|
غلق | | مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار | |
|
خيارات وادوات |
|
تكتيكات ذكورية : إليات التحرش الجنسي
ليس هناك شك أن التماثل بين الإنسان والحيوان في الغرائز كبير وواضح . ويمكن من ملاحظة متفحصة لسلوك الإنسان والحيوان فيما يتعلق بمسألة التحرش الجنسي اكتشاف أن الاثنين يعمدان لآليات واحدة غرضها الإيقاع بالأنثى في شراك الذكر سواء كان حيوانا أو إنسانا . لنرَ أولا الملاحظات الآتية : تتخذ الكثير من الكائنات ثنائية الجنس سلوكيات عديدة سعيا منها للحصول على شريك حياة أو تجربة جنسية لغرض التكاثر أو للوصول إلى علاقة قصيرة المدى ، وفي كوكبنا الأزرق أمثلة عديدة على هذا السلوك كسلوك الطاووس الذكر الذي يفتح ريش ذيله ويطلق صيحات عالية محاولا جذب الإناث أو يكون بشكل رقصات يؤديها الحيوان أمام الأنثى. وقد يصل في أنواع أخرى لحد التنافس الجسدي والقتل، ومن أطرف الأمثلة على ذلك السلوك هو العصفور الأفريقي النسّاج حيث تقترب أنثى العصفور من عش الذكر الذي يبدأ بالتعلق في اسفل العش رأسا على عقب ويصفق بجناحيه بقوة. فإذا أثر الذكر على الانثى فأنها تقترب من العش ، تدخل له، تتفحص مواده وعن طريق نقرها وشدّها لمدة قد تتجاوز عشر دقائق . وخلال تفحصها للعش يغني لها الذكر من مكان قريب، وقد تقرر في أي لحظة أن هذا العش لا يستوفي معاييرها، وبالتالي تغادر وتنطلق في الفضاء الى عش ذكر اخر. وغالبا ما يقوم الذكر بتدمير عشه اذا رفضته عدة إناث، ويبنى عشا أخر من بقاياه. أما البشر وباعتبارهم من بين الكائنات الاكثر ذكاءً على هذا الكوكب فهم ايضا يحملون لهذا السلوك ، وسيكون بالتأكيد أكثر تعقيدا لديهم. لكنه ليس مختلفا كثيرا عن سلوكيات الكائنات الأخرى، حيث يتدرج هذا السلوك من التحرش (وهو سلوك غير مرغوب في المجتمعات البشرية عامة) الى الغزل (الجانب الايجابي من هذا السلوك) وهذا يعتمد على مدى تقبل أو رفض الطرف الاخر لهذا الفعل. يعرف التحرش الجنسي على انه مضايقة جنسية أو فعل جنسي غير مرحب به. كما إنه يتضمن مجموعة من الأفعال والانتهاكات البسيطة قد تصل الى درجة المضايقات الجادة التي من الممكن أن تتضمن التلفظ بتلميحات جنسية أو إباحية، أما أقصى ما تتمثل فيه فهو النشاطات الجنسية الجسدية. التحرش الجنسي بعد إذن فعلا مشيناً بكل المقاييس الاخلاقية البشرية، وتعاني الأنثى في عالمنا العربي من مشكلة التحرش بشكل كبير، ولفترة طويلة ، تم اعتبار التحرش الجنسي من المحرمات التى لا يجب التحدث عنها بل ولا يحب الناس حتى ذكر كلمة "تحرش". لكن هذا ليس مبررا لأن نتجاهل التحرش أو نتظاهر بأنه غير موجود ، والأهم من هذا أن التحرش الجنسي ليس من الأمور غير المألوفة أو البعيدة عنا ، فنحن نراه يحدث يوميا في شوارعنا ومؤسساتنا وقد نادت الكثير من منظمات حقوق المرأة بسن قوانين رادعة لكل من يجرؤ على التحرش جنسيا، للتقليل من هذه الظاهرة التي باتت في ازدياد دائم. شخصيا ، صادفتني الكثير من المقالات من هذا النوع وهي تتخذ البلدان الغربية كمثال لانخفاض هذه الحالة وتحاول مقارنة البلدان العربية بها. والحقّ أن هذه الظاهرة ليست جديدة لا في الغرب ولا في الشرق، وهي بكل تأكيد لم تظهر فجأة في شورعنا وتختفي من شوارعهم ! لقد قلنا سابقا أن هذا السلوك هو سلوك لثنائيات الجنس بصورة عامة، ويتدرج سلوك الرجل بين الغزل والثناء (برضى المقابل) وقد يصل الى حد المضايقة والتحرش وهو كثيرا ما يعتمد على ثقافة ووعي وامكانيات الرجل أو الأنثى في التعبير عن انجذابه للطرف الاخر. التحرش الجنسي بصورة عامة ليس سوى شكل سلبي لتكتيكات الجذب الجنسي لدى الذكور، لكن هذا لا يعني انه منعدم في الإناث. ولعل السبب في قلة التحرش الجنسي الذي تقوم به الاناث يرجع الى تعلق التنافس الجنسي عند البشر بالذكور دون الإناث، حيث يكون على الذكور عند محاولته الحصول على الاناث أن يقوم باستخدام احدى التكتيكات التي تتضمن استثمار الثروة والأملاك والشكل والامكانيات، مثل كتابة الشعر او العزف او الغناء او غيرها. وقد يشكل التحرش الشكل المتطرف للغزل بالمفهوم اللغوي للغزل.
|
|