من جريمة القنبلة الذرية الى احتلال العراق


صادق البلادي
2013 / 8 / 9 - 19:17     

في السادس من آب عام 45 وقادة الحلفاء الثلاثة ستالين وترومان وشرشل-إتلي مجتمعون في بوتسدام بعد استسلام ألمانيا النازية غير المشروط ، دُسَّت ورقةٌ إلى شيخ الولايات الأمريكية ترومان أرقصت قلبه فرحا ، وتهللت أساريره ، فالكلمة التي فيها كانت تنبئه بإلقاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية. وحق له أن يطرب ويفرح ،ويبتهج ،ويسر، وينشرح ، فالنبأ الذي دُس إليه نبأ عظيم ، و فضيع.نبأ يضيف لأمريكا فوق تفوقها الاقتصادي بخروجها سالمة من الحرب لا تحتاج إلى إعادة اعمار ، بل ستستغل حاجة حلفائها للاعمار، نبأ يضيف إلى الترسانة العسكرية الأمريكية أداة جهنمية،تستطيع بها أمريكا-- كما ظن قادتها-- تحقيق الحلم الأمريكي بالسيطرة على العالم، ونشر ثقافة الكوكاكولا ، كما كانت يومها تسمى - مثلما هي اليوم ثقافة المكدونالد- في كل البقاع.
وما كان النبأ بالنسبة لشيخ الولايات ترومان سوى أن قنبلة ذرية ألقيت على هيروشيما. عفريت جبار لن يملكه غيره، وسيأتمر بأمره وحده، يكسر به شوكة ستالين ، الذي كبر يومها في عين الناس من كل الشعوب، فقد كان يومها--قبل أن تنكشف أخطاءه بل جرائمه أيا كانت المبررات-- هو الرمز الساطع للشعب السوفييتي الذي فدى العالم بعشرين مليون ضحية، وبخراب ودمار بلاد السوفييت، ليحرر أرضه من الدنس النازي، وليسهم في تحرير البشرية، ومنها الشعب الألماني نفسه من الفاشية، ويفتح السبيل إلى عالم جديد، عالم سلام وحرية، عالم لا حرب فيه ولا استعمار، عالم الديمقراطية وحقوق الإنسان ، كما ظن الناس وأملوا.
وما فكر قائد الولايات لحظة واحدة بالثمن المريع الذي سببه جحيم القنبلة الذرية لأهالي مدينة هيروشيما من موت 86000 نفس بشرية، وخراب أكثر من 60% من المدينة ، هذا غير الزرع والضرع ،في اللحظات الأولى بعد فتح باب الجحيم بإلقاء القنبلة الذرية. وما كان يهمه أن يتخيل عدد الضحايا والعذابات الناتجة من إشعاعات جحيم القنبلة الذرية، التي سيتجرعها الناجون في اللحظة الأولى ليموتوا، هم وما في أرحامهم من أجنة ، وبما سينقلونه لخلفهم عبر الإرثينات( الجينات)، التي لم تكن مكتشفة يومها بعد ولم يكن الأطلس الإرثيني ( جينوم) يخطر ببال عالم آنذاك، ليتجاوز عددهم الـ 217000 نفس بشرية. وتساقط ضحايا ذاك الجحيم في هيروشيما لما ينتهي بعد، ولن ينته. وما اكتفت الإمبريالية
الأمريكية بذاك الدمار بل ألقت القنبلة الثانية على مدينة ناغاساكي بعد أيام ثلاثة
في التاسع من آب.
وصارت حركة أنصار السلم العالمي ضمير العالم في النضال لتحريم القنبلة الذرية ، من أجل سلام العالم، ولدرء أن يتسبب امرؤ من البشر في قيام الساعة ، ساعة الجحيم الذري وإفناء العالم قبل أن يُنفخ في الصور. وما راقت تلك الحركة للجبار المتعنت الأمريكي، ولا لحلفائه في الحرب الباردة، من حلف الناتو وحلف بغداد ، ورجعيين في منطقتنا العربية، وفي كل بقعة من العالم. فأضاف حكام العهد الملكي في العراق، مادة إلى قانون عقوباتهم تحكم على أنصار السلام بالسجن والنفي. وكان هذا واحدا من الإجراءات التي سد بها العهد الملكي طريق النضال الديمقراطي الجماهيري ضده، فدفع المعارضة للقبول بتبني خيار الانقلاب العسكري، فكانت به نهاية النظام الملكي، وبداية القضاء على العمل الجماهيري الديمقراطي، والوصول إلى قاع جحيم البعث، بجوهره الذي جلاه صدام حسين.
ويشاء القدر أن يكون يوم الذكرى الخامسة والأربعين لإلقاء قنبلة هيروشيما، يوم 6 آب 1990 ، وربما في نفس الساعة(8.15) التي بدأت فيها النواقيس تقرع في هيروشيما مُذكرة الناس في كل مكان بالجحيم الذي يتهددهم بوجود القنبلة الذرية، سلاح الدمار الشامل ، أن يكون يوم الذكرى الخامسة والخمسين لجريمة هيروشيما هو يوم وساعة ارتفاع الأيدي في مجلس الأمن لتوافق على القرار 661 بفرض الحصار على العراق،وإدخال شعب العراق تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي استمر رغم تحرير الكويت ، و بقي حتى بعد إنقضاء عشرة سنوات على أحتلال العراق و انهيار نظام صدام البعث الفاشي، حتى رفع جزئيا هذا العام . قرار الحصار هذا صار يعني أن الأمم المتحدة قد أجازت استخدام سلاح إبادة شاملة، بطئ وصامت ، اسمه الحصار، لا يكلف الدول التي تستخدمه فلسا واحدا، بل انتفع منه أيضا موظفو الأمم المتحدة ولجانها، بقبض رواتبهم من أموال العراق، مثلما استفادت منه مافيات التهريب، العالمية منها، والمنطقية والعراقية- عربا وأكراد ومن كل فسيفساء المجتمع العراقي ، كما استفاد الذين قبلوا رشاوى كوبونات النفط.
أما بعض نتائج سلاح الدمار الشامل الجانبية_ الحصار_ هذا فكان موت أكثر من 5000 آلاف طفل عراقي دون الخامسة من العمر شهرا بعد شهر. موت أكثر من مليون عراقي نتيجة آثار سوء التغذية ونقص الأدوية.التسول والبغاء،الانتحار العائلي، انهيار التعليم، واضطرار العلماء والمثقفين لبيع أعز ما يملكون، مكتباتهم، انهيار النظام الصحي ، ونزوح الملايين من أرض العراق ، سعيا وراء البقاء وبعض ظل أمان ، وموت مئات منهم غرقا في البحار والمحيطات.
وعندما سأل طلبة جامعيون أمريكيون الشمطاء، وزيرة خارجيتهم يومذاك أولبرايت ، عما يسببه الحصار من موت أطفال العراق، زهور الحياة، تجيب بكل وقاحة وصفاقة وامتهان لقيمة الإنسان، خليفة الله على أرضه بتعبيرالقرآن، تجيب " نعم نحن مستعدون لدفع الثمن" ، وكان الثمن هو فقدان نساء العراق لفلذات أكبادهن.
ومن العار والمخجل أنه في الوقت الذي كان ينظم فيه أمريكان ديمقراطيون يوم السادس من آب عام 2000 تظاهرات واحتجاجات في الذكرى الخامسة والخمسين لجحيم هيروشيما، والذكرى العاشرة لفرض الحصار على العراق، كان بعض العراقيين من الوطني لايت، يدعون لمواصلة فرض الحصار على العراق " إجتهادا في النظر" ، بينما كان كثير من اخوتنا العرب والمسلمين أيضا يدعون لرفع الحصار، وكان البعض من هؤلاء فك العزلة عن صدام.
ورغم كل الدمار و الخراب اللاحق الذي حل و يحل بالعراق بعد الإحتلال ، و موقف امريكا من العربيليون ، الربيع العربي ، ما زال البعض يدافع عن جرائم
الحليف الستراتيجي، الإمبريالية الأمريكية.