مصر الثورة - 2 - فى المسألة الوطنية


محمود حافظ
2013 / 8 / 3 - 15:58     

إن الإيحاء يأتى من العنوان وعنوان مصر الثورة يعنى فى الأساس أن مصر مازالت فى الحالة الثورية التى لم تقطع بعد هذه الحالة التى بدأت فى الخامس والعشرين من يناير 2011 م وعبر مقولة الثورة مستمرة وموجاتها الثورية التى إنتهت بالحسم فى الثلاثين من يونيو 2013 م هذا الحسم الذى خرج فيه الشعب المصرى ثائراً سلمياً وتكون ثورته هذه هى إحدى إبداعات الحضارة المصرية حيث أعادت إنتاج الديمقراطية السياسية وأرجعتها إلى الديمقراطية المباشرة هذا الإرتقاء بالفكر الديمقراطى السياسى قد دشن الطريق القويم والأمثل للإرادة الشعبية بعيداً عن فكر الديمقراطية التمثيلية وهذه القاعدة الحديثة التى أرساها الشعب المصرى هى قاعدة أن الإرادة الشعبية هى الشرعية الوحيدة فى الأمور الفاصلة فى حياة الأمم .
لقد ثارت الجماهير المصرية على من إغتصبوا السلطة المصرية , هؤلاء المغتصبون قد رهنوا الوطن لمصالحهم دون أدنى إعتبار للمصالح الوطنية والتى هى فى الأساس لابد لها وبالضرورة ان تنعكس على مصالح الجماهير الشعبية فالمصالح الوطنية هى فى الأساس تعنى الإستخدام الأمثل لموارد وطاقات الوطن وإستثمارها لخدمة مواطنى هذا الوطن فإن إكتشاف الموارد والطاقات هو تعبير عن صراع الإنسان مع الطبيعة فى منطقته الجغرافية التى نبت وعاش فيها وأن بذل الجهد والعرق فى إكتشاف هذه الموارد يعنى قوة عمل للإنسان وأن إضافة أى قيمة تحسن من هذه الموارد هو جهد آخر يبذل لصالح إنسان هذا الوطن وأن المحافظة على هذه الموارد والطاقات لابد أن يكون ضرورة وطنية وأن التفريط فى هذه الموارد وهذه الطاقات يعتبر خيانة وطنية لذا كانت هناك ثورة للشعب المصرى هذه الثورة التى قامت لكى تحافظ على مقدرات هذا الوطن والتى إكتفت السلطة المغتصبة بإعتبار هذه المقدرات ريعاً تخرجه أرض الوطن لتستلبه أوطان أخرى تضيف عليه قيمة لتجعل من هذا الريع سلعة بإضافة قوة عمل إليها ثم تعود إلى الوطن لتستهلك فيه .
إن الحفاظ على الموارد الوطنية وتنميتها واجب وطنى خالص وأن التخلص من السلطة الوسيطة التى تسمح بسلب الموارد هو أيضاً واجب وطنى فهذا الوطن لن يرقى إلا بخلق فرص عمل تستوعب هذا الشعب وتستفيد من قوة عمله وقدرته على الإبداع فى إضافة القيمة المضافة على موارده الطبيعية حتى ينتج سلعته القابلة للإستهلاك فالشعوب الحرة لابد لها أن تأكل مما تنتجه وتلبس مما تصنعه أما أن يكون المأكل والملبس من صنع الآخرين خارج حدود الوطن تسيره فئة بعينها تتحكم فى السلطة مع شريكها المنتج هذا ما يعنى أن يقع الوطن فى أسر الآخر أو يكون تابعاً للآخر لهذا قامت الثورة لتحسم المسألة الوطنية .
إن مصر الثورة هى فى الأساس ثورة على إعادة المقدرات المصرية إلى شعبها ليكون هو الزارع والصانع ثورة لقطع علاقة التبعية والعمالة للآخر الذى يستلب موارد البلاد وخيراتها ويهمش شعبها فالعيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية جميعها أهداف سعت الجماهير الشعبية لتحقيقها وتوالت الموجات الثورية السلمية لنيل الغرض السامى وهو إعلان الإستقلال الوطنى بقطع روابط التبعية مع الآخر الذى هيمن على الوطن بواسطة وسطاء مكنهم هذا المهيمن من الإستيلاء على سلطة الوطن فالسلطة التابعة والعميلة هى السلطة القادرة على بيع ورهن مقدرات الوطن للآخر وتحت حماية هذا الآخر وأن السلطة الوطنية هى السلطة التى تعنى فى الأساس حماية مواردها وتنيتها لصالح شعبها حتى توجد لهذا الشعب مجالات للعمل والخلق والإبتكار ليلحق بركب الحضارة والتقدم .
لقد قامت ثورة مصر لقطع علاقة التبعية مع الإمبريالية العالمية والقضاء على الوسطاء ووكلاء الإمبريالية هذا مافرضته الجماهير الشعبية وأرادته لوطنها وهذا أيضاً ما يهدد المصالح الإمبريالية العالمية والتى إرتهنت مصر لمدة ما يقرب من أربعين عاماُ وهذا ما يعنى أن الإنجاز الثورى فى تحقيق الإستقلال الوطنى من التبعية خلق مرحلة من الصراع مع الهيمنة العالمية هذا الصراع الذى يتمحور بين الإرادة الشعبية للوطن والإرادة الإمبريالية ووكلائها المحليين هذا أيضاًُ ما يفسر الموقف العالمى أو الإمبريالى من الثورة المصرية فهى فى الأساس ثورة وطنية أقامتها الديمقراطية السياسية فى تنحية السلطة العميلة وتستكمل بالديمقراطية الإجتماعية بالعمل نحو الإنماء أو إضافة قيمة على الموارد المصرية لخلق فرص عمل وسلعة تنتج بيد العامل المصرى .
إن الصراع بين الإرادة الشعبية والإرادة العالمية المهيمنة هو صراع يحتاج إلى حشد كافة القوى الوطنية القادرة على إنجاز المرحلة الوطنية فى مواجهة القوى العميلة والتى فرضت سيطرتها على مقدرات الوطن لمدة أربعين عاماً والتى تستمد العون من سيدها الإمبريالى وأن حسم هذا الصراع لصالح القوى الثورية والتى لم ولن تقبل بأى حال من الأحوال التخلى عن ثورتها والتخلى عن مكتسباتها هذا الحسم يحتاج إلى سلطة ثورية تكون تعبيراً عن طموحات القوى الثورية وإرادتها الشعبية فإنجاز المسألة الوطنية يعنى موجة جديدة مكن موجات التحرر الوطنى وأن هذه الموجة تحتاج إلى إتباع بوصلة حركة التحرر الوطنى العربية والتى يتمحور فيها الصراع حول القضية الفلسطينية والتى بوصلتها القدس والتى أحيت القوى الثورية العربية المقاومة ذكرى اليوم العالمى للقدس فى الثانى من أغسطس ( آب ) من كل عام فالمسألة الوطنية لاعنى فقط الحفاظ على الموارد والطاقات الوطنية ولكنها تعنى فى الأساس وبالضرورة الحفاظ على التراب الوطنى والذى هو المصدر الأساسى لكل الموارد والطاقات وأن الحرب الإرهابية التى صنعتها القوى الإمبريالية مع حليفها فى السلطة المعزولة فى تراب سيناء الوطنى هى حرب فى النهاية تفرض طرح كافة المواثيق والإتفاقيات المبرمة فى ظل التبعية على الإرادة الشعبية لتقرر مصيرها فالمسألة الوطنية حتى يتم إنجازها لابد من وجود بعد قومى لها وتبقى فى النهاية عملية الحسم فى صراع الإرادات وما يخص الإرادة الشعبية حتى تحسم كافة المواقف هو وجود سلطة ثورية تمثل خيارات الإرادة الشعبية .