المسلمون يشوهون الإسلام ويتهمون الغرب!!


أحمد سعيد قاضي
2013 / 8 / 1 - 06:16     

في كل نقاشٍ وحديث حول أوضاع العرب والمسلمين يقفز احدهم بالقول "إن كل ما يحدث في بلاد العرب والمسلمين هو مؤامرة أمريكية وغربية على الإسلام". هذه الجملة لا تحتاج لتحليل مورفولوجي ولا دلالي لنستطيع فهم القصد من ورائها، فالقصد منها هو إلقاء وقذف التهم على الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، بأنهم سبب كل ما يحدث في العالم العربي الإسلامي. بدايةً، أنا لا أدفع التهم عن الولايات المتحدة والغرب فيما إذا كان هنالك دور لهم فيما يحدث في بلاد العرب المسلمين، بل أؤمن بأن الغرب أكثر المستفيدين من الدمار و"التحطيم" المادي والثقافي للعرب والمسلمين. لكن ما أود توضيحه هو أن الغرب أو الولايات المتحدة ليسا بحاجة للتدخل أو التآمر على العرب وعلى الإسلام خاصة في الظروف الحالية، لأن المسلمين حطموا ويحطمون أنفسهم كل يومٍ بأنفسهم. وثانياً، إلقاء التهم من أسهل ما يكون عندما لا يكون أمام قاضٍ أو تحت المقصلة، لذلك يجب علينا أن نفكر بعقولنا لا بقلوبنا، ونوصف الواقع كما هو بدون تجاذبات عاطفية، فهذه هي البداية لحل المشكل.
يتهم المسلمون الغرب بتصوير الإسلام على أنه دين الإرهاب والدماء والقتل، لكن ألم يسأل أحد هؤلاء المسلمين نفسه عن من هو المسئول الحقيقي عن هذه الصورة النمطية السلبية للإسلام؟! فلنأخذ هذا المثال الذي يثبت أن الغرب، في أقصى الحدود، استغل ما يفعله المسلمون، ولم يتآمر ليشوه صورة المسلمين كما يدعي البعض.
إذا نظرنا حولنا سوف نمسك بسهولة بأول الخيط المشوه لصورة الإسلام وهو تنظيم القاعدة "المسلم"، فها هو التنظيم "المسلم" قتل الآلاف في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن الخ، وما زال يقتل بالأبرياء والذين في معظمهم ينتمون إلى الدين الإسلامي! أليس هذا أكبر مشوه للإسلام؟؟ وهنا يدعي البعض أن هؤلاء الإرهابيين لا يمثلون الإسلام، ولهم الحق في قول ذلك، لكن ما يجب أن نأخذه بعين الاعتبار هو أن الإنسان بطبيعته يميل إلى "التنميط والاختزال"، وكنتيجة لذلك، من الطبيعي أن تنمط أو تختزل، الشعوب الغربية البعيدة عن التماس المباشر مع الشعوب المسلمة، الإسلام في كلمة أو كلمتين، أي كما يختزل الشرقيون الثقافة الغربية بأنها ثقافة منحلة، على سبيل المثال. ومن هنا فإن لكل قوم أو ثقافة أو ديانة الخ، صرختان سلبية أو ايجابية في نظر الأقوام البعيدة عنها، أو على الأقل يجب أن تصلها إحدى هذان القطبان، والصرخة الأعلى هي التي تلتقطها شعوب ما وراء البحار وتوّصف الشعب أو القوم الآخر بها. وإذا ما ركبنا البعدين مع بعضهما-التنميط والاختزال، والصرخة الأقوى- سنجد أن صدى الضربات الإرهابية-في ظل غياب إعلام عربي قوي وموجه وواعي، وفي ظل غرق العرب والمسلمين في السلبيات- مدوٍ وأقوى بكثير من الايجابيات التي تخرج عن العرب والمسلمين.
ونتيجةً لذلك من الطبيعي أن يربط الغربي الإسلام والإرهاب، والمسلم والإرهابي، وخاصة أن هنالك من يستغل هذه الأعمال الإرهابية-الموجهة بالأساس ضد مسلمين-، والجهل والضعف العربي المسلم لإبراز صورة سلبية عن الإسلام.
بناءً عليه، فإن صورة المسلم الإرهابي صنعها المسلم وليس الغربي أو الأمريكي. والحجة الثانية على من يدعي أن هذه المجموعات المتطرفة لا تمثل الإسلام، أريد أن أقول ألم تنعى الجماعة الإسلامية "المعتدلة"-على الأقل بعد "الربيع العربي"- والتي تمثل شريحة واسعة من المسلمين-أقصد جماعة الإخوان المسلمين- أسامة بن لادن؟؟ وهو الذي قتل، هو وجماعته، الآلاف من المسلمين وغير المسلمين الأبرياء؟
عندما تنعى أكثر الجماعات الإسلامية اعتدالاً، والتي تشكل جزءاً رئيسياً من المجتمع العربي المسلم، وتمثل الملايين، أسامة بن لادن، فماذا يبقى لباقي الفرق الإسلامية؟ هذا يوضح أن المشكلة في كل ومختلف الأحزاب الإسلامية تقريباً، والأحزاب هي التي تمثل وتعبر عن تطلعات أفرادها ومناصريها.
هنا لا يمكن طرح إشكالية إذا ما كان الإسلام هو المشكلة أم الأحزاب والجماعات التي تدعي الإسلام، مع أنني على ثقة بأن المشكلة بمن يطبق الإسلام وليس الإسلام في حد ذاته.
يبدو أن تفكيك هذه المعضلة معقد جداً ويحتاج لتحليل وإنشاءٍ كثير، لكنني طرحت مثالاً واحداً بقليل من الشرح والتفصيل فقط لإثارة شعلة التفكير عند القارئ ولكي ألفته إلى الواقع الذي نعيشه بعيداً عن أحلام الاتهامات الشاعرية التي إذا استمرينا بإلقائها بدون بحث عن جذور المشكل الرئيسي وحلوله لن تحل المشكلة. وسوف أذكر بعض الخطوط العريضة السلبية في إكمال ما بدأت به من إثبات جرم المطبقين للإسلام أنفسهم، قبل الختام.
عندما يدعي البعض (من أحد الجماعات الإسلامية) أن الملك جبريل نزل عندهم، أليس هذا تشويه لصورة الإسلام وتكذيب الآيات القرآنية التي تقول بأن الرسول (ص) هو آخر الأنبياء والمرسلين؟؟ أليس الخطاب التكفيري الذي نسمعه ونشاهده كل يوم، بحيث تكفّر كل جماعة إسلامية باقي البشر ليس فقط غير المسلمين بل المسلمين غير المنتمين لهذه الجماعة أو تلك أيضاً، هو تشويه لصورة الإسلام السمح؟ أليس ضرب المسلمين ذو المذهب-أقصد ما حدث لبعض الشيعة- المختلف داخل مسجد النبي الكريم هو تشويه لصورة الإسلام؟ أليس استغلال الدين لتحقيق مآرب سياسية، في ظل الجهل العربي وسذاجة عقليته، هو تشويه لصورة الإسلام؟ أليست الطائفية بحد ذاتها وبجوهرها الرجعي والتخلفي تشوه صورة الإسلام؟
هذا غيض من فيض، ونقطة من بحر، ومن ينظر للواقع بحيادية يرى بأم عينيه ما يقوم به "المتأسلمون"، والجهد الذي لا ينضب في تشويه صورة الإسلام.
لذلك وختاماً، أدعوا للتحليل العقلاني للواقع والدراسة الموضوعية للأزمة الإسلامية، التي هي الخطوة الأولى على الطريق الصحيح لاسترجاع الشكل الصحيح للإسلام أولاً، قبل تعمق الأزمة، ونشر الصورة الحقيقية له ثانياً، والتي هي النتيجة الطبيعية والانعكاس الحقيقي للإسلام الحقيقي السمح الذي يقول الله في كتابه الكريم "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم"
فالمشكلة هي من الداخل، أي من المسلمين أنفسهم، فإذا حلّ المسلمون مشكلاتهم الداخلية، وأقصوا الأطراف المستغلة للدين، والمستغلة لسذاجة وسخف بعض العقول البسيطة، عندها سوف يطفو الإسلام في صورته الحقيقية المثالية على السطح بدون أي جهد. ولا أقصد إقصاء المشوهين للإسلام والأفكار المشوهة للإسلام بالقوة، بل بالحجة والبرهان، والتعليم، والإعلام الواعي الموجه لخدمة العرب والمسلمين، وبشكل أوسع الإنسانية.