الرمز, ذلك العنوان لوطن جريح مستباح والذي لا زالت المرأة تعاني فيه من كل أصناف وفنون الإضطهاد المزدوج فنزداد حماسا للنضال لأن لنا سعيدة في القلوب.
امرأة بهذا الطموح, بهذا الفكر و هذا الحب للشعب, سعيدة ابنة" إلى الأمام"سيكون لها نصيب وافر مما تعرضت له المنظمة من اعتقالات و اختطافات و تعذيب.
- 16 يناير1976:يوم الإعتقال:
في هذا اليوم من سنة 1976 ستكون سعيدة على موعد ليس ككل المواعيد , ستكون على موعد نحو الدهاليز المظلمة, حيث سترى هناك كل أصناف القبح و الخس, سترى هناك أناس ما هم بأناس , بشر لا كالبشر, ممارسات لا كالممارسات.
كانت سعيدة مواظبة على زيارة أختها خديجة وابنتها فدوى والتي كانت تحبها كثيرا. وفي إحدى أيام يناير الباردة من سنة 76 تدلي لأختها بإمكانية اعتقالها انطلاقا من فرضية اعتقال الرفيق الذي كانت تشاطره مقر سكناها والذي غاب عن الأنظار منذ 48 ساعة, ولم تكن تعرف الجواب عما إذا كان قد اعتقل أم لا.
لم تضيع سعيدة كثيرا من الوقت قبل أن تتوجه إلى مقر سكناها لإفراغه من كل ما يمكن أن يهدد أمن الرفاق وأمن المنظمة من مناشير، وثائق ومعلومات تفيد القمع.
يوم 16 يناير: الساعة السادسة مساء:
كان الوقت مساء وكانت الشمس قد أكملت دورة غروبها ,وغابت وراء الآفاق منذ مدة ,فأرخى الليل سدوله على المدينة وخيم الظلام عليها, وكان مساء باردا يلفح وجه المدينة , تقف سعيدة أمام الأستوديو الذي تسكنه والذي يقع بحي مدغشقر بالرباط قرب المحكمة الابتدائية حاليا. كانت الساعة السادسة مساء حين وصلت لمنزلها بعد زيارة لأختها خديجة.
ما أن فتحت الباب وحملقت بعينيها الواسعتين في جوانب غرفتها حتى لمحت أن كل شيء في البيت قد انقلب رأسا على عقب: ملابسها، كتبها وأغراضها المختلفة وكأن عاصفة قد مرت من هناك و أصابت الأستوديو.
كانت سعيدة ساهمة البال شارذة الذهن، لقد أدركت بحسها أن اللحظة التي حدست وقوعها قد أصبحت حقيقة. وقبل أن يرتد بصرها و يتشكل رد فعلها ,كان أربعة من الكلاب المدربة من رجال المجرم اليوسفي قدور قاتل الشهيد عبد اللطيف زروال قد انقضوا عليها انقضاض ذئب على فريسته, فريسة ثمينة و كنز غالي لا يقدر بثمن واضعين القيد بمعصميها والعصابة السوداء على عينيها لتنقل, تحت وابل من السباب والنعوت المحقرة للمرأة وللمناضلة, إلى المعتقل السيء الذكر "درب مولاي الشريف" أو" الدرب" كما يطلق عليه اختصارا لتبدأ رحلة أخرى من حياتها النضالية في مواجهة جلاديها الذين وضعهم النظام الفاشي للتنكيل بالمناضلين وتحطيم كل أشكال وروح المقاومة ضد النهب والاستغلال والاضطهاد التي يمارسهاعلى الشعب المغربي. قضت سعيدة ثلاثة أشهر بالدرب إلى جانب رفاقها ورفيقاتها الذين حصدتهم الحملة الثانية الكبيرة ضد منظمة "إلى الأمام" ابتداء من سنة يناير 76.
كان نصيب سعيدة كبيرا من التعذيب النفسي والجسدي كمناضلة وكامرأة مناضلة داخل المعتقل السري السئ الذكر, حيث كل الوسائل تستعمل بلا حدود من طرف زبانية النظام وكلابه المسعورة لتحطيم المعنويات وتكسير الإرادة الثورية لدى المناضلين. وباعتبارها امرأة عانت سعيدة من العقلية الذكورية الوحشية للجلادين الحاطة من كرامة المرأة وإنسانيتها الشئ الذي لم تنساه وهي تقف أمام القضاة الوجه المقنع للجلاد في دولة اللاقانون والإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. أمام قضاتها في المحكمة انتصبت سعيدة بدورها لتحاكم جلاديها في مداخلة دخلت تاريخ النضال السياسي بالبلاد عموما والنضال النسائي خصوصا، لقد صرخت في وجه رئيس المحكمة الذي كان يطبق بالحرف توجيهات النظام وأجهزته القمعية: "لقد عذبوني، وصفت بأسوأ النعوت التي أخجل أن أذكر ولو واحدة منها، كم هو معيب و منحط مجرد التفكيربوجود رجال يعاملون امرأة بهذه الطريقة،و يجعلني أصاب بقشعريرة و يثيراستنكاري وغضبي. .
فكيف لا أكون مسيسة؟ كيف لا أناضل لتحسين وضعية المرأة؟
لقد اخترت الرجل الذي أردت أن يشاركني حياتي.وهل الطلاق ممنوع بالنسبة لامرأة؟ يتعلق الأمر بحياتي الخاصة."
اهتزت المحكمة بالتصفيقات عندما أعلنت سعيدة تنديدها بأوضاع الاضطهاد الذي تتعرض له المرأة المغربية، وبذلك تكون أول امرأة فعلت ذلك ببلادنا وأمام قضاتها المؤتمرين بأوامر أسيادهم. لقد كانت سعيدة منسجمة مع قناعاتها حتى النهاية غير مبالية بمحاولة الجلاد والقاضي ذلك الجلاد الآخر الماس بشرفها وكرامتها كامرأة مناضلة مقتنعة أشد الاقتناع بضرورة تحرير المرأة المغربية.
من درب مولاي الشريف حيث عانت سعيدة كل صنوف التحقير و الحط من الكرامة ستكون وجهتها التالية نحوسجن "عين برجة" ومن تم ستقدم إلى المحكمة , محكمة الاستئناف بالدار البيضاء وذلك في 3يناير1977.
- أمام المحكمة أوالوجه الآخر للجلاد:
يطرح القاضي الأسئلة و سعيدة تجيب . ما اسمك؟أنت متهمة بالمس بأمن الدولة و المس بالسلطة القضائية وووو... طقس بليد كان لابد للشهيدة أن تعيش أجواءه في شموخ و اعتزاز بالنفس ودون رهبة من القاضي الوجه المقنع للجلاد.
وقفت سعيدة منتصبة القامة مرفوعة الهامة ترد عن أسئلة القاضي(واسمه أحمد افزاز,قاضي جيئ به ليمثل دور القضاء تحت توجيهات اليوسفي قدور وأمثاله وسيكافئه النظام على دوره المخزي بجعله على راس ما يسمى بالمجلس العلمي للجهة الشرقية) واثقة بعدالة قضيتها، قضية شعب يعاني من استغلال وقهر واضطهاد نظام مستبد قروسطي، وقفت سعيدة مبتسمة غير مكترثة بمحاولات زعزعة قناعاتها ومنعها من الكلام والتي كان يقوم بها القاضي، محاولات يائسة لللعب بأعصابها وجرها إلى حبل الإدانة كما شاء لها. كانت الأجهزة الاستخباراتية , والحاضرة بكثافة داخل قاعة المحاكمة, تتابع التطورات و تراقبها عبر أجهزة وضعت في الطابق السفلي للبناية التي تحتضن محكمة الإستئناف بالدار البيضاء. كانت الأجهزة الأمنية المختلفة تحاصر البناية من كل الجوانب، وراج خبر متابعة رأس النظام الكمبرادوري لأطوار المحاكمة من خلال أجهزة التصنت التي وضعتها أجهزته. كانت التوجيهات تصل تباعا إلى منصة الرئاسة وكان الرئيس أحمد أفزاز السيئ الصيت يترجمها فورا وبشكل مفضوح مؤكدا بتصرفاته الطابع الصوري للمحاكمة أمام استنكار هيئة الدفاع وغضب المناضلين والمناضلات وعائلات وأسر المعتقلين. أمام هذا الوضع كانت سعيدة واقفة توزع ابتسامتها على الحضور الذي غصت به جنبات قاعة المحكمة تارة، وتارة أخرى يرتسم الغضب على محياها وهي تتذكر صورة الغائب الكبير عن المحاكمة، الشهيد الذي اغتالته أيادي الجلاد اليوسفي قدور الملطخة بالدماء، كان اسم القائد الشهيد عبد اللطيف زروال على كل لسان، كانت روحه تخيم على المكان. تذكرت سعيدة تلك الأغاني الثورية التي كانت ترددها جماعيا مع رفيقاتها ورفاقها وهي تعبر شوارع البيضاء على متن الإسطافيتات البوليسية( تقول الأغنية:"نريد للجميع,الشغل,الخبز,الفرح,الحرية, سنكسرفولاذ الأسلحة ونصنع خبزالجوعى الضروري...."من الأغاني الثورية الفرنسية), وعادت إلى ذاكرتها أطوار ذلك الإضراب عن الطعام الذي خاضته مع رفاقها تحت شعار "المحاكمة أو إطلاق السراح" والذي انتزع به الحق في المحاكمة وجعلت النظام يقبل به بعد فشل محاولات الالتفاف والتمطيط والابتزاز التي سخر لها خدامه وأعوانه وانتهازيي الأحزاب الإصلاحية...
كانت رفيقتيها في النضال فاطمة عكاشة وربيعة الفتوح يراقبن باهتمام وقوف سعيدة أمام منصة الاتهام ويبادلنها الابتسامة. (اعتقلت سعيدة وفاطمة وربيعة وبييرا دي ماجيو (المناضلة الإيطالية الصلبة التي رفضت الكلام في الدرب في تحد قوي للجلاد اليوسفي قدور وزبانيته، مجسدة بذلك تقاليد الحركة المناهضة للفاشية في إيطاليا و التي كانت إحدى مقاوماتها...) ضمن نفس الحملة القمعية التي تعرضت لها منظمة "إلى الأمام" ابتداء من يناير76.
بإصرار المناضلات الشيوعيات الماركسيات اللينينيات وبقوة إرادتها انتزعت سعيدة الحق في الكلمة , مدافعة عن انتمائها إلى منظمة "إلى الأمام" ومتحدية من أرادوا محاكمتها، محاكمة النظام وجلاديه وذلك رغم أجواء التهديدات بمحاكمة عسكرية والحكم بالإعدام التي كان يلوح بها ممثل النيابة العامة وغضب رئيس المحكمة الذي كان فاقدا لصوابه في أغلب أطوار المحاكمة, مما فجر رد فعل قوي لهيئة الدفاع فانتصب أحد المحامين واقفا موجها له بقوة وعناد تحت تصفيقات الحضور:
"القاضي لا يحكم وهو غضبان" مما زاد في حنق الرئيس على هيئة الدفاع, فانفضح دوره أمام الجميع.
عرفت أطوار المحاكمة الصورية التي أقامها النظام لمناضلي الحركة الماركسية –اللينينية المغربية لحظات مثيرة تخللتها الأناشيد والشعارات الثورية, واضطر القاضي الفاشي إلى الهروب من القاعة التي كانت تدوي بعبارات فاشيست,فاشيست,فاشيست.وبعد لحظات يعود أحمد أفزاز بعد استشارة أسياده القابعين في مكان ما يملون عليه ما يجب أن يفعل, ليصدر قراره بمنع "المتهمين" من الحضور الجماعي إلى قاعة المحاكمة, مما ساهم في اندلاع إضراب عن الطعام ضد المساس بالحقوق الأولية للدفاع و"المتهمين".ودام الإضراب 19 يوما حيث كان يحضر المتهمون إلى قاعة المحكمة واحدا واحدا وهم وهن في حالة إضراب عن الطعام.
هكذا ومن قلب الحصار، ورغم التهديد ورغم محاولات إسكات صوتها, تكلمت سعيدة ولم تتراجع مدافعة عن مواقف منظمتها, مطالبة بحل ديمقراطي لقضية الصحراء, ومنددة بظروف الاضطهاد الذي تعاني منها المرأة المغربية ومدافعة عن حريتها في اختيار شريك حياتها ومستنكرة الأساليب الذكورية الوحشية الحاطة من كرامة المرأة والتي مورست في حقها من طرف كلاب اليوسفي قدور المسعورة.
كانت سعيدة تبتسم، كانت عيونها الواسعة الجميلة تحلق في البعيد، كانت شهمة معتزة بانتمائها الشيوعي، حين دوت القاعة بالتصفيقات في تحية حماسية لجرأتها وشجاعتها.
مرت الأيام وانسدل الستار عن تلك المحاكمة الصورية التي أظهرت للعالم طبيعة نظام لا وطني، لا ديمقراطي ولا شعبي.
مرت على المحاكمة شهران منذ انطلاقها في 3 يناير العام 1977,
وفي إحدى الليالي الباردة وتحت جنح الظلام نقلت سعيدة ورفاقها إلى قاعة المحكمة ليصدر في حقها حكم بخمس سنوات إضافة إلى سنتين بحجة الإساءة للقضاء. صدرت أحكام قاسية في حق مناضلي الحملم(مئات السنوات من السجن:خمس أحكام بالمؤبد,عشرين حكما بثلاثين سنة,45 حكما بعشرين سنة وأكثرمن أربعين حكما بعشر سنوات).
كانت أشعة الفجر الأولى ترتسم في الأفق حين احتل المعتقلون جنبات المحكمة وصعدوا فوق طاولات الجلوس مرددين جماعيا نشيدهم الثوري :

"لنا يارفاق لقاء غدا سنأتي ولن نخلف الموعدا
فهاذي الجماهير في صفنا ودرب النضال يمد اليدا"
سنشعلها ثورة في الجبال سنشعلها ثورة في التلال
وفي كل شبر سنبعثها نشيدا يجدد روح النصال
فلا السجن يوقفنا والخطوب فليس يهدم عزم الشعوب
طغاة النظام مضى عهدهم وشمسهم قد آذنت بالغروب

كانت اللحظة مؤثرة وثورية بامتياز تخترقها زغاريد النساء ووقوف كل الحاضرين في قاعة المحكمة في تحد حماسي للأحكام الجائرة ولمن حبكوها: النظام الكمبرادوري وزبانيته.
لقد سقط القناع مرة أخرى عن وجه نظام دموي حول البلاد إلى سجن كبير, غير مكترث بالقوانين الدولية الإنسانية والحقوقية, معتقدا بذلك أنه سيقضي على كل اشكال المقاومة لسياسات النهب والإستغلال والإستبداد والإضطهاد التي يمارسها .
- بعد صدور الأحكام:
نقلت سعيدة مع رفيقاتها إلى سجن "عين برجة"(سجن مدني بالدار البيضاء) بينما عاد باقي المعتقلين إلى سجن "غبيلا"(سجن مدني بالبيضاء). حين أقفلت باب زنزانتها لم تكن سعيدة تعلم أنها عاشت آخر لقاء لها مع رفاقها، كانت لحظة وداع قبل الأوان, فسعيدة, ستخوض معركتها الأخيرة وستكون آخر رابط لها بالحياة و بالعالم عندما ستدخل في إضراب طويل عن الطعام ستسقط خلاله شهيدة لتلتحق بمواكب الشهداء.
- معركة سعيدة لمنبهي الأخيرة:
كان المعتقلون السياسيون الذين تم نقلهم بعد صدور الأحكام من سجن "غبيلة" إلى السجن المركزي بالقنيطرة ,الذي بنته السلطات الاستعمارية في المغرب ,وهو أحد أكبر سجون إفريقيا, يقضون أول صيف لهم هناك، سجن يلخص تاريخا بأكمله لمناضلي الشعب المغربي ضد الاستعمار بشكليه القديم والجديد،سجن, تظهر أمامه السجون الأخرى صغيرة جدا لحد أنها لن تحتل أكثر من حي من أحيائه. مدينة اعتقال صغيرة بأحيائها ومعاملها ومطبعتها ,مدينة خارج الزمن حيث يمر الوقت بطيئا وحيث حساب الزمن مختلف إلى حد أن معتقليه من "الحق العام" اخترعوا طريقة لحساب الزمن فريدة من نوعها فكانوا يرددون أمام كل داخل جديد" الصيف والصيف تمنيام( 8 أيام) والصيف خمسطاش اليوم( 15 يوما), كان يظهرذلك غريبا لكل قادم جديد لكن ما أن تتوطد أقدامه هناك حتى يدرك كنه تلك العبارة: فالسجن بشكل عام يضم بين جنباته ذوي الأحكام القاسية من حكم الإعدام والمؤبد والأحكام المحدودة من عشر إلى ثلاثين سنة.
وصل المعتقلون السياسيون الماركسيون اللينينيون إلى السجن المركزي بمدينة القنيطرة, بعد أطوار محاكمة صورية في اليوم السابع من مارس من عام 1977. وقد تم نقلهم إلى هناك في "كاميونات"( شاحنات) السيمي( الفرقة المتحركة للتدخل) مغطاة, تحت حراسة مشددة وبمراقبة من الطائرات المروحية.
- صيف 1977 والطريق إلى المعركة الأخيرة للشهيدة.
في صيف 1977 كانت الأمور تظهر داخل حي "أ" وحي "ب"( حيث يقيم معتقلوا محاكمة البيضاء 77 بالسجن المركزي بالقنيطرة) عادية من الخارج ,إلا من بعض المناوشاتمع الإدارة وبعض الإضرابات عن الطعام القصيرة (24 س أو 48 س) أو احتجاجات أسر وعائلات المعتقلين ضد تصرفات الإدارة. كان المعتقلون منكبين على تهيئ معركتهم الكبرى ضد الأوضاع التي كانوا يعيشونها ومن أجل انتزاع حقوقهم كمعتقلين سياسيين. كان التهييء يتم في كامل الكتمان لمعركة ستكون كبرى.كان الهدوء الذي يسبق العاصفة.
رغم العزلة عن رفاقها كانت سعيدة تتابع عن كثب كل ما يجري, وتساهم هي ورفيقاتها في النقاش الجاري داخل منظمة "إلى الأمام" وبين المعتقلين السياسيين. كانت سعيدة متحمسة للإضراب وكانت تشرف على التنسيق مع رفاقها في ظروف أمنية بالغة الصعوبة والتعقيد. كان لازما الحفاظ على سرية الإضراب كما كان تاريخه قد وضع تحت سرية تامة.
في أواخر أكتوبر 77 و بداية نونبرمن نفس السنة, حدد يوم 8 نونبر كتاريخ لانطلاق المعركة البطولية التي خاضها المعتقلون السياسيون بالسجن المركزي, والتي دامت 45 يوما.بالنسبة لمنظمة "إلى الأمام" وقيادتها كانت كلمة السرورمز المعركة يحملان اسم" الشهيد عبد اللطيف زروال".
في السجن المركزي , و في صبيحة يوم 8 نونبر يسلم أحد الرفاق رسالة إلى رئيس حراس حي "أ" بالسجن المركزي ليسلمها بدوره إلى مدير السجن الذي تقضي الإجراءات الإدارية بإرسالها بدوره وتحت إشرافه إلى المدير العام لإدارة السجون بالرباط وإلى وزير العدل. وما إن قرئت الرسالة حتى دبت حركة غير عادية داخل إدارة السجن المركزي, لقد كانت المفاجئة كاملة.
في نفس اللحظة وفي نفس التوقيت تعلن المعتقلات السياسيات بسجن "عين برجة" (سعيدة لمنبهي، فاطمة عكاشة و ربيعة الفتوح)والمعتقل السياسي بسجن غبيلا أبراهام السرفاتي دخولهم المعركة إلى جانب رفاقهم بالسجن المركزي.كانت المطالب واضحة (تحسين الأوضاع المادية والصحية للمعتقلين، من تغذية، وعلاج، وزيارة مباشرة، وفسحة وحيازة المذياع والجرائد والكتب ومتابعة التعليم، وفك العزلة عن الرفاق بسجن "عين برجة" وغبيلة وإلحاقهم برفاقهم...).
لقد انطلقت معركة 8 نونبر 77البطولية.
دامت المعركة 45 يوما من العناد والإصرار والمواجهة والتصدي لمناورات النظام وأحزابه السياسية, التي فضلت الصمت قبل اللجوء إلى المناورة تحت ضغط تضامن وتعاطف الرأي العام الديمقراطي والحقوقي الدولي، ليشكل النظام لجنة مفاوضات تحت إشراف وزير العدل آنذاك المعطي بوعبيد.(اللجنة البرلمانية كان يرأسها الإتحادي فتح الله والعلو).
كانت سعيدة تخوض معركتها الأخيرة إلى جانب رفاقها ورفيقاتها بصمود وعزيمة لا تلين.
وبدأت الأوضاع الصحية للمعتقلين السياسيين تسوء يوما بعد يوم نتيجة الإهمال واللامبالاة وصمت النظام وأحزابه, وكانت حركة العائلات التي تقودها النساء (أمهات وزوجات وأخوات المعتقلين والمعتقلات تخوض نضالاتها المستميتة ضد الصمت واللامبالاة وضد جريمة النظام وضد روح الانتقام الطبقي لدولة متعفنة). تقول عنهن خديجة المنبهي في كتابها "منتقيات من كتاب الاضطهاد" "هؤلاء النساء اللواتي لم يسبق لهن في أغلبيتهن تقريبا، الخروج من بيوتهن، سيتحولن إلى مناضلات مكافحات من أجل قضية أبنائهن"، "كانت اللحظة مثالية بالنسبة لهن للتحرر من السلطة الزوجية وتعلم تجربة جديدة: تجربة أم، زوجة، أخت المعتقل، تعلم النضال من أجل أن يستفيد ذاك أو تلك من أحسن ظروف الاعتقال أو ببساطة إطلاق سراحهم (ن) أو لتحديد تاريخ محاكمتهم (ن)". لولاهن ولولا إصرارهن وصمودهن لسقط العشرات من الشهداء.
من تداعيات و مضاعفات الإضراب الطويل عن الطعام سيتم نقل سعيدة ورفيقتيها فاطمة وربيعة إلى مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء بعد أن ساءت حالتها الصحية وقد وضعت الرفيقات الثلاث في غرفة صغيرة ذات نافذة صغيرة.
و في يوم 10 دجنبرو بعد 33 يوما من بداية الإضراب، نقلت سعيدة إلى غرفة كبيرة وهي في حالة غيبوبة (كوما) حيث ظلت ملقاة على الأرض تحت مراقبة "أمنية"و ليس طبية, فكان رجال السيمي يراقبون نبضاتها ويحملون أدواتهم الطبية رشاشات سوداء مستعدة للإطلاق, أما الأطباء فكأن الأرض ابتلعتهم "فلا قسم أبوقراط نفع ولا ضوء البدلة البيضاء سطع ولا تدخل الهيئة الطبية وقع". كانت سعيدة تعيش لحظاتها الأخيرة فاقدة للوعي بل تحتضر ومن حولها أختيها خديجة والباهية يقبلانها وتحثانها على المقاومة والبقاء "عيشي حبيبتي قاومي، سعيدة نحبك كثيرا" كانت الكلمات مؤثرة وقوية ترن وسط قاعة ممتدة الأطراف حيث كانت سعيدة ملقاة على الأرض ، إنها كلمات وداع أخيرة ولا أحد كان يعلم أنها الأخيرة.
فهل سمعت سعيدة تلك الكلمات الأخيرة؟ سيبقى السؤال دائما و سيظل الجواب أيضا غائبا.
و في يوم 11 دجنبر 1977و كانت الساعة الخامسة صباحا, توقف قلب سعيدة عن الخفقان وسط إهمال طبي إجرامي من النظام.,الأم فخيته الهيلالي تصل على عجل إلى مستشفى ابن رشد وهي تحمل معها أشياءا لسعيدة فتصاب بالصدمة ما أن أخبرتها ابنتيها بموت سعيدة. كانت كلماتها وهي تسمع الخبر تنم عن ألم وحزن الأم العميق بعد موت حبيبتها سعيدة: "كنت عارفها، عارفها، قلبي علمني، هداكشي علاش جيت ليوم".

يوم 12 دجنبر 1977:سعيدة لمنبهي تدخل مدينة مراكش دخول الأبطال الشهداء.
في هذا اليوم تدخل سعيدة مدينة مراكش, بعد سنوات من الغياب دخول الشهداء ,كمناضلة ثورية ماركسية لينينية ورمزا لنضال المرأة المغربية.
كان الأب في انتظارها عند باب بيت الأسرة يداري حزنه وألمه على فقدان صغيرته الجميلة، كان البيت غاصا بعائلات المعتقلين السياسيين الذين جاؤوا من كل الجهات. حضر محامو حقوق الإنسان والعديد من المناضلين والمواطنين. كانت سعيدة وهي في كفنها الحريري الأبيض وسط منزلها الأبوي جميلة حتى في موتها.
وانطلق الموكب الجنائزي نحو مقبرة الشهداء بباب دكالة, كان الحضورلافتا وحاشدا,كانت الجنازة مهيبة تليق بمناضلة كبيرة استشهدت من أجل قضايا شعبها. وفي طريقها إلى مثواها الأخير أطلقت حناجر المودعين والمودعات: "سعيدة الشهيدة، في التاريخ خالدة" وتلقفتها الحشود فكانت لحظة وداع مؤثرة لرمز النضال النسائي المغربي.
في إحدى رسائلها من السجن كتبت سعيدة تقول: "اذكروني بدون ألم، وتكلموا عني لأبنائكم". وبعد 34 سنة على استشهادها لازالت أجيال المناضلين والمناضلات تردد اسمها في كل مواقع النضال، ولا زالت المناضلات تغني لها في كل حفل ومناسبة ومسيرة وحركة نضالية، سعيدة اسم على كل لسان...
-من شهيد إلى شهيدة وإلى كل الشهداء
قبل استشهاده بسنتين كتب الشهيد زروال يقول في قصيدة له:
"ها أنذا أسقط في الساحة::أحمل وردة حمراء....تنزف دما::هاأنذا عريان أزحف فوق القتلى::وألم أطرافي...كي أمسك بالراية الممزقة::وأنفخ بدمي في رماد الشرارة المحترقة::هاأنذا أدفع الضريبة::فلتباركي موتي يا حبيبة."
لاندري هل قرأت سعيدة هاته الأبيات ,ولكنها ككل رفاقها ورفيقاتها ستخلد اسمه في كتاباتها, فمن يكرم الشهيد يتبع خطاه ,لقد أقسمت أن تموت ماركسية لينينية فأوفت بوعدها.
- على خطى الشهيد عبد اللطيف زروال
تقول سعيدة في إحدى نصوصها الشعرية:
"لحظة
لن أتنازل
ولو تحت الأرض
سنشق طريقا نحو النور
ففي القلب زروال"
فتحية إلى روح سعيدة الخالدة وسنردد دائما ومن بعدنا الأجيال القادمة:"سعيدة الشهيدة ,في التاريخ خالدة" ومن يكرم الشهيد يتبع خطاه حتى النصر.

الشهيد الثالث:
جبيهة رحال: صقرالقلعة الأحمر الشامخ

نبذة مختصرة عن حياة جبيهة رحال
تاريخ الولادة : 1948
المكان : قلعة السراغنة
المهنة : عامل(مركب آلات )
تاريخ الاعتقال : نونبر 1974
الحكم الصادر : 30 سنة + سنتان
تاريخ صدور الحكم:14 فبراير1977
تاريخ الاستشهاد : 15 أكتوبر 1979
مكان الاستشهاد: الرباط , مستشفى ابن سينا على إثر محاولة فرار من أجل الإلتحاق بالعمل الثوري " رسميا موت ناتج عن نوبة قلبية"
السن عند الاعتقال : 26 سنة
السن عند الاستشهاد : 29 سنة

بعض من حياة الشهيد جبيهة رحال

من النضال الثوري إلى الاعتقال
ولد الرفيق الشهيد جبيهة رحال سنة 1948 بقلعة السراغنة( مدينة توجد على بعد 84 كلم من مدينة مراكش ) , بها تلقى تعليمه الابتدائي ثم انتقل إلى سيدي رحال ليتابع دراسته بالإعدادي , وانتقل إلى مدينة الدار البيضاء ليتابع دراسته في شعبة الميكانيك بثانوية جابر بن حيان.
خلال انتفاضة 23 مارس 1965 سيعتقل الرفيق جبيهة رحال لأول مرة لمدة استمرت 15 يوما, ثم كان اعتقاله لمرة ثانية سنة 1968 إثر إضراب شنه التلاميذ بالمؤسسة التي كان يدرس بها.
حصل الرفيق جبيهة رحال على دبلوم تقني فالتحق سنة 1970 بمعمل " كارنو " ( معمل لصنع المعلبات بالدار البيضاء).
انخرط الشهيد مباشرة بعد ذلك في النضال العمالي حيث نسج علاقات واسعة مع العمال,وفي سنة 1973 سيتعرض لمحاولة اعتقال بمعمل " كارنو" في إطار حملة من الاعتقالات مست مناضلي الحركة الماركسية- اللينينية بالمغرب و خاصة مناضلي النقابة الوطنية للتلاميذ ,و قد تعرض العديد من مسؤولي النقابة الوطنية للتلاميذ للاعتقال و استطاعت الأجهزة القمعية أن تقتحم المقر المركزي السري للنقابة الوطنية, و كان هذا المقر مكترى باسم الرفيق جبيهة رحال.و في سنة 1972 التحق الرفيق بمنظمة "23 مارس " و من داخلها سيتحمل العديد من المسؤوليات التنظيمية و النضالية , جسد من خلالها ارتباطه الوثيق بالطبقة العاملة و استماتته في الدفاع عن مصالحها, فاستطاع أن ينسج روابط متينة مع رفاقه العمال.
سيتعرض الرفيق الشهيد لاعتقال جديد في بداية نونبر 1974إثر الحملة القمعية الكبيرة التي شنها النظام الكمبرادوري ضد الحركة الماركسية – اللينينية المغربية حيث زج به إلى جانب رفاقه في درب مولاي الشريف و هومعتقل سري للنظام بالدار البيضاء,ويعد من بقايا الإرث الاستعماري بالمغرب حيث سبق للسلطات الاستعمارية أن عذبت فيه مناضلي الحركة الوطنية و خاصة مناضلي المقاومة المسلحة . و قضى الشهيد بهذا المعتقل فترة طوية تمتد من بداية نونبر 1974 إلى 16 يناير 1976 ( أزيد من سنة ) حيث تعرض لشتى أنواع التعذيب الجسدي و النفسي مكبل اليدين معصب العينين.
و في يوم 16 يناير 1976 نقل الرفيق إلى السجن المدني بالدار البيضاء المعروف بسجن غبيلة ضمن مجموعة 26 ليقدم إلى محاكمة الدار البيضاء الشهيرة في 3 يناير1977 بتهمة"محاولة قلب النظام ........".
و قد صدر الحكم في حقه ب 30 سنة مع إضافة سنتين و ذلك على الساعة الثالثة صباحا من يوم 14 فبراير 1977.

- جبيهة رحال المعتقل في سجون النظام

خلال فترة اعتقاله بالمعتقل السري السيئ الذكر " درب مولاي الشريف" بالدار البيضاء ورغم ظروف الإعتقال القاسية والوحشية و الحاطة بالكرامة الإنسانية, ظل الرفيق جبيهة رحال كعادته شامخا, متقد الفكر, ثاقب النظر و هي صفات الصقر الأساسية .كان جريئا في طرح كل الأسئلة التي يجب طرحها, و بطبيعة الحال كان أهم سؤال لديه في تلك الفترة ,هو لماذا سقطت منظمة 23 مارس و بتلك السرعة؟ , ولما ذا لم تتحمل قيادتها مسؤولية الحفاظ عليها؟.
كان همه الأساسي الوصول إلى الحقيقة , فالحقيقة كما كان يقول آنذاك دائما ثورية. و من خلال النقاشات الثنائية داخل الدرب ( و هذه شهادة للكاتب الذي قاسمه نفس الغرفة بالدرب), بدأت تتبلور لدى الرفيق نواة فكرية و سياسية تعيد النظر في الخط السياسي الذي ساد داخل منظمة 23 مارس.
كان الرفيق متميزا في علاقته بمحمد الكرفاتي( الملقب ب الشريف وحميد, عن طريق محمد الكرفاتي توصل البوليس إلى معرفة كل أعضاء قيادة 23 مارس وهو صاحب وثيقة خطة عمل التي سبق الحديث عنها في إحدى الحلقات السابقة) أحد قيادات 23 مارس بحيث لم يكن يترك أية فرصة تمردون فضحه و تعرية حقيقته أمام المعتقلين. كان يومها يحمل سخطا كبيرا على الرجل الذي دشنت به الاعتقالات. ( اعتقل محمد الكرفاتي في بداية نونبر 1974 على إثر حاجز أمني كان منصوبا ضمن حواجز كثيرة بمناسبة انعقاد أحد المؤتمرات الدولية بالدار البيضاء).
خلال فترة المعتقل السري اطلع الرفيق جبيهة على جوانب من خط و تجربة منظمة " إلى الأمام", و بحدسه أدرك جيدا أن لا مستقبل للحركة الماركسية – اللينينية بدون وحدة المنظمتين ضمن خط ماركسي – لينيني ثوري.
و في سجن غبيلة بالدار البيضاء, الذي حل به الرفيق في يوم 16 يناير 1976,ستتبلور لديه رؤية وحدوية تنبذ كل شكل من أشكال الحلقية و تتحلى بروح وحدوية عملية و حماسية.
هكذا, وفي سجن غبيلة, جسد الشهيد تلك القناعات بروح العامل الثوري التواق إلى الممارسة, و الابتعاد عن السفسطائية, و القول بكل ما يجب قوله بدون مواربة و بروح رفاقية عالية.
عندما وصل المعتقلون إلى سجن غبيلة في يناير 76, و في إطار إيجاد صيغ للتواصل بينهم ( وزعت إدارة السجن المعتقلين على شكل مجموعات صغيرة, وضعت كل واحدة منها في زنزانة وحرست على أن تظل معزولة عن بعضها ) أطلقوا اسما على كل زنزانة ( زنزانة إفريقيا , زنزانة أمريكا , الشمال,آسيا...). أقام الرفيق في زنزانة افريقيا و كانت تضم كلا من فؤاد الهيلالي و محمد حسان و ادريس ولد القابلة و الراحل عبد السلام المودن و عبد العالي بن شقرون و محمد الزكريتي .
خلال فترة العزلة تميز الرفيق بروح عالية من الإقدام و الشجاعة والمبادرة. و من أمثلة ذلك, أنه حينما اتخذ أعضاء الزنزانة قرار إدخال راديو ترانزيستور لمتابعة الأخبارعلى المستوى الوطني و على مستوى المنطقة, كان جبيهة رحال هو من تحمل مسؤولية إدخاله إلى السجن(استعمل الرفيق علاقاته العمالية) .أدخل المذياع مساء ونجحت العملية لكن مسؤول الحي المدعو بوشامة( رئيس حراس الحي وكان معروفا بأساليبه الفاشية) راوده شك في الأمرفقررصبيحة الغد استطلاع الأمروهاجم على حين غرة زنزانة إفريقيا وقام بتفتيشها لكنه لم يجد شيئا وبدأ محاولاته الترهيبية والإستفزازية للمعتقلين . وإذا كان البعض قد ارتبك إلا أن رفيقنا ظل صامدا لا يتزحزح.
وسيشهد يوم 17 يناير 1976 هجوما عنيفا على زنزانة افريقيا قاده بوشامة بمعية مجموعة من الحراس . خلال هذا الهجوم تم اختطاف الرفيق جبيهة رحال من زنزانته وتم نقله في جوترهيبي إلى مكان يجلد فيه المعتقلون حيث تعرض ل"ا لفلقة"(إحدى الوسائل المستعملة في التعذيب داخل السجون المغربية) وظل الرفيق صامدا رغم أن تعذيبه كان يتم خطئا على اعتبارأنه فؤاد الهيلالي. ( لعل ذلك يعود إلى توجيه من جلادي الدرب الذين كانوا في تلك الأيام يزورون السجن باستمرار).
تحمل الرفيق حالة التعذيب التي تعرض لها في صمت وصمود لكن الرائع في الأمرهو أنه طيلة الفترة الممتدة إلى حدود استشهاده لم يسمع الكاتب منه أدنى عتب على اعتبار أنه عذب مكانه. و هنا تتبدى لنا في أجلى صورها شيمة الكبرياء وصفة الشموخ لدى صقر القلعة الأحمر الشهيد جبيهة رحال.
كان الشهيد جبيهة رحال من الرفاق الذين لعبوا دورا أساسيا في معركة الشهيد عبد اللطيف زروال التي انطلقت في 14 نونبر 1976 تحت شعار "المحاكمة أو إطلاق السراح"و التي دامت 17 يوما و شاركت فيها ثلاث مجموعات من المعتقلين الموزعين على سجن غبيلة و سجن عين برجة و هم مجموعة 26 و مجموعة 79 و مجموعة 66 .
رضخ النظام لمطلب المعتقلين بتحديد موعد للمحاكمة كما اضطر إلى إطلاق سراح 105 معتقل و ذلك يوم 7 - 12- 76.
بعد هاته المعركة فكت العزلة عن المعتقلين و أصبح بالإمكان التواصل فيما بينهم. و في أجواء نضالية حماسية انطلقت نقاشات سياسية و فكرية هامة بين رفاق منظمة " إلى الأمام" و رفاق منظمة 23 مارس.
وسيحتل الرفيق جبيهة رحال- وسط مجموعة 26- موقعا متميزا في ذلك النقاش, حيث وضع على المحك روحه الوحدوية البعيدة عن الحلقية. وكرس كل جهوده في خدمة بناء علاقة وحدوية مشتركة بين التنظيمين اللذان أصبحا يسيران نحو الوحدة بعدما تم الاتفاق على العديد من النقاط ذات الطابع الإديولوجي و السياسي.
و عندما استولى الاتجاه اليميني داخل منظمة 23 مارس على قيادة المنظمة بعد اعتقالات نونبر 1974( خلال سنة 75 قام الإتجاه اليميني داخل منظمة 23 مارس بالخارج بعقد ندوة وطنية استولى من خلالها على قيادة المنظمة وبدأ بإصدارجريدتي "23مارس" بالخارج و"أنوال" بالداخل".دشن هذا الإتجاه قطيعة مع خط الحركة الماركسية-اللينينية المغربية....) وبعد مراسلة بعثت بها القيادة الجديدة لأعضاء المنظمة بسجن غبيلة, أعلن الشهيد جبيهة رحال قطيعته مع ذلك الاتجاه فتبعته أغلبية معتقلي المنظمة بسجن غبيلة, ليتشكل بعد ذلك الاتجاه الثوري الذي انفصل عن القيادة بالخارج , و كان الشهيد أبرز قادته.
ساهم الرفيق جبيهة رحال في كل النقاشات المهيئة للمحاكمة بحماس كبير و كان وحدويا بامتياز, الشيئ الذي أظهره في المحاكمة ,حينما انبرى للدفاع عن الخط الثوري للحركة الماركسية – اللينينية المغربية , و ذاذ عن مبادئها بكل شراسة و انخرط في كل المعارك التي خيضت إبانها, مساهما في تهييئها و مشاركا في تنفيذها, محرضا عليها و داعيا لها و كان من الأوائل الذين ساهموا في تعبئة حركة العائلات المساندة للمعتقلين السياسيين , و لا ينسى المعتقلون الدور الذي قام به أخوه الدكتور عمر جبيهة.
عندما نقل المعتقلون إلى السجن المركزي بتاريخ 7 مارس 1977, وضع الرفيق في حي للعزلة المعروف بحي " د " إلى جانب مجموعة من الرفاق المنتمين إلى التنظيمين منهم : محمد حسان , عبد العزيز مريد , حسن السملالي , إدريس بن زكري , محمد السريفي , عبد الفتاح الفاكيهاني و فؤاد الهيلالي .... وبعد انقضاء فترة العزلة انتقل الرفيق إلى حي" أ" إلى جانب من التحقوا به من مجموعة العزلة, و سرعان ما أعيد الاتصال بين منظمة "إلى الأمام" في السجن و الجناح الثوري لمنظمة 23 مارس بقيادة جبيهة رحال, لينطلق نقاش من جديد من أجل تطوير العلاقة بين المجموعتين في أفق الوحدة بينهما الشيئ الذي استمر إلى حدود 15 أكتوبر 1979 تاريخ استشهاده.
ظل الرفيق على خطه النضالي الثوري حتى النهاية فساهم في تهيئ كل المعارك من موقع قيادي, كما حرص بكل تفان وإخلاص على تنفيذ كل القرارات و الخلاصات, التي كانت تنبثق عن الإطار المشترك بين منظمة "إلى الأمام" و التيار الذي كان يقوده الشهيد.
خلال هاته الحقبة ساهم في كل المعارك و لعب دورا قياديا فيها مثل معركة يونيو 1977 و معركة سعيدة لمنبهي التي دامت 45 يوما و معركة القانون الأساسي للمعتقل السياسي في فبراير1978.
وعلى امتداد هذه الفترة تحمل الشهيد أصعب المهمات و أخطرها و اندفع إليها بتلقائية العمال, كما خدم المجموعة في تواضع كبير ينم عن احترام راسخ للعمل اليدوي الذي غالبا ما يحتقره المثقفون.
ساهم جبيهة رحال بدور بارز في رفع طوق العزلة الإعلامية عن المعتقلين وقام بدوره الكبير في تنشيط وتنسيق وتعزيز دور حركة العائلات. لقد كان حقا مناضلا حقيقيا , مبدعا و خلاقا و متفانيا في كل عمل كان يشارك فيه.

استشهاد الرفيق جبيهة رحال
في يوم 15 أكتوبر من العام 1979 ستفقد الحركة الماركسية – اللينينية المغربية واحدا من خيرة أبناء الطبقة العاملة و الشعب المغربي. كما تكبد الإتجاه الثوري داخل نفس الحركة ضربة قوية كان لها الأثر الكبير.
و قد استشهد المناضل العمالي الماركسي- اللينيني البارز جبيهة رحال خلال محاولة للهروب من المستشفى( مستشفى ابن سينا بالرباط) بغية استئناف عمله الثوري خارج السجن.
لقد وهب رحال حياته لتستمر شعلة النضال و المقاومة للنظام الكمبرادوري متقدة ,تنير درب اليسار الثوري . هكذا سقط الصقر الأحمر في خندق النضال شامخا في صمود و عزة و كبرياء ليلتحق بقافلة شهداء الحرية بأبطالها و ملاحمها الخالدة . لقد أدى مهمته التاريخية مبدعا في العطاء ووهب روحه بكل سخاء , سخاء الثوريين العظام.

جبيهة رحال المناضل الوحدوي

يقول جبيهة رحال في أحد نصوصه:

"إني أستخلص من هذا أن على الحركة الماركسية-اللينينية من أجل تجاوز ضعفها و حتى تصبح مؤهلة للمهام الثورية العظيمة , و لو نسبيا, أن تعمل عاجلا على سد الثغرات السياسية التي علقت بتجربتها , و أن تقدم بشجاعة على إجراء عمليات وحدوية ضرورية للخروج عاجلا من وضع التشتت الذي تعيشه , و أن تضع خطة لوحدة الحركة الماركسية –اللينينية نحو طريق بناء الحزب البرولتاري ."

"إن العملية الوحدوية التي ننشدها حاليا و باستعجال, أرى الشروط متوفرة لها سياسيا و فكريا و تنظيميا , هي بين منظمة 23 مارس – أي مجموعات من 23 مارس تتفق على ذلك ) و بين منظمة "إلى الأمام" و هي عملية أولى ضرورية نحو الوحدة الشاملة لكل الماركسيين- اللينينيين المغاربة .
إن وحدة الماركسيين اللينينيين المغاربة ليست إرادية , إنها صراع سياسي و فكري و مسيرة نضالية . إن هذه الوحدة الشاملة لا يمكن تصورها إلا على أساس خط سديد جماهيري , و على أساس إدراك صحيح للمنهج الماركسي –اللينيني و المبادئ الماركسية – اللينينية و معرفتها , أي إدراك خصائص البلاد و المجتمع و تاريخه و واقعه الملموس و ذلك باستعمال المنهج الماركسي –اللينيني و القوانين الماركسية اللينينية لحل التناقضات في المجتمع . إن هذه الوحدة تتطلب إدراك خصائص المرحلة الثورية و تناقضاتها و خصائص كل فصيل من فصائل الحركة الماركسية- اللينينية ."


ملحق: وثيقة للشهيد جبيهة رحال
نقدم هنا إحدى آخرما كتبه الشهيد من نصوص داخل السجن. إنها وثيقة تاريخية تثبث الروح الوحدوية للشهيد الذي كان مدافعا شرسا عن ضرورة الوحدة بين منظمة " إلى الأمام" و التيار الثوري لمنظمة "23 مارس".


الوثيقة

العملية الوحدوية بين منظمة 23 مارس و"إلى الأمام" جزء من وحدة الحركة الماركسية -اللينينية الشاملة
تقديم:
الوثيقة التي بين أيدينا , لم تكن أصلا مهيأة للنشر. كتبها رفيقنا الشهيد جبيهة رحال في ظروف خاصة و ذات قيمة تاريخية , لأنها تحتوي على أفكار و مواقف تؤرخ لمستوى النقاش الرفاقي الوحدوي الذي وصلت إليه مجموعة من مناضلي "23 مارس" و منظمة "إلى الأمام".
لقد انطلق النقاش داخل مجموعة 26 بعد انتقالها من درب مولاي الشريف يوم 16 يناير 1976, و لم يتطور إلا بعدما فكت العزلة عن المناضلين إثر إضراب عن الطعام للمطالبة بالمحاكمة . و عند انطلاق النقاش كانت إشكالات كبيرة تهيمن على الجو العام السائد داخل المجموعة .فعلى المستوى العام كانت مهمة تهيئ المحاكمة في جدول الأعمال .كما خلقت ندوة باريس سنة 75 انقساما واضحا بين القيادة الجديدة لمنظمة 23 مارس و الأغلبية الساحقة من مناضليها. و أنتج هذا الوضع أزمة قيادة داخل منظمة 23 مارس, و كان لذلك اثر كبير على النقاشات الوحدوية بين منظمة "إلى الأمام"و مناضلي الاتجاه الرافض للقيادة الجديدة و أطروحاتها . و في جو رفاقي حار, انطلق النقاش من وثيقة " الخطة التكتيكية المشتركة"التي تم تبنيها كأرضية مشتركة" يمكن تطويرها. وبالفعل تطور النقاش وتمخضت عنه و ثائق جديدة نذكر منها وثيقة "لنستعد" و الأرضية المعروفة ب 13 نقطة ووثائق أخرى تعالج قضايا النضال الديموقراطي و التحالفات و الاستراتيجية الثورية و المسألة الأمازيغية ... و كانت النقاشات غنية طورت الأفكار و الرؤى, في جو كان فيه التهييئ للمحاكمة حاضرا بقوة.
لقد أثمر هذا العمل إطارا تنظيميا وحدويا ذا صلاحيات هامة ,انصهرت في بوتقته التطورات الفكرية و السياسية. و انعكس ذلك على باقي المجموعات التي كانت تتواجد داخل نفس السجن أو خارجه, و بعد محاكمة يناير فبراير 1977, و في ظروف قمعية قاسية تم نقل المجموعات إلى السجن المركزي بالقنيطرة حيث ستبدأ مرحلة جديدة من القمع و التعسفات و العزلة خبر جحيمها المعتقلون و عائلاتهم .
و في السجن المركزي تجمع المعتقلون المنتمون إلى المجموعات الثلاث (مجموعة 26 , مجموعة 79 , مجموعة عين برجة ). و لم يتوقف النقاش الوحدوي و العمل المشترك للرفاق رغم المستجدات ( انضمام مجموعات جديدة) بل عرف وتيرة جديدة ساهمت في الحفاظ على وحدة المجموعة و صمودها. و أثمر هذا المجهود معارك كبرى خاض غمارها مناضلو السجن المركزي ( إضراب 45 يوما , إضراب فبراير 78 المطالب بسن القانون الأساسي للمعتقل السياسي و غيرها من الإضرابات و الاعتصامات و مظاهرات عائلات المعتقلين) .
تلك هي الأجواء العامة التي أطرت هذه النقاشات الوحدوية بين مناضلي "إلى الأمام"و الجناح الثوري داخل منظمة 23 مارس و الذي كان الشهيد جبيهة رحال من أبرز قادته.

الوثيقة


الأسس التنظيمية ل " العملية الوحدوية"
ليس خاف على أحد التطورات السياسية في البلاد خصوصا بعد 74, و ما تشكله مسألة الصحراء من منعطف تاريخي لمنطقة الغرب العربي حيث أن الصراع الذي اندلع في المنطقة فتح آفاقا للقوى الثورية و التقدمية لأقطار المنطقة للالتفاف حول جبهة نضالية واسعة ضد لإمبريالية و الرجعية في الأقطار الثلاث , كما أن تورط النظام في حرب خاسرة زاد من حدة أزمته السياسية و الاقتصادية و العسكرية .هذا فتح إمكانية جدية لتحالف القوى التقدمية المحلية تحت برنامج نضالي ديموقراطي من أجل عزل النواة الفاشية و انتزاع مكتسبات ديموقراطية فعلية . إن الشروط متوفرة لتدقيق شعار عزل "النواة الفاشية"و لف جماهير العمال و الفلاحين و الشباب التقدمي حوله نظرا لاشتداد وطأة القهر و النهب و الاستغلال و القمع على الجماهير الواسعة من الطبقات الكادحة و الفقيرة و المتعلمة , و نظرا كذلك لتورط القيادات اليمينية للأحزاب الإصلاحية البرجوازية و البرجوازية الصغيرة و احتداد تناقضاتها مع قواعدها المناضلة الشريفة . قلت نظرا لتورط هذه القيادات اليمينية بجانب النظام حيث عبرت بذلك عن مزيد من إفلاسها و عدائها لمصالح الطبقات الكادحة .
إن هذا كله يطرح على الحركة الماركسية-اللينينية المغربية مهاما عظيمة و ملحة تتطلب خطا سياسيا سديدا و واضحا تكتيكيا و استراتيجيا , و توفير الأداة له أي تنظيما صلبا راسخا جماهيريا له أطر مخلصة صلبة و دينامية قادرة على القيادة و المبادرة .
هل الحركة الماركسية- اللينينية المغربية حاليا في مستوى هذه المهام العظيمة ؟ هل في الحركة الماركسية-اللينينية المغربية مثل هذا التنظيم المطلوب ؟
بالتأكيد إن الحركة الماركسية –اللينينية متخلفة عن هذه المهام .
إن الضربات التي تلقتها الحركة الماركسية-اللينينية أضعفت قواها و أنهكتها و جعلتها في وضع لا تحسد عليه . سياسيا بينت الضربات المتلاحقة كيف عجزت الحركة الماركسية-اللينينية على التصدي للقمع عبر الالتحام بالجماهير و التجدر في طبقتها الثورية حتى تجعل منها البحر الذي يحمي السمكة .
إني أستخلص من هذا أن على الحركة الماركسية-اللينينية من أجل تجاوز ضعفها و حتى تصبح مؤهلة للمهام الثورية العظيمة , و لو نسبيا أن تعمل عاجلا على سد الثغرات السياسية التي علقت بتجربتها , وأن تقدم بشجاعة على إجراء عمليات وحدوية ضرورية للخروج عاجلا من وضع التشتت الذي تعيشه , و أن تضع خطة لوحدة الحركة الماركسية –اللينينية نحو طريق بناء الحزب البرولتاري .
ماهي وحدة الماركسيين اللينينيين المغاربة نحو بناء الحزب الثوري ؟
إن وحدة الماركسيين اللينينيين المغاربة ليست إرادية , إنها صراع سياسي و فكري و مسيرة نضالية . إن هذه الوحدة الشاملة لا يمكن تصورها إلا على أساس خط سديد جماهيري , و على أساس إدراك صحيح للمنهج الماركسي –اللينيني و المبادئ الماركسية – اللينينية و معرفتها , أي إدراك خصائص البلاد و المجتمع و تاريخه و واقعه الملموس و ذلك باستعمال المنهج الماركسي –اللينيني و القوانين الماركسية اللينينية لحل التناقضات في المجتمع . إن هذه الوحدة تتطلب إدراك خصائص المرحلة الثورية و تناقضاتها و خصائص كل فصيل من فصائل الحركة الماركسية- اللينينية .
إن العملية الوحدوية التي ننشدها حاليا و باستعجال أرى الشروط متوفرة لها سياسيا و فكريا و تنظيميا , هي بين منظمة 23 مارس –( أي مجموعات من 23 مارس تتفق على ذلك ) و بين منظمة "إلى الأمام" و هي عملية أولى ضرورية نحو الوحدة الشاملة لكل الماركسيين- اللينينيين المغاربة .

الحقائق الموضوعية الموجودة
هنا أريد أن أسجل حقائق واقعية لا يمكن تجاهلها :
- إن "إلى الأمام"تتميز بواقعها كتنظيم مستقل له خطه السياسي التكتيكي و الإستراتيجي عبر في الملموس عن صحته في اتجاهه العام, رغم بعض النواقص في التجربة الماضية . هذا التنظيم له قواعده و قيادته رغم النقص و التشتت الذي لا زال يعاني منه في الداخل , له أطره التي عبرت الممارسة على أنهم نسبيا ثوريين قادرين .
- إن منظمة 23 مارس تفتقر إلى خط سياسي شامل أو على الأقل متطور و متماسك رغم بعض المواقف الإيجابية و قضايا عامة حول الاستراتيجية. فنتيجة عمق الضربة أصبحت 23 مارس عبارة عن مجموعات مشتتة تنظيميا و سياسيا , كما أنه من الصعب انتظار بروز نواة قيادية صلبة و ثورية كتنظيم "إلى الأمام" نظرا لغياب الأطر القيادية , حاليا على الأقل . إن الكلام عن عدم بناء التنظيمات بشكل مستقل باعتباره يؤجل العملية الوحدوية و يقفز على المهام العاجلة , كلام لا يجوز تطبيقه على تنظيم موجود كواقع و مهيكل ك "إلى الأمام" و هو كلام لا يجوز إلا في حق 23 مارس لان واقعها مختلف .
لهذا فالخلاصة التي أستخلصها هي أن "العملية الوحدوية"المطروحة هي بين "إلى الأمام"كتنظيم و 23 مارس كمجموعات أو تنظيم له خصوصياته .
بعد هذا أريد أن أطرح على المناضلين سؤالين مهمين في نظري و صريحين :
-الأول: هل في مقدور المجموعات الحالية أو تنظيم 23 مارس أن تتطور و تصبح تنظيما بروليتاريا على الأقل في السنوات القليلة القادمة ؟ أي هل مطروح علينا بناء 23 مارس من جديد بشكل مستقل ؟
- السؤال الثاني: نحن رفاق 23 مارس ما هي طريقنا إلى الثورة بشكل إيجابي و راهن ؟
إن الإجابة عن هذين السؤالين ستوضح لنا الأهداف العاجلة و الطريق الصائبة التي علينا سلوكها , إننا في علاقتنا مع إلى " الأمام" حققنا مكتسبات مهمة على الأقل على المستوى السياسي نظرا لتطابق أهدافنا و وجهات نظرنا في القضايا الأساسية و تقاربها في القضايا الأخرى .
و أجيب على السؤال الأول , إنه في نظري يكاد يكون من المستحيل التحول من مجموعات أو كتنظيم له خصوصياته إلى تنظيم صامد و راسخ جماهيريا في الأمد المتوسط , و من هنا الجواب على السؤال الأول ,هو أن طريقنا الصحيح لخدمة الثورة إيجابيا و راهنا هو تعزيز صفوف تنظيم الحركة الماركسية – اللينينية بكل إمكانياتنا و طاقاتنا حتى تتآلف الجهود لتجاوز الضعف الحاصل على مستوى الحركة الماركسية- اللينينية , و هذه العملية ليست عملية إدماج محض دون نقاش أو صراع خصوصا فيما يتعلق بالتجربة الماضية و أخطائها .
و إن هذه العملية الوحدوية ( أو سميها ما شئت) تتطلب أولا الدخول في إنجاز برنامج حد أدنى حول القضايا الأساسية, سنفتح حولها نقاشا و صراعا و إقناعا و اقتناعا كتمهيد لبرنامج عملي تنظيمي تدريجي مع استكمال الخط السياسي الشامل خلال المسيرة الوحدوية القصيرة إذا أمكن من خلال تقييم تجربتي 23 مارس و "إلى الأمام".
و لمزيد من التدقيق أقترح الخطوات التالية لهذه العملية الوحدوية :
1) تحديد و الدخول في إنجاز برنامج حد أدنى يتضمن القضايا الأساسية للثورة . سنناقش : الثورة الديموقراطية الشعبية , المسألة الوطنية , الحزب , النظرية الماركسية – اللينينية , التحالف العمالي –الفلاحي , العنف الثوري , طبيعة النظام , الصمود ( و من المطلوب تعميم هذا على جميع مجموعات 23 مارس).
2)على أساس ما سبق , تحديد و الدخول في إنجاز برنامج عملي تنظيمي يتضمن تعميم الإطارات المشتركة و العمل المشترك في قطاعات التواجد مع ضمان وحدة التوجيه و وحدة الدعاية و التحريض .
3)الدخول في تقييم شامل لتجربة 23 مارس و "إلى الأمام" لاستكمال قضايا الخط السياسي من دروس التجربة .
4)تعميم القانون الداخلي للتنظيم الواحد و الخضوع للقيادة الواحدة , و تحديد الإطارات التنظيمية على أساس المستويات انسجاما مع الخط السياسي الواحد .
5)تدعيم العمل الوحدوي مع باقي الفصائل الماركسية –اللينينية المغربية إذا كانت موجودة .

ملاحظة:
إن مفهوم جمع شتات "23 مارس" هو جمع سياسي بالأساس , أي أنه علينا قبل كل شيئ تعميم و توحيد أطروحاتنا السياسية و الفكرية , أما جمع المجموعات في مجموعة واحدة فهو رهين أولا باتفاقاتها السياسية و الفكرية على أطروحاتنا .
و ثانيا هل الشروط التنظيمية متوفرة لهذا الجمع ( مثلا نواة قيادية صلبة نسبيا قادرة على ضمان التوجيه في إطار البرنامج الوحدوي.)

بقلم جبيهة رحال