-الوعي الكُردي في سوريا بواقعهم الاجتماعي والسياسي وطموحهم-


عاصم محمود أمين
2013 / 8 / 1 - 13:34     

أن الوجود الكردي كشعب وقومية في سورية ليست ظاهرة سياسية أو تاريخية طارئة، أو فصيل هجين ديمغرافي بفعل سايكس بيكوي وليس مهاجرا دخيلا أو خنجراً في خاصرة سوريا كما روج لها الثقافة البعثية العنصرية.وإنما الكرد مكون تاريخي وأساسي من المجتمع السوري ككل وهم ضحية لاتفاقيات دولية التي قسمت مناطقهم ووطنهم الجغرافي كحال الشعوب العربية والإسلامية وانقساماتهم
ولا يختلف الكرد عن بقية الشعوب الشرقية المغلوبة و المهمشة والمتأخرة تاريخيا وعصريا ، من حيث الوعي السياسي و الفكري والعلمي وحتى التنظيمي والقانوني - قد يعود السبب إلى الاختلاف الجيني الموروث او إلى لعنة إلهية لارتكابهم معصية ما - وتعتبر البيئة والتاريخ والموروث الديني وعادات القبيلة وتقاليد العائلة في أولويات الفكر والتأمل في رؤيتها الى العالم والكون ،والدافع وراء كل سلوك فردي، ويبقى الإرث ألشفاهي والخرافة والتبصير والأقوال والأمثال، التأويل لمجمل الظواهر الطبيعية والبشرية في الوعي الكردي.

الواقع الاجتماعي الكردي:
المجتمع الكردي يتوجه بذاكرة جماعية مكونة من خليط إرث ديني و تاريخي من العلاقات الاجتماعية والأسرية والعشائرية،هو اقرب إلى المجتمع الريفي الزراعي منه إلى المدني،أينما حل يكون حضوره الريفي البسيط في كل خطواته،لديه نظرة شمولية حول مشروعه القومي الوطني (كردستان) اذا يجد فيه الخلاص من كل شر وظلم واضطهاد،ويكتسب مشروعه صفة القدسية التي لا يتنصل منها أي تشوه أو تدنيس ،حيث تغدو كردستان في الوعي الكردي تلك المنطقة الجغرافية والمكتظة ديمغرافياً والمحكمة أخلاقيا،حيث لامكان للفساد والموت والدعارة والمخدرات او الإلحاد أو الظلم والجريمة، أو القانون والعقاب أو ....فيها،هو وطن ناجز تاريخيا وأخلاقيا وسياسيا واجتماعيا في اعتقاده.

الواقع السياسي الكردي:
غالبية المجتمع الكردي القومي في سوريا مفكك وهش سياسيا وتنظيميا حيث تعددية المواهب السياسية الحزبية المبالغة ،والتي تندرج تبعا لانتماء القبيلة أو العائلة،مجتمع سياسي بقضيته،وريفي برؤيته وتصوره وسلوكه وعلاقاته الاجتماعية والسياسية،غير ناضج مدنياً،يعتمد في حل قضاياه ومشكلاته المجتمعية بما فيها السياسية وفق منطق القربى والعشيرة والعرف السائد والموضوعة مسبقاً،بعيد عن أي وعي تنظيمي أو إداري مؤسسي،كما أن سلطة العادات والعرف القبلي الممزوج بالموروث أقوى من كل المفاهيم السياسية والنظريات العلمية والمعرفية،إذ لا يغيب المحسوبية وصلة القربى،وغلبة الطابع التحليلي الأخلاقي ،والتبصير الوجداني، في العمل الحزبي و السياسي، على حساب المنهج العلمي والعقلي في حل القضايا والمشكلات السياسية والقومية،لذا يتراءى للباحث انحصار مفهوم القومية الكردية وتضييق افقها القيمي والفلسفي في العائلة والقبيلة والحزب .

الصراع السياسي الكردي:
ما أشبه الكرد بنظرائهم الفلسطينيين سياسيا ، فكلما دنا حلولاً لقضيتهم القومية ، انكمش السياسي منهم حزبياً، وانطوى بعقله ووعيه على ذاتيته الحزبية ومرجعيته التي تبرر له كل رفض أو قبول تنسج بها قضيته ومشروعه القومي،حيث يعيش عقله السياسي أزمة قيادة،تسيطر الأنا الحزبية والقيادية عل كل مفاصل الحياة السياسية والانتماء الوطني،ويعاني الوضع السياسي صراعاً مفتعلاً لبقاء الوضع على ماهو عليه،غالبية الأحزاب الكردية ضعيفة التنظيم والقانونية واتخاذ القرار، لا تمتلك أية سلطة على الواقع الاجتماعي الكردي ،تبني علاقاتها على أسس وصلات عشائرية ،تحارب وتنخر جسد بعضها البعض حين تجد نفسها أمام استحقاقات قومية او اجتماعية،تعتمد على التفكير النظري والتفلسف الكلامي أكثر من التفكير العملي القائم على بناء المؤسسات و المراكز التنظيمية والعلمية داخل مجتمعها، بالإضافة إلى ضعف قدرتها القانونية على كوادرها ومحاسبتهم ، والتصرف مع واقعها المتشرذم بالنيات والأمنيات والخطب و العبارات الجميلة التي نسج بها خيال الشعب الكردي في سوريا ،باستثناء البعض منها،وتغدو السياسة ميدانا للموائد والتعارف والتجاذبات الحزبية

صعوبات الكرد في تحقيق مشروعهم لاعتبارات:
خارجيا: هو مجتمع مفتوح على مصارعيه أمام أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية حيث يمر عبره الكثير من المشاريع والصفقات والفيروسات الفكرية التي تناهض مشروعه القومي،ناهيك عن حصاره الجغرافي إقليميا و معاقبته غربيا لسلوكه التاريخي الديني السلبي من وجهة نظر الغرب ،ولان الدور الكردي في الشرق العربي والتركي لم يحرك بعد بشكل جدي و إنساني عالمياً لنيل حقوقه.
أما داخليا: هو مجتمع متأزم اقتصاديا وسياسيا وعلميا وبيئيا ، ومقصي تاريخيا من قبل حكومات حزب البعث، ومغرق في همومه المعيشية و القومية ومعاناته وصراعه مع الحياة والنظام الحاكم ، وفقدانه الثقة بالمستقبل والعالم الذي رماه خارج الإنسانية والحياة،وصراعاته السياسية وخلافاته الاجتماعية،وسيطرة الأجهزة الأمنية بكل مقدراته وتحركاته .

نحو إدارة ذاتية :
أن الأكراد في سوريا يتجهون بمطلبهم طوال هذه السنوات نحو الإدارة الذاتية مع شركائهم في المنطقة الكردية للخلاص من واقعهم المتشرذم وفق دستور تحميهم ضمن وطنهم الأم سوريا ،كون الشكل الذي رسمه البعث طوال العقود الماضية لم يخلف سوى تشويه للنظام الأخلاقي والديني والاجتماعي والإنساني للمواطن السوري ،كما أن الشكل الإداري الذاتي للمناطق الغير عربية هي ضمان لبقية المكونات والأقليات أمام سطوة الأكثرية ومنعها من الاستبدادية الشمولية ،ويخشى الكرد من عودة تلك العقلية القومية الاقصائية التي لم تغب يوما عن المشهد السياسي السوري والمعارضة السورية السياسية خير مثال على ذلك،مازال تلك العقلية الاقصائية موجود في الوعي السياسي العربي السوري تجاه بقية المكونات الأخرى، كونه جزء من إرث النظام البعثي الذي زرعه طوال عقود من خلال إيديولوجيا أصبحت بمثابة عقيدة داخل المجتمع السوري ....